الاستصحاب التعليقي

ثم أنه بناءً على أن مركز الاشتراط هو الصلاة، فقد يقال: بأنه مع ذلك يصح جريان الاستصحاب حتى لو كان لابساً للمشكوك من أولها، بدعوى الاستصحاب التعليقي بأن يقال: بأن الصلاة كانت لو وقعت قبل لبس هذا المشكوك لم تقع فيما لا يؤكل، فالان كما كانت، فيستصحب منشأ الصحة، أو يقال كانت لو وقعت قبل لبسه صحيحة والآن كما كانت، فنستصحب الصحة التقديرية.

وقد أشكل المحقق النائيني على هذا بإشكالين:

أحدهما: أن الاستصحاب التعليقي من أصله لا نقول به في الأحكام فضلاً عن الموضوعات.

وهذا الاعتراض في محله، لأنا لا نقول بالاستصحاب التعليقي، والوجه في ذلك على نحو الإجمال أن الحكم له مرتبتان: إحداهما: مرتبة الجعل على نحو القضية الحقيقية التي لا يتوقف صدقها على وجود الموضوع وشرائطه، وفي هذه المرحلة لا يرتفع الحكم إلا بالنسخ، فإذا شككنا فيه يجري استصحابه، ومرحلة الفعلية والتطبيق على الموضوع الخارجي عند وجود شرائطه وقيوده، ورفع الحكم في هذه المرحلة بارتفاع الموضوع أو أحد قيوده.

فلو شككنا في ارتفاع الحكم لتبدل حالة من الحالات يجري الاستصحاب، وحينئذٍ نقول إن الاستصحاب التعليقي لا يجري لأن الحكم جعل مثلاً على العنب بوصف الغليان وهذا لم نحتمل ارتفاعه ونسخه.

أما في مرحلة التطبيق فالعنب أي ماء العنب إذالم يغلِ لا يعد حكمه فعلياً، فالحكم الإنشائي لم نشك فيه والحكم الفعلي لم يتحقق، فماذا نستصحب ؟ فلم يبق إلا الملازمة العقلية وأن موضوع الحرمة هو العنب والغليان، وأنه إذا كان أحد الجزءين موجوداً فإذا وجد الجزء الآخر تحقق الحكم لتحقق موضوعه المركب.

فلو صح هذا المثال فهذا حكم وإدراك عقلي بتحقق الحكم لتحقق موضوعه، أي حكمه بثبوت حكم الشارع على تقدير تحقق الجزء الآخر، وهذا غير مشكوك ولا إشكال فيه فما معنى استصحابه.

ثم لو قلنا بصحة الاستصحاب التعليقي فلا نقول بالاستصحاب في خصوص مثال العنب كما ذكره الميرزا وهو متين جداً، وقد ذكرنا ذلك في محله من مبحث الاستصحاب، وحاصله المغايرة بين الموضوعين، لأن الذي كان يحرم إذا غلا هو ماء العنب، فإثباته لماء الزبيب إثبات له لموضوع آخر، وإن كان نفس العنب هو الباقي مجففاً وتترتب عليه سائر الآثار، ولكن الحكم في الفرض مرتب على الماء وهو غير ماء العنب.

ثم انه (قده) أشكل ثانياً: بأنه حتى لو قلنا بجريان الاستصحاب
التعليقي فلا نقول به في خصوص المقام وهو الصلاة، لأن الاستصحاب إنما يكون مع وحدة الموضوع وتبدل الحالات، مع أن المقام ليس كذلك، بل هو من قبيل مثال العنب، والقضية المتيقنة فيه غير المشكوكة، وذلك لأن موضوع الصحة والفساد هو الصلاة، والمفروض أنها قبل لبس هذا المشكوك لم تكن موجودة، والآن وجدت ونشك في اقترانها بما لا يؤكل، فلم تتحد القضيتان.

وما ذكره من عدم جريانه في العنب حتى على القول بالاستصحاب التعليقي في محله، ولكن قياس المقام عليه والمنع من جريان الاستصحاب فيه حتى لو منعنا من الاستصحاب التعليقي في غير محله.

وذلك لأن موضوع الصحة والفساد هو طبيعي الصلاة، فيصح أن يقال: إن هذا الطبيعي لو وقع قبل اللبس كان صحيحاً أو لم يكن مقترناً بما لا يؤكل والآن كما كانت، ليس المراد ببقاء الموضوع بقاءه خارجاً، لأن الاستصحاب يجري في العدميات بل المراد اتحاد متعلق اليقين والشك، وهذا متحقق في مثل الصلاة، فلو بنينا على جريان الاستصحاب التعليقي في نفسه فإشكال الميرزا لا يتم.

وحينئذٍ فعلى هذا التقدير:

فالصحيح أن يقال: إن الاستصحاب التعليقي لا نقول به، ولو قلنا به في الأحكام، ففي الموضوعات الخارجية لا يجري، فلا يتم جريانه في المقام الذي هو من قبيل الموضوع الخارجي.

والوجه في عدم جريانه في الموضوعات: أنّ موضوعات الأحكام هو الوجود الحقيقي لا التقديري فإنه لا أثر له شرعاً، فلو كان ماء كر في مكان، وشككنا بعد مدة في بقائه، ووقع فيه ثوب متنجس، فلا معنى لأن يقال بأن هذا الثوب لو وقع قبل ساعة في هذا الماء عندما كان موجوداً يقيناً لطهر، والآن كما كان فيحكم بطهارته.

هذا لا يمكن: وذلك لأن الطهارة حكم للغسل، لا للغسل على تقدير، فلا معنى لهذا الاستصحاب بل ليس هناك إلا الملازمة بين وقوعه قبل ساعة وتحقق الغسل، وهذه الملازمة باقية ولكن لا أثر لها.

ومقامنا من هذا القبيل، فإنه لا بد من إحراز أنّ الصلاة لم تقع فيما لا يؤكل خارجاً حتى تستصحب تلك الحالة، وأما وجودها التقديري وهو أنها كانت لو وقعت لم تقع فيما لا يؤكل، فهذا صحيح وثابت، ولكنه لا يثبت به الوجود الحقيقي حتى يترتب عليه الحكم بالصحة.

هذا تمام الكلام في الأصول المحرزة في مسألة اللباس المشكوك.

رجوع