تحقيق الحال

والصحيح هو التفصيل بين الموارد، فلا بد من معرفة هذه الموارد وأحكامها ثم تطبيقها على المقام، فنقول:

إنّ التكاليف المجعولة في الشريعة المقدسة على قسمين، لأنها تارة تتعلق بفعل، ويكون لهذا الفعل متعلق، فيكون متعلق المتعلق، ونسميه بالموضوع وأمثلته كثيرة كالحرمة المتعلقة بالشرب، وحيث أنه لا يحرم كل شرب، فلا بد من إضافة الشرب إلى الخمر، فالخمر هو الموضوع ومتعلق المتعلق، والمتعلق هو نفس الشرب، لأن الأحكام لا تقبل التعلق بالموضوعات الخارجية.

وفي مثل هذا القسم، تنحلّ القضايا الحقيقية إلى قضيّة شرطية، مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت الحكم، يعني إذا كان موضوع في الخارج، وصدق عليه أن خمر، يحرم شربه.

وقد تكون الأحكام متعلقة بالأفعال من دون أن يكون لهذه الأفعال متعلق خارجي، كالأمر بالذكر والدعاء ونحو ذلك.

فالأفعال الاختيارية المتعلقة للحكم، تارة يكون لها متعلق وأخرى لا يكون فهذان قسمان.

ثم ما ليس لها موضوع تتعلق به، إما أن يكون الحكم المتعلق بها إيجابياً أو تحريمياً.

وما يكون له موضوع، قد يكون موضوعه أمراً شخصياً خارجياً كوجوب الاستقبال المتعلق بالكعبة، وقد يكون الموضوع كليّاً على نحو صرف الوجود أو الجمع الاستغراقي أو العموم المجموعي.

فحاصل الأقسام مع ما ليس متعلق ستة.

القسم الأول: التكليفي الوجوبي المتعلق بما ليس له متعلق، فلو علمنا بمثل هذا التكليف وشككنا في انطباقه على فرد خارجي فهل هو مجرى للبراءة أو الاشتغال ؟ فنقول:

قد تقدم في مبحث اجتماع الأمر والنهي أن الأمر ينشأ عن مصلحة في متعلقه قائمة بالطبيعة من حيث هي على نحو صرف الوجود كما هو الغالب، وقد تكون المصلحة قائمة بمجموع الوجودات على نحو العموم المجموعي أو الاستغراقي، يعني غالب الوجودات، إذ كل الوجودات لا يعقل في كثير من الأحيان لكثرتها وعدم تناهيها.

فإذا كانت المصلحة قائمة بالطبيعة على نحو صرف الوجود، وشككنا في انطباق هذا الصرف على الموجود الخارجي، فلا محالة يكون الشك شكاً في الامتثال، لأن التكليف بإيجاد الطبيعة فعلي ومنجز، لأنه عالم به وقادر عليه، والشك في محصّله، فتجري قاعدة الاشتغال.

نعم لو فرضنا إمكان تعلق الأمر بالطبيعة على نحو الاستغراق، بحيث يكون لكل فرد تكليف مستقل متعلق به على نحو الانحلال، أو على نحو العموم المجموعي بنحو يكون التكليف واحداً متعلقاً بالمجموع.

في مثل ذلك لو شككنا في انطباق الطبيعة على فرد، فإن كانت الطبيعة مأخوذة على نحو الاستغراق فهو مورد للبراءة، لأنه من الشك بين الأقل والأكثر الاستقلاليين، لأن الواجب مردد بين بقية الأفراد المعلومة تفصيلاً وبين هذا الفرد، وفي مثله لا إشكال في جريان البراءة كما حقق في محله، لأن الشك في هذا الفرد شك في وجوبه المستقل، ولم يعلم انطباق الوجوب عليه فتجري البراءة.

وأما إذا كان على نحو العموم المجموعي يكون التكليف المتعلق بكل فرد ضمنياً، فلو شككنا في فرد أنه من الطبيعة أو لا، فمرجع ذلك إلى الشك في أن بقية الأفراد هل هي مطلوبة مطلقاً أو مقيدة بهذا الفرد، فيكون من الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين، وفي مثله تجري البراءة على ما هو المختار في تلك المسألة أيضاً.

ولا يعارض البراءة عن هذا المشكوك جريان البراءة عن إطلاق بقية الأفراد، لأن الإطلاق سعة وامتنان ينفى بالبراءة.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره المحقق النائيني من الرجوع إلى الاشتغال في الشبهة الوجوبية على الإطلاق في غير محله.

القسم الثاني: ما إذا لم يكن لمتعلق التكليف متعلق وكان التكليف تحريمياً، كالنهي عن الكذب أو التكلم أو نحو ذلك، فهل هذا من موارد البراءة أو الاشتغال ؟

نقول: قد ذكرنا في مبحث اجتماع الأمر والنهي أيضاً، أنّ النهي على خلاف الأمر، وان الغالب فيه الانحلال والتعلق بكل فرد فرد على نحو العموم الاستغراقي، لأنه ينشأ عن مفسدة في الطبيعة، وهذه المفسدة تتحقق في ضمن أي فرد كان، فكل فرد منهي عنه بنهي انحلالي مستقل، وهذا هو الغالب في النهي، ففي مثل ذلك إذا شككنا في انطباق الطبيعة على فرد خارجي نشك في حرمة هذا الفرد فتجري فيه البراءة.

وقد يفرض كون النهي متعلقاً بالطبيعة على نحو العموم المجموعي، بأن يكون المجموع التروك دخل في الامتثال، على نحو تكون المصلحة قائمة بمجموع التروك، ففي مثله يكون الشك في انطباق على فرد، راجعاً إلى الشك بين الأقل والأكثر وهو مورد للبراءة، إذ نشك في كون هذا الترك جزء من المجموع أو لا.

أما إذا كان بمعنى قيام المفسدة بمجموع الأفعال، ففي مثله يكون حكمه عكس حكم الشبهة الوجوبية، فيجوز أن يأتي بالفعل المتيقن كونه فرداً، لأنه لو أتى به لا يدري أنه حرام، حيث إنه يحتمل كون الحرام هذا مع ضمه إلى غيره، ولا نعلم بحرمته مستقلاً فتجري البراءة عنه، إذ المتيقن عنده مبغوضية الأفعال بشرط شيء.

وأما المبغوضة بشرط لا فهي مشكوكة، فتجري البراءة عنها، فحكمه حكم الشبهة الوجوبية بل هو راجع إليها لوجوب فمجموع التروك.

والحاصل: أنّه في موارد العلم بالانطباق والشك في وجود الفرد وعدمه لا بدّ من الاشتغال، إلا أن هناك أصلاً آخر حاكماً على الاشتغال كالاستصحاب مثلاً.

وأما لو شككنا في الانطباق بعد ما علمنا بوجود الفرد مع كون المتعلق ليس له متعلق، فميزانه الكلي من حيث جريان البراءة أو الاشتغال هو ما ذكرناه.

هذا من حيث نفسه وبحد ذاته، إلا إذا كان هناك سبب خارجي يمنع من البراءة، كما لو دار الأمر بين كون أحد الخبرين من قولنا زيد قائم وزيد ليس بقائم كذباً، فإنّا نشكّ في مثله في انطباق الطبيعة التي تعلّق بها التحريم على كل منهما.

ولكن مع ذلك لا يمكن إجراء البراءة لأن هذين الخبرين نقيضان، فأحدهما كذبٌ لا محالة، وهذا العلم منجز فلا بدّ من الاحتياط بالاجتناب عنهما معاً، بل لا بدّ من ذلك حتى لو لم يكن العلم الإجمالي منجزاً لما استفدناه من الآية والروايات في مثال الكذب من أن المنهي عنه هو القول بغير علم، والقول بكل من المثالين ممّا لا يعلمه فلا يجوز.

والحاصل: أنّ الحكم في الفرض المذكور في حدّ نفسه هو البراءة لولا العلم الإجمالي في بعض الموارد، فلا يتوهّم في مثله جواز الإخبار في المشكوك لأجل

البراءة لوجود المانع في مثل هذه المقامات غالباً وهو العلم الإجمالي.

وأما الفعل الذي يكون له متعلّق فهذا على أقسام أربعة:

القسم الأوّل: أن يكون هذا المتعلّق أمراً شخصياً، وحينئذٍ فإذا كان الحكم إيجابياً وشككنا في انطباق المأمور به على فرد، فبما أنّ الحكم الإيجابي يتعلّق بصرف الوجود، فمع الشكّ في تحقّق صرف الوجود لا بدّ من إحرازه فتجري قاعدة الاشتغال.

وأما إذا كان التكليف تحريمياً كما في حرمة البول إلى القبلة مثلاً، فبما أن الغالب في التحريم الاستغراقية، فمع الشك في انطباق البول للقبلة على هذا الفعل لطرف خاص يرجع للبراءة، للشكّ في حرمته بالخصوص لفرض الانحلال، يعني أن كل بول للقبلة حرام.

فمقتضى القاعدة هو البراءة ولكن في مثل هذه الموارد لا تجري البراءة لمانع، وهذا المانع أحد أمرين: إما الأصل الحاكم وهو الاستصحاب، ففي حرمة الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس مقتضى القاعدة البراءة لو شكّ في الغروب، إلا أنه باستصحاب عدم الغروب يحرز موضوع الحرمة ولا تجوز الإفاضة مع الشك.

وفي مثال القبلة وغيرها لا تجري البراءة للعلم الإجمالي بوجود القبلة في أحد الأطراف وهو منجز ومانع عن جريان البراءة، ولذا لا يجوز البول إلى الطرف الذي يحتمل كون القبلة فيه.

والحاصل: إنه في موارد الأحكام الوجوبية يجري الاحتياط، وفي موارد الأحكام التحريمية مقتضى القاعدة هو البراءة ولكن لا نقول بها للمانع فيرجع للاحتياط أيضاً.

القسم الثاني: ما إذا كان متعلّق المتعلّق أمراً كلياً بنحو صرف الوجود كالأمر بإكرام عالمٍ ما، ففعلية التكليف هنا متوقفة على وجود العالم خارجاً، فإذا وجد صار التكليف فعلياً، فإذا شككنا في أصل وجود العالم خارجاً، فبما أن وجوده شرط وقد أخذ مفروض الوجود، فالشك حينئذٍ شك في التكليف، لأن الشك في تحقق الشرط يستدعي الشك في تحقق المشروط وهو الحكم، فتجري البراءة.

وأما في التحريميات إذا كان الشك في الانطباق في مثل هذا القسم، فالمورد مورد البراءة، لأن التكليف فيها انحلالي فيرجع الشك في الانطباق إلى الشك في تعلق التكليف به.

فهذه الكبرى من حيث الشكّ في الانطباق في هذا القسم حكمها الاحتياط في الأحكام الوجوبيّة، فلو شكّ في مائع أنّه ماء أو لا، بعد العلم بوجود أصل الماء في الخارج والحكم متعلّق بصرف الماء، فبما أنّ التكليف معلوم وفعلي لغرض وجود الماء، فالوضوء بالماء المشكوك لا يجزي، ونُجري قاعدة الاشتغال.

وأما إذا شككنا في أصل وجود الماء في الخارج، فقد ذكر المحقّق النائيني أنّ الأصل يقتضي البراءة كما ذكرنا، ولكن ببيان آخر، وذلك لأنه شاكّ في التكليف، والشبهة موضوعيّة فلا يجب فيها الفحص، فأصل الكبرى مسلّمة ولكن نحن بينّاها بما تقدّم، والمحقّق النائيني بيّنها بهذا البيان، ثمّ ذكر أنّ هذه الكبرى لا نقول بها في مثل الوضوء، للدليل التعبّدي الدال على وجوب الفحص غلوة أو غلوتين.

وتحقيق انطباق الكبرى على الصغرى وعدمه أن يقال: بأنّ المكلّف لا يعلم إجمالاً بوجوب الوضوء أو التيمّم في هذا الحال، وأصالة البراءة عن وجوب الوضوء لا يحقّق الفقدان الذي هو موضوع التيمّم، لأن الوجدان كما أنه شرط الوضوء كذلك الفقدان.

وكما أن الوجدان مشكوك فيه فكذلك الفقدان، فهو يعلم بأحد التكليفين إجمالاً، وهذا التكليف إلزامي، ومقتضى العلم الإجمالي به هو الاحتياط، والاحتياط يقتضي وجوب الفحص ليحرز أحد الموضوعين.

فالفحص لازم بمقتضى العلم الإجمالي ومقتضاه وجوب الفحص حتى يحصل اليأس لا بمقدار الغلوة والغلوتين المذكورتين بالنص، أو أن يرتفع وجوبه بالعسر والضرر مثلاً.

فالكبرى المذكورة لا تنطبق على الصغرى، لكن لا من جهة أنّ الأصل عدم وجوب الفحص وقد خرجنا عنه بالنص، بل لأن القاعدة هي وجوب الفحص، والنّص إنما احتجناه لتقليل ما يقتضيه العلم الإجمالي من الفحص الزائد فيما إذا لم يحصل اليأس بالغلوة أو الغلوتين.

القسم الثالث: أن يكون متعلّق المتعلَّق مأخوذاً على نحو السريان والاستغراق، سواء كان التكليف حينئذٍ وجوبياً أو تحريمياً.

وفي مثله إذا شككنا في انطباق الطبيعة التي هي متعلّق المتعلَّق على فرد، فمرجع الشك إلى أصل وجوب هذا الفرد أو حرمته، فبناءً على ما ذكرنا من أنّ الانطباق شرط في فعليّة التكليف تجري البراءة، لأنه حينئذٍ شكّ في أصل التكليف للشك في تحقق شرطه.

ولكن المحقّق النائيني علّل جريان البراءة بما تكرّر ذكره منه، من أنّ القضيّة الحقيقيّة تنحل إلى قضيّة شرطيّة، مقدمها وجود الموضوع وتاليها الحكم، فوجود الموضوع في كلّ قضيّة حقيقيّة شرط في تحقّق التكليف.

فإذا شككنا في وجود الموضوع فقد شككنا في وجود الشرط، وهو يستدعي الشك في المشروط وهو التكليف، ومع الشك في التكليف تجري البراءة.

فالذي ذكره مجرى للبراءة هو هذا، والذي ذكرناه نحن هو الشك في انطباق الواجب الذي لا بدّ منه في فعليّة التكليف.

إلا أن ما ذكره على إطلاقه لا يتم، وتوضيح ذلك:

أن متعلّق المتعلّق قد يكون من الأمور الخارجة عن اختيار المكلّف كما في مثال القبلة، وفي مثل ذلك لا بدّ من المصير إلى ما ذكره، لأن هذا الموضوع لا بدّ من فرض وجوده ليحكم بالحكم، فترجع القضية الحقيقية الفرضية إلى القضية الشرطية، ويستحيل في مثله أن يتعلّق التكليف به إلا على هذا النحو، بل لا بدّ من كونه مفروضاً ومعنى الفرض أنه إذا وجد هذا المفروض يتحقّق الحكم.

وقد يكون متعلّق المتعلّق من الأمور الاختياريّة، كالأمر بالوفاء المتعلّق بالعقد، والعقد من الأمور الاختياريّة،ففي مثل ذلك هل لا بدّ من أخذ العقد مفروض الوجود حتى ترجع القضية إلى الشرطية مطلقاً أو يفصل في المقام ؟

الصحيح: هو التفصيل، وأنه قد يكون مفروض الوجود فيكون شرطاً وقد لا يكون كذلك.

وتوضيح ذلك: أن متعلّق المتعلّق الذي نعبّر عنه بالموضوع قد يكون مما له دخل في اتّصاف الفعل المأمور به بكونه ذا مصلحة أو مفسدة، بحيث لولاه لما اتصف الفعل بالمصلحة أو المفسدة ولما كان واجباً أو حراماً.

ونظيره في التكوينيات المرض فإن له دخلاً في اتّصاف الدواء بكونه ذا مصلحة، وكذلك العطش بالنسبة لشرب الماء.

ومثل هذا القسم من الموضوعات الاختياريّة لا ريب في لزوم أخذه مفروض الوجود كالموضوع غير الاختياري، وترجع القضية حينئذٍ إلى الشرطيّة، فقبل تحقق هذا الموضوع لا تكليف.

فهو شرط في تحقّق فعليّة التكليف، والفعل ليس فيه مصلحة إلزامية بدونه، فلا بدّ من كونه مفروض الوجود وغير واجب التحصيل، وذلك كما في الأمر بالوفاء المتعلّق بالعقود على الإطلاق، الراجع إلى ترتيب آثارها فإنّه بدون تحقّق العقد لا يجب الوفاء ولا ترتيب الآثار من الإنفاق على الزوجة مثلاً ونحو ذلك، ولا يجب على المكلّف إيجاد العقد لأنه لا مصلحة في الوفاء بحدّ نفسه حتى يجب تحصيل متعلّقه، بل يفهم بحسب العرف من مثل الأمر بالوفاء بالعقد أنه إذا عقدتم فرتّبوا آثار هذا العقد، لا أنه يجب العقد، وعلى هذا فإذا شككنا في وجود الموضوع كالعقد مثلاً، فهو شكّ بالتكليف لأنه شكّ في شرطه فتجري البراءة.

وقد لا يكون متعلق المتعلّق من هذا القبيل، بأن يكون الفعل متّصفاً بالمصلحة وواجداً لها في نفسه ولكن هذا الموضوع له دخل في تحقق هذه المصلحة أو المفسدة خارجاً، ونظيره في التكوينيات أنه إذا تحقّق المرض واتّصف شرب الدواء بكونه ذا مصلحة فهناك فعل له دخل في تحقق مصلحة الدواء وهو كونه قبل الأكل أو بعده مثلاً، ومثل هذا القسم يختلف حاله في الواجبات والمحرمات.

ففي باب الأوامر بعد ما فرضنا اتّصاف الفعل الكلي بالمصلحة، فهذا الشرط بما أنه شرط في تحقق هذه المصلحة فالمولى يأمر به لتحصيل هذه المصلحة كما يأمر بأصل الفعل ولا يكون مفروض الوجود، لأن الفعل واجد للملاك، فلا بدّ من الأمر به بسائر قيوده نظير الطهارة واللباس الدخيلين في تحقّق مصلحة الصلاة المعلومة، وفي مثل ذلك إذا شككنا في وجود هذا المتعلّق لا بدّ من تحصيله، وكذا لو شككنا في الانطباق لأنّ التكليف محرز فلا بدّ من تحصيل اليقين بامتثاله.

وأما في باب النواهي إذا كان هذا الموضوع دخيلاً في وجود المفسدة التي اتّصف بها الفعل في مرتبة سابقة عليه، فمثل هذا الموضوع أيضاً لا يؤخذ مفروض الوجود، لأنّ النهي فعليٌّ قبله، غاية الأمر أنّ امتثال هذا النهي إما بعدم هذا الموضوع أو بعدم ارتكاب الفعل بعد وجود هذا الموضوع، فلا بدّ إما من عدم إيجاده أو عدم الفعل لو أوجده، وهذا كما في النهي عن شرب الخمر، فإنّ الشرب متعلّق بالخمر الذي هو موضوع اختياري للمكلّف ويوجده، فحيث أن مفسدة الشرب متحقّقة في الشرب بقطع النظر عن وجود الخمر، فحيث أن مفسدة الشرب متحقّقة في الشرب بقطع النظر عن وجود الخمر، فالنهي عن الشرب فعلي، وامتثال هذا النهي إما بعدم إيجاد الخمر في الخارج أو بعدم شربه بعد إيجاده، فلا يلزم أخذه مفروض الوجود ولا يكون وجود الخمر شرطاً في فعليّة النهي.

وعلى هذا فدعوى المحقّق النائيني بأنّ متعلّق المتعلّق لا بدّ من أخذه مفروض الوجود، والقضيّة الحقيقيّة ترجع إلى القضيّة الشرطيّة، هذه الدعوى على إطلاقها غير صحيحة ولا دليل عليها.

ولذلك لو علم المكلّف في مثال الخمر أنّه لو صنعه أو وجد لشربه يحرم عليه صنعه بقطع النظر عن أدلّته بل بنفس النهي عن الشرب.

وحينئذٍ فإذا شككنا في وجود الموضوع، فليس شكّنا شكّاً في فعليّة الحرمة بل في انطباق العنوان المحرم على الخارج، ففي مثله تجري البراءة لأنه شكّ في حرمة الموجود الخارجي، لا لأنّه شكّ في شرط فعليّة الحكم.

القسم الرابع: ما إذا كان كلياً على نحو العموم المجموعي، فالشكّ حينئذٍ في الانطباق على فرد شكٌ في الأقل والأكثر الارتباطيين، ويبتني على تلك المسألة، هذا إذا كان التكليف وجوبياً.

وأما إذا كان تحريمياً وكان المطلوب ترك المجموع من حيث هو، ففي مثله قد تقدّم أنّه يجوز الإتيان بالفرد المتيقّن وترك الباقي، حيث أن ترك هذا المتيقّن وحده يحتمل أنّه ليس هو ترك المجموع، بل مقيّد بهذا المشكوك، فلا يعلم أنّه مكلّف به للشكّ في انطباق متعلّق التكليف عليه، فتجري البراءة عن حرمة هذه الأفراد.

وهذا الذي تقدّم كلّه يجري في الأحكام الضمنيّة كما يجري في الأحكام الاستقلاليّة.

هذا حاصل الكلام في صور الشك في الانطباق.

رجوع