الشرط السادس : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال

___________________________

(السادس): أن لا يكون حريراً محضاً للرجال(1).

___________________________

 (1)   آخر الكلام في حرمة لبسه للرجال، وتكلّم في منعه عن الصلاة لهم أولاً.

وهذا الحكم أعني بطلان الصلاة بالحرير المحض للرجال قد ادعي عليه الإجماع وأنه مذهب علمائناً ويدل عليه عدّة روايات:

منها: صحيحة محمد بن عبد الجبار قال: (كتبت إلى أبي محمد  (عليه السلام) أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج، فكتب (عليه السلام): لا تحل الصلاة في حرير محض..)[[1]].

ومنها: صحيحة أخرى له قال: (كتبت إلى أبي محمد  (عليه السلام) أسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكياً حلت الصلاة فيه إن شاء الله)[[2]]، ودلالتهما واضحة وسندهما صحيح.

ومنها: صحيحة أبي الحارث قال: (سألت الرضا  (عليه السلام) هل يصلي الرجل في ثوب الأبريسم ؟ قال: لا)[[3]]، وقد عبّر عنها المحقق الهمداني وغيره بالخبر ولكنها صحيحة وهي واضحة فإنّ ظاهر السؤال عن أصل الجواز لا عن الوجوب أو الاستحباب لأنه غير محتمل.

ومنها: صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: (سألت أبا الحسن الرضا  (عليه السلام) هل يصلي الرجل في ثوب الأبريسم ؟ فقال: لا)[[4]]، وهذه صحيحة، والمراد بأحمد هو ابن عيسى إذ لو كان ابن خالد لقال عن أبيه ولم يقل عن محمد بن خالد، على أن الشيخ رواها بإسقاط محمد بن خالد، وقال أحمد بن محمد بن عيسى، والتعبير عنها بالخبر في كلمات بعضهم لا وجه له (ولعله الذي أوهم ذلك هو كلمات الحدائق).

فهذه الروايات كلها صحاح ودالة، بالإضافة إلى بقية الروايات الضعيفة.

ولكن بإزاء هذه الروايات رواية دلّت على الجواز وهي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: (سألت أبا الحسن  (عليه السلام) عن الصلاة في الثوب الديباج فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس)[[5]].

وقد حملها الشيخ على حال الحرب لِما ورد من جواز لبسه في حال الحرب كما سيأتي في مرسل أبي بكير، أو على أن يكون سداه أو لحمته غزلاً أو كتاناً وليس حريراً محضاً.

وحملها صاحب الحدائق والوسائل وغيره على التقية لأن المشهور عندهم صحة الصلاة وإن حرم اللبس.

وهذه الرواية قد عبر عنها صاحب الحدائق بالصحيحة، وذكرها في الوسائل بإسناد الشيخ عن سعد، فإن كان المراد به سعد بن عبد الله فسنده إليه صحيح، وإن كان سعد بن سعد أو سعد بن أبي خلف فالطريق إليه ضعيف.

إلا أن الظاهر أنه سعد بن عبد الله فهي صحيحة، وذلك لأن الشيخ لم يذكر في المشيخة إلا سعد بن عبد الله ولم يتعرض لغيره، وفي التهذيب يروي كثيراً عنه مع إطلاقه اعتماداً على ذكره قبل أو بعد، فهذا قرينة على أن المراد به  ابن عبد الله لأن غيره لم تصدر له رواية فيما تفحصنا، فإطلاق سعد ينصرف إليه.

على أنه مع قطع النظر عن هذا فهو ابن عبد الله، لأن المروي عنه هو أحمد بن محمد، إما ابن عيسى أو ابن خالد فكلا هذين قد روى عنهما سعد بن عبد الله، وأما غيره ممن سمي بسعد فلا يروي عنهما وإن كان يمكن فإن سعد بن أبي خلف من رواة الصادق، وسعد بن سعد الأحوص من أصحاب الرضا وروى عنه والد محمد بن خالد والد أحمد، فكيف يروي هو عن أحمد، وأما سعد خادم أبي دلف فهو في نفسه غير معروف، فلا يطلق سعد ويراد هو، وهذا له مسائل عن الرضا فلا يروي عنهما على أنه لم يثبت أن اسمه (سعد)، بل ذكره الشيخ (سعيد)، وأما سعد بن ظريف الاسكاف فهو من أصحاب الباقر.

وأما دلالتها: فهي قابلة للمناقشة لاحتمال كون الثوب الديباج فيها الممزوج بقطن أو كتان كما ذكر الشيخ، لأن الظاهر أن الديباج يستعمل في مقابل الحرير المحض، فلا يراد بالديباج فيها الحرير المحض وإن كان قد يستعمل فيه، فتكون معارضة للروايات الدالة على المنع في الحرير المحض.

وقد ورد استعمال الديباج في قبال الحرير في ثلاث روايات:

الرواية الأولى: صحيحة محمد بن عبد الجبار الأولى حيث قال: (في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج)، فعلمنا أن الديباج غير الحرير المحض وإلا لم يكن معنى للعطف ب: (أو) ولذا أجاب عن الحرير وسكت عن الديباج لأنه لا مانع منه.

الرواية الثانية: مرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله  (عليه السلام)، قال: (لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب)[[6]].

الرواية الثالثة: موثقة سماعة قال: (سألت أبا عبد الله عن لباس الحرير والديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل)[[7]].

فقد استعمل الديباج في هذه الروايات في قبال الحرير، فلا تكون رواية ابن بزيع معارضة لما دلّ على عدم جواز لبس الحرير المحض في الصلاة.

والحاصل: أن فرو الديباج كما في (أقرب الموارد) ثوب لحمته وسداه من الإبريسم فالمراد به الحرير الخالص، فتكون هذه الروية على هذا دالة على الجواز ولكن هذا المعنى لم يثبت.

وذكر صاحب لسان العرب أنه اسم للثوب الحرير المنقوش لا الخالص في قبال الحرير كما دلت عليه الروايات المتقدمة، وهذا المعنى مما تشعر به صحيحة ابن بزيع نفسها حيث قال (لا بأس إذ لم يكن فيه تماثيل)، فإنه يستشعر منها أن الديباج فيه نقوش غايته إن كانت نقوش حيوانات المعبر عنها تماثيل فهي تمنع دون غيرها، فلا تكون معارضة بل هي مطلقة في الدلالة على جواز الصلاة في الحرير المنقوش وغيره فتخصص بما تقدم.

ولو تنزلنا عن هذا وقلنا بان الديباج ليس مقابلاً للحرير بل هو الحرير المحض على ما فسّره (أقرب الموارد) فتقع المعارضة بينها وبين صحيحتي محمد بن عبد الجبار، ولا معارضة بينها وبين الصحيحتين الأخريين، فإن الصحيحتين الأخريين فيهما نهي عن الصلاة في ثوب الحرير، وهذا النهي بقرينة تصريح رواية ابن بزيع بالحل مقابل للحمل على الكراهة، وأما صحيحتا ابن عبد الجبار فقد عبر فيهما ب (لا تحل)، وعدم الحل لا يراد به التساوي بل عدم الجواز، فهذا غير قابل للحمل على الكراهة فتقع المعارضة، فحينئذٍ لا بدّ من حمل صحيحة ابن بزيع على التقية كما تقدم لأنهم

يجوزون الصلاة في الحرير وليس المقام قابلاً للجمع الدلالي حتى يقدم على مرجح الحمل على التقية.


 

[[1]] الوسائل م3 ب11 لباس المصلي   ح2.

[[2]] الوسائل م3 ب 14 لباس المصلي  ح4.

[[3]] الوسائل م3 ب 11 لباس المصلي  ح7.

[[4]] الوسائل م3 ب 11 لباس المصلي ح1.

[[5]] نفس الباب السابق ح10.

[[6]] الوسائل م3 ب12 لباس المصلي ح2.

[[7]] نفس الباب السابق ح3.

رجوع