لبس الحرير للرجال في غير الصلاة ، وفيه جهات
___________________________
بل يحرم لبسه في غير حال الصلاة أيضاً إلا مع الضرورة لبرد أو مرض وفي حال الحرب وحينئذٍ تجوز الصلاة فيه أيضاً وإن كان الأحوط (1) أن يجعل ساتره من غير الحرير.
___________________________
(1) الكلام هنا في جهات:
ولا إشكال فيه، بل قيل إنه إجماع من المسلمين بل قيل إنه من الضروريات، ويدل عليه عدة روايات معتبرة:
منها: موثقة سماعة بن مهران قال: (سألت أبا عبد الله عن لباس الحرير والديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل)[[1]].
فإنها تدل بالمفهوم على عدم الجواز في غير حال الحرب نعم أطلقها لصورة ما إذا كان فيها تماثيل، وهي بهذا الإطلاق قد تنافي رواية عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد بسنده عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): (أن علياً (عليه السلام) كان لا يرى بلبس (بلباس) الحرير والديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأساً)[[2]].
فهذه أيضاً تدل بالمفهوم ولكنها قيّدت بما إذا لم يكن فيه تماثيل، إلا أن فيها عبد الله بن جعفر ولم يثبت توثيقه، ولو صحّ سندها تحمل على الكراهة مع وجود التماثيل لتصريح رواية سماعة بعدم البأس مع التماثيل.
والحاصل: أن المسألة لا إشكال فيها في الجملة.
الجهة الثانية: الكلام في اختصاص الحكم بما تتم فيه الصلاة وعدمه
أنه على تقدير حرمة اللبس فهل يختص بما تتم فيه الصلاة أو يشمل ما لا تتم فيه، والظاهر أنهم لم يتعرضوا لهذا التفصيل في الحكم التكليفي نعم تعرضوا له بالنسبة للصلاة.
والظاهر هو ابتناء هذه المسألة على المسألة المتقدمة، فإن قلنا بأن المانعية بالنسبة للصلاة تشمل ما لا تتم فيه الصلاة فالحرمة هنا كذلك، لأن الروايات مطلقة وتقيد بما تتم به.
وأما إذا قلنا هناك بالاختصاص بما تتم به الصلاة وعملنا برواية الحلبي فهي ظاهرة في الترخيص الفعلي لأن الترخيص بالصلاة فيه ترخيص بلبسه أيضاً بالدلالة الالتزامية العرفية، ولا وجه لتخصيص الحكم حينئذٍ بالحكم الوضعي، بل الظاهر الترخيص الفعلي من جميع الجهات.
الجهة الثالثة : في اختصاص الحرمة بغير حال الاضطرار وعدمه
أن الحرمة تختص بغير حال الاضطرار وأما في حال الاضطرار فلا بأس باللبس، واستدل على ذلك صاحب الوسائل بأمور:
الأمر الأول: حديث الرفع حيث ذكر فيه الاضطرار، وهو في محله.
الأمر الثاني: ما ورد في موثقة أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المريض.. إلى أن قال: وليس شيء مما حرّم الله إلا وقد أحله لمن اضطرّ إليه)[[3]].
وهذا الاستدلال أيضاً في محله، ووردت هذه المضامين في قضاء المغمى عليه وفي كتاب الأطعمة.
الأمر الثالث: قولهم (عليه السلام): (وكلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) الواردة في أبواب قضاء الصلوات[[4]].
وتبعه على الاستدلال بهذا المضمون بعض من تأخر عنه، إلا أن هذا الاستدلال لا يتم لأنه ليس المراد بالاضطرار هنا ما كان خارجاً عن قدرة المكلّف واختياره، إذ لو كان المراد ذلك لم نحتج إلى هذه الاستدلالات بل يكفي حينئذٍ حكم العقل بقبح التكليف، لأنه تكليف بما لا يطاق ولا إشكال معه في ارتفاع التكليف، بل الاضطرار هنا بمعنى الحاجة، وتوقف دفع الحاجة على اللبس وأن الضرورة اقتضت لبسه فهو يلبسه باختياره ولكن دعته إليه ضرورة لا بد منها، والضرورة بهذا المعنى لا يصح الاستدلال عليها بما ذكر بل يكفي في الاستدلال الوجهان الأولان.
الجهة الرابعة : المستثنى حال الضرورة هل هو الحكم التكليفي أو الوضعي
أنه بعد استثناء موارد الضرورة والحرب يقع الكلام في أن المستثنى حال الضرورة هل هو الحرمة التكليفية فقط أو أن الصلاة أيضاً تستثنى فترتفع مانعيته لها في هذا الحال.
والمسألة محل كلام، فقيل كما في الجواهر: بأنه لا إشكال حينئذٍ في صحة الصلاة لعدم سقوطها بحال.
ولكن هذا الاستدلال من الغرائب، لأن الكلام ليس في الاضطرار في مجموع الوقت ليكون لهذا الاستدلال مجال فإن هذا من الواضحات، بل الكلام في الاضطرار في بعض الوقت أي الاضطرار إلى اللبس، وأما الصلاة فحيث أنها موسعة فهو غير مضطر إليها هذا هو محل الكلام بينهم، وقد اختلفوا على قولين.
والقائلون بالجواز لا دليل لهم إلا دعوى أن دليل المانعية منصرف إلى صورة حرمة اللبس أي إلى اللباس المحرّم لظهور النصوص كما نقله في الجواهر في اتحاد موضوع الحرمة والبطلان والصحة والجواز.
ولكن هذا الاستدلال لا يتم لأن المانعية لم تستفد من دليل الحرمة بل من دليل خاص، وكم من الموانع عن الصلاة ليست محرمة كغير المأكول مثلاً، فلا ملازمة بين المانعيّة وحرمة اللبس فإذا سقطت الحرمة بالاضطرار فلا موجب لسقوط المانعية لإطلاق دليلها.
فالأظهر بقاء المانعية حتى في حال الاضطرار إلى اللبس خلافاً لما اختاره المحقق الهمداني وغيره.
والحاصل: أنه لو كان الاضطرار في مجموع الوقت فلا إشكال في جواز الصلاة فيه لأنها لا تسقط وهو مضطر إليه وفي غير ذلك لا تجوز.
الجهة الخامسة : في جواز لبس الحرير والصلاة فيه حال الحرب
في جواز اللبس والصلاة حال الحرب، وقد دلت على جوازه حينئذٍ روايات خاصة في الحرير تقدّم منها موثقة سماعة، فالجواز لا إشكال فيه وإنما الإشكال في جواز الصلاة فيه حال الحرب، وحيث أن جواز اللبس حال الحرب مدلول لدليل لفظي لا بالأدلة العامة كرفع الاضطرار فيما تقدم.
فقد يقال كما ذكر في الجواهر: بجواز الصلاة فيه حال الحرب أيضاً، وذلك لأن الأدلة التي نفت البأس عن جوازه في حال الحرب مطلقة من حيث الحكم التكليفي والوضعي، لأن المحارب قد يصلي، وهي مرجحة على إطلاق النهي عن الصلاة فيه الذي دلّ على مانعيته لحال الحرب وغيره، وإن كان التعارض بينهما بالعموم من وجه، ولا يبعد كون الوجه في التقديم ما أشار إليه في كلامه من أن مناسبة التخفيف التي هي الحكمة في الرخصة تقتضي ذلك فتقدم تلك وتجوز الصلاة، ونضيف إلى كلامه أنه على تقدير عدم التقدم وتساقطهما فالأصل عدم المانعيّة فتجوز الصلاة.
هذا حاصل ما ذكره هو وغيره واختاره الماتن.
إلا أن هذا غير تام، وذلك لأن أدلة التجويز حال الحرب ناظرة سؤالاً وجواباً إلى حكم اللبس في نفسه من حيث الحكم التكليفي، فلا إطلاق لها للحكم الوضعي، فهذه الروايات تخصص دليل الحرمة التكليفيّة، وأما إطلاق دليل المانعيّة فإنه يبقى على حاله ولا معارض لهذا الإطلاق.
(إلا أن دعوى انصراف نصوص المانعية إلى غير حال الحرب) أو دعوى انصرافها إلى خصوص اللبس المحرم فلا تشمل المحلل الذي هو حال الحرب، وقلنا أن هذه الدعوى بلا وجه[[5]].
ثم إن الماتن (قده) بعد أن جوز الصلاة فيه حال الحرب قال: (وإن كان الأحوط أن يجعل ساتره من غير الحرير).
وذكر السيّد الأستاذ: أن هذا الاحتياط لا وجه له، لأنه بالنسبة للمانعية قد دل الدليل على مانعية الحرير ساتراً كان أو غير ساتر بل كان الساتر غيره، وإذا جاز لبسه في حال الحرب والاضطرار فالجائز هو مطلق الحرير ساتراً كان أو غير ساتر، وحينئذٍ فإذا ثبت انصراف المانعية إلى صورة اللبس المحرم فلا بأس بلبس الحرير في الصلاة ساتراً كان أو غير ساتر، وإذا لم تتم دعوى الانصراف فلا يجوز لبسه في الصلاة حينئذٍ ساتراً كان أو غير ساتر، نعم لو كان احتياطاً مطلقاً في الساتر وغيره استحباباً، فهو محله لاحتمال المانعية.
فهذا الاحتياط لا وجه له إلا ما ذكره في الجواهر: من أنه يمكن القول بوجوب ساتر آخر ولو فوقه في حال الحرب للاضطرار، فدليل الجواز يرفع مانعيته عن الصلاة وحرمة الصلاة للتلازم بينهما، ولكنه لا يثبت صلاحيته للشرط وهو أنه يشترط أن يصلي في ساتر غير حرير، فإن أدلة رفع حرمته لو دلت على رفع المانعية فلا تدل على تحقق الشرط.
ثم ذكر: أن دعوى التلازم بين رفع المانعية هنا وبين تحقق الشرطية التي هي مطلق التستر يمكن منعها لظهور قوله (عليه السلام) في التوقيع: (لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان) في خلاف ذلك بعد حمل ذلك فيه على المثال لكل ما تجوز الصلاة فيه إلخ..[[6]].
وإن كان لا يتم أيضاً، فالاحتياط المذكور لا وجه له، بل إما أن يقال بالجواز مطلقاً أو عدمه مطلقاً سواء كان هو الساتر أو غيره.
وأما ما ذكره في الجواهر:
فيرد عليه أولاً: ما تقدّم في مسألة اللباس المشكوك من أنه يستحيل اعتبار الشرطية والمانعية لشيء واحد فلا يمكن أن يكون وقوع الصلاة في غير الحرير شرطاً وفي الحرير مانعاً.
وثانياً: أنه لو سلمنا جواز ذلك فالأدلة لا تساعد عليه وكيف نستكشف أنه يشترط كون الساتر من غير الحرير، فإن التوقيع الذي ذكره ضعيف والمستفاد من الأدلة لزوم الساتر في الصلاة وكونه ثوباً، وأما كونه من غير الحرير فلا دليل عليه إلا ما دلّ عليه المنع عن الصلاة في الحرير، وهذا ليس معناه إلا المانعية.
هذا كله بالنسبة للرجال.
[[1]] الوسائل م3 ب12 لباس المصلي ح3.
[[2]] انفس الباب السابق ح5.
[[3]] الوسائل م4 ب1 القيام ص689 ح7.
[[4]] الوسائل م5 ب3 قضاء الصلوات ص352 ح3-7-13-16.
[[5]] ودعوى أنه لا يخلو من وجه –كما في المستمسك-، لدعوى كون خصوص الرخصة وإن اقتضت بمدلولها اللفظي رفع التكليف، لكن بإطلاقها المقامي -حيث لم تتعرض لوجوب النزع حال الصلاة، مع أنه مما يغفل عنه- قد دلت على رفع المانعية أيضاً.
[[6]] لاحظ الجواهر م8 ص117.