الكلام في كف الثوب بالحرير إذا زاد عن أربعة أصابع
___________________________
وكذا لا بأس (1) بالكف به وإن زاد على أربع أصابع.
___________________________
(1) نسب إلى المشهور بل الأشهر جواز الكف، وإلى المدارك أنه مقطوعٌ به في كلام الأصحاب، ونسب القول بعدم الجواز إلى السيد المرتضى والقاضي، وصاحب الحدائق فصّل بين الصلاة فحكم بعدم الجواز وغيرها بالجواز والتزم أخيراً بالتوقف والاحتياط.
والصحيح أن يقال: إن الروايات الواردة في مسألة لبس الحرير تارةً يكون الموضوع فيها هو الثوب، كصحيحتي أبي الحارث وإسماعيل ابن الأحوص، فهي قاصرة الدلالة على عدم الجواز فيما إذا كان الحرير ليس ثوباً.
وإذا لوحظ في مجموع الثوب -أي ثوب فيه حرير- فهذه قاصرة الدلالة من أول الأمر، لعدم شمول الدليل لمثل ذلك، كما أن الروايات الناهية من لبس الرجل الحرير قاصرة الدلالة على المنع من لبس الثوب المكفوف بالحرير، إذ هي ظاهرة في كون اللباس بنفسه حريراً لا ما كان جزؤه حريراً.
نعم قد يقال: بشمول صحيحة محمد بن عبد الجبار لمثل ذلك، فإن قوله (لا يصلي في حرير محض) أعم من أن يكون اللباس كله حريراً أو يكون الحرير جزء منه، فإنه يصدق حينئذٍ أنه صلّى في حرير محض.
ويناقش في ذلك: بأن الظاهر من الصحيحة السؤال عن حكم ما لا تتم فيه الصلاة إذا كان بنفسه حريراً، فلا يراد من عموم المنع إلا المنع عن لبس الموضوعات التي تلبس استقلالاً إذا كانت حريراً محضاً.
فإن محمد بن عبد الجبار كان يعلم بعدم جواز الصلاة في الحرير إذا كان مما تتم به الصلاة كما هو الظاهر، فسأل عن اللباس الذي لا تتم به الصلاة إذا كان من الحرير، فهي لا تشمل ما إذا كان الحرير جزء من اللباس.
(ولا يمكن دعوى أن المراد من النهي عن لبس الحرير مطلق اللبس، ويكون خروج السدا أو اللحمة -إذا كان الأخير غير حرير- عن المنع من باب التخصيص، فإن ذلك مما لا يساعده المتفاهم العرفي في مقام الجمع بين الأدلة)
فالروايات بأجمعها قاصرة الدلالة على المنع من اللباس المكفوف بالحرير، والجواز على طبق القاعدة .
ولو فرضنا شمول الروايات لما كان من الحرير جزء من اللباس لإطلاق قوله (لا يصلي في حرير محض)، فلا بد أيضاً من الحكم بالجواز في المقام، وذلك لدلالة موثقة الحلبي على أن ما لا تتم به الصلاة لا بأس به، فإنا إذا لاحظنا الثوب بتمامه فالمقام لا يكون مشمولاً لأدلة المانعية، لأن الثوب ليس بحرير محض فلا مانع من الصلاة فيه.
وإذا لاحظنا الجزء بنفسه مستقلاً، فهو وإن كان يصدق أنه صلى في الحرير المحض إلا أن موثقة الحلبي تكون مخصصة له بغير ما لا تتم به الصلاة، فالجواز أيضاً على طبق القاعدة ( وعلى هذا فلا بد وأن يختص الجواز حينئذٍ بالكف بالمقدار الذي لا تتم به الصلاة فيه وحده كما هو الغالب)، فالجواز على طبق القاعدة.
ويؤيد ما ذكرناه رواية يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريراً وإنما كره الحرير المبهم للرجال)[[1]]، وهي مؤيدة، لضعفها بيوسف.
ودعوى: أنها معتبرة لأن الراوي عنه هو صفوان وهو من أصحاب الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم، مضافاً إلى أنه مختص مع ابن أبي عمير والحسن بن محبوب بأنهم لا يروون إلا عن ثقة.
مدفوعة: بأن الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم قد تقدم ما فيها مراراً، وأما أنه لا يروي إلا عن ثقة فهذا لم يثبت، إلا ما كان ظاهر كلام الشيخ في العدة ولم يثبت أيضاً.
والحاصل: أن هذه الرواية مؤيدة، فإنها واضحة الدلالة على الجواز في ما كان السدا والزر من الحرير، وإطلاق نفي البأس فيها يشمل الصلاة وغيرها.
ومثلها في التأييد خبره الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: (لا تكره أن يكون سدا الثوب أبريسم ولا زره ولا علمه، إنما يكره المصمت من الأبريسم للرجال ولا يكره للنساء)[[2]].
فإن ذيلها كسابقتها دال على عدم مانعية الحرير إذا كان جزءاً.
ثم إن القائل بالجواز والقائل بعدم الجواز استدل برواية جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير ولباس الوشي (القسي) ويكره المثيرة الحمراء فإنها مثيرة إبليس)[[3]].
وقد نسب في الحدائق إلى العلامة الاستدلال على الجواز بهذه الرواية بناءً على أن الكراهة في إخبارهم كانت بالمعنى الاصطلاحي.
وناقشه في الحدائق: بأنه ليس بظاهر، لأن استعمالها بالتحريم أكثر.
إلا أن هذه الرواية لا تصلح دليلاً لكلا القولين لضعف سندها بالقاسم بن سليمان وبجراح، فإن الأول لم يوثق، والثاني لم يرد فيه توثيق بهذا العنوان، ولم يعرف أن جراح اسم أو لقب.
ثم استدرك السيد الأستاذ: بأنهما مذكوران في أسانيد كامل الزيارات خصوصاً وأنه لم يرد فيهما تضعيف في كتب الرجال.
فالرواية من حيث السند معتبرة، ولكن دلالتها لا تتم، لأن الديباج لم يعلم أنه اسم للحرير، بل هو اسم لمطلق الثوب المنقوش أو الحرير المنقوش على ما تقدم، ومما يؤكد أن المراد بالديباج النقش لا الحرير قوله (عليه السلام) –في رواية جراح الآنفة: (ويكره لباس الحرير) حيث جعله مقابلاً للديباج.
وأما موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: (وعن الثوب يكون عليه ديباجاً، قال: لا يصلي فيه). حيث نهى عن الثوب الذي يكون بعض خطوطه ديباجاً، وهذه الرواية مع رواية يوسف اعتمد عليها صاحب الحدائق.
ولكن الاستدلال بها كسابقتها مبني على كون المراد من الديباج هو الحرير ولم يعلم، على أنها تحمل على الكراهة بقرينة ما سبق.
والنتيجة: أنه لا بأس بما إذا كان الحرير جزءاً من اللباس أو حاشية للثوب.
نعم لو فرض أن جزء اللباس كان على نحو لو لم ينضم إليه النصف الآخر كان بنفسه لباساً مستقلاً، كما لو كان النصف الفوقاني أو التحتاني من الثوب حريراً، فلو لم ينضم إليه النصف الآخر كان لباساً، ففي مثله لا إشكال في عدم جواز الصلاة فيه وعدم جواز لبسه.
وأما غير هذا فهو غير مشمول للروايات، وعلى فرض الشمول، فأدلة جواز الصلاة في ما لا تتم فيه الصلاة تقيد تلك الأدلة.
___________________________
وإن كان الأحوط ترك ما زاد عليها (1).
___________________________
(1) نسب إلى المشهور عدم الزيادة على الأربع أصابع، ولا وجه له إلا ما روي من طريق العامة عن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) (نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع)، إلا أن هذه ضعيفة السند فلا تدل على عدم الجواز على ما زاد على الأربع.
ودعوى : إنجبارها بعمل المشهور.
ممنوعة: صغرى: لأنه لم يعلم استناد المشهور إليها وعملهم بها، إذ يحتمل أنهم اعتمدوا على أصل كقاعدة الاشتغال، خصوصاً وأن المقام من مواردها بناءً على جريانها في الأقل والأكثر الارتباطيين، فتخيلوا أن الشك في مانعية الأقل والأكثر، فيكون الشك فيها من الشك في الامتثال فيجري الاشتغال، وإن كان الصحيح الرجوع في مثل المورد للبراءة، كما يحتمل أنهم اعتمدوا على أمر آخر وهو أن الزائد قابل لأن يصلى فيه وحده وتتم به الصلاة لأنه يستر العورتين، فيكون مشمولاً لأدلة المنع عن الصلاة في الحرير المحض.
وأما منع هذه الدعوى من حيث الكبرى: فقد تكرر مراراً، فهذا التقييد إذاً لا وجه له إلا ما ذكرناه.
[[1]] الوسائل م3 ب 13 لباس المصلي ح6.
[[2]] الوسائل م3 ب13 لباس المصلي ح1.
[[3]] الوسائل م3 ب11 لباس المصلي ح9.