لباس الشهرة
___________________________
(مسألة 42): يحرم لبس لباس الشهرة بأن يلبس خلاف زيه من حيث جنس اللباس، أو من حيث لونه، أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته، كأن يلبس العالم لباس الجندي(1) أو بالعكس مثلاً .
___________________________
(1) استدل لهذا القول بعدة روايات[[1]]:
منها: صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله تعالى يبغض شهرة اللباس).
ومنها: مرسل ابن مسكان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره أو يركب دابة تشهره).
ومنها: مرسل عثمان بن عيسى عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (الشهرة خيرها وشرها في النار).
ومنها: خبر أبي الجارود عن أبي سعيد عن الحسين (عليه السلام) قال: (من لبس ثوباً يشهره كساه الله يوم القيامة ثوباً من النار).
وهذه الروايات عدا الأولى ما بين مرسلة وضعيفة.
وأما من حيث الدلالة: فالروايات منعت عن الشهرة في اللباس أي أن يلبس ثوباً يعرف به ويمتاز به عن الناس، بحيث إذا أريد تعريفه يعرف به، هذا هو المستفاد من الروايات.
فاللبس على شكل خاص على غير المتعارف كما مثّل الماتن (قده) أو أن يلبس في بيته فهذا ليس لباس شهرة، بل معنى الشهرة ما ذكرناه، بل ذكر الكليني (قده) هذه الروايات تحت عنوان كراهة الشهرة.
ويدلنا على أن معنى الشهرة ما ذكرناه معتبرة حماد بن عثمان قال: (كنت حاضراً لأبي عبد الله (عليه السلام) إذ قال له رجل: أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب كان يلبس الخشن يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجيّد، قال: فقال له: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهّر به فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أن قائمناr إذا قام لبس لباس عليّ وسار بسيرته)[[2]].
فهذه الرواية تدل بوضوح على أن المراد بالشهرة لباس غير متعارف، لا مجرد غير الجنس.
وأيضاً ورد في رواية ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) نهاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس ثياب الشهرة ولا أقول: نهاكم عن لبس المعصفر المفدم)[[3]].
ويظهر من الكليني (قده) أن عنوان التشهير بنفسه مذموم ولو بغير اللباس.
والحاصل: أن حرمة لباس الشهرة بالمعنى المذكور في المتن، الظاهر أنه لا قائل به.
___________________________
وكذا يحرم -على الأحوط- لبس الرجال ما يختص بالنساء وبالعكس، والأحوط ترك الصلاة فيهما، وإن كان الأقوى عدم البطلان(1).
___________________________
(1) هذا الحكم هو المشهور واستدل له بعدة روايات:
منها: ما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السلام): (في الرجل يجر ثيابه قال: إني لأكره أن يتشبه بالنساء)[[4]].
وهذه الرواية ضعيفة السند لأن طريق الطبرسي إلى سماعة غير معلوم، ولكن نفس هذه الرواية رواها في الوسائل في مكان آخر بسند معتبر، إلا أن دلالتها غير تامة لأن الكراهة لا تدل على الحرمة بل غايته أنه عمل مذموم وليس فيه نهي.
ومنها: رواية الطبرسي أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائهi قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء، وينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها)[[5]].
وهذه الرواية واضحة الدلالة على الحرمة، ولكنها ضعيفة من حيث السند كما تقدم.
ومنها: رواية الطبرسي أيضاً عنه (عليه السلام) قال: (خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر ّكهولكم من تشبّه بشبابكم)[[6]].
وهذه الرواية أيضاً أجنبية عن المقام.
ومنها: رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث لعن الله المحلل والمحلل له، ومن تولى غير مواليه، ومن ادعى نسباً لا يعرف، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال...)[[7]].
وربما يشكل على الاستدلال به بأن المراد بالتشبه التذكر والتأنث، كما يشير إليه رواية زيد بن علي، عن علي (عليه السلام): (أنه رأى رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام) له: أخرج من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا لعنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال علي (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)[[8]].
إلا أن هذا الكلام لا وجه له، فإن التشبه ذو جهات ولا ينحصر بما ذكر في الرواية لو تمت من حيث السند، على أنها لا يمكن تسليمها، لأنه لو كان الرجل كذلك لوجب عليه حد القتل لا الطرد من المسجد.
والحاصل: أنه لعن المتشبه، وهو مطلق غير مختص بما ذكر في رواية العلل.
نعم ظاهر الرواية أن المحرم قصد التشبه بأن يفعل ما به المشابهة بقصد حصولها لا مطلق اللبس ولو لغرض آخر.
والحاصل: أن العمدة رواية عمرو بن شمر وهي غير تامة سنداً لضعفه.
والحاصل: أنه لم تثبت الحرمة في كلتا المسألتين إلا إذا فرضنا عنوان الهتك، وهو أمر آخر لا الشهرة التي ذكروها والتشبه، نعم الكراهة هنا ثابتة لرواية الطبرسي.
وأما بالنسبة للصلاة في لباس الشهرة ولباس التشبه إن قلنا بحرمتهما، فقد نسب لكاشف الغطاء (قده) البطلان، وذكر الماتن (قده) أن الأقوى الصحة.
ونقول: إن ما كان من هذين غير ساتر بالفعل بأن كان له ساتر غيره فالصلاة صحيحة، وحكمه حكم النظر إلى الأجنبية أثناء الصلاة وغيره من المحرمات التي لا توجب بطلان الصلاة.
وأما لو كان الساتر بالفعل هو هذا اللباس، فبناءً على ما ذكره جماعة واخترناه من أن حرمة اللباس توجب تقييد أدلة اشتراط الساتر بالمباح، فيحكم حينئذٍ بالفساد لفقدان العبادة لشرطها.
ولكن ذكرنا أخيراً بأن حرمة الشرط إذا لم يكن عبادياً لا تسري للمشروط، والصلاة لا بد من أن تقع حال الستر، فالمطلوب حصة خاصة وهي الصلاة حال الستر، وهذه الحصة الخاصة موجودة فيحكم بالصحة، والشرط وجود آخر غير وجود المشروط وهو الصلاة، فإطلاق دليل الصلاة مع الساتر على حالها ولا خصوصية لساتر دون ساتر، فالصحيح الحكم بالصحة.
[[1]] الوسائل م3 ب11 أحكام الملابس ح1-2-3-4.
[[2]] الوسائل م3 ب7 أحكام الملابس ح7.
[[3]] الوسائل م3 ب17 أحكام الملابس ح5.
[[4]] الوسائل م3 ب13 أحكام الملابس ح1.
[[5]] نفس الباب السابق ح2.
[[6]] نفس الباب السابق ح3.
[[7]] الوسائل م12 ب87 ما يكتسب به ح1.
[[8]] نفس الباب السابق ح2.