(2)
ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) على التشريع
أي جعل القوانين والشرائع، وهذه الولاية مختصة بالله تبارك وتعالى.
وفي تشريع النبي (صلى الله عليه وآله) والمعصومين (عليهم السلام)، ابتداءً أو مع إمضاء الله تعالى، وكذا في إعطاء هذا الحق للأئمة (عليهم السلام)، مسبقاً أو بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله) .. كلام ليس هذا محل التعرض له.
* * *
( 3 )
ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في التشريع
لا إشكال في أنهم (عليهم السلام) المبلغون للشريعة من قبل الله تعالى، على تفصيل ليس هذا محل ذكره.
وجوب إطاعتهم:
كما لا إشكال في وجوب إطاعتهم في الأحكام الراجعة إلى تبليغ الشريعة، لأنهم أوصياء الله-عزّ وجلّ- وأمناؤه على وَحْيه وصيانة شريعته من التحريف والضياع.
وهذا من البديهيات عند كلّ مَنْ آمن بالإمامة والإمام.
ولايتهم على الأموال والأنفس والأعراض:
وكذا لا إشكال في وجوب إطاعتهم في الأوامر الشخصية في مقام إرشاد الناس في الموارد المخصوصة، سواء أكانت شخصية أَمْ عامّة، لقوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}([1]).
حيث تدلّ الآية الكريمة على وجوب إطاعة الله -تعالى- بالأمر الإرشادي دون المولوي وإلا لزم الدور، بمعنى: أن الآية ترشد إلى ما يحكم به العقل من وجوب إطاعة الله-تعالى- لِكَسْب رضاه ودفْع غَضَبِه بالقُرْب من الطاعة والبُعْد عن المعصية، كما تدل على وجوب إطاعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لنبوّته، وإطاعة أولي الأمر من الأئمة لإمامتهم، وهو وجوب شرعي، فتكون النبوة والإمامة جهة تعليلية، بمعنى: أنه مفترض الطاعة لأنه نبيٌّ ولأنه إمام.
فإذا كان الأَمْر بإطاعة الله-تعالى- إرشاديًا وإلا لزم الدور أو التسلسل، فالأمر من الله-تعالى- بإطاعتهم وجوب شرعي حتميّ، وإطاعتهم حينئذ إطاعة الله-تعالى- لأنها متفرعة على إطاعته سبحانه، فلا يكون الأمر بإطاعتهم إرشاديًا، فتجب إطاعتهم لأنهم كذلك، لا لأنه تجب إطاعتهم في جهات النبوة والإمامة، فإنَّ هذه الجهة تقييدية، وعليه فتجب إطاعتهم في كلّ شيء، وذلك بمعنى أنّ العلة لإطاعتهم في كلّ شيء هي النبوة والإمامة، وهذه الجهة جهة تعليلية.
وليست الإمامة في هذه الآية جهة تقييدية ليقال: أطع الإمام في شؤون إمامته.
وبالتالي: تجب إطاعة النبي والإمام في كل شيء حتى الأمور الشخصية، قال الله-تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا}([2])، فقضاؤهم (عليهم السلام) إنما هو في الأمور الشخصية، لا في الأمور الراجعة إلى النبوة والإمامة، فإنّ الخِيَرَة فيهما ليست للمؤمنين لينفيها القرآن الكريم.
والروايات في ذلك فوق حدّ الإحصاء، وقد ألفت الكتب في معاجز الأنبياء وكرامات الأوصياء والأولياء.
* * *
هذه الولاية على الأموال والنفوس والأعراض هي الولاية التشريعية، ولها حيثيتان:
الحيثية الأولى: استقلالهم بالتصرّف في جميع شؤون الناس بدون معرفتهم وبدون رضاهم.
الحيثية الثانية: ولايتهم التشريعية بمعنى توقّف تصرّف الغير على إذنهم ورضاهم (عليهم السلام) .
أما من الناحية الأولى (استقلالهم (عليهم السلام) بالتصرّف):
فقد عرفنا أن الله-تعالى- أمر بإطاعتهم، والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال عندنا في استقلالهم بالتصرّف، ويدل على ذلك قوله-تعالى-: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}([3])، فإنَّ هذا النص واضح في ولاية التصرّف في شؤون الناس، جميعِ شؤونهم، فإنَّ ولاية الإنسان على شؤونه الخاصة ثابتةٌ له بقدرته واختياره.
وهذه الولاية التي للإنسان هي للرسول أولى، علم الإنسان أو لم يعلم، رضي أو لم يرضَ، فهو أَوْلى بالتصرّف من نفس الشخص بالولاية على التكوين، وبالولاية التكوينية الآنفة، وبالولاية التشريعية التي هي محل البحث.
فالولاية تشريعية، والمقصود: أن الرسول قد ثبتت له جميع هذه الولايات ومنها هذه الولاية التشريعية.
وقد ثبتَتْ هذه الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) بخطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، حيث قال: ( أَلَسْتُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يارسول الله، فقال آخذًا بيد علي (عليه السلام): مَنْ كنْتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) ([4]).
كما ثبتَتْ لسائر الأئمة (عليهم السلام) بنَفْس الحديث الذي استنطقهم عن الآية، وبالأحاديث الأخرى، فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إنِّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)([5])، وعنه (صلى الله عليه وآله): (مَثَلُ أهلِ بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق)([6]).
وأما الناحية الثانية من الولاية التشريعية:
أنه هل يتوقف تصرّف الغير في شؤونه على إذنهم (عليهم السلام)؟
أو يحرم تصرفه مع مَنْعِهم (عليهم السلام) ؟
فهذه الناحية ترتبط بأبواب متفرقة، وتتوقف على الدليل في كل مورد.
([1]) النساء: 59 .
([2]) الأحزاب: 36 .
([3]) الأحزاب: 6 .
([4]) هذا الحديث من المتواترات عند الشيعة والسنة، راجع كتاب الغدير ج1/8 ؛ و 14/158 .
([5]) هذا الحديث مَوْرد وِفاق بين الفريقين، وأُلّفت لأجله الكتب، فراجع كتاب الغدير للعلامة الأميني (ره) وإحقاق الحق في التعليقات للمرعشي النجفي (ره) .
([6]) وسائل الشيعة باب5 من أبواب صفات القاضي ح10 .
أما من كتب العامة: فقد رواه الحاكم في المستدرك ج2/343 ؛ وصحّحه على شرط مسلم، وذخائر العقبى للمحب الطبري ص2 ؛ وتاريخ بغداد للخطيب:ج12/19 ؛ ومجمع الزوائد للهيثمي ج9/168 ؛ وحلية الأولياء لأبي نعيم ج4/306 ؛ والصواعق لابن حجر ص75 ؛ وكنز العمال ج6/153 و216 ط1 ؛ وغيرها .. وهذا الحديث أيضًا من المتواترات بين الشيعة والسنة فراجع الكتب المعتبرة عند الفريقَيْن .