هل تعتبر الأعلمية في القضاء؟

بعد اشتراط الاجتهاد في القاضي المنصوب فلا إشكال في عدم اعتبار كونه الأعلم، لأن الأعلم في كل عصر منحصر بشخص واحد، ولا يمكن تعليق القضاء بين جميع الناس بشخص واحد، فإنّ هذا إخلالٌ بالنظام لا حِفْظٌ له.

وأما اعتبار الأعلمية في نفس البلد والمنطقة التي يوجد فيها القاضي، فقد يقال به بناءً على أن القضاء من باب حفظ النظام.

ولكن الظاهر عدم الاشتراط، لإطلاق الروايات وشمولها لكل مَنْ عرف الأحكام ونظر في الحلال والحرام.

وحيث إن القضاء له موضوعية في النفوذ لحسم مادة الإشكال والنزاع حتى مع علم المحكوم بالخلاف لأن الراد على القاضي راد على الله-تعالى-، فلا يقاس بباب التقليد الذي يشترط فيه الأعلمية عند القائلين بها، لأن التقليد طريق للحكم، فتسقط الطريقية مع وجود طريق أقوى -بناء على اعتبار الأعلمية بالبناء العقلائي وبحكم العقل وبقاعدة الاشتغال- لو رجع في أعماله إلى غير الأعلم.

وهذا غير وارد في باب القضاء، لأنه بعد حكم القاضي ينفذ حكمه، ولا يُترافع عند فقيه آخر ليقع التعارض ويقدم الأقوى.

نعم.. لو ترافعا في عرض واحد عند شخصين، أو اختار كلٌّ منهما فقيها غير الذي اختاره الآخر، وتعارضا في الحكم، فيترجح حينئذٍ بالأعلمية أو بغيرها من الصفات التي ذكرت في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة، فقد سأل الراوي -بعد قول الإمام (عليه السلام) : (وهو على حد الشرك بالله)-: (فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا في ما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال (عليه السلام) : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر..)

 

مستند القاضي في قضائه

وردت في القضاء روايات قطعية الصدور، أجمع المسلمون على مضمونها، وهو (أن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر):

من هذه الروايات: صحيحة جميل بن درّاج وهشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادعي عليه)([1]).

ومنها: صحيحة سعد وهشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنما أقضي بينكم بالبينات والأَيْمان، وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعْتُ له من مال أخيه شيئًا فإنما قطعْتُ له به قطعة من النار)([2]).

ومنها: صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال: (سألته عن القسامة، فقال  (عليه السلام) : الحقوق كلها: البينة على المدّعي واليمين على المدعى عليه إلا في الدم خاصة..الحديث)([3]).

والموجود عندنا في أكثر الروايات هو التعبير (بالمدّعى عليه)، سوى روايات المستدرك حيث عبرّ فيها بقوله (واليمين على من أنكر)، والمعنى واحد.

وهذا لا إشكال فيه وهو محلّ وفاق، إنما الكلام في أن القاضي هل يجوز له أن يحكم بعلمه أو لا؟


 

([1]) الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم ح1.

([2]) الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم ح1.

([3]) الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم ح2.