الأمر الأول: في وجوب الجهاد وجوبًا عقائديًا

الجهاد فريضة إسلامية على كلِّ مسلم ذَكَرٍ عاقل غير معذور بأحد أسباب العُذْر التي نَصَّتْ عليها الآيات الكريمة، من العمى والعرج والمرض والضعف.

وهذا الحُكْم لا خلاف فيه بين جميع المسلمين، وهو مُلْحق عند المسلمين بالضروريات مع توفُّر شرائطه.

وقد تكرر الأَمْر به في القرآن الكريم على اختلاف الموارد التي يجب فيها الجهاد، واختلاف الأصناف الذين تجب محاربتهم من المشركين والكافرين والبغاة، قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}([1])، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}([2])، وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه}([3])، وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة}([4]).

وقال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}([5])، هذا في البغاة، وهناك طائفة أخرى من البغاة، وهم الخوارج على الإمام المعصوم الذي تجب طاعته شَرْعًا.

ثم إنَّ الجهاد واجب كفائي، ووجوبه الكفائي لا إشكال فيه كأصل وجوبه، لما هو المعلوم من سِيرة النَّبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، ولم تكن الحرب إلا لحماية الإسلام وبلاد المسلمين، ولا يمكن أن تخلو البلاد كلها وتخرج للحرب.

ويدل على كونه كفائيًا بعض الآيات الكريمة كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيمًا}([6])، فإنَّ هذه الآية دالَّة على عدم وجوب خروج الجميع.

وقوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}([7]).

 وأما قوله تعالى:{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}([8])، فقد قيل إنها في خصوص غَزْوة تبوك، حيث استَنْفرهم النبي (صلى الله عليه وآله) ، فتخلَّف فيها كعْب بن مالك وأصحابه، فهجرهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتى تاب الله-تعالى- عليهم، فهذه مخالفة لأَمْر شخصيٍّ، ولا تدلُّ على وجوبه على الكلِّ.

وَلْيَكُنْ شأنها شأن كلِّ واجب كفائي يُوَجَّه الخطاب فيه إلى كلِّ المسلمين، ليكون كل واحد مسؤولاً عن العِصْيان، نحو قوله-تعالى-:   {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}([9]).


([1]) النساء: من الآية74 .

([2]) الأنفال: من الآية65 .

([3]) الأنفال: من الآية39 .

([4]) التوبة: من الآية36 .

([5]) الحجرات: من الآية9 .

([6]) النساء:95 .

([7]) التوبة:122 .

([8]) التوبة : من الآية39 .

([9]) البقرة : من الآية216 .