حكم وكيل الفقيه

بعد الفراغ عن وجوب إطاعة الولي: فهل تجب إطاعة (وكلائه)، أم لا؟

لا إشكال في وجوب إطاعتهم إذا كانوا فقهاء جامعين للشرائط، وإن لم يتولَّ الولاية العامة، فتجب إطاعتهم في مناطق عملهم، لأنه وليّ في واقع الأمر، والمفروض أنه خبير في التشخيص.

ولا فرق بين أن يكون لتشخيصه وحكمه على وفق رأيه بعنوان ولايته الشخصية، أو وكالته وتفويضه من قبل الوليّ العام، بعد أن كانت منطقة نفوذ ولايته تابعة للولاية العامة، حتى لو كان حكمه مخالفًا لحكم الوليّ العام لو مارس دور التشخيص، ما دام ذلك مختصًا بمحلِّ عمله، ولا يخالف النظام العام لحكومة الولاية.

وأما إذا لم يكن فقيهًا، بل مجرد وكيل من قبل الوليّ: فهل تجب إطاعته أم لا؟

أما توكيله في منطقة لا تخضع في حكمها للوليّ الموكِّل: فلا يصح قطعًا، لاختلاف التشخيص في الحكم باختلاف الأمكنة وطبيعتها، وطبيعة الحكم والحكّام.

فالتوكيل خارج منطقته لا بد أن يكون للفقيه الجامع للشرائط، لأنه هو الذي يجب أن يشخِّص ويحكم، وسيكون التشخيص على أساس معرفته، والحكم على أساس نظره، وستكون مصلحة التشخيص عنده تابعة لتلك المنطقة أو الدولة التي لها وليّ آخر، فقيه أو غير فقيه، فلابد من ملاحظة المصلحة والنظام العام في تلك المنطقة.

فلو تصرف من خلال المصلحة العامة التابعة لولاية من وكَّله، فهذا نقض للغرض إذا تعارضت مصلحة منطقة ولايته مع نظام ومصالح الولاية العامة التي هو تابع لها، لأنه سوف يحصل الإخلال بالنظام العام، الذي هو محرَّم.

لذلك لا بد من ملاحظة النظام العام في خصوص منطقته.

والمفروض أنه ليس فقيهًا جامعًا للشرائط، فلا تجب إطاعة الوليّ نفسه، فضلًا عن وكيله وإن كان عارفاً بالتشخيص بشكل مباشر، الذي هو فرض نادر، لأنه مع الاختلاف في الحكم الناشئ عن التشخيص، سوف يحصل الإخلال بالنظام والظلم لذلك المجتمع الإسلامي.

وهذا غير موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو في ضمن دائرة النظام العام لمنطقة الوكالة والسلوك الديني العام، فلا بأس به.

وحينئذ فليس هناك أثر عملي للبحث في أنه تجب إطاعته على أساس وكالته أو لا، فإنه تجب إطاعته في حدود نفوذ ولاية الفقيه على جميع التقادير.

وأما إذا كان وكيلًا في المنطقة التي تخضع في حكمها وظروفها العامة-غير المحلّية- لولاية الفقيه الذي وكَّله، فهل يصح توكيله أو لا؟

لا إشكال في أنه يصح توكيله في كل الشؤون التي من شأنها تدبير الأمور، وحلّ مشكلات المنطقة التي تخص منطقته، فردًا ومجموعًا، وفي جميع الموارد التي لا تحتاج إلى الحكم وتشخيص الموارد التي تخول لإعطاء الحكم -والتي تقدم أنه لا بد فيها من الفقيه الجامع للشرائط -.

ففي هذه الموارد لا نرى جواز توكيله بقول مطلق ليكون كالفقيه في تلك المنطقة.

والرأي في ذلك هو الرأي في القضاء، حيث قيل فيه بجواز التوكيل بمعنى: أن يشخص ويحكم بحكم الفقيه بعنوان التطبيق، ولم نوافق على ذلك فقهيًا فيما تقدم.

وعلى تقدير القول بالجواز: فلا بد من فرض معرفة هذا الوكيل بجميع الخصوصات والمؤهلات للحكم في أي مورد، مع ملاحظة جميع الإيجابيات والسلبيات الشرعية.

إلا أن هذا الفرض، أعني فرض الحاجة في الأمور العامة إلى الحكم، فَرْض نادر بعد أن كان الكلام في المنطقة الخاضعة لحكم الولي العام، فينحصر الفرض في خصوص القضاء والمرافعات.

وما في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)  لمالك الأشتر، خارج عن الفرض، لأن مالكاً جامع للشرائط، بالإضافة إلى أن منطقة الولاية ليست منفصلة عن ولاية الإمام العامة على جميع المساحات الإسلامية، مع أنه حدد له الصلاحيات والتوصيات، ولا مقارنة بين التولية من قِبل المعصوم (عليه السلام) ، والتوكيل من قِبل الوليّ الفقيه، كما هو واضح.