السنة الرابعة / العدد الثاني عشر/ شتاء 2008 - محرم 1429هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

زيارة عاشوراء فوق الشبهات*

 

قبل الشروع في الحديث عن خصوص زيارة عاشوراء ـ من بيان نقطتين:

النقطة الأولى: لا يخفى أن من الأسس العقائدية المهمة الولاية والبراءة.

وإنما كانت الولاية والبراءة من الأسس العقائدية لأن الولاية والبراءة تخلقان في الإنسان التزام الحق ورفض الباطل.

ومن مظاهر الولاية هي الصلاة على محمد وآل محمد(صلى الله عليه وآله) وقد ورد في هذا المجال روايات كثيرة(1).

ومن مظاهر البراءة اللعن. وهو ما نتحدث عنه فعلاً.

النقطة الثانية: إن مبدأ اللعن منهج أسسه القرآن الكريم وأكدته النصوص الشريفة، فمن الآيات المباركة.

قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}(2).

وقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(3).

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ}(4).

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(5).

وقوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(6).

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(7).

وقوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً}(8).

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}(9).

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}(10).

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(11).

وقوله تعالى:{لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}(12).

وقوله تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(13).

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(14).

وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(15).

وإنما أسـس القرآن الكريم هذا المنهج لا من أجل تربية الإنسان على البذاءة وسوء القول، ولا من أجل زرع الحقد والتحامل بين أبناء المجتمع، وإنما الهدف منه تربية الإنسان على صلابة الإيمان والثبات على الحق، ومن أجلى مصاديق الصلابة والثبات مبدأ اللعن والتبرّي الذي يغذّي المؤمن بعنفوان رفض الباطل ونبذ الظلم والطغيان قولاً وفعلاً، ومن رموز هذا المنهج رشيد الهجري، وحجر بن عدي، وميثم التمار، وكميل بن زياد، وأبو ذر الغفاري و... ، الذين رفضوا الباطل وضحّوا بأنفسهم في سبيل مبدأ الرفض والبراءة.

وخلاصة القول : أن اللعن عبارة عن تربية روحية للمؤمن على قبول الخير ورفض الباطل.

ومن النصوص الحديثية المتضافرة في تدعيم هذا المنهج ورود اللعن على لسان الرسول: في عدة موارد منها: (لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي توفّي فيه، فجهّز إلى الروم جيشًا إلى موضع يقال له: مؤتة، وبعث فيه وجوه الصحابة وأمّر عليهم أسامة بن زيد فولّاه وبرزوا عن المدينة، فثقل المرض برسول الله (صلى الله عليه وآله) وحينئذٍ تمهّل الصحابة عن السير وتسلّلوا، ورسول (صلى الله عليه وآله) يصيح فيهم جهزوا جيش أسامة، لعن الله المتخلف عنه، حتى قالها ثلاثًا)(16).

ومنها: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ستة لعنتُهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: المُكذّب بقَدَر الله ، والزائد في كتاب الله ، والمتسلط بالجبروت ليذل ما أعز الله ويعز ما أذل الله ، والمستحل لحرم الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك سنتي)(17).

وقد لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحكم بن العاص ولعن من في صلبه، قال ابن حجر في صواعقه(18): (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ليدخلن الساعة عليكم رجل لعين! فدخل الحكم بن العاص).

روى الواقدي كما في السيرة الحلبية(19) أن الحكم بن العاص استأذن يومًا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعـرف صوته فقال: (ائذنوا له، لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليـل ما هم).

وجاء فــي كنز العمـال(20): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعـن الحكم بن العاص وما ولد. وقالـت عائشة لمروان: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعـن أباك وأنت فـي صلبه(21).

وفي رواية أخرى. قالت عائشة لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبيك وجدك أبي العاص بن أمية أنكم الشجرة الملعونة في القرآن. هكذا أخرجه ابن مردويه(22).

وقال برهان الدين الحلبي: وفي رواية كان (صلى الله عليه وآله) يقول: (اللهم العن فلانًا، وفلانًا)(23)

وأخرج البخاري عن يحيى بن عبد الله السلمي: أخبرنا معمر عن الزهري، حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول: (اللهم العن فلانًا، وفلانًا بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}إلى قوله تعالى {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}(24).

ووقف الرسول (صلى الله عليه وآله) طويلاً عند الحكم بن العاص والد مروان بن الحكم وجدّ خلفاء بني أمية فقال الرسول لأصحابه: (ويل لأمتي من هذا وولد هذا)(25).

وقال (صلى الله عليه وآله) يومًا لأصحابه مشيرًا إلى الحكم: (ويل لأمتي مما في صلب هذا)(26).

وأشار الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى ذات الشخص بقـوله: (إن هذا سيـخالف كتاب الله وسنـة رسوله وسيـخرج من صلبـه فِتَنٌ يبلغ دخانها السمـاء وبعضـكم يومئذ شيعـته)(26).

وبعد أن كشف الرسول (صلى الله عليه وآله) خطورة الرجل وحقيـقة أولاده (لعنـه رسول الله ولعن أولاده)(27) (28).

قال عبد الرحمـن بن أبي بكـر لمروان: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن أباك وأنت في صلبه)(29).

وقال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) لمـروان: (لقد لعنك الله على لسـان رسوله وأنت فـي صلب أبيـك)(30).

وقال الحلبي في رواية عن رسول الله: صار رسول الله يقول: (اللهم العن فلانًا وفلانًا)(31).

وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد: (اللهم العن أبا سفيان، والعن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية...).

وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال (كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يدعو على أربعة نفر...)(32).

وأخرج نصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفين: عن البراء بن عازب قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(اللهم العن التابع والمتبوع) اللهم عليك بالأقيعس، فقال ابن البراء لأبيه من الأقيعس؟ قال: معاوية. وأخرج نصر بن مزاحم أيضًا قال... فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد وآخر سائق، فلما نظر إليه رسول الله قال: (اللهم العن القائد والسائق والراكب)، قلنا أنت سمعت رسول الله؟ قال: (نعم وإلا فَصُمّت أذناي)(33).

وانظر إلى رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها لمعاوية فقد جاء فيها:

[وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة... وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك وعليه خَلَفته)(34).

ومما يدل على أن لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي سفيان ومعاوية كان شائعًا ومعروفًا بين الناس ويؤكد صحة ذلك أن معاوية الذي رد على رسالة محمد بن أبي بكر لم ينف واقعة لعن الرسول (صلى الله عليه وآله) لأبيه وله ولإخوته].

وغيرها من الشواهد(35)التي تثبت بشكل واضح لا يقبل الريب أن مبدأ اللعن، مبدأ قرآني ونبوي، وأنه منهج روحي لتربية النفس على رفض الباطل من خلال رفض أهله والتبرّي منهم. ولذلك فهو جزء لا يتجزأ من ثقافة المسلمين وخصوصًا شيعة أهل البيت (عليهم السلام) التي ورثوها عن الكتاب والسنة وسيرة المعصومين (عليهم السلام) فإن هذه الشواهد الكثيرة من روايات الفريقين متضافرة إلى حد التواتر الإجمالي بل المعنوي وهو ممّا يوجب اليقين بمواظبة المعصومين (عليهم السلام) على مبدأ اللعن وأنّه عمل فاضل راجح.

وقد يقال: إن ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: إني أكره لكم أن تكونوا سبابين دال على حرمة اللعن والسب.

فنقول: إن هذه المقالة ناشئة عن عدم التأمل وذلك:

أولاً: إن كلمة أكره لا تدل على الحرمة الاصطلاحية إلاّ مع القرينة وهي مفقودة.

وثانيًا: إن الحكم متوجه للمخاطبين الذين قال لهم "لكم" ولا يحرز شموله لجميع المسلمين لاحتمال خصوصية للأفراد المقاتلين معه، بلحاظ أن مقام القتال والحرب على العدو يقتضي الابتعاد عن المواجهة الكلامية والتوجه لما هو أهم وأجدى في تلك الحال.

وثالثًا: إن مصب الكراهة هو السبَّّّّّاب، وفرق بين السبّاب والساب بلحاظ أن الكلمة الأولى صيغة مبالغة مفادها كثرة السب، ومن الواضح أن كراهة كثرة السب لا تستلزم كراهة السب في نفسه.

ورابعًا: إن النهي في الرواية نهي إرشادي لا مولوي، بقرينة ما في ذيلها: فلو وصفتم أعمالهم وذكرتم أفعالهم لكان ذلك أصوب في القول وأبلغ في العذر.

مما يعني أن مضمون الرواية الإرشاد إلى أهمية وصف الحال من السب في التأثير على نفوس الطرف الآخر لا أن مفادها تحريم السب أو بيان مرجوحيته.

وخامسًا: إن هناك فرقًا لغويًا وعرفيًا واضحًا بين السب واللعن، فالسب هو التعريض بالشرف والعرض بينما اللعن دعاء بطلب الطرد من رحمة الله، فالنهي عن الأول لا يستلزم النهي عن الثاني، وبذلك يتضح عدم صحة الاستدلال على مرجوحية اللعن بما ورد في المنصوص من ذم الفحاش البذيء اللسان فإن الفحش والبذاءة وسوء القول من مصاديق السب، والنهي عن السب بتمام مصاديقه لا يستلزم النهي عن اللعن.

مضافًا لإمكان الجمع العرفي بين النصوص الدالة على رجحان اللعن من القرآن والسنة والنصوص التي يشم منها النهي، بالفرق بحسب المتعلق، وأن المنهي عنه هو لعن المؤمنين والنيل منهم وأن الراجح المطلوب هو لعن الظالمين، خصوصًا ظالمي أهل البيت (عليهم السلام).

وبعد الفراغ عن رجحان اللعن وأهميته نتعرض فعلاً لأوضح نماذج اللعن الوارد عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو اللعن الوارد في زيارة عاشوراء.

فنقول: إن الاستدلال على ثبوت زيارة عاشوراء بتمام فقراتها، يعتمد على عرض نقاط ثلاث:

النقطة الأولى: في تحصيل الوثوق والاطمئنان بل اليقين بصدور الزيارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) وذلك من خلال ذكر مقدمتين:

الأولى: كبروية.

والثانية: صغروية.

أما المقدمة الكبروية: فهي تتضمن أمرين:

الأول: إذا اشتهرت رواية أو خبر معين نتيجة تعدد المصادر والطرق وتنوع الرواة فإن هذه المرتبة من الشهرة توجب الوثوق والاطمئنان بصدوره عن المعصوم والاطمئنان حجة شرعية.

الثاني: إن المناشئ العقلائية الموجبة للوثوق والاطمئنان كثيرة وأهمها ثلاثة:

أ ـ العامل الكمّي: وهو عبارة عن كثرة مصادر الرواية وتعدد طرقها وتنوع رواتها، فإن تضافر الطرق والمصادر يؤدي طبعًا للوثوق بالرواية، كما سلكه فقهاء الطائفة في الاعتماد على بعض النصوص وإن لم تكن تامة من حيث السند خصوصًا في المستحبات والمكروهات.

ب ـ العامل الروحي: وهو توافق الرواية من حيث مضمونها مع المضامين والملاكات العامة المذكورة في الكتاب والسنة القطعية، ولذلك نرى كثيرًا من الأحاديث تستند للاستشهاد بالكتاب من باب الإرشاد لهذا العامل ومدى تأثيره في الوثوق بالمضمون، نحو موثقة عبد الأعلى مولى آل سام، قال فيها الإمام (عليه السلام) (هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله، ما جعل عليكم في الدين من حرج)(36)، ونحوها ما رواه الكليني أيضًا في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) (إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال، فقيل له: يابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ فقال: إن الله عز وجل يقول: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، وقال: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً}، وقال: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}(37).

يتبع==

ـــــــــــــــ

الهوامش

* بحث بقلم المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي قدس سره

1- فلاحظ ما رواه البرقي في المحاسن: 1/59-96، والحميري في قرب الإسناد ص40 و130، وص310 و1210؛ والكليني في الكافي ج 2/558 ح 8، و583 ح18، و ج3 ص182 ح1، وص184 ح3، وص 187 ح5، وص 356 ح 5، وص 428 ح1 و2 و3، وج 4: 552 ح3 و4 و5 و6، وج6 ص31 ح4، وج8 ص173- 194؛ وابن قولويه في كامل الزيارات ص 53 ح5، وص 55 ح6، وص 58 ح10، وص442 ح1، والصدوق في الفقيه ج1: 112 ح228، وص163 ح466، وص 239 ح723، وص 323 ح948، وفي معاني الأخبار، باب معنى الصلاة على النبي ص، ص115. وغيرها الكثير.

2- سورة البقرة الآية 88.

3- سورة البقرة الآية 89.

4- سورة البقرة الآية 159.

5- سورة البقرة الآية 161.

6- سورة آل عمران الآية 61.

7- سورة آل عمران الآية 87.

8- سورة النساء الآية 46.

9- سورة النساء الآية 47.

10- سورة النساء الآية 52.

11- سورة النساء الآية 93.

12- سورة النساء الآية 118.

13- سورة المائدة الآية 13.

14- سورة المائدة الآية 60.

15- سورة المائدة الآية 78.

16- طبقات ابن سعد ج2 ص1 ح37 ، وج2 ص2 ح41 ، وج4 ص1 ح47 ؛ فتح الباري، للعسقلانى : ج7 ص87 وج8 ص152، كنز العمال : ج10 ص572 ح30266 ؛ تهديب تاريخ ابن عساكر ج1 ص117 و122؛ دلائل الصدق ج3 ص4 و5 ؛ الملل والنحل: ج1 ص29 ؛ شرح نهج البلاغة ج6 ص52 ؛ أصول الأخيار ص68.

17- هذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه في ثلاثة مواضع ج1: 36، وج2: 525، وج4: 90، وقال هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ؛ ورواه بن حبان في صحيحه 13: 60، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/176 ؛ والطبراني في المعجم الكبير: 17: 43 ؛ وفي الأوسط 2: 398 ؛ وابن ابي عاصمه في السنة 2/628.

18- الصواعق المحرقة ص144. ورواه البلاذري في أنساب الأشراف 5: 126؛ والحاكم في مستدركه 4: 481، وصححه.

19- السيرة الحلبية 1/337. وذكره السيوطي في جمع الجوامع نقلاً عن أبي يعلى، والطبراني، والحاكم، والبيهقي، وابن عساكر.

20- كنز العمال 6/90.

21- المستدرك للحاكم 4/481 ؛ وتفسير القرطبي 16/197 ؛ وتفسير الزمخشري 3/99 ؛ والفائق 2/325 ؛ وتفسير ابن كثير 4/159 ؛ وتفسير الرازي 7/491 ؛ وأسد الغابة لابن الأثير 2/34 ؛ والنهاية لابن كثير 3/23 ؛ وشرح النهج لابن أبي الحديد 2/55 ؛ وتفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري 26/13 ؛ والإجابة للزركشى ص141 ؛ وتفسير النسفي هامش الخازن 4/132 ؛ والصواعق المحرقة لابن حجر ص108 ؛ وإرشاد الساري للعسقلاني 7/325 ؛ ولسان العرب 9/73 ؛ والدر المنثور للسيوطي 6/41 ؛ والسيرة الحلبية 1/337 ؛ وتاج العروس 5/69 ؛ وتفسير الشوكاني 5/20 ؛ وتفسير الألوسي 6/2 ؛ والسيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية 1/245.

22- الدر المنثور للسيوطي 4/191 ؛ والسيرة الحلبية 1/337 ؛ وتفسير الشوكانى 3/231 ؛ وتفسير الألوسي 15/107.

23- السيرة الحلبية: 2/234 طبعة مصر.

24- صحيح البخاري: 3/24 طبعة عيسى البابي الحلبي بمصر.

25- راجع كنز العمال ج11 ص167، والإصابة لابن حجر ج2 ص29.

26- رواه ابن عساكر راجع كنز العمال ج11 ص167.

27- رواه الدار قطني راجع كنز العمال ج11 ص167، وابن عساكر ج11 ص360، والطبراني ج11

167.

28- مجمع الزوائد ج5 ص241 وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط.

29- مجمع الزوائد ج5 ص241 وقال رواه البزار.

30- مجمع الزوائد ج5 ص240، وابن سعد وابن عساكر راجع كنز العمال ج11 ص357، وابن كثير ج8 280.

31- السيرة الحلبية ج2 ص 234.

32- الدر المنثور للسيوطي ج5 ص71.

33- وقعة صفين ص217، وص 220، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون.

34- مروج الذهب للمسعودي ج3، ص14.

35- فلاحظ ما روي من طرقنا ما رواه الكليني في الكافي : 293/14ح2، وج8: 69، والصدوق في الخصال ص338 باب الستة، والمفيد في الفصول المختارة ص225، والبياضي العاملي في الصراط المستقيم 1: 148، والمحدث النوري في المستدرك 4: 410 / 1 و 2. ومحمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين 2: 319. ومحمد بن طاهر القمي الشيرازي في كتاب الأربعين ص633. والعلامة الأميني في الغدير، باب قنوت أمير المؤمنين 2: 132. والحر العاملي في وسائل الشيعة في مواضع كثيرة منهاج3: 70، باب4 من أبواب صلاة الجنازة. وغيرها الكثير.

36- فروع الكافي 3: 33 / 4.

37- أصول الكافي 1: 60 / 5.

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني عشر