السنة الثانية عشرة / العدد التاسع والعشرون / كانون ثاني  2017م / ربيع ثاني  1438هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

بـدايــــة التـشـيّـع(*) (**)

سماحة آية الله الشيخ مفيد الفقيه (قده)

 

مقدمة

الشيعة في اللغة: الأتباع والأنصار([1]).

قال تعالى: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}([2])، {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}([3]).

وفي الاصطلاح: أصبح اسمًا للمذهب المخصوص الذي امتاز بولاية علي بن أبي طالب  (عليه السلام) وأولاده الأحد عشر  (عليهم السلام) من بعده، والقول بأحقيّتهم بالخلافة بالنَّص، على خلاف بين الشيعة أنفسهم في ذلك، بسبب اختلاف الفِرَق المسمّاة بالشيعة، ونحن عندما نطلق لفظ [الشيعة]، وننسب إليهم شيئًا فإنّنا نعني الإمامية الاثني عشرية.

آراء حول بداية التشيع

قال الأشعري: [وإنما قيل لهم شيعة لأنهم شايعوا عليًا رضوان الله عليه، ويقدِّمونه على سائر أصحاب رسول الله (ص)]([4]).

قال الشهرستاني: [الشيعة هم الذين شايعوا عليًا  (عليه السلام) على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نَصًّا ووصيّةً.. ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأئمة..]([5])، وذكر ابن حزم نحو ذلك([6]).

قال الشيخ المفيد (رحمه الله) بعد بيان المعنى اللغوي: [.. فأما ما دخل فيه علامة التعريف فهو على التخصيص لا محالة لأتْباع أمير المؤمنين  (عليه السلام) على سبيل الولاء، والاعتقاد بإمامته بعد الرسول  (صلى الله عليه وآله) بلا فصل، ونفي الإمامة عمّن تقدمه في مقام الخلافة..]([7]).

هذا هو معنى الشيعة بغض النظر عن الفِرَق المتعدّدة والباقية من الشيعة.

وأما وقت بدء إطلاق الاسم فهو بطبيعة الحال لا يرتبط ببداية المذهب وتاريخ تكوّنه، لأن المضمون شيء والاصطلاح شيء آخر، وإن كانت الشهرة والانصراف إليه بدون تقييد بحيث صار عَلَمًا، فإنّها جاءت متأخّرة عن بداية نشوء المذهب.

وأما وقت تأسيس المذهب فالشيعة أصحاب المذهب لهم في ذلك رأي، ولسائر الناس من غير الشيعة آراء أخرى وإن كان بعضها يرجع إلى ما تقوله الشيعة.

فالشيعة يقولون بأن بداية مذهب التشيع كانت في زمان الرسول  (صلى الله عليه وآله) حيث نَصّ على خلافة علي بن أبي طالب  (عليه السلام) بنظرهم، وأُطلِق عليهم هذا الاسم في زمانه لا على النحو الذي يكون به عَلَمًا.

وهناك من يرى بأنه ابتدأ بعد وفاة النبي الأكرم  (صلى الله عليه وآله) مباشرة باجتماع السقيفة، وتخلُّف علي وجماعة آخرين عن البيعة([8])، وهذا يؤكّد القول الأول، لأنّه ما كانت لتنشأ الفكرة عشوائيـًا بعد وفاة الرسول  (صلى الله عليه وآله) لولا أن عليًا  (عليه السلام) ومن تخلّف عن البيعة كانوا يرون أنها حقٌ لعلي  (عليه السلام).

ومنهم من يرى أن المذهب ابتدأ في عهد عثمان وبلغ ذروته بمقتله، وأن سبب الفتن التي أدّت إلى ذلك كله هو "عبد الله بن سبأ".

ومنهم من يرى أنه ابتدأ في وقعة صفين بعد التحكيم.

ومنهم من يرى أنه: [كان تكتلاً إسلاميًا ظهرت نزعته أيام النبي  (صلى الله عليه وآله)، وتبلور اتجاهه السياسي بعد قتل عثمان، واستقل الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين]([9]).

ومنهم من يرى أنه ابتدأ بحركة التوابين بعد استشهاد الإمام الحسين  (عليه السلام)([10]).

ومنهم من يرى أنه ابتدأ في القرن الأول الهجري لأحد الأسباب الآنفة أو غيرها.

مناقشة الآراء

أما القائلون بأنه بدأ في عهد عثمان فمنهم ابن حزم وغيره من المؤرخين([11])، والشهرستاني الذي قال عن عبد الله بن سبأ: [السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه‏:‏ أنت أنت يعني‏:‏ أنت الإله فنفاه إلى المدائن.. وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصيِّ موسى مثلَ ما قال في علي، وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه، ومنه انشعبت أصناف الغلاة..]([12]).

وذكر البغدادي([13]) نحو ذلك في ابن السوداء وابن سبأ، ما يظهر منه أنهما شخصان، بينما يظهر من بقية المؤرخين أنهما اسم لشخص واحد، وذكروا غلوَّه وقوله بألوهية علي  (عليه السلام) وتبعه جماعة، وأن عليًا  (عليه السلام) أحرق جماعة منهم، ثم نفى هذين الرجلين إلى المدائن لمّا خاف الفتنة من قتلهما بإرشاد ابن عباس، فافتتن الناس بهما.

ونكتفي في ردّ روايات الشهرستاني والبغدادي بما ذكره بعضهم([14])، قال:

[ونودّ أن نشير إلى أن روايات الشهرستاني عن مقالات المعتزلة إنما هي متحاملة.. والشبه بين ما يقوله البغدادي والشهرستاني وبين ما يقوله ابن الراوندي مما يدعو إلى الشك في قيمة روايتهما.. كما يقول الفخر الرازي عن الملل والنحل وصاحبه أنّه: كتاب حكى فيه مذاهب أهل العلم بزعمه، إلا أنه غير مُعتمَد عليه، لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى بـ[الفَرْقُ بين الفِرَق] من تأليف الأستاذ أبي منصور البغدادي، وهذا الأستاذ كان شديد التعصب على المخالفين]([15]).

وقال ابن حزم بعد الحديث عن الكيسانية: [وقالت السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي مثل ذلك في علي بن أبي طالب، وزادوا أنه في السحاب]، ثم قال: [فصار هؤلاء في سبيل اليهود القائلين..]([16]).

وابن حزم هذا أسوأ حالاً من البغدادي والشهرستاني من هذه الجهة، وهو أشهر من أن يُعرّف في التشنيع عليه من فقهاء عصره وغيرهم، ومن الحُكْم بضلاله وعدم الاقتراب منه، لاختلاقه الأحاديث وكذبه على العلماء، وتهجّمه على الناس حتى وُصف لسانه بأنه شقيق سيف الحجاج، فحكموا بإحراق تآليفه([17])، مضافًا إلى أنه صوّب ما فعله عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- من ضَرْبه أمير المؤمنين علي  (عليه السلام) بالسيف أثناء صلاته، بحجة أنه اجتهد فيكون بذلك -والعياذ بالله- مُثابًا، قال([18]): [إنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليًا -رضي اللّه عنه- إلاّ متأوّلاً مجتهدًا مقدِّرًا أنّه على صواب، وفي ذلك يقول "عمران بن حطان" شاعر الصفرية:

يـا ضربــةً مـن تقيّ مـا أرادَ بهــا

 

 

إلاّ ليبلغَ من ذي العرشِ رضوانًا

 

وقد كان محبًّا لبني أمية، معتقدًا بصحة خلافتهم، وله من الخرافات ما لا يُحصى]([19]).

ويقول بعض الكتّاب المعاصرين: [إنّ الخلاف السياسي الذي صاحبَ مشكلة الخلافة قد أخذ ينقلب إلى صورة دينية عقائدية، وانتهز هذه الفرصة رجالٌ من أمثال سلمان الفارسي وعبد الله بن سبأ، لكي يتفرق المسلمون في اتجاه خطير وجد فيه الغلاة مآربهم في المروق عن الإسلام..]([20]).

وهذا الكاتب لم يُحسن الاجترار لأقوال السلف، لأنه لم يَطْعَنْ أحدٌ منهم في سلمان فيما نعلم، ومع أنه لا يستحق الردّ فيظهر الردّ عليه بعد نَقْل بقية أقواله.

ومثله في ذلك ما قاله الآخر([21])، حيث لخّص شرور عبد الله بن سبأ في أنه أول من أحدث القول في رجْعة علي إلى الدنيا بعد موته، وبأن عليًا لم يُقتل، وذكر أن من تعاليمه تفرّعتْ آراء كثير من الفِرَق التي منها قول الإمامية بأن الإمامة محصورة في الأئمة الاثني عشر  (عليهم السلام).

ويقول آخر: [وتكاد تُجمِِع كتبُ العقائد الإسلامية على أن عبد الله بن سبأ هو أول من دعا إلى فكرة القداسة التي نُسِبت إلى علي، وكان يهوديًا قبل الإسلام..]([22]).

ولو سلمنا صحة هذه الدعوى، نقول: إنه نسي إجماعهم على شِرْك كثير من الصحابة قبل الإسلام، غافلاً عن أنّ إسلامه ويهوديته لا علاقة لها بالشيعة، وأما قداسة علي بن أبي طالب  (عليه السلام) فأوّل من دعا إليها هو الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله)، لا عبد الله بن سبأ الموهوم.

ومثله في هذه الأقوال مؤلِّف كتاب المذاهب الإسلامية، وأحمد أمين أحد مؤسسي هذه البدع في هذا العصر، ولا يخفى بأن أقوالهم هذه لا تخرج عن كونها اجتهادًا ووجهات نظر في تخريج بعض الحوادث المنقولة وتفسيرها، وهذا النوع من الاجتهاد في خصوص هذه المسألة لا مسرح له، وذلك لعدة أسباب، نجملها بالقول:

إن عقائد المذهب ينبغي أن تؤخذ من أصحابه في جميع شؤونه، حتى الناحية التاريخية، لا لأنّ التاريخ وقْفٌ على فئة مخصوصة في تفسير حوادثه كما تريد حسبما يظهر من أقوالهم الجزافية، بل لأن البداية التاريخية للمذهب ترتبط بمضمون العقيدة وجوهرها، وفرْقٌ واضح بين شيعي أخذ مذهبه من سلسلة تنتهي إلى عبد الله بن سبأ، وبين شيعي أخذه من سلسلة تنتهي إلى رسول الله  (صلى الله عليه وآله) ولا يوجد في حلقاتها عبد الله بن سبأ، أو غيره من الأشخاص الذين لا وجود لهم إلا في مخيلة الكتّاب المذكورين -إذا أحْسَنّا الظنّ بهم-، وإلا فلا وجود له حتى في تصورهم، ولم يكن ذلك مجرد فرضية ساقوها على نحو القضية الحقيقية التي يصح الحكم عليها بمجرد افتراض الموضوع، ظنًا منهم بأن هذا يوجب الشك في البداية الحقيقية للمذهب، وبالتالي إنكاره لمجرّد أنهم لا يعتنقون هذا المذهب، أو لا يحبون أهل البيت  (عليهم السلام).

عبد الله بن سبأ وهمٌ أم حقيقة؟

والواقع أنه لا وجود لشخص اسمه عبد الله بن سبأ كما حققه جملة من الشيعة والسّنة([23])، ولو وُجد فلا يصح أن يكون هو البداية تاريخيـًا وفكريـًا.

قال الدكتور طه حسين: [والغريب أن هؤلاء المؤرخين قد نسوا ابن سبأ والسبئية نسيانًا تامًّا، أو أهملوها إهمالاً كاملاً، حين روَوْا حرب صفين، فابن السوداء لم يَخْرُجْ مع الإمام علي إلى الشام، وأصحاب ابن السوداء خرجوا معه، ولكنّهم كانوا أنْصَحَ له، وأوْفى الناس بعهده، وأطْوَع الناس لأمْرِه، لم يأتمروا ولم يسعَوْا إلى الفساد بين الخصمَيْن، وإنما سمعوا وأطاعوا، وأخلصوا الإخلاص كلَّه، حتى إذا رُفِعَت المصاحف خرج بعضهم مع الحَكَمَة الذين أنكروا الصحيفة وما فيها، كحرقوص بن زهير، وأقام بعضهم على طاعة الإمام علي، وإن أنكر الصحيفة وكره الحكومة كالأشتر.

وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية، وعن ابن السوداء في حرب صفين، أنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء، إنما كان مُتكلَّفًا منحولاً قد اخْتُرِع بالأحرى حين كان الجدل بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يُدخِلوا في أصول هذا المذهب عنصرًا يهوديـًا، إمعانـًا في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستندًا إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح، لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت في صفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب الإمام علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه، ويكَفِّر من مال إليه، أو شارك فيه.

ولكنّنا لا نرى لابن السوداء ذكرًا في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين، وعن نشأة حزب المحكمة]، ثم يقول:

[أمّا أنا فلا أعلّل الأمرَيْن إلا بِعِلّة واحدة، وهي أنّ ابن السوداء لم يكن إلا وَهْمًا.. إنّ عبد الله بن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة، ولا وجود له في الخارج]([24]).

ويضيف صاحب كتاب نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية سببًا آخر لمبالغة المؤرخين في ابن سبأ، وهو أنه حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان وحرب الجمل شارك فيها كبار الصحابة، الذين حاربوا مع الرسول  (صلى الله عليه وآله) وشاركوا معه في وضع أسس الإسلام، وشاركت زوجة الرسول  (صلى الله عليه وآله) فيها، وهذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، فكان لا بد من إلقاء مسؤولية هذه الأحداث الجِسام على كاهل أحد.. فكان هذا عبد الله بن سبأ، الذي أثار الفتن من الناحية السياسية، ومن الناحية الفكرية بظهور الشيعة.

ثم قال: [ولكن أليس عجبًا أيضًا أن يعبث دخيل في الإسلام كل هذا العبث، فيحرك تاريخ الإسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تمّ عليه، وكبار الصحابة شهود]([25])

ثم ذكر أن موقف الذين أَرْجعوا كل فِرَق الشيعة إلى آراء ابن سبأ يدعو إلى بعض الشك في حيادهم في الرأي، فمعظمهم إما من كتّاب الفرق الذين أخرجوا فرق الشيعة برمتها عن حدود الإسلام.. أو أنهم من السلفيين الذي يقفون من الشيعة على طرفَي نقيض؛ من أمثال ابن تيمية قديمًا، وعبد الله القصيمي الذي يعتبر ابن سبأ أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه([26]).

والمصدر الرئيسي لقصة [عبد الله بن سبأ] هو ابن جرير الطبري في تاريخه، حيث أورد روايتين:

قال في الأولى: [.. فأسلم ابن سبأ زمن عثمان، ثم تنقّل في بلاد المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمد فيهم..]([27]).

ويقول في الرواية الثانية أنّ عبد الله بن عامر والي البصرة علم بعد مضي ثلاث سنوات من إمارته بوجود رجل حكيم اسمه ابن جبلة، كان يسكن البصرة ويترأس عصابة من اللصوص، كانت تُغير في المناسبات على أطراف بلاد فارس، فكتب في أمره إلى عثمان، فأمر الخليفة بحجزه، وجماعته في البصرة، فكان حكيم بن جبلة لا يستطيع أن يخرج منها، فلما قدم ابن السوداء نزل على البصرة سنة 29هـ([28]).

وقد حُبس حكيم بعد ثلاث سنين من بدايتها، فيكون قدوم ابن السوداء للبصرة بين سنة 32 إلى 33 هـ، بينما الرواية الأولى يظهر منها أنه في السنوات الأخيرة من حكم عثمان.

ويروي الطبري رواية أخرى في لقاء ابن سبأ مع أبي ذر([29])، مع العلم بأنّ أبا ذر توفي بعد ذلك في الربذة بين سنة (31-32هـ).

وبالإضافة إلى هذه التناقضات فإن المصدر الوحيد لقصته هو الطبري، ولم يذكر المصادر المهمة التي روت بقية الحوادث المهمة كما أشير إليه سابقًا.

ومصدر الطبري هو [سيف بن عمر التميمي] المتوفى سنة170هـ، المعروف بتزوير التاريخ واختلاق الحوادث، ووَضْع الأحاديث والضعف والزندقة، وقد اتّفق أهل الجرح والتعديل على أنّه من أكذب الناس([30]).

وعلى كل حال، فأكثر المتأخرين من الكتّاب العرب وغيرهم([31])عندما يمرون بأسطورة ابن سبأ ينكرون هذه الشخصية بعد تقديم تحقيق وتمحيص للنصوص، وبعضهم يضع حولها علامات الاستفهام مُشكِّكًا([32]).

ويرى بعضهم أن ابن سبأ هو الصحابي الجليل عمار بن ياسر، لأنه كان يُسمَّى ابن السوداء([33]) أيضًا الذي كانت تشتمه قريش سرًّا أيام عثمان، وعندما يسمع الرواة بـ[ابن السوداء] يظنون أنه غير عمار، فتراكمت حوله الأساطير بالتدرج، وكما سمّوا ابن سبأ بابن السوداء -كما رأيْتَ- فكذلك كانوا يكنّون عمار بـ[ابن السوداء]، وكانت هذه طريقتهم فيمن يريدون تحقيره، حتى أطلقوا على سيد الرسل  (صلى الله عليه وآله) في بدء الدعوة [ابن أبي كبشة]، وسموا عمارًا أيضًا [ابن سميّة]، وحيث إنه كان يمانيّ الأصل فهو من سبأ، وكان شديد الحب لعلي بن أبي طالب  (عليه السلام)، وكان يقول بالرجعة، ويحرّض الناس على عثمان بمصر -كما قيل-، تمامًا كما ينسبون لابن سبأ غير ذلك مما يشهد له تاريخ عمّار.

ويؤيد ذلك عداوة عثمان لعمار، حيث يروي أكثر المؤرخين والمفسرين في تفسير قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}([34]): [أنّ المسلمين عندما بنوا المسجد كان عمار يجهد نفسه أكثر من غيره، وقد مرّ عثمان وأثار الغبار في وجهه، فوضع كمّه على أنفه، فاعترضه عمار برجز قال فيه:

لا يستوي من يبتني المساجدا
ومنْ يُـرى عن الغبار حـائــدا

 

 

يظل فيها راكعًـا وساجـدا
يُعرض عنها جاحدًا معاندا

 

فقال له عثمان: يا ابن السوداء، إياي تعني؟

ثم أتى رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وقال له: لم ندخل معك لسبِّ أعراضنا.

فقال له النبي  (صلى الله عليه وآله): قد أقَلْتُك إسلامَك، فاذْهَبْ.

وبعدها قال النبي  (صلى الله عليه وآله): "ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار!؟"]([35]).

بالإضافة إلى أقواله  (صلى الله عليه وآله) المعروفة في حقه.

التشيع ليس إرثًا يهوديًا

وإذا كان كُتّاب الفِرَق ينسبون التشيعَ إلى عبد الله بن سبأ ليَحْكموا عليه بالأصل اليهودي على طريقة اللف والدوران، فإنّ بعض كُتّاب التفريق ينفي دَوْرَ عبد الله بن سبأ في ظهور التشيع ليُثْبِت الأصل اليهودي مباشرة، فإنّه بعدما افترض أن التشيّع تأخّر عن صدر الإسلام وظهر في زمن الإمام الصادق  (عليه السلام)، يذكر دليلاً آخر يتمثل على حدّ تعبيره في احتواء عقيدة الشيعة على تأثيرات ومواريث إسرائيلية ومانوية([36]) وفارسية، قد خلا منها الفكر الإسلامي البسيط في عصر صدر الإسلام، حيث لم يكن قد تَمَّ التفاعل بعدُ بين الفكر القرآني والنبوي وبين فكر الفرس، ولم تكن قد قامَتْ أبنية وعقائد نظرية تتيح فرص التفاعل والامتزاج وبعض مواريث الإسرائيليين.

ثم نقل عن المسعودي في كتاب "إثبات الوصية" قَوْلَ أمير المؤمنين علي  (عليه السلام) حين دنا أجَلُه بعد كلام: [إنّ الله أحب أن يجعل فيَّ سُنّة نبيّه يعقوب  (عليه السلام) إذ جمع بَنِيه وهم اثنا عشر ذكرًا وقال: إني أوصي إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره.. وإنّي أوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما..]، ثم عقَّب الكاتب المذكور: [وهذا ميراث إسرائيلي دخل إلى عقائدهم السياسية].

وقد نسي أو تناسى أنّه {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}([37])، والنبي يعقوب  (عليه السلام) من أولاد خليل الله إبراهيم  (عليه السلام) وذريته هم الذين وعد الله -تعالى- بأن ينالهم عهده إلا الظالمين منهم: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([38]).

ثم يذكر ما روي عن الإمام الصادق  (عليه السلام) حين سئل: (بِمَ تحكمون إذا حُكّمْتُم؟ فقال  (عليه السلام): بحكم الله وحكم داوود..).

ثم يقول الكاتب: [إنّ الرسول (ص) قد قطع بأنّ الحكم من بعده غير الحكم في تاريخ بني إسرائيل.. ولكنّنا نطالع هذا الميراث الإسرائيلي في عقيدة الشيعة عن الوصية والحكم].

ونقول: ماذا عن بقية الأحكام الإلهية العامة -التي لا تخلو منها شريعة سماوية- لو وُجِدَتْ في شريعتنا؟ فهل يكون المسلمون كلهم يهودًا؟!!

وليس الاستشهاد بقول أمير المؤمنين علي  (عليه السلام) أو بقول صادق أهل البيت  (عليه السلام) -إذا صحت الروايات المذكورة- عَيْبًا في عقيدة الإسلام، فإن العقيدة لا تؤخذ من الله-تعالى- مباشرة، ولا بواسطة الأصنام؛ التي كان جملة من الصحابة يتقربون بها إلى الله-تعالى- زُلْفى قبل الإسلام، بل تؤخذ العقيدة من العقل في ظل الوحي والسنّة الصحيحة الثابتة عن الذي لا ينطق عن الهوى  (صلى الله عليه وآله)، وأشرفُ الحلقات وأوثقُها في سلسلة الرواة بين جميع المسلمين هي هذه الحلقة -التي يُشَنَّع بها على الشيعة- التي تتضمن الإمام الصادق  (عليه السلام)، وتنتهي إلى الإمام علي  (عليه السلام) إلى رسول الله  (صلى الله عليه وآله) الذي علّمه ألف باب من العلم، ينفتح من كل باب ألفُ باب.

ثم يذكر عقيدة الرجعة وأن الشيعة يعترفون بأخْذِها من اليهود، ناسبًا ذلك إلى بعض علماء الشيعة المعاصرين([39])في رده على أحمد أمين يقول الشيخ المظفر (رحمه الله):

[والحقيقة أنّه لابد أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والأحكام الإسلامية لأنّ النبي الأكرم  (صلى الله عليه وآله) جاء مصدِّقًا لما بين يديه من الشرائع السماوية، وإنْ نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الإسلامية ليس عَـيـْـبًا في الإسلام على تقدير أنّ الرجْعة من الآراء اليهودية].

ثم قال الكاتب عمارة:

[وهم ينسون في ردّهم هذا أنّ الإسلام قد جاء مُصَدِّقًا لما بين يديه فيما يتعلّق بالألوهية والتوحيد والرسالات، لا مُصَدِّقًا للعقائد الدخيلة على الفكر الإلهي في صورته النقيّة التي نزل بها].

ولنا هنا ملاحظات:

الملاحظة الأولى: يظهر وكأنّ الصورة النقيّة في نظر هذا الكاتب هي اتبّاع الأهواء، وإبعاد أهل البيت  (عليهم السلام)، والإعراض عما جاء في حقهم في القرآن والسّنة!

ثم إن مفروض كلام الكاتب المذكور أنه حين الأمر بالتصديق في الآية الشريفة، كان هناك عقائد أصيلة وأخرى دخيلة، فما هو الميزان بين الدخيل والأصيل؟!

وهل كانت الإمامة -التي يقول السنة والشيعة بوجوبها واستمرارها- من العقائد اليهودية الدخيلة!؟ أم أن سيد الموحدين عليًا  (عليه السلام) وحدَه هو الدخيل واليهودي-حاشاه-؟! أم أنّ المسلمين كلَّهم يهود؟! أم الكاتب؟ أم القائلون بالجبر والقدر الذي يقول به اليهود -ومنهم كعب الأحبار الذي يستقي منه البخاري العديد من أحاديثه!؟

إلى غير ذلك من التساؤلات الكثيرة التي ينبغي الإجابة عليها من صاحب الفكرة.

الملاحظة الثانية: أن بداية التصنيف والاحتجاج لا تُعيّن بداية المذهب، وقد تبلورت عقائد الشيعة واتّخذت الصورة الواضحة في الأصول والتشريع في عصر الإمام الصادق  (عليه السلام) لأجل ما امتاز به ذلك العصر وعلماؤه من علم ودراية تامّة بالكلام، بل مما امتاز به العصر بأكمله، عصر سقوط الدولة الأموية الطاغية -التي استعبدت الناس وكادت أن تمسخ الدين لولا الإمام الحسين  (عليه السلام)-، واعتلاء الدولة العباسية، فلا يصح الخلْط بين هذه المنهجية وبين بداية العقيدة في خطوطها الرئيسية.

وعلى أي حال فالشيعة لا يقولون بشيء مما نسب إلى عبد الله بن سبأ أو غيره، سواء أكان له وجود أم لم يكن، بل يقولون بالنص على أمير المؤمنين علي  (عليه السلام) من الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة.

الملاحظة الثالثة: أن الرجعة التي نقلوها عن اليهود لا نعرفها من اليهود قبل ردّهم علينا بها، ولكنّها على أي حال تختلف عن الرَّجْعة التي يقول بها الشيعة، والتي تتمثّل بظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في آخر الزمان بعد غيبته الكبرى، كَقَدْر مُتَيَقَّن من رجوع الأئمة  (عليهم السلام)، أي رجوع مبادئهم على أقل التقادير.

التشيُّع ليس حركة فارسية

ذُكر لبداية التشيُّع احتمالات أخرى، لا نرى لذكرها داعيًا لأنّها اقتراحات مَحْضة. وأهمُّها أنّ بداية التشيع هو الحركة الفارسية لأنّ [الفرس لما امتُحِنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، تعاظَمهم الأمر، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة، فرأوا أن كيْده على الحيلة أنْجَحُ، فأظهر قوْمٌ منهم الإسلامَ، واستمالوا أهل التشيُّع بإظهار محبة أهل البيت  (عليهم السلام) واستبشاع ظلْم علي  (عليه السلام)، ثم سلكوا بهم مسالك شتّى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى]([40]).

وهذا غير صحيح، لأنّ بلاد فارس كانت منذ الفتح على المذهب السني وظلّتْ كذلك حتّى انتشر فيها التشيُّع فيما بعد([41]). مع أن هذه الدعوى تدل على سبق وجود التشيع الذي ادُّعِيَ أن الفرس قد استمالوه.

وهذه هي النظرة التي أشرنا إليها سابقًا والتي تمثّلَتْ بطَعْن المتأخرين في سلمان المحمدي الذي قال عنه الرسول  (صلى الله عليه وآله): "سلمانُ منّا أهلَ البيت"([42])، وهي تتنافى مع مبادئ الإسلام من نَبْذ العنصرية والعرقية وعدم كَوْن الإسلام وَقْفًا على أُمّة دون أخرى، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}([43]).

والحاصل: أنّ بعض الحوادث دَعَتْ بعض الكتّاب إلى اعتبارها مبدأ لمذهب التشيُّع، فبعضهم نظر إلى عقيدة الولاء لعلي  (عليه السلام) فأرّخ المذهب بعد السقيفة، وبعضهم نظر إلى عقيدة النَّصّ فأرّخ بفترة اشتهار النص بنَظَرِه، وبعضهم نظر إلى الأسلوب المنهجي فأرّخ به.. وهكذا.

البداية الحقيقية للتشيع

وأما الشيعة فينظرون إلى التشيع من ناحية النص والتعيين، ولذا فإنّ بدايته الحقيقية كانت من زمن الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله)، وظهَرَتْ هذه العقيدة كمذهب يَحْتَجُّ له أصحابُه يوم السقيفة وبعدها، ويدلُّ على ذلك أمور دَلَّتْ على بداية المذهب وعقيدة النص، وقد تضمّن بعضُها إطلاقَ كلمة التشيع على علي  (عليه السلام) وأتْباعه بهذا المعنى، ونشير هنا إلى بعضها:

منها: ما ورد في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}([44]):

ففي تفسير ابن جرير الطبري بسنده عن أبي الجارود عن محمد بن علي، {أولئك خير البرية}: فقال النبي (ص): "أنت يا علي وشيعتك"([45]).

بالإضافة إلى ما في تاريخ ابن عساكر: عن علي  قال: قال لي رسول الله (ص): أنت وشيعتك في الجنة([46]).

وما ورد في النهاية لابن الأثير -عن النبي (ص) أنه قال لعلي-: ستقدم أنت وشيعتك راضين مرضيين..([47]).

ونحن لا نفهم من هذه النصوص وغيرها الطعْنَ بغيرهم، لأنّ التفضيل لا يعني ذلك.

وقال السيوطي في الدر المنثور في ذيل الآية، قال: وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: [كنّا عند النبي (ص) فأقبل عليٌ فقال النبي (ص): والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة]([48]).

وقال أيضًا: أخرج ابن عدي عن ابن عباس أنه لما نزلَتْ الآية قال  (صلى الله عليه وآله): [هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين].

وقال أيضًا: أخرج ابن مردويه عن علي  (عليه السلام).. وذكر نحوه.

وقال ابن حجر عند ذكر الآية:

[أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس: وذكر مثله وأنه (ص) قال لعلي (ع): [تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابًا مقمحين، قال: ومن عدوي؟ قال (ص): من تبرّأ منك ولَعَنَكَ]([49]).

ونحوه: ما روي في كنوز الحقائق([50]).

ومنها ما روي عنه  (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ما تريدون من علي؟ إنّ عليًا مني وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي([51]).

وقد ورَدَتْ الولاية في روايات أخرى، مثل ما روي عنه  (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لوهب بن حمزة لمّا أراد الوقيعة بعلي  (عليه السلام) في صُحْبته من المدينة إلى مكة: [لا تقل هذا، فهو أوْلى الناس بعدي]([52]).

وروى الخطيب البغدادي([53]) مثل ذلك بِسَنَدٍ واصِلٍ إلى عليٍّ  (عليه السلام) نَفْسِه.

ومنها حديث الدار والثقلين والمنزلة والغدير وغيرها، والتي أوْجَبَتْ أنْ تكونَ المشايعة لعلي  (عليه السلام) لدى كثير من الصحابة المميزين في زمن الرسول العظيم  (صلى الله عليه وآله) وبعده مباشرة، بحيث جعلوه إمامًا لهم، وإذا لم يصبح كلّ أصحاب الرسول الكريم  (صلى الله عليه وآله) كذلك فهذا لأنه كان قد ظهر في المرحلة الأولى من حياة الأُمّة الإسلامية في عصر النبي  (صلى الله عليه وآله) اتجاهان رئيسيان مختلفان، أوْجبا انقسامًا عقائديًا بعد وفاة الرسول الأكرم  (صلى الله عليه وآله):

الاتجاه الأول: الذي يؤمن بالتعبد بالدين والتسليم المطلق لحكمه في كل جوانب الحياة حتى السياسية منها.

الاتجاه الثاني: الذي يؤمن بالدين في نطاق خاص، ويرى إمكانية التصرُّف على أساس الدين في سائر شؤون الحياة الأخرى التي منها شؤون السياسة والحكم، وفقًا للمصالح التي يدركها، وكان يمثل هذا الاتجاه أشخاصٌ من كبار الصحابة مثل الخليفة عمر بن الخطاب، الذي ناقش الرسول  (صلى الله عليه وآله) في حياته في مواضع عديدة إيمانًا منه بجواز ذلك ما دام يرى أنه لم يخطئ المصلحة بنظره، ولذا جاهر الرسول  (صلى الله عليه وآله) في هذه الموارد، كمَوْقفه في صلح الحديبية ومتعة الحج وغيرهما من الموارد، وقد انعكس كِلا الاتجاهين بصورة عملية، وظهرت آثارهما في موارد في حياة الرسول  (صلى الله عليه وآله) وبعد رحيله مباشرة، منها:

أنه جهز في مرضه الذي مات فيه جيش أسامة ولعن من تخلف عنه، واختلفوا فيما بينهم في تنفيذه، بين امتثال أمره أو تأخيره لأن قلوبهم لا تسع مفارقة رسول الله  (صلى الله عليه وآله) والحال هذه ليروا ماذا سيحدث، والغرض من هذا الاختلاف هو إقامة مراسم الشرع([54]).

وتفصيل القصة([55]) أنه لما مرض رسول الله  (صلى الله عليه وآله) دعا أسامة بن زيد إلى مؤتة حيث قتل أبوه زيد بن حارث فيها، وقال له: قد ولَّيتك على هذا الجيش، فلم يبقَ أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلم القوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على جلّة المهاجرين والأنصار، فغضب رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وخرج عاصبًا رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال: ما مقالة بلغتني عنكم بطعنكم في تأميري أسامة؟ لئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل، وأيمُ الله، إنه كان لَخليقًا بالإمارة، وابنه من بعده لخليق بها، وإنهما لَمِن أحب الناس إليّ.

وجاء المسلمون يودّعون رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وينضمّون إلى عسكر أسامة، وبقي التثاقل والتردد حتى مات الرسول  (صلى الله عليه وآله) فرجع أسامة ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله  (صلى الله عليه وآله) وقد مات، وركّز اللواء عند باب الرسول  (صلى الله عليه وآله) وهو مغلق، وعلي وبعض بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه وغسله  (صلى الله عليه وآله)، فقال العباس لعلي  (عليه السلام) وهما في الدار: امدد يدك أبايعك، فتقول الناس: عمُّ رسول الله بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان، فقال له: أَوَيَطمعُ فيها يا عمّ طامع غيري؟ قال: ستعلم.

فلم يلبثا أن جاءتهما الأخبار بما جرى في السقيفة.

وذكر ابن هشام في بعث جيش أسامة أنه  (صلى الله عليه وآله) خرج عاصبًا رأسه ثم قال: أيها الناس إني أوشك أن أُدعى فأُجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما([56]).

وهذه الحادثة كافية للتدليل على الاتجاهين المذكورين.

وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج تعليقًا على الحادثة([57])، بأن الشيعة تزعم أن الرسول  (صلى الله عليه وآله) كان يعلم موته، وأنه سيّر عمر وأبا بكر في بَعْث أسامة لتخلو دار الهجرة منهما، فيصفو الأمر لعلي  (عليه السلام) ويبايعه من تخلّف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة فلا تكون منهما منازعة وخلاف، لأن العرب كانت تلتزم بإتمام تلك البيعة وتحتاج في نقضها إلى حروب شديدة.

وهنا سؤال يطرح نفسه وهو أنّه: إذا كان يعلم أو يظن بدنوِّ أجله فلماذا أصرّ على تسريح الجيش إلى ما وراء حدود الحجاز مع وجود المنافقين في المدينة؟ ولماذا ضمّ إليه أبا بكر وعمر وحرص على اشتراكهما، مع أن التاريخ لا يشهد لهما بالبطولة في حرب؟ ولماذا كان أمير الجيش هو أسامة؟

والجواب عن هذا السؤال:

أما بالنسبة لوجود المنافقين، فلاطمئنانه ببقية الصحابة وبني هاشم.

وأما تأمير أسامة فلأنه كما قال  (صلى الله عليه وآله): "هو حَريٌّ بها"، بالإضافة إلى رفع شأن الموالي تمشيًا مع مبادئ الإسلام، وردًّا على البقية الباقية مما كان عالقًا بأذهان المسلمين.

وأما بالنسبة لإرسال الجيش فلعله للسبب الذي ذكره ابن أبي الحديد وغيره.

الحادثة الثانية: في حياته، ما ذكره المؤرخون وأصحاب الفرق من أنه عندما مرض رسول الله  (صلى الله عليه وآله) واشتدّ به المرض الذي مات فيه، قال: [ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابًا لا تضلّوا بعدي]، فقال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع، حَسْبُنا كتاب الله.

وكثر اللغط فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي كتابًا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر.

فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال لهم النبي  (صلى الله عليه وآله): قوموا عنّي، لا ينبغي عندي التنازع.

قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله  (صلى الله عليه وآله)([58]).

وفي رواية الطبري: "إن النبي ليهجر"([59]).

ومثله ما رواه المفيد، وذكر أنه قال: [ائتوني بدواة وكتف، ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفًا، فقال له عمر: ارجع فإنه يهجر، فرجع، وأضاف: ندموا وتلاوموا وقالوا: لقد أشفقنا من خلاف رسول الله  (صلى الله عليه وآله) فلما أفاق قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف؟ فقال: أبَعْد الذي قلتم لا! ولكنني أوصيكم بأهل بيتي خيرًا، وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا]([60]).

وهذا أيضًا يدل على الاتجاه المذكور في زمانه  (صلى الله عليه وآله)، ولم يعلق عليه أحد فيما نعلم إلا ابن أبي الحديد حيث قال: [وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرًا ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله. ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، ولم يتحفظ منها. وكان الأحسن أن يقول: "مغمور" أو "مغلوب بالمرض"، وحاشاه أن يعنى بها غير ذلك!]([61]).

واستشهد بكلام له مع خالد بن الوليد بعد مقتل مالك بن نويرة، وبكلامه مع الرسول  (صلى الله عليه وآله) في صلح الحديبية، وبتحريمه للمتعتين اللتين كانتا على عهد رسول الله  (صلى الله عليه وآله).

فالمبرر لهذا الكلام -بنظرهم- إذًا هو عمق الاتجاه الآخر، لأنه لم يكن المانع من استجابة طلبه  (صلى الله عليه وآله) إلا أنهم كانوا يعرفون ماذا يريد أن يكتب، بعد أن تكرر منه هذا الكلام مقرونًا بالكتاب والعترة الطاهرة  (عليهم السلام)، خصوصًا بعد أن كملت الشريعة، ولم يقصد بصيانتهم عن الضلال إلا في السلوك ومخالفة النص الذي يدعيه الشيعة وتأويله.

ومما يدل على وجود التشيع في عهد الرسول  (صلى الله عليه وآله) حادثة السقيفة، كما ذكرها المؤرخون وكتّاب الفِرَق([62]).

ونشير هنا إلى ما قاله الأشعري مما يدل على وجود التشيع في عهد الرسول  (صلى الله عليه وآله)، قال: [وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم اختلافهم في الإمامة وكان الاختلاف بعد الرسول (ص) في الإمامة، ولم يحدث خلاف غيره في حياة أبي بكر وعمر، إلى أن وُلّيَ عثمان] ثم ساق خبر السقيفة.

فإن هذا لا يدل على استحداث مذهب التشيع في زمن الإمام الصادق  (عليه السلام) أو على بقية الاحتمالات الآنفة، لأنه لولا وجود هذه العقيدة في زمن الرسول  (صلى الله عليه وآله) من النص لما حدث هذا الذي حدث، عند أصحاب الاتجاه الثاني ومن يقابلهم، ولما تخلف علي  (عليه السلام) عن البيعة وناقشهم واحتج عليهم.

وإذا لم تكن هذه الجماعة من الشيعة منظَّمة كما هي عليه في العصور المتأخرة فذلك لا يعني نشوء المذهب بعد ذلك العصر، لأن كل المذاهب بهذا الاعتبار قد نشأت في العصور المتأخرة، بعضها في قِبال الآخر، وكَرَدٍّ عليه، وكان أسبق هذه المذاهب من حيث العقيدة بالمضمون هو المذهب الشيعي، لأن الكل مجمعون على أن الخلاف في الإمامة كمنهج سياسي منظم، نشأ بعد مقتل عثمان أو بعد واقعة التحكيم أو غيرهما من الأسباب، ولم يحدث مذهب المعتزلة أو الأشاعرة أو مذهب المحدثين "السّنة"، إلا بعد تلك العصور، فأين كان الاعتزال والأشعرية وأين كان الرأي والقياس والاستحسان؟

لقد حدثت كل هذه المذاهب بعدما اتضح لهم مذهب الإمامية، ووقع هذا الخلاف بين المسلمين فاعتنق كل فريق الاتجاه الذي اقتنع به، أو فُرض عليه حتى صار مذهبًا للأجيال المتأخرة، وكل هذه المذاهب ما عدا مذهب الشيعة مبنية على التسليم بحوادث تاريخية عن وجه صحيح، ليكون قاعدة للمذهب على النحو الذي صدرت عليه تلك الحادثة، كل ذلك مع أنهم لا يؤمنون بالعصمة.

أما مذهب التشيع فهو منذ اليوم الأول مبدأ وعقيدة، يتمثل في تفضيل علي  (عليه السلام) وأحقيته بالخلافة، للنص عليه بنظر الشيعة، ولكنه مرّ بأدوار يعتبر كل منها نقطة تحول في تطور المذهب وتوسعه حسب تطور المسائل التي كانت تطرح على الساحة الإسلامية، وكان أحد هذه الأدوار بعد الرسول  (صلى الله عليه وآله) حادثة السقيفة، وهي حادثة تاريخية يعتبرها الشيعة خروجًا على النص، وعلى كل القواعد الثابتة التي آمن بها المسلمون، لأنهم يرون أن الله ورسوله  (صلى الله عليه وآله) قد قضوا في هذا الأمر، وإذا قضى الله ورسوله أمرًا فما كان لهم الخِيَرة، بينما يرى الآخرون أن لهم الحق في الاستفادة من هذا الدين من الناحية الدنيوية، فلو فسحوا المجال لعلي  (عليه السلام) لما خرجت منه، كما صرحوا بذلك في ما نعرفه، ولمَا عادت إليهم، كما يرون بأن لهم الحق في أن يتصرفوا كواحد من الاتجاهين اللذَيْن عرفتهما، ولقد وقعوا في كثير من التناقضات، ولم يكونوا ملزمين بالإجابة عنها، لأنها كانت ضمن اتجاههم المذكور، والعصمة غير لازمة بنظرهم، ولكن المتأخرين بعدهم أخذوا يبرمجون الوقائع وينهجون على أساس القواعد الدينية فلم يتم منها شيء، لأنها مليئة بالتناقضات.

فإذا لم تكن الخلافة نصًّا من الله سبحانه وتعالى أو رسوله  (صلى الله عليه وآله)، فلماذا نصَّ الأول على الثاني والسابق على اللاحق؟ وإذا ثبت حق الوصية بها عند الموت، فلماذا لم يكن لرسول الله  (صلى الله عليه وآله) هذا الحق!؟

ولماذا كان رسول الله  (صلى الله عليه وآله) يهجر دون أبي بكر وعمر وسائر الخلافات التي جاءت فيما بعد!؟ ولماذا تُقبَل وصاياهم ولا تُقبَل وصايا الرسول  (صلى الله عليه وآله)؟! وما هو الصحيح في نظام الخلافة: هل هو النص أم الشورى أم الإجماع، أم الاستعجال في الأمر والارتجال فيه قبل دفن الرسول  (صلى الله عليه وآله)؟! أم القوة؟ أم الفَلْتة [التي وقى الله المسلمين شرها، حسب تعبير الحاكم الثاني عمر]؟

من أجل ذلك كله حاول المتأخرون تصحيح التصرفات المذكورة فلم يفلحوا لأنها تصطدم بنصوص القرآن وبالقواعد الثابتة عند المسلمين، فاتخذوا مسارًا آخر في توجيه تلك التصرفات، وهو سلخ الصفة الدينية والشرعية عن الخلافة الإسلامية، وإعطاؤها صفة الشأن الدنيوي الذي يتصرف فيه كل إنسان مسلم بحسب حاجته ومصالحه الإسلامية، ثم يغورون في الماضي ليفسروا تصرفات الرسول  (صلى الله عليه وآله) على هذا الأساس، كمحاولة أخرى لإعطاء صفة الشرعية مع الوقوع في التناقض مرة أخرى، فإما شرعية أو دنيوية في ظل الشريعة أو دنيوية محضة.

قال بعضهم: [بدأت الجماعة المسلمة تكوين الدولة العربية الإسلامية منذ أن تمّت بيعة العقبة بين الرسول (ص) وبين ممثلي الأوس والخزرج، ولكن نظام الخلافة الذي قام عقب وفاة الرسول (ص) قد اختلف جوهريًا عن نظام حكم هذه الدولة على عهد الرسول (ص)، فلقد كانت للرسول سلطات الدولة إلى جانب سلطان الدين، ثم اختتمت بوفاته حصة الوحي الذي يصل السماء بالأرض، وترك الناس وعقولهم يديرون بها شؤونهم، وخاصة شؤون الدنيا في ضوء الوصايا والإرشادات والقواعد الكلية للدين، فلم تكن ملكية وراثية ولم تكن قائمة على نظرية الحق الإلهي، بل لقد أخرج قادتها بوعي (الوعي في كيفية مخالفة رسول الله مع عدم إعلان الحرب عليه) الخلافة من بيت النبوة في البداية (هذه الكلمة جاءت لتبرير مواقفهم فيما بعد من خلافة علي) حتى لا تجتمع النبوة والخلافة لا في شخص واحد، بل ولا في بيت واحد فتتأبد فيه بفعل عوامل الدين وقداسته]([63]).

ولكننا نسأل: هل كان ذلك منهم لأنه شأن من شؤون دنياهم فلذلك خافوا أن تتأبد في علي  (عليه السلام) وبنيه؟ أو أنه أمر ديني غفل عنه رسول الله  (صلى الله عليه وآله) ولم يغفلوا هم عنه؟ أو أنه لم يغفل عنه ولكن لا تجب إطاعته؟ فلماذا تجب إطاعة غيره إذًا في عدم جمع النبوة والرسالة في بيت واحد؟ بينما يرى الشيعة أن الخلافة هي حق إلهي ووصية من الله -تعالى- على لسان رسوله  (صلى الله عليه وآله)، وقد حصل ذلك فعلاً في نصوص الكتاب، والسُّنّة اعتقدوا بذلك، وسار عليه جملة من المسلمين في زمن الرسول  (صلى الله عليه وآله) وبعد موته مباشرة، وقد دلَّت على ذلك الوقائع التاريخية وكثير من النصوص. فلماذا التمحّل؟ وما هي الفائدة من هذا الخبط حتى في بداية المذهب؟

وإنني لا أرى لذلك سببًا وجيهًا إلا محاولة إبعاده عن صفة الشرعية أصالةً، أسوة بالمذاهب السنية الأخرى "المعتزلة والأشاعرة والمحدثين"، ولكن في ضوء الوصايا والإرشادات والقواعد الكلية للدين، كما عرفت من الكلام الآنف، على أحسن التقادير لتصحيح الشيء الواقع، فلذلك صاغوا النزاع على هذا النحو فقالوا:

[إن المسلمين انقسموا إلى معسكرين، يقول أحدهما بأن السبيل لأداء واجب الإمامة هو أن يختار جماعة من المسلمين إمامهم ويبايعونه، لأنهم يثقون بمجموع الأمة، ولذلك حمّلوها الأمانة لعصمة جماعة المؤمنين من أن تجتمع على ضلالة، والإمامة شأن من شؤون البشر، يقررون فيها ما يتفق ومصلحتهم في هذه الدنيا، التي على صلاحها يترتب صلاح الدين، بينما يرى أهل المعسكر الآخر أهل النص أن السبيل هو التعيين من الله تعالى لشخص الإمام، فهو حق إلهي وبذلك يكون الشيعة قد جرَّدوا مجموع الأمة من الثقة التي تؤهلها لحمل أمانة اختيار الإمام]([64]).

ولسنا الآن بصدد الاستدلال على أحد الرأيين، ولكن لبيان تعليل هذا الانقسام وهذا الخلاف أشرنا إلى ذلك، ليظهر بوضوح أن المحاولة ترمي إلى التركيز على استحداث مذهب التشيع، بينما تدل مجموع الكلمات والاستدلالات التي يذكرونها، كما سيأتي وأشرنا إليها، على أن هذا النزاع كان منذ اليوم الأول في زمن الرسول  (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته، ولا أدري كيف يحاولون الاستدلال بالإجماع ويرمون الشيعة برد الإجماع!؟ مع أن الأمة مع هذا الخلاف لم تجتمع على شيء لحد الآن، لا في اليوم الأول لأن خلاف السقيفة قد شمل جميع المسلمين، ولا فيما بعده لأن الخلافة كانت بعد ذلك بالنص الذي يشنعون به على الشيعة.

وإن أردنا أن نتعامل مع هؤلاء على أساس حسن الظن الذي أمرت به الشريعة الإسلامية، فالذي دعاهم إلى ذلك هو قلة العدد الذي كان يمثل مذهب الشيعة عمليًا في الصدر الأول، نسبةً إلى بقية المسلمين الذين تناحروا يوم السقيفة وبعده في ما جرى من الحروب على هذا المنصب، فلقد كان هؤلاء المسلمون بسلوكهم يرفضون فكرة النص، فكان يدّعيها كل لنفسه، أو لصنفه، فاعتبر الكتَّاب هؤلاء كلهم على اختلاف مذاهبهم اتجاهًا واحدًا في قبال فكرة النص.

وإذا نظرنا إلى الحكومة الدنيوية التي يدّعون أنها من الحق الطبيعي للمسلمين، على أنها هي السبب في اعتبار هذا الاتجاه أكثرية، نقول: بأن هذا النوع من الانقسام خصوصًا لا يصح جعله الأساس في تمييز مذهب عن آخر، في خصوص الانقسامات العقائدية المتكافئة في الأصالة، والمختلفة في تحديد معالم الرسالة، خصوصًا إذا ابتدأنا من نقطة الصفر ولم نفترض شيئًا مسلَّمًا ومفروغًا عنه على أساس أنه وقع فلا بد من تصحيحه، وبالأخص إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كلاً كان يجرّ النار إلى قرصه، فلا يصح جعله واحدًا من اتجاهٍ مقابلٍ للاتجاه الآخر، بل إن الاتجاهات على هذا كانت متعددة، فلا أقلية ولا أكثرية.

وبعد إجماع المسلمين على وجوب نصب الإمام، ونضوج هذه الفكرة في تصورهم في حياة الرسول  (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته مباشرة، فليس من الممكن عزل الرسول  (صلى الله عليه وآله) عن التفكير بهذا الواجب كلية -كما أشرنا إلى ذلك-، بل كان أهم القواعد التي يجب أن يفكر بها  (صلى الله عليه وآله) لصيانة الدعوة كدعوة خالدة من الناحية التشريعية، لأنه لم يكن يخفى عليه سواء عن طريق الوحي أو عن طريق التفكير المنطقي كصاحب رسالة وقائد، أنّ هذا الترك سوف يؤثر على مستقبل الدعوة، مع علمه بالأخطار التي سوف تواجهها من الداخل بسبب الصدمة بوفاته ومواجهة الأمة مسؤولية كبرى بدون مفهوم مسبق عن هذه المسؤولية، مما يجعلهم يتصرفون تصرفًا سريعًا يبعث على الاضطراب كما ظهر في السقيفة، ولم يكن هناك ما يقنع الرسول  (صلى الله عليه وآله) بترك هذا الأمر، بل كان يعلم بالتناقضات الموجودة في خبايا النفوس على أساس الانقسامات إلى مهاجرين وأنصار، وقرشيين وغيرهم، موالي وأحرار، مما برز قبل موته وعند مرضه كما حصل في جيش أسامة، وفي النزاع على موضع دفنه، وفي حوار السقيفة بالذات الذي مثّل كل هذه التناقضات، بالإضافة إلى المخاطر الخارجية من الأمم المحيطة بهم ومن المنافقين الذي كانوا يكيدون له  (صلى الله عليه وآله) ولرسالته في حياته.

فكيف يمكن، والحال هذه، أن يقتنع الرسول  (صلى الله عليه وآله) كصاحب رسالة -بِغَضّ النظر عن الرعاية الإلهية للرسالة من الناحية التشريعية لا من الناحية الدنيوية كما يقولون- بموضوعية التفرق الذي يحدث بعده، وبسلامته؟ ولماذا نقبل افتراض أن الصحابة أعرف منه وأحرص حتى بادروا إلى ذلك فور وفاته!؟

لذلك كان اللازم أن يحسب  (صلى الله عليه وآله) لذلك حسابه، وقد حسبه ولكن على ضوء المجتمع الإسلامي الذي لا تزال تعيش في زوايا نفسه ظلال من المجتمع الجاهلي، لا تؤثر على واقعه وجوهره كمسلم، ولكنها تؤثر على هذا المجتمع كقائد وحافظ لهذا الإسلام، فمعنى الترك من قِبَله هو جعل قيادة الأمة بيد هذا المجتمع، وهو خلاف المفروض الذي هو أن يحسب لهذا الأمر حسابه ويمهد له في هذا النوع من المجتمع، فكان مكلفًا بصقل هذه النفوس، وعملية الصقل هذه تتنافى مع المفاجأة بتنصيب شخص يخلفه مباشرة وبدون مقدمات، لأنها من صميم مشاكلها النفسية، فلذلك لم يبادر إليها إلا بمقدار ما يغرس البذرة لتكون متدرجة وبعيدة عن المفاجأة، لذلك غرسها على مراحل.

لا نقول ذلك كنظرية وافتراض، بل نفهمه صراحة من مجموعة الأحاديث في مختلف المناسبات، بالعبارات المختلفة التي أوصلتهم تلقائيًا إلى النتيجة التي كان يقصدها، وقد ظهر جليًا في موقفهم من بعْث أسامة، ومن طلبه الكتف والدواة حتى لا يضلوا، ومن حديث الغدير وغيره من الأحاديث التي سبقت ذلك بنفس العبارات، فقد كانوا من مجموعة هذه الأحاديث يتوقعون صدور مثل هذا الأمر منه، بشكل من الأشكال، وقد صدر في حجة الوداع، ولذلك فعلوا ما فعلوه في جيش أسامة، وفي مرضه  (صلى الله عليه وآله) وعند موته.

ويدل على فهمهم لهذا الأمر أنّ أبا بكر نفسه لم يشأ أن يترك الأمر بدون التدخل، لذلك كان يستقيلها في حياته ويعتذر عن تسرّعه بقبولها بأنه شعر بخطورة الموقف، فيقول بأن [رسول الله  (صلى الله عليه وآله) قُبِض والناس حديثو عهد بالجاهلية، فخشيت أن يفتتنوا، وأن أصحابي حمَّلونيها]([65])، ثم أوصى بعده إلى عمر لعدم ثقته بالأمة، بموجب الكلام الآنف.

 وكذلك عمر، وقد بلغت الأمة درجة من التركيز السياسي والاجتماعي، نراه يوصي إلى ستة، بعدما شعر بخطورة التسرع يوم السقيفة في قوله المعروف: [كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها! فمَنْ عاد إلى مثلها فاقتلوه!]([66]).

فإذا كان الشيخان كذلك، فالرسول  (صلى الله عليه وآله) أولى منهما بمعرفة هذه المخاطر، ولذلك يقول الشيعة ويسندون قولهم بأقوال الرسول  (صلى الله عليه وآله)، بأنه اتخذ من موضوع الخلافة موقفًا إيجابيًا من خلال ما تواتر عنه من الأحاديث والوقائع.

ومما يدل على إعداده وتهيئة النفوس لهذا الإعداد: النصوصُ التي لا تقلّ عن هذه المقدمات وعن هذا الإعداد، والتي صرّح فيها بإسناد إمامة الأمة إلى علي بن أبي طالب  (عليه السلام)، كما لا تقل الآيات المفسرة به عن ذلك، بِغَضِّ النظر عن كون بعضها غير دالٍّ على الخلافة، بل على الفضل، وإنْ كان البعض الآخر صريحًا بنظر الشيعة في خلافته.

ولكن وقع الكلام بين المسلمين في تفسيرها وتأويلها، مع أنه لم تكن حاجة لهذا التأويل لولا سياسة الأمر الواقع الذي لا بد من تصحيحه وتخريجه، حَمْلاً لتصرفات المسلمين على الصحة -بنظرهم-.

وأما سبب رفض الصحابة لهذه الوصايا وإهمالها فلما ذكرناه من وجود الاتجاه الآخر الذي يؤمن بالحق الطبيعي، والذي ظهر في حياة الرسول  (صلى الله عليه وآله) نفسه، بالرغم مما كان عليه الصحابة من النبل والطهارة والإخلاص للدعوة، وبقطع النظر عن الحب للحكم، فإن هذا ينسجم مع ميل الإنسان بطبيعته إلى التصرف وفقًا لما يدركه من المصالح، على أننا غير ملزمين بالدفاع ونحن في مقام الاستدلال، ولكن هذا في شؤون الدنيا، وأما في التشريع وفي تطبيق نصوص الشريعة فلا يمكن أن يعطي الإسلام هذا الحق للأمة، بل هو من خصوصيات النبي  (صلى الله عليه وآله) أو مَنْ علّمه، وإلا لم تكن هناك أمة ولم تكن للرسول أمة، ولذلك برز اتجاه الحق الطبيعي في السقيفة، كما برز اتجاه النص بإنكار ما وقع في السقيفة، فكان هذا أول مصداق لظهور التشيع الذي غُرِست بذرته في زمن الرسول كما يقول الشيعة، ظهر بموقف أمير المؤمنين علي  (عليه السلام) وبني هاشم وجملة من المسلمين أمثال خالد بن سعيد بن العاص، وسلمان المحمدي وأبي ذر والمقداد وعمار وبريد الأسلمي وغيرهم من الأنصار، كأبي الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان بن حنيف وخزيمة بن ثابت (ذي الشهادتين) وأبي أيوب الأنصاري، فإنهم لما فاتهم ما طلبوا قالوا أو قال بعضهم: [لا نبايع إلا عليًا]([67]).

الخلاصة

هذه هي بداية التشيع وهكذا بدأ، فإذًا لم يكن مجرد اتجاه روحي كما يصوّره بعضهم، أو كما يظهر من التفسير في الحق الإلهي والنص الشرعي، فإن ذلك في قبال الحق الطبيعي والشأن الدنيوي الذي وصفوا به الخلافة، بل كان التشيع أكمل مصداق من مصاديق الدعوة الإسلامية باعتبار مواصلة علي  (عليه السلام) للقيادة الفكرية والسياسية والتشريعية، حتى قال عمر قولته المشهورة [لولا علي لهلك عمر]([68])، و[لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن]([69])، فكان الحاكمُ أبا بكر وعمر وعثمان، وكان المشرعُ وصيَّ الرسول عليًا  (عليه السلام)، لأنهم لم يردوا له حكمًا، ابتدأ به أو صححه، من الأحكام التي كانت تصدر عنهم ويعترض عليها، إلا بعض الاجتهادات في بعض الأحكام .

ومن أجل ذلك كان له ولاء واسع بين المسلمين باعتباره الجدير بمواصلة دور الرسول  (صلى الله عليه وآله) أو تناوله لهذا الدور من الخلفاء الذين سبقوه زمانًا، فكان التشيع منذ ولادته واستمر مصداقًا كاملاً للرسالة الإسلامية، لا مجرد اتجاه روحي.

 ولكن بعد أن مُنيَ الشيعة بالواقع والحكم المفروض بمقتل الإمام الحسين سيد الشهداء  (عليه السلام) وما جرى بعده من الأحداث، بدا وكأن الأئمة  (عليهم السلام) اعتزلوا السياسة الدينية، وتنازلوا عن القيادة، وليس الأمر كذلك، لأن القيادة بمعنى -العمل المسلح- مفهوم ضيق للقيادة، وأما بمعناه الواسع الشامل الكامل فهي لا تعني ذلك، بل تعني [عملية التغيير الإسلامي] وتأسيس القاعدة الصالحة لممارسة جميع الصلاحيات الدينية بتحريك ضمير الأمة الإسلامية وإرادتها الشرعية ضد التنازل للحكام الدنيويين المنحرفين، كما فعل الإمام الحسين  (عليه السلام) الذي هزّ مشاعر العالم الإسلامي، ولذلك حاول الثائرون العلويّون تحريك مثل هذه المشاعر للمحافظة على الضمير الإسلامي حيًا في ظل حكم بني أمية، في نفس الوقت الذي مارس فيه الأئمة  (عليهم السلام) عملية التغيير النفسية.

ولو كان الأئمة  (عليهم السلام) بغاة سلطة فلماذا لم يقبلوا عروض القيِّمين على الدولة عند انهيار الدولة الأموية، حتى يجيب الإمام الصادق  (عليه السلام): [إنَّ أبا مسلم ليس مِن رجالي ولا الزمان زماني]([70])

وبسبب هذه الحركات تعددت الفرق المنسوبة إلى الشيعة، باختلاف الطروحات التي كان يطرحها صاحب كل حركة، ولقد أنهى كتّابُ الفِرَق فرق الشيعة إلى ذكر عشرين فرقة أو أكثر([71]).

وعلى ذلك فَفِرَق الشيعة الرئيسية -بنظر كتّاب الفِرَق- أربعة: الكيسانية، والزيدية، والإسماعيلية، والإمامية.

وأما الغلاة فهم خارجون عن الإسلام أصلاً بإجماع المسلمين، فلا يمكن عدّهم من الشيعة، وليس كل من أحب عليًا  (عليه السلام) مهما كانت عقيدته يعتبر شيعيًا، لأن أهل السنة عمومًا يحبون عليًا  (عليه السلام) أو يجب أن يحبوه مع أنهم ليسوا من الشيعة.


 

(*) نشر هذا المقال في (العدد السادس والعشرين - 2014م / 1436هـ) من هذه المجلة.

(**) هذه المقالة مأخوذة من كتاب (العقل في أصول الدين) لسماحة الحجة آية الله الشيخ مفيد الفقيه (قدس سره)، الطبعة الأولى، الدار العالمية، بيروت 1412هـ - 1992م، مع بعض التصرف بما يقتضيه نشرها كمقالة.

([1]) صحاح الجوهري: ج3 ص156؛ وتاج العروس، ولسان الميزان، مادة شيع.

([2]) القصص: من الآية 15.

([3]) الصافات: 83.

([4]) مقالات إسلامية: ص65.

([5]) الملل والنحل: ج1 ص234 و235.

([6]) الفصل في الملل والنحل: ج2 ص113.

([7]) أوائل المقالات: ص35.

([8]) الأشعري: مقالات إسلامية ص39؛ البغدادي: الفَرْقُ بين الفِرَق ص15؛ ابن هشام: السيرة النبوية ج4 ص306 وما بعدها؛ الشهرستاني: الملل والنحل ج1 ص22؛ تاريخ ابن خلدون ج1 ص162.

([9]) د. مصطفى كامل الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع: ص23.

([10]) الصلة بين التصوف والتشيع: ص23.

([11]) يحيى هاشم فرغل، عوامل وأهداف نشأة علم الكلام: ج1 ص105.

([12]) الملل والنحل ج1 ص290.

([13]) الفَرْقُ بين الفِرَق ص235، وتعرض لابن سبأ في أكثر من موضع.

([14]) د. محمد عمارة، رسائل العدل والتوحيد: ج1 ص66.

([15]) وكنموذج من تعصب أبي منصور البغدادي (المتوفّى عام 429 هـ)، يكفي أن ترجع إلى كتابه «الفَرقُ بين الفِرَق»، (ص232 طبع دار المعرفة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد)، لتلمس منه التعصّب في بيان عقائد الفِرَق عند بيانه أصناف فرق السنّة والجماعة، فإنه قال: [ولم يكن بحمد اللّه ومنّه في الروافض و... إمام في الفقه ولا إمام في رواية الحديث ولا إمام في اللغة والنحو، ولا موثوق به في نقل المغازي والسير والتواريخ ولا إمام في الوعظ والتذكير ولا إمام في التأويل والتفسير، وإنّما كان أئمّة هذه العلوم على الخصوص والعموم من أهل السنّة والجماعة].

هذا مع أن البغدادي كان معاصرًا للشيخ المفيد (رحمه الله) الذي قال في حقه اليافعي في كتابه "مرآة الجنان وعبرة اليقظان": [كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضًا، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية]. (انظر: الغدير، الأميني ج3 ص277).

وقال فيه ابن كثير في تاريخه: ج12 ص15: كان مجلسه يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف. (انظر: الغدير، الأميني، ج3 ص278).

ومع أن البغدادي أيضًا كان معاصرًا للشريف المرتضى الذي كان مقيمًا في بغداد، والذي قال في ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان ج3 ص313: [كان إمامًا في علم الكلام والأدب والشعر] (انظر: كتاب الغدير ج4 ص267).

هذا مضافًا إلى أنه نسب إلى الشيعة القولَ بالتناسخ والحلول والتشبيه وغير ذلك، محاوِلاً إبطال عقائد الشيعة بذلك! (انظر: الملل والنحل: ج1 ص166،وص184 و 185).

([16]) الفصل بين الملل والنحل ج4 ص181.

([17]) راجع في تفصيل أحواله ما ينقله الأميني في كتاب الغدير: ج1 ص323 ط 38، بيروت.

([18]) المحلى: ج10 ص484.

([19]) راجع ما كُتب عنه في: وفيات الأعيان: ج1 ص369؛ شذرات الذهب: ج3 ص299.

([20]) تاريخ الفكر الإسلامي ص126.

([21]) محمد محيي الدين عبد الحميد في تعليقه على مقالات الأشعري ص11.

([22]) د. علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي، ويُرجع في ذلك إلى كتاب نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية للدكتور أحمد محمد صبحي.

([23]) راجع الأقوال في كتاب عبد الله بن سبأ، السيد مرتضى العسكري: ج1 ص74.

([24]) نظرية الإمامة لدى الشيعة، الفتنة الكبرى: فصل ابن سبأ تحت عنوان: ابن السوداء: ج1 ص13، علي وبنوه- القاهرة 1982 ص90-91، والمجلد الرابع من المجموعة الكاملة ص518.

([25]) أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، القاهرة 1969، ص 39-40.

([26]) نقلاً عن كتاب نظرية الإمامة (الفتنة الكبرى-طه حسين) الذي نقله بدوره عن كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية.

([27]) تاريخ الطبري: ج3 ص378.

([28]) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 368، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت- لبنان.

([29]) تاريخ الطبري: ج4 ص283 ط4، دار التعارف؛ الكنى والألقاب للقمي: ج1 ص75.

([30]) راجع الأقوال في كتاب: عبد الله بن سبأ: ج1 ص74-75؛ خمسون ومائة صحابي مُختلَق: الأول والثاني ط بيروت للسيد مرتضى العسكري؛ الذهبي: ميزان الاعتدال ج2 ص255؛ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي المتوفى 597هـ ؛ آفة أصحاب الحديث: ص85 و89 و91؛ تهذيب التهذيب لابن حجر ج4 ص259، والغدير للأميني ج8 ص84.

([31]) أمثال: د. برنارد لويس، فلهوزن، فريد ليندر، كايتاني.

([32]) راجع آراء غير الكتّاب العرب في نظرية الإمامة لأحمد محمود صبحي ص37.

([33]) راجع: وعّاظ السلاطين د. علي الوردي: ص273؛ الإمامية وأسلافهم: ص98؛ ويقول علي سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: ج2 ص28: [من المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة، أو أنها رمزت إلى شخصية ابن ياسر كما فعل الأمويون بكلمة أبي تراب والترابيين، ومن المحتمل أن يكون عبد الله بن سبأ هو مجرد تغليف لاسم عمار بن ياسر].

([34]) الحجرات: 17.

([35]) بحار الأنوار ج31 ص196.

([36]) قال في الملل والنحل ج2 ص72 و74: [المانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمن شابور بن أزدشير، وقتله بهرام.. وذلك بعد نبي الله عيسى  (عليه السلام)، أخَذ دِينًا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة عيسى  (عليه السلام) ولا يقول بنبوة موسى  (عليه السلام).. إلخ].

وقال ابن النديم في الفهرست: ص397 عن المانوية: [... لما ارتفع ماني إلى جنان النور، أقام قبل ارتفاعه سيس الإمام بعده... وكانت الأئمة يتناولون الدين واحدًا عن واحد ولا اختلاف بينهم..إلخ]، والسيساء: منتظم فقار الظهر.

([37]) آل عمران: 67.

([38]) البقرة: من الآية 124.

([39]) وهو الشيخ المظفر في كتابه "عقائد الإمامية".

([40]) الخطط للمقريزي: ج1 ص362، والفصل 2/91.

([41]) معجم البلدان، مادة (قم) ج4 ص397 دار الكتاب العربي؛ الحضارة الإسلامية: آدم متز.

([42]) بحار الأنوار ج18 ص19.

([43]) الحجرات: من الآية 13.

([44]) البينة: 7.

([45]) تفسير الطبري ج3 ص171؛ راجع أيضًا: فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج1 ص277.

([46]) ابن عساكر لابن منظور: ج17 ص384، وفي ج 18 ص14 منه رواية أخرى عن جابر.

([47]) النهاية لابن الأثير/ مادة قمح: ج4 ص106.

([48]) الدر المنثور: ج6 ص379 دار المعرفة؛ راجع أيضًا فضائل الخمسة: ج1 ص277 وما بعدها.

([49]) الصواعق المحرقة ص96؛ راجع أيضًا فضائل الخمسة ج1 ص278.

([50]) ص43 للمناوي؛ راجع فضائل الخمسة: ج2 ص96.

([51]) الفضائل2/3 ومابعدها؛ سنن الترمذي ج2 ص297؛ أحمد بن حنبل في مسنده ج4 ص437، وج5 ص356؛ وابن داوود الطياليسي في مسنده ج3 ص111، وج11 ص360؛ أبو نعيم في حليته ج6 ص294؛ والنسائي في خصائصه ص19 وص23؛ وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة ج2 ص171؛ المتقي في كنز العمال ج6 ص154 بطريقين وقال: أخرجه مجموعة، وذكرهم.

([52]) ابن الأثير: أسد الغابة ج5 ص457 ط دار الشعب، وغيره.

([53]) تاريخ الخطيب البغدادي ج4 ص339، ط دار الكتاب العربي.

([54]) مضمون ما ذكره الشهرستاني الملل والنحل ج1 ص14.

([55]) شرح النهج ج1 ص159؛ تاريخ الطبري ج3 ص184، ط4.

([56]) نقلاً عن كتاب سيرة المصطفى  (صلى الله عليه وآله) ص707 عن ابن هشام في ج4 ص300.

([57]) شرح النهج ج1 ص161.

([58]) مضمون ما في الملل والنحل ج1 ص14.

([59]) تاريخ الطبري ج3 ص193.

([60]) الإرشاد ص107.

([61]) شرح النهج ج1 ص183.

([62]) مقالات الإسلاميين ص39؛ الفرق بين الفرق ص15؛ السيرة لابن هشام ج4 ص306؛ الملل والنحل ج1 ص26؛ تاريخ ابن خلدون ج1 ص162، وغيرها.

([63]) محمد عمارة: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص43 وما بعدها.

([64]) محمد عمارة، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية.

([65]) شرح النهج ج1 ص169، وغيره من كتب التاريخ.

([66]) شرح النهج ج1 ص23 وتاريخ الطبري، وغيرها من كتب التاريخ.

([67]) شرح النهج نقلاً عن الطبري ج3 ص203 ؛ والكامل ج2 ص220.

([68]) شرح النهج ج1 ص18.

([69]) مناقب ابن شهراشوب ج1 ص311.

([70]) الملل والنحل، الشهرستاني، ج1 ص154؛ ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي، ج3 ص161؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3 ص 356.

([71]) الفرق بين الفرق ص 21؛ مقالات الإسلاميين ص88، وغيرها.

أعلى الصفحة     محتويات العدد التاسع والعشرون