العدد صفر :  2005م / 1425هـ

     رجوع     التالي     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

الشهور القمرية

وعلاقتها بالتقاويم حضاريًا

وارتباطها بالمناسبات والأعياد في الديانات السماوية([1])

المهندس محمد علي صائغ*

التقويم:

التقويم هو نظام لحساب الفترات الزمنية الطويلة مبين فيه ترتيب معين لحساب الأيام في السنة ومحدد فيه العصر الذي يبدأ منه حساب السنين.

لقد بدأ تاريخ التقاويم منذ زمن بعيد، فإذا رجعنا إلى العصور السحيقة أمكن القول أنه لم يكن هناك أي تقويم لدى الإنسان البدائي، وأن ملاحظة بعض القبائل المعاصرة التي لم تخرج بعدُ من حالاتها البدائية يؤيد ذلك، فمثلًا في غابات وسط استراليا وفي الغابات الاستوائية في إندونيسيا وفي أمريكا الجنوبية يعيش حتى يومنا هذا بشر لا يعرفون كيفية زرع الأرض ولا يعرفون الأواني الطينية وليست لديهم أي فكرة عن الحساب المنتظم للوقت.

وفي البداية لم تكن المتطلبات من حساب الزمن وطرق قياسه دقيقة، وقد قام السلافيون والشعوب الأخرى التي كانت تعمل بالزراعة بتحديد طول السنة بالفترة الزمنية ما بين حصادين، أما هنود أميركا فكانوا يقيسون السنة بظهور الجليد، وباستراليا كانت السنة تحدد تبعا لحلول فترة سقوط الأمطار..

وقد استلزم تطور الزراعة بالريّ وظهور الدول وزيادة المدن وتوسّع العلاقات تحسين وزيادة دقّة حساب الزمن، وظهرت التقاويم القمرية عند بعض الشعوب في هذه المرحلة من التطور الحضاري.

وقد ظهر الحساب المنتظم إلى حدّ ما مع تعقد الحياة الاجتماعية المرتبط بتطور زراعة الأرض وتربية الماشية واستخدام السفن. 

اليوم والشهر القمري و السنة الشمسية والسنة القمرية:

يُعرف اليوم بأنه زمن دوران الأرض حول نفسها دورة كاملة، وهو وحدة زمنية غير ثابتة لأسباب تتعلق بحركة الأرض على مدار بيضاوي، فسرعتها غير ثابتة، وعلى فرض أن مدار  الأرض حول الشمس دائري، فطول اليوم الشمسي الحقيقي لا يكون ثابتًا إلا إذا كان فلك البروج منطبقا على دائرة المعدل.

وزيادة في التوضيح: فإن السنة الشمسية تحتوى على 12.368 شهرًا قمريًا وهذا يجعل السنة الشمسية تحتوي على 12 شهرًا قمريًا وحوالى 11 يومًا، ويتضاعف هذا العدد إلى 24 شهرًا قمريًا و 22يومًا في  عامين  شمسيين ، وإلى 36 شهرًا قمريًا  وأكثر من 33 يومًا في ثلاث سنوات، وهو ما يعادل 37 شهرًا قمريًا و3 أيام ونصف اليوم (بعد تجميع الكسور)، وعلى ذلك فإذا كنّا سنحسب السنة القمرية 12 شهرًا قمريًا، فستنشأ هناك علاقة توفيقية وهي أن كل 33 سنة قمرية تساوي 32 سنة شمسية، تبدءان وتنتهيان حسابيًا في نفس الميعاد ، وهذه الفترة أطول من السنة بكثير.

ولو وجدت أيّ علاقة بسيطة ما بين طول اليوم وطول العام، أي ما بين زمن دوران الأرض حول محورها وزمن دورانها حول الشمس، لما شكّل حساب الأيام في السنة صعوبة كثيرة، وهذا صحيح أيضا بالنسبة لحساب الأيام في الشهر القمري، إلا أن  طول السنة الشمسية في وقتنا الحالي يمثل 365 يومًا وخمس ساعات و48 دقيقة و46.1 ثانية ( وبدقّة تصل إلى عشر ثانية)، أما طول الشهر القمري فهو 29 يومًا و12 ساعة و44 دقيقة و 2.8 ثانية، وبمقارنة هذه الأعداد مع بعضها البعض نجد أنه من السهل التأكد أنه لا توجد علاقة بسيطة ما بين طول السنة أو الشهر القمري وبين طول اليوم بأية أعداد دقيقة صحيحة كانت أم كسرية، ولذلك فمن الصعب وضع نظام مناسب بسيط لحساب الأيام في الشهر وفي السنة، ويتضح هذا بجلاء من أنه منذ الأزمنة القديمة وحتى أيامنا هذه وضعت مئات من هذه النظم، لا تعتبر كلها بما في ذلك النظام العالمي المتبع الآن دقيقة بما فيه الكفاية، وقد أسهمت شعوب مختلفة في عملية وضع وإقرار تقويم جيد، وحاول كثير من العلماء والفلاسفة والرهبان والأحبار والشعراء والحكام تجربة مقدرتهم لوضع  واستخدام  هكذا تقويم.

إن أي تقويم مبنيّ على أسس علمية يحتوي على عناصر  هامة، أهمها: العصر (بداية عدّ السنين)، وأسماء الشهور، وطول الشهر بالأيام، وأسماء الأيام، وأوقات الشروق والغروب، وربما يشمل التقويم على أكثر من نظام، كأن يكون مشتملًا على تاريخ قمري (الهجري القمري مثلا)، أو شمسي قمري(العبري مثلا).. فكيف اهتدى الإنسان القديم إلى هذه العناصر، وكم أخذت من الوقت حتى صارت بهذا الشكل الذي نألفه، إنه بلا ريب نتاج جهود جمهرة كبيرة من العلماء، وثمرة حضارات الشعوب، ولا يستطيع شعب ما أن يدّعي أن  الفضل كاملًا له في هذا الإبداع.

لا شكّ أن تطور الحياة المدنية كان له الأثر البالغ في تطور التقويم. 

يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) تم تقسيم هذا المقال إلى قسمين، ينشر القسم الأول في هذا العدد، على أن ينشر القسم الثاني في العدد التالي بعون الله تعالى.

ـ*  باحث في الهيئة والمواقيت والأهلة.

أعلى الصفحة     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية