بسم الله
الرحمن الرحيم
مذ لامس ظلّ
عليّ
(عليه
السلام)
أرض النجف،
تلوّنت ذرّات تلك البقعة المباركة بالقداسة، فخلع الاسم
[النجف] ثوب علميّته ليرتدي بديلاً عنه حلّةً منسوجةً
بخيوطِ الرمزية..
هنالك كفّ
اسم العلم عن كونه معبّرًا عن مجرد قيمةٍ إشارية، منتهى
غايتها الدلالة التي يحتاجها الذهن في تمييز المسمّيات،
ليحتلّ كينونةً أسمى رتبةً وأوسع أفقا، بصيرورته حاملاً
قِيَمًا إحيائية تجتذب اهتمامات العقل، وتلامس خفقات
القلب، وتلهب جذوة الروح..
وبكلمةٍ
واحدة: إن اسم [النجف] تجاوز بعلي(عليه السلام)حدود دلالة
اللفظ على المكان، ليستحيل رسالةً تتجاوز المكان، وتسبق
الزمان، وتقود إلى عوالم الخلود..
وأيّةُ
رسالةٍ أحقّ بالبقاء وبالخلود من رسالةٍ ينهج حاملوها على
تجاوز المصالح الخاصّة مهما عظمت، لأجل الحفاظ على أهداف
الرسالة، والإبقاء على وحدة الأمّة؟ فيعانون دون ذلك
الآلام، ويضحّون بالنفس والنفيس، ويعضّون على الجراح،
ويتعالون على ما يقع عليهم من ظلم، والله من وراء القصد..
أولئك هم
حَمَلة الرسالة، وذلك هو نهجهم وديدنهم..
يشهد لهم
التاريخ، ويتحدّث بواقعهم الحاضر..
وأيّ واقعٍ
يمكن أن يكون أبلغ إفصاحًا من واقع شيعة علي(عليه السلام)
في عراقنا الجريح؟! فهم قوم تُستباح كل حرماتهم، ومن أناسٍ
يُفترض أن يكونوا أخوة لهم في الدين! ولكنّهم -ومع شديد
الأسف- لا يقيمون أدنى اعتبار لأيّة قيمة من القِيَم،
دينية كانت أو إنسانية!!
وفي المقابل
ترى شيعة علي(عليه السلام) يتجنبّون التورّط في دماء أولئك
النّاس، ويكفّون عن التعرّض لحرماتهم، وليس الذي يردعهم هو
العجز، ولا الذي يثنيهم هو الجبن..
ولكنّهم قوم
ارتضوا الإسلام لهم دينًا، فقيّدوا أنفسهم بقيوده، ونأوا
بأنفسهم عن تجاوز حدوده. فكانت مظالم لا يُعرف لها نهاية،
وكانت في المقابل تضحيات لا يُدرك لها غاية..
وقد يبدو
هذا السلوك أمرًا من غرائب الأمور، لا تعرف له المجتمعات
مثيلاً..
ولكن..
حين يكون
صاحب المدرسة هو علي(عليه السلام)، ويكون قوّادها هم
المراجع العظام الذين جدّوا الخطى باتجاه مَثَلِهم
الأعلى.. وحين يكون أبناء تلك المدرسة هم شيعة أمير
المؤمنين(عليه السلام)..
فإن الغرائب
لا تنفكّ أن تغدو قضايا عاديّة، كما لا تلبث الأساطير أن
تصير من معين الحقائق.. وبعدها تنردم الهوّة بين عالَم
الرمز ودنيا الواقع.
من هنا وجدت
مجلة [رسالة النجف] أن من واجبها وفي عددها الأول أن تكثّف
البحث في بعضِ معالم تلك المدرسة، مما حدا بأُسرتها أن
تخصّص ملفًا يتعلق بمسائلَ ترتبط بمقام المرجعية، وحركة
الاجتهاد.. وهذا ما تمثّل في مواضيع ثلاثة هي:
1- نظرة في
الاجتهاد ومباديه.
2- صلاحيات
الفقيه.
3- المرجعية
الدينية في النجف الأشرف.
كما تتابع
المجلّة -ومن المنظور عينه- جانبًا من قضايا الحوزات
العلمية، تمثّلَ ذلك في تحقيق مصور يتناول حوزة الإمام
الحجة(عجل الله فرجه)، و في مقالة تحت عنوان: الحوزات
العلمية سلوكًا ومنهجًا وغاية.
كما أن في
هذا العدد مواضيع أخرى قيّمة لعلماء أعلام وكتّاب أفاضل،
تحمل سمات مدرسة علي(عليه السلام)مضمونًا وأسلوبًا.. نرجو
من العليّ القدير أن يكون فيها للقارئ الكريم ما يُرتجى من
الفوائد.
نسأل الله
التوفيق إنّه وليّ العصمة وهو حسبنا ونعم الوكيل.
التحرير |