العدد الثاني / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الخيام والقصور*

الأستاذ الشيخ كامل سليمان*

  

طأطئ الرأس، وإن كنت كبيرًا
في مقامٍ يتساوى حولَهُ
واخلعِ النعلَ، ففي وادي طُوى
كعبةُ العزِّ!.اسجدي يا سِدْرَةَ الـ
تستجير الخلْقُ في ساحتِهِ
فيه بركانٌ من الزَّخمِ!. وقدْ
فيه حُرٌّ!. أيّ لفظٍ يلتقي
فيه ثارُ الله، بل كِلْمَتُه
فحسينٌ ثورةٌ خالدةٌ
دمُهُ طرَّزَ أكنافَ السَّمَا
يمنح الأحرارَ رِفْدًا كُلَّما
قد جرى في كلِّ عِرْقٍ ثائِرٍ
إنه فَجَّرَها داوِيَةً
ثورةً حمراء، ضَمَّت فِتيةً
 

 

شامخًا، مرتفعَ الهام، خطيرا
قَدْرُ من كان غنيًّا أو فقيرا
أنت، بل في كربلا تَقْبِسُ نورا
ـمُنتهى، وانخفضي عنها غرورا
حيثُ يَلْقَونَ من الله المُجيرَ
كادَ أن يقذِفَ نارًا ويثورا
مَعَ معْنَاه، يَعُدْ عنه حَسيرا
جِئْهُ يا يعقوب تَرْتَدَّ بصيرا
تَعْمُرُ القلبَ، وتَحْتَلُّ الضميرَ
شَغَفًا، يبدو عشيًّا وبُكورا
عَرَّضَ الأحرارُ للموتِ الصدورَ
دمُ أهل البيتِ يعطيه النفيرَ
كلَّما تمتدُّ تَزْدادُ ظُهُورا
قدْ أَدَارُوها نُسُورًا وصُقُورا
 

* * *

هو يومٌ!. بعضُ يومٍ، خالدٌ
هو يوم العَسفِ، يومُ الظُّلمِ، أمْ
أَرْهَصَتْ ضَحْوَتُهُ عن جَولةٍ
قدَّمَ السِّبطُ بها اُسرتَهُ
وهُمُ من أحمدٍ لُحمَتُهم
من بيوت الوحي جاؤوا.. والقنا
 

 

ظَهَرَ الدَّهرُ حَوالَيْهِ حقيرا!
هو يومٌ خَطَّ تاريخًا منيرا
شَرُّهَا كان قويًّا، مستطيرا
كالقرابينَ، كبيرًا فصغيرا
قد سَمَوا مَجْدًا، وقد طابوا حُجورا
قَبَّ
لتْ منهمُ نُحورًا، وثُغورا
 

* * *

ومضى السِّبطُ إلى ساحِ الوَغَى
ومضى فردًا، وريحُ الدَّمِ في
ومشى: لا أهلَ، لا أولادَ، لا
مِشيَةً نعرفُها من حيدرٍ
وعلى أَرْدَانِهِ من عَبَقِ الـ
شاهرًا سيفَ أبيهِ.. إنَّه
حَدُّهُ حَتمٌ!. قضاءٌ، كم ترى
قائلاً: حيَّ على الموت! غَلَتْ
سوف أحمي رايةَ الحَمْدِ على الـ
 

 

شامخًا.. يَحتقرُ الجمعَ الغفيرَ
أنفَهِ يَعْبَقُ طِيبًا وعُطورا
صَحْبَ، لا واحدَ يلقاهُ نصيرا
لم يدنِّسها ازدهاءً وغُرورا
ـوَحْيِ ما يَنْفَحُ عِطرًا وعَبيرا
كان سيفًا يَفْلِقُ الهَامَ شطيرا
جزَّ أعناقًا، وكم قطَّ ظهورا
شِرْعَةُ القرآنِ والدِّينِ مُهورا
ـرُّغم ممَّن كان للكفرِ ظهيرا!
 

* * *

ثم صالَ ابنُ عليٍّ صَوْلَةً
قال: يا دُنيا اخسئي عن ذِلَّةٍ
لستُ أَرْضَاها، وحاشا نَسَبي
أنا من فِهْرٍ، وجدِّي هاشمٌ
فأنا من أسرةٍ، مَنْ يَرتبطْ
بَذرَةُ الدِّينِ لجدّي، وأبي
أنا مَنْ يَعْرِفُ عِنْدَ المُلتقى
يا لها من وَقْفَةٍ، يَحْمِدُها الـ
عَصَفَتْ بالشَّامِ من أركانها
 

 

خَطَّ فيها بِسَمَا المجدِ سُطورا
أطلبُ العيش بها رَغْدًا نضيرا
أن أُديلَ الحقَّ، أو أرضَاهُ زورا
وأبي أُرْسِلَ للنَّاسِ نذيرا
بِعُرَاها فازَ أهلاً وعشيرا
قد رعاها.. وأنا أحمي البذورَ
كيف يَبْنَي في ذُرَى العزِّ قُصورا
ـلّه لم تَتركْ لَدَى الطغيان دُورا
لم تَدَعْ قَصرًا، ولا أبقَتْ قبورا
 

* * *

قُمْ أبَا سُفيانَ عن مِسْخٍ، وعن
وأَتَتْ بابنِ زَنيمٍ، ماجنٍ
أنتَ قدْ لقَّنْتَهُ أوَّلهَا
وإذا..الخضراءُ..مَلْهىً نَتِنٌ
وكِلابًا وخَنازيرَ لهم
ومُصَلاّه بهِ عاهرِةٌ
وإذا ما طلع الفجرُ به
 

 

حَلْفَةٍ زاغت عن الحقِّ غُرورا
ورَمَتْ
من كَيدِكُم فيه النُّحورَ
وأبوه علَّمَ السَّطرَ الأخيرَ
حشدوا فيه نساءً وذكورا
وقرودًا، وفهودًا، وزُمورا!
تَمْلأُ المِجْمَرَ نَدًّا وبَخورا
فاحَ ريحُ القَصرِ فِسْقًا وفجورا
 

* * *

كم لئيمٍ جاهلٍ، من جيشكم
فإذا للطِّفلِ تاريخٌ به
كم دَنيءٍ سَلَبَ القرطَ منَ الـ
كم خيامٍ أحرَقوها.. إنها
وقِبابٍ ضارباتٍ في الفَضَا
كم سبايا حَمَلُوها عُنْوَةً
فَلِمَنْ جاؤوا بها، في موكبٍ
للذي يَحْكُمُ باسمِ المصطفى
إنها تُهْدَى إلى مُسْتَهْتِرٍ
قَرَّحَتْ تلك السبايا صَدْرَهُ
إذ رأى من زينبٍ في قصرِه
أَفْحَمَتْهُ خِطبةٌ ثائرةٌ
أَلقَمَتْهُ غُصَّةً مُخْرِسَةً
 

 

راش نبلاً فطم الطفل الصغيرَ
مَثَلٌ للنُّبلِ، قد عزَّ نَظيرا
 ـبِنْتِ فاستبدَلَتِ الخُلْدَ مُهورا!
خِيَمٌ محروقةٌ صارَت قُصورا
تُرْجِعُ الطَّرفَ من الرَّائي كسيرا
من بناتِ الوَحيِ،قد صَاحَت ثُبورا
أَرْكَبوا فيه السّبَايا والأسيرَ
فوق عرشٍ ظالمٍ يُؤوي حَقيرا
حَسِبَ العَيشَ كؤوسًا وخمورا
مَهْدَ إبليس!. وأَصْلَتْهُ سعيرا
مَوقِفًا لم تَحترمْ فيه الأميرَ
قد رأى في طَيِّها شرًّا خطيرا!
ومَحَتْ من وجهِهِ الجَهْمِ الغُرورَ
 

* * *

زينبٌ قوَّضَتِ القصرَ على
وأظلَّتها على أنقاضِهِ
في مقامٍ تتهادى حولَه
 

 

ربِّهِ!. واحتلَّتِ الشام الدُّهورَ
قُبَّةٌ فاقَت على الجوزاءِ نورا
صَفْوَةُ الخَلْقِ غُدُوًّا وبكورا
 

* * *

بَضْعَةُ الزهراءِ: وَفَّيتَ الهُدى
كُنْتَ في الرِّؤيا لإبراهيمَ إذ
وفداهُ اللهُ بالكَبشِ، ولم
وتُقُبِّلْتَ فداءً للهُدى
 

 

حقَّه، بل زِدْتَ بالبذلِ كثيرا
قاد إسماعيلَ للذَّبحِ فَخُورا
يَفْجَعِ الوالدَ بالطِّفل غَريرا
خيِّرًا، أيقَظَ في الناس الضميرَ!
 

* * *

يا شهيدَ الحقِّ: قد كنتَ بما
كنتَ فَذًّا، تُرْجِع الحِقْدَ إلى الـ
أبدًا ما للعُلى يَمْهَرُها غيركم
 

 

يَهدِمُ الطُّغيانَ والظُّلمَ خبيرا
ـصَدْرِ حتى يُشْعِلَ الحِقْدُ الصُّدورَ
كان كبيرًا أم صغيرا!!
 

* * *

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ألقيت في نادي الإمام الصادق عليه السلام في صور لمناسبة عاشوراء يوم 10 محرم سنة 1387هـ الموافق 20 نيسان 1987م .

* أديب وكاتب إسلامي.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية