العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = معاوية والطلقاء

وفي الآية أربع مسائل:

المسألة الأولى:

اختلف الفقهاء في تعريف المؤلفة قلوبهم:

فقال ابن حجر في فتح الباري:8/38: (فقيل كفار يعطون ترغيبًا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم، وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم).

وقال السرخسي في المبسوط:3/9: (وأما المؤلفة قلوبهم فكانوا قومًا من رؤساء العرب كأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، وكان يعطيهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)بفرض الله، سهمًا من الصدقة يؤلفهم به على الإسلام. فقيل كانوا قد أسلموا وقيل كانوا وعدوا أن يُسلموا).

وفصَّلهم فقهاؤنا أكثر، فقال المحقق الحلي في المعتبر:2/573: (والمؤلفة قلوبهم، وهم الذين يُستمالون إلى الجهاد بالإسهام في الصدقة وإن كانوا كفارًا. قال الشيخ في المبسوط:المؤلفة عندنا هم الكفار، الذين يُستمالون بشيء من الصدقات إلى الإسلام يتألفون لِيُستعان بهم على قتال المشركين، ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام. وقال المفيد: المؤلفة قلوبهم ضربان مسلمون ومشركون، وبه قال الشافعي. وقال المشركون: ضربان: ضرب لهم قوة وشوكة وآخر لهم شرف وقبول. والمسلمون أربعة: قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم، وقوم في نياتهم ضعف فيُعطَون لتقوى نياتهم، وقوم من الأعراب في طرف بلاد الإسلام وبإزائهم قوم من أهل الشرك فإذا أعطوا رغب الآخرون، وقوم بإزائهم قوم آخرون من أصحاب الصدقات فإذا أعطوا جبوها وإن لم يعطوا احتاج الإمام إلى مؤنة في بعث من يجئ زكواتهم. ثم قال المحقق الحلي(قدس سره): ولست أرى بهذا التفصيل بأسًا، فإن في ذلك مصلحة،  ونظر المصلحة موكول إلى الإمام ).  انتهى.

وقد ركّز قدماء فقهائنا على تأليف قلوب من يستعان بهم للحرب، فانتقد ذلك صاحب الحدائق الناضرة(قدس سره) فقال في:12/175: (والعجب منهم رضوان الله عليهم في هذا الخلاف والاضطراب وأخبار أهل البيت(عليهم السلام)بذلك مكشوفة النقاب مرفوعة الحجاب، قد رواها ثقة الإسلام في الكافي وعنون لها بابًا على حدة فقال: باب المؤلفة قلوبهم. وها أنا أسوق لك جملة أخباره، ومنها ما رواه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)قال:سألته عن قول الله عز وجل: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}؟ قال: هم قوم وحَّدوا الله عز وجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهم في ذلك شُكَّاك في بعض ما جاء به محمد(صلى الله عليه وآله)فأمر الله نبيه أن يتألَّفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به. وإن رسول الله(صلى الله عليه وآله)يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر: منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباهم من الناس...الخ. فأورد عدة أحاديث ثم قال:

(وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة في أن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقروا بالإسلام ودخلوا فيه، لكنه لم يستقر في قلوبهم ولم يثبت ثبوتًا راسخًا، فأمر الله تعالى نبيه بتألّفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم وتشتد قلوبهم على البقاء على هذا الدين، فالتأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه، لا لما زعموه رضوان الله عليهم من الجهاد، كفارًا كانوا أو مسلمين وأنهم يتألفون بهذا السهم لأجل الجهاد). انتهى.

أقول: سبب إضافة فقهائنا وفقهاء المذاهب الأخرى تأليف قلوبهم للجهاد مع المسلمين ثلاثة أمور:

(أولها): أن اسم المؤلّفة قلوبهم في القرآن يتضمن التعليل وهو مطلق يشمل تأليف قلوبهم لأجل تقوية إسلامهم الضعيف، ولأجل مساعدة المسلمين في الجهاد، أو في المواقف السياسية، أو غيرها.

(والثاني): أن النبي (صلى الله عليه وآله) طبّق المؤلفة قلوبهم على مشركي قريش الذين أعلنوا إسلامهم وسماهم الطلقاء، بعد أن أخذهم معه لحرب هوازن في حنين!

(والثالث): ألغى عمر سهم المؤلفة قلوبهم، لأنه كان عارًا على زعماء قريش وشهادةً نبوية لهم بنقص إسلامهم، فانتقده الصحابة، فعلل ذلك بأن الإسلام قد قوي، وأن الحاجة اليهم في الجهاد انتفت! فأثّر هذه التعليل في مذاهب السنة.

على أن انتقاد صاحب الحدائق لفقهائنا وارد، لأن أحاديث أهل البيت(عليهم السلام)لم تذكر الجهاد وركزت على التعليل بضعف إسلامهم وتأليف قلوبهم لتقويته.

لكن هذا لا ينفي إطلاق وصفهم التعليلي في الآية، ولذا أفتى فقهاؤنا المتأخرون بعموم تأليف القلوب لأغراض متعددة تخدم مصلحة المسلمين ويقدِّرها الإمام(عليه السلام) أو نائبه، ومن أولها تقوية إسلام هذا النوع، وهو الصحيح.

قال السيد الخوئي(قدس سره) في منهاج الصالحين:1/312:(وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة لِيَحْسُن إسلامهم، ويثبتوا على دينهم، أو الكفار الذين يُوجِب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد مع الكفار). انتهى.

المسألة الثانية:

أن حلال محمد(صلى الله عليه وآله)حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة! وتشريع المؤلفة قلوبهم مستمر ومصاديقه موجودون في كل عصر، لكن الذي حدث أن أصحاب هذا السهم طالبوا أبا بكر فبخل عليهم، وتبعه عمر وأعلن إلغاءه بحجة عدم الحاجة اليهم في الجهاد، ثم تبنَِّى ذلك عثمان ومعاوية لرفع الوصمة عن زعماء قريش! قال الشوكاني في نيل الأوطار:4/234: (وقال الشافعي: لا نتألف كافرًا، فأما الفاسق فيعطى من سهم التأليف. وقال أبو حنيفة وأصحابه: قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته، واستدلوا على ذلك بامتناع أبي بكر من إعطاء أبي سفيان وعيينة والأقرع وعباس بن مرداس. والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه ). انتهى. وهو خارج عن بحثنا.

المسألة الثالثة:

إن جميع من حكم عليهم النبي(صلى الله عليه وآله)بأنهم من المؤلفة قلوبهم، ومن الطلقاء، محكوم بنقص إسلامهم، وأنهم ليسوا من الأمة بل ملحقون بها إلحاقًا ومشتراة قلوبهم بالمال، فهم حلف خارج دائرة المسلمين هم وذرياتهم الى يوم القيامة، كما نص الحديث الصحيح عندهم وعندنا!

والذين هم أقل من الأفراد العاديين لأمة النبي(صلى الله عليه وآله) كيف يكونون من قادتها؟!

وماذا ينفع الطليق أن يشهد له ابن تيمية وكل الناس أنه أسلم وحسن إسلامه! بعد تصنيف النبي(صلى الله عليه وآله) له ولذريته بأنهم حلف خارج الأمة!

ثم لو تنزلنا وسلمنا أن حُسْنَ إسلامهم يخرجهم من التصنيف النبوي، فلا يمكننا أن نقبل به إلا بشهادة المعصوم الذي عنده من ربه خبرة بالقلوب! وإلا تبقى صفة المؤلف قلبه ثابتة له.

المسألة الرابعة:

أجمع المسلمون على أن القرشيين الطلقاء عمومًا من المؤلفة قلوبهم، وهم الذين أعطاهم النبي(صلى الله عليه وآله) غنائم حنين!

ففي البخاري:5/104: (يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار).

وفي ص205: (والمؤلفة قلوبهم قال مجاهد يتألفهم بالعطية). انتهى.

ونحوه في صحيح مسلم:3/108، والترمذي:2/88، وسنن البيهقي: 6/339، ومجمع الزوائد: 6/189.

وقال ابن حجر في فتح الباري:8/38: (والمراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية).انتهى.

وقد اتفق المحدثون والمؤرخون والفقهاء حتى المغالون في بني أمية، على أن أبا سفيان ومعاوية منهم!

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:4/34: (ولما كان عام حنين قسّم غنائم حنين بين المؤلفة قلوبهم من أهل نجد والطلقاء من قريش كعيينة بن حصن، والعباس بن مرداس، والأقرع بن حابس وأمثالهم، وبين سهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي سفيان بن حرب وابنه معاوية، وأمثالهم من الطلقاء اللذين أطلقهم عام الفتح). انتهى.

وقال في منهاجه:4/378: (قال الرافضي -يقصد العلامة الحلي(قدس سره) في كتابه منهاج الكرامة-: مع أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)لعن معاوية الطليق بن الطليق اللعين بن اللعين وقال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه! وكان من المؤلفة قلوبهم، وقاتل عليًا وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق، وكل من حارب إمام حق فهو باغ ظالم... وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة واحدة من الوحي بل كان يكتب له رسائل وقد كان بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله)أربعة عشر نفسًا يكتبون الوحي أولهم وأخصهم وأقربهم إليه علي بن أبي طالب(عليه السلام)! مع أن معاوية لم يزل مشركًا بالله تعالى في مدة كون النبي(صلى الله عليه وآله)مبعوثًا يكذب بالوحي ويهزأ بالشرع.

والجواب: أن يقال أما ما ذكره من أن النبي(صلى الله عليه وآله)لعن معاوية وأمر بقتله إذا رؤيَ على المنبر فهذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام التي يرجع إليها في علم النقل، وهو عند أهل المعرفة بالحديث كذب موضوع مختلق على النبي(صلى الله عليه وآله)، وهذا الرافضي الراوي له يذكر له إسنادًا حتى ينظر فيه، وقد ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات....

وأما قوله إنه الطليق ابن الطليق، فهذا ليس نعت ذم، فإن الطلقاء هم مسلمة الفتح الذين أسلموا عام فتح مكة وأطلقهم النبي(صلى الله عليه وآله)وكانوا نحوًا من ألفي رجل وفيهم من صار من خيار المسلمين! كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، ويزيد بن أبي سفيان، وحكيم بن حزام، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي(صلى الله عليه وآله) الذي كان يهجره ثم حسن إسلامه، وعتاب بن أسيد الذي ولاَّه النبي (صلى الله عليه وآله)مكة لما فتحها، وغير هؤلاء ممن حسن إسلامه، ومعاوية ممن حسن إسلامه باتفاق أهل العلم، ولهذا ولاَّه عمر بن الخطاب موضع أخيه يزيد بن أبي سفيان لما مات.....ثم إنه بقي في الشام عشرين سنة أميرًا، وعشرين سنة خليفة، ورعيته من أشد الناس محبة له وموافقة له، وهو من أعظم الناس إحسانًا إليهم وتأليفًا لقلوبهم، حتى أنهم قاتلوا معه عليَّ بن أبي طالب وصابروا عسكره، حتى قاوموهم وغلبوهم! وعليٌّ أفضل منه وأعلى درجة، وهو أولى بالحق منه باتفاق الناس، وعسكر معاوية يعلمون أن عليًا أفضل منه وأحق بالأمر، ولا ينكر ذلك منهم إلا معاند، أو من أعمى الهوى قلبه، ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحكمين يدَّعي الأمر لنفسه ولا يتسمَّى بأمير المؤمنين، بل إنما ادعى ذلك بعد حكم الحكمين، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له لماذا تقاتل عليًا وليس لك سابقته ولا فضله ولا صهره وهو أولى بالأمر منك؟ فيعترف لهم معاوية بذلك! لكن قاتلوا مع معاوية لِظنِّهم أن عسكر علي فيه ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان، وأنهم يقاتلونهم دفعًا لصيالهم عليهم وقتال الصائل جائز!....

وأما قوله كان معاوية من المؤلفة قلوبهم، فنعم، وأكثر الطلقاء كلهم من المؤلفة قلوبهم، كالحارث بن هشام، وابن أخيه عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام، وهؤلاء من خيار المسلمين، والمؤلفة قلوبهم غالبهم حَسُن إسلامه، وكان الرجل منهم يسلم أول النهار رغبة منه في الدنيا، فلا يجئ آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس). انتهى.

أقول: في كلامه نقاط ضعف كثيرة، لسنا بصددها، خاصة تبريره خروج إمام الفئة الباغية معاوية على أمير المؤمنين(عليه السلام)بما يخالف النص وإجماع المسلمين!

وستأتي فضيحة إنكاره للحديث النبوي: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه، وفي لفظ: فابقروا بطنه، وأنه حديث صحيح روته مصادرهم المعتبرة، وقد أراد الصحابي ابن سهل الأنصاري، أن ينفذ أمر النبي(صلى الله عليه وآله)فمنعه الناس!

والذي يدخل في غرضنا هنا اعتراف ابن تيمية أن معاوية من الطلقاء المؤلفة قلوبهم، وبذلك ثبت له بيقين صفة الطلقاء وحكمهم، وأنه مسلم بالشراء بالمال! وخارج عن دائرة المسلمين بحكم النبي(صلى الله عليه وآله)الى يوم القيامة، ولا ينفعه ادعاؤه أنه حَسُنَ إسلامه، وخرج من هذا الصنف!

راجع أسماء الطلقاء والمؤلفة قلوبهم من زعماء بني أمية، وبني عبد الدار، وبني مخزوم، وبني جمح، وبني سهم عدي، وبني عامر بن لؤي، وبني عدي، ومن سائر قبائل العرب، في:

المحبر لابن حبيب ص236، والدرر لابن عبد البر ص233، والمعارف لابن قتيبة: 1/184. ونيل الأوطار: 4/234، قال: وقد عدَّ ابن الجوزي أسماء المؤلفة قلوبهم في جزء مفرد فبلغوا نحو الخمسين نفسًا.

وراجع أحكامهم في: المحلى:6/145، وفيه: وادعى قوم أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط. قال أبو محمد: وهذا باطل، بل هم اليوم أكثر ما كانوا. ونيل الأوطار: 8/126، ومسند أحمد: 4/42، وفتح الباري: 8/38، وتحفة الأحوذي: 4/528، وتفسير القرطبي: 8/181، وأسد الغابة: 3/12، والاستيعاب: 2/714، و: 3/1416، ووسيلة الإسلام لابن قنفذ القسطنطيني  ص84، والأوائل للعسكري: 1/39، والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب: 1/203، وتاريخ أبي الفداء: 1/184.

ومن مصادرنا: شرح الأخبار: 1/318، وشرائع الإسلام للمحقق الحلي: 1/121، وتحرير الأحكام للعلامة الحلي:1 /404، وكذا تذكرة الفقهاء: 5/250، وجواهر الكلام: 15/339 .

وقال القاضي المغربي في المناقب والمثالب: ص184، و221:

(وهو وأبوه عند كافة أهل العلم بالأخبار والحديث من المؤلفة قلوبهم، إلا أن بعضهم زعم أن معاوية بعد ذلك حَسُن إسلامه، وكذب هذا القائل بل إزداد كفرًا إلى كفره وفسقًا إلى فسقه، بمحاربة وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله)). انتهى.

أقول: لا بد أن نحمل كلامه على التنزل، وإلا فإن حسن إسلام الطليق لا ينقله من التصنيف الذي وضعه في النبي(صلى الله عليه وآله)بأمر ربه الى يوم القيامة!

رفض أمير المؤمنين(عليه السلام)أن يشهد بإسلام معاوية!

روى نصر بن مزاحم في صفين ص509، بسنده عن أبي إسحاق الشيباني قال: (قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة، في صحيفة صفراء عليها خاتمان، خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها. في خاتم علي: محمد رسول الله، وفي خاتم معاوية: محمد رسول الله! فقيل لعلي حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام: أتقرّ أنهم مؤمنون مسلمون؟ فقال علي: ما أقرّ لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون، ولكن يكتب معاوية ما شاء، ويقر بما شاء لنفسه وأصحابه، ويسمي نفسه وأصحابه ما شاء!! فكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضي علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، وقاضي معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين: إنا ننزل عند حكم الله...). انتهى.

 وينبغي التنبيه على أن الحكم بعدم إسلام معاوية وأتباعه، يتعلق بعاقبتهم ودخيلتهم، ولا يعني معاملة أتباعه معاملة الكفار، فقد ثبت أن النبي(صلى الله عليه وآله)أمر عليًا(عليه السلام)بأن يعاملهم معاملة المسلمين، إلزامًا لهم بما أعلنوه وتسهيلاً على أمته.

وعلى هذا كانت سيرة عليٍّ(عليه السلام)فيهم، فقد اعتبرهم من أمة النبي(صلى الله عليه وآله) وميَّزهم على الكفار بأحكام، فلم يستحل أسرهم ولا غنيمة أموالهم من غير معسكرهم.. لكن في نفس الوقت امتنع أن يشهد بأن معاوية وحزبه مؤمنون أو مسلمون!

شهادة الإمام الحسن(عليه السلام)بأن معاوية ظالمٌ كافر:

في الخرائج: 2/574: (لما مات عليٌّ جاء الناس إلى الحسن بن علي(صلى الله عليه وآله) فقالوا له: أنت خليفة أبيك ووصيه، ونحن السامعون المطيعون لك، فمرنا بأمرك. قال(عليه السلام):كذبتم! والله ما وفيتم لمن كان خيرًا مني فكيف تفون لي؟!....مع أي إمام تقاتلون بعدي؟! مع الكافر الظالم، الذي لم يؤمن بالله، ولا برسوله قط، ولا أظهر الإسلام هو ولا بنو أمية إلا فَرَقًا من السيف؟! ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء، لبغت دين الله عوجًا. وهكذا قال رسول الله(صلى الله عليه وآله)!). انتهى.

أقول: أضف إلى ذلك مجموعة أحاديث صحيحة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في بني أمية عامة وفي معاوية خاصة -وفي مقام آخر- سيأتي بعضها في مواجهة الصحابة الأبرار له، ومنها قول النبي(صلى الله عليه وآله) لمعاوية إنه فرعون هذه الأمة، وهو صحيح السند عندهم.

انتهى

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية