يقول الإمام
علي (عليه السلام) في عهده الذي كتبه لمالك الأشتر حين
بعثه واليًا على مصر: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة
لهم، واللّطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم
أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في
الخلق،
يَفرُط منهم
الزلل، وتعرض لهم العلل...).
فإذا ما قرأ
المرء هذا الكلام لعلي
(عليه
السلام)،
وقرأ ما يماثله من وصاياه وإرشاداته للعمال والولاة
و[وكلاء الأمة]، فإنه يجد نفسه أمام منظومة متكاملة في
شرعة حقوق الإنسان، وهي منظومة مؤسّسة على نظرة فلسفية
لمعنى الإنسان وحقيقة وجوده، ومبنية على فهم دقيق لعلم
الإدارة وشؤون التنفيذ، وصادرة عن قلب مجبول بالرحمة
ونفْسٍ سموح، وهي قبل ذلك كله ومعه وبعده، تستمدّ أصولها
من الدين العالمي والرسالة الخاتمة.
وقد كان
الإمام
(عليه
السلام)
سبّاقًا في نظرته ورائدًا فيما يطرحه، ولذلك يقول الأديب
جورج جرداق معلّقًا على بعض مضامين الكلام العلوي في
الحقوق: [ولعلّ ابن أبي طالب أوّل حاكم في تاريخ الشرق بل
في تاريخ الإنسانيات القديمة جميعًا يأمر بما لا يألفه
زمانه وأبناء زمانه]().
وإذا كان
الظرف قد اقتضى من الإمام علي
(عليه
السلام)
أن يبيّن شرعة الحقوق عبر كتبه لـ[وكلاء الأمة]، لأنه كان
الخليفة والحاكم، فإنك تجد الاهتمام عينه بقضية الحقوق لدى
حفيده الإمام السجاد
(عليه
السلام)
في رسالته الخالدة [رسالة الحقوق]، وإن اختلف الأسلوب حيث
اتّصفت الرسالة بوحدة الموضوع، واتّسمت بنظام متدرّج في
الطرح، وبنسق متسلسل في البحث، ومردّ الأمر إلى أن الإمام
السجاد
(عليه
السلام)
لم يكن حاكمًا يريد توجيه عماله فيكتب لهم بما تقتضيه
المتطلبات العملية، بل كان في مقام الإرشاد والتوجيه
العام، وهذا ما استدعى اختلاف الأسلوب، فكان مرة كتابًا
وأخرى رسالة، وإن كانت المضامين في الحالتين متشاكلة في
عمقها وسموّها وأسبقيتها.
ولا يتسع
المقام لإجراء المقارنات بين المنظومة الحقوقية التي طرحها
أئمة آل البيت
^
وبين المنظومات الحقوقية الأخرى، لذا نلفت انتباه القارئ
إلى المقارنة التي عقدها الأديب جورج جرداق بين ما طرحه
الإمام علي
(عليه
السلام)
وما طرحه الآخرون، وذلك في موسوعته القيّمة [علي وحقوق
الإنسان]، ونكتفي بكلمة واحدة حول ما طرحه الإمام السجاد
(عليه
السلام)،
فنقول:
لعله لم
يلتفت أيّ حقوقي لا قديمًا ولا حديثًا للعديد مما سطره
الإمام السجاد
(عليه
السلام)
في [رسالة الحقوق]، حيث لم يكتفِ
(عليه
السلام)
بذكر الحقوق المتداولة من حق الراعي وحق الرعية وحقوق
الأقارب... بل تعدّى ذلك كله إلى حقوق أعضاء الإنسان وحقوق
العبادات وحقوق ذوي المعروف عليه...
ولما كنّا
نعيش في عصر ضُيّعت فيه الحقوق واشتهرت فيه مقولة الكيل
بمكيالين قولاً وعملاً، فقد رأينا أن من واجبنا أن نذكّر
بما ضيّعه العصر، فجعلنا موضوع ملف هذا العدد من [رسالة
النجف] هو الحقوق، وذلك تحت عنوان [نظرات إسلامية في
الحقوق].
هذا، وفي
العدد مقالات أخرى متنوّعة تلمّ بموضوعات هامة، نرجو أن
يجد فيها القارئ زادًا فكريًا نافعًا، ومعارف قيّمة.
تحرير
|