السنة الخامسة / العدد السادس عشر/ كانون أول 2009 - ذو الحجة 1431هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

إقناع اللائم على إقامة المآتم

السيد محسن الأمين العاملي (قده)

 

هذا المقال هو الفصل السابع من خاتمة كتاب [المجالس السنية] للسيد محسن الأمين العاملي (قده)([1]) .

قال (قده) :

(الفصل السابع) : فيما ذكره المسيو ماربين الألماني والدكتور جوزيف الإفرنسي في أسرار شهادة الحسين (عليه السلام) وفوائد مآتمه.

ننقله هنا لبيان تطابق العقلاء على استحسان مثل هذه المآتم التي أثبتنا بما تقدم تحسين الشرع لها، وقد تُرجم ما ذَكَراه إلى التركية والهندية، وترجم أيضًا إلى الفارسية، وأوردت الترجمة في جريدة (حبل المتين) الفارسية في العدد الثامن والعشرين من السنة الثامنة بتاريخ 7 محرم سنة 1329 هـ -1911م، وترجمنا نحن ما ذكرته الجريدة المذكورة إلى العربية بما هذه صورته.

قال المسيو ماربين الألماني -ذلك الفيلسوف المعروف، والحكيم المشهور من أكبر مؤرخي الإفرنج وأعلمهم بالسياسة الإسلامية- في رسالته المسماة بالسياسة الإسلامية المبنية على فلسفة الإسلام تحت عنوان:

الثورة الكبرى أو السياسة الحسينية

ترجمة ما نقلته جريدة [حبل المتين] عن المسيو ماربين الألماني

الفصل السابع : في فلسفة مذهب الشيعة

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف هو سبط محمد المتولد من ابنته وحبيبته فاطمة (عليهم السلام) ، ويمكننا القول بأنه كان جامعًا للأخلاق والصفات المستحسنة عند العرب في ذلك الزمان، ووارثًا للشجاعة من أبيه، وأعلم المسلمين بأحكام دين جده، وحاويًا بدرجة كاملة للجود الذي هو أحب الصفات، وكان طلق اللسان، فصيح البيان للغاية، اتفق المسلمون بلا مخالف على حسن العقيدة في الحسين، حتى أن الطوائف التي تذم أباه وأخاه([2]) تمدحه وتثني عليه، وكتبهم مشحونة بذكر ملكاته الحسنة وسجاياه المستحسنة، وكان غيورًا صادقًا غير هيّاب، وإن لغالب فرق المسلمين عقائد عظيمة في الحسين (عليه السلام) ، ولكن الذي نقدر أن نكتبه في كتابنا بكمال الطمأنينة، وبلا خوف المعارضة هو أن تابعي علي (عليه السلام) ([3]) يعتقدون في الحسين أكثر مما تقوله النصارى في المسيح (عليه السلام) ([4])، فكما أننا نقول إن عيسى تحمّل هذه المصائب لتكفير السيئات، هم يقولون ذلك في الحسين، ويعدّونه الشفيع المطلق يوم القيامة، والشيء الذي لا يقبل الإنكار أبدًا إذا قلناه في الحسين هو أنه كان في عصره أول شخص سياسي، ويمكن أن نقول أنه لم يختر أحد من أرباب الديانات سياسة مؤثّرة مثل سياسته، ومع أن أباه عليًا هو حكيم الإسلام، وحكمياته وكلياته([5]) الشخصية لم تكن بأقل مما هو لسائر حكماء العالم المعروفين، لم يظهر منه مثل السياسة الحسينية.

ولأجل إثبات هذه المسألة يلزم الالتفات قليلاً إلى تاريخ العرب قَبْل الإسلام، فنرى أنها كانت قرابة بين بني هاشم وبني أمية([6])، أي أنهم بنو أعمام، لأن أمية وهاشم أنجال عبد مناف، ومن قَبْلِ الإسلام كان بينهم نفور وكدورة بدرجة متناهية، وحصل بينهم مرارًا مجادلات وقتال، وكان كل من الطرفين طالبًا ثأره من الآخر، وكان بنو هاشم وبنو أمية أعزاء محترمين في قريش، ولهم السيادة، بنو أمية من جهة الغنى والرئاسة الدنيوية، وبنو هاشم من جهة العلم والرئاسة الروحانية، وفي بدء الإسلام ازدادت العداوة بين بني هاشم وبني أمية إلى أن فتح النبي محمد (صلى الله عليه وآله) مكة، وأدخل في طاعته وتحت أمره عموم قريش وبني أمية، وفي الواقع استولى على رئاسة العرب الدينية والدنيوية، فلأجل ذلك ارتفع قدر بني هاشم بين العرب وأطاعتهم بنو أمية، وأضرم هذا التقدم في الباطن نار الحسد لبني هاشم في صدور بني أمية، وكانوا على استعداد للإيقاع ببني هاشم حقدًا عليهم.

فلما توفي النبي (صلى الله عليه وآله) اتسع لهم المجال لذلك، فسعوا أولاً أن لا يكون الخليفة للنبي (صلى الله عليه وآله) على أصول ولاية العهد بل على أصول أكثرية الآراء، ولم تدع شدة مخالفة بني أمية أن تكون أكثرية الآراء في الخلافة بجانب بني هاشم، فهنا نال بنو أمية مآربهم، وتغلبوا على بني هاشم.

وبسبب الخلافة تمكّن بنو أمية من الحصول على مقام منيع، فسهّلوا الطريق لمستقبلهم، وكانوا يسعون في رفعة منزلتهم عند الخلفاء يومًا فيومًا، وأصبحوا ركنًا من أركان السلطنة الإسلامية، حتى أصبح الخليفة الثالث منهم، وأصبح بنو أمية متفوقين تفوقًا مطلقًا في كل عمل ومكان، ووطّدوا مقامهم للمستقبل.

ونظرًا إلى تلك العداوة والثارات التي كانت لبني أمية عند بني هاشم حسب عوائد العرب في ذلك الزمان، كان إظهارهم لخلوص العقيدة والنيّة الصافية للإسلام أقل من سواهم، وكانوا باطنًا يرون من العار أن يتبعوا دينًا يكون ختامه باسم بني هاشم، ولكثرة المسلمين في ذلك الزمان كان بنو أمية يسيرون وراء مقاصدهم تحت ظل هذا الدين، ولم يعلنوا بمخالفته، وتظاهروا بمتابعته، ولما رأوا أنفسهم في المقامات العالية، ووطّدوا مقامهم في الجاه والجلالة، أظهروا تمردهم عن([7]) أحكام الإسلام، حتى أنهم كانوا في المحافل يستهزئون بدين جاء به بنو هاشم([8]).

ولما رأى بنو هاشم أن الأمر صار إلى هذا، واطّلعوا على نوايا بني أمية لم يقعدوا عن العمل، وأظهروا للناس أعمال الخليفة الثالث بأساليب عجيبة([9])، فأثاروا المسلمين عليه حتى آل الأمر إلى أن اشترك رؤساء طبقات المسلمين في قتله، وبأكثرية الآراء أصبح علي الخليفة الرابع.

من بعد هذه الواقعة تأكد بنو أمية أنها ستكون لبني هاشم السيادة والعظمة كما كانت لهم في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلهذا قام معاوية -الذي كان حاكمًا بلاد الشام من قبل الخلفاء السابقين، وكان ذا اقتدار ودهاء ونظر بعيد- ناشرًا لواء العصيان على علي، بدعوى أن قتل عثمان كان بإشارة منه، وألقى الخلاف بين المسلمين، وبتلك الطريقة التي كانت بين العرب قبل الإسلام شُهر السيف بينهم.

ومعاوية وإن لم يغلب عليًا في هذه الحروب العديدة، لكنه لم يكن مغلوبًا، ولم يطل زمن تمرد بني أمية على رئاسة بني هاشم حتى قتلوا عليًا (عليه السلام) ([10]) وعندئذ تغلب معاوية، وصالحه الحسن -الذي هو الأخ الأكبر للحسين- وهو الخليفة الخامس، وعادت الخلافة إلى بني أمية، فكان معاوية من جهة يسعى في تقوية ملكه، ومن جهة أخرى يسعى في اضمحلال بني هاشم، ولم يفتر دقيقة واحدة عن محوهم.

وكان الحسين مع أنه تحت نفوذ أخيه الحسن لم يطع بني أمية، ولم يظهر مخالفتهم، وكان يقول علنًا [لا بد أن أُقتل في سبيل الحق، ولا أستسلم للباطل]([11])، وكان بنو أمية في اضطراب منه، وبقي هذا الاضطراب إلى أن مضى الحسن ومعاوية، وجلس يزيد في مقام أبيه على أصول ولاية العهد، وأُبطلت الخلافة بأكثرية الآراء من بعد علي (عليه السلام) ، ولكن بعد تعيينه لولاية العهد استحصل معاوية على صك بأخذ البيعة له من رؤساء القوم، ورأى الحسين (عليه السلام) من جهة أن حركات بني أمية الذين كانت لهم السلطة المطلقة والرئاسة الروحانية الإسلامية قاربت أن تزعزع عقيدة المسلمين من([12]) دين جدّه، ومن جهة أخرى كان يعلم أنه إذا أطاع يزيد أو لم يطعه، فبنو أمية نظرًا لعداوتهم وبغضهم لبني هاشم لا يألون جهدًا في محوهم، وإذا دامت هذه الحال مدة لا يبقى أثر لبني هاشم في عالم الوجود، فلهذا صمّم الحسين (عليه السلام) على إلقاء الثورة بين المسلمين ضد بني أمية، كما أنه رأى من حين جلوس يزيد في مقام أبيه وجوب عدم إطاعته، ولم يُخفِ مخالفته له.

وجدَّ يزيد في أخذ البيعة من الحسين ودخوله في طاعته، فلهذا سلّم الحسين نفسه للقتل عالمًا عامدًا، لما كان يدور في خلده من الأفكار السامية.

وإذا تأمل المنصف بدقة في حركات تمثيل ذاك الدور، وتقدم مقاصد بني أمية، وكيفية تزعزع المسلمين واستيلاء بني أمية على جميع طبقات المسلمين، يحكم بلا تردد أن الحسين (عليه السلام) أحيى بقتله دين جده وقوانين الإسلام، ولو لم تقع هذه الواقعة ولم يحصل ذاك الاهتزاز الكهربائي في المسلمين من قتل الحسين، لم يبقَ الإسلام على حالته الحاضرة أبدًا، وبما أن الإسلام كان قريب العهد كان من المحتمل أن تضمحل أحكامه وقوانينه، ولما كان الحسين (عليه السلام) بعد أبيه مصممًا على القيام بذلك المقصد النبيل، خرج من المدينة بعد جلوس يزيد في مقام أبيه، لينشر أفكاره العالية في مراكز الإسلام المهمة مثل مكة والعراق، وكل نقطة كان يطأها الحسين (عليه السلام) كان يتولد في قلوب أهلها لبني أمية النفور الذي هو مقدمة للثورة، وإن يزيد لم تخفَ عليه هذه النقاط الدقيقة، ولقد علم أنه لو حصل في نقطة من مملكته ثورة ونشر له الحسين لواء المقاومة لسادت هذه الفكرة في جميع البلاد الإسلامية سيادة عامة بسرعة تامة.

أولاً: لنفور المسلمين من كيفية سلوك بني أمية وحكومتهم.

وثانياً: لانعطاف القلوب نحو الحسين (عليه السلام) ، ولكانت سببًا لزوال السلطنة الأبدية من بني أمية.

فلهذا صمم يزيد بعد جلوسه على تخت الملك قبل كل شيء على قتل الحسين (عليه السلام) ، وكانت هذه أكبر الغلطات السياسية لبني أمية، وبهذه الهفوة السياسية محوا اسمهم ورسمهم من صفحة عالم الوجود.

أكبر دليل على أن الحسين (عليه السلام) كان ذاهبًا لمصرعه ولم يقصد السلطنة والرياسة أبدًا هو أنه مع ذلك العلم وتلك السياسة والتجربة التي اكتسبها في عهد أبيه وأخيه في قتالهم مع بني أمية، كان يعلم أنه لفقده الاستعدادات اللازمة مع تلك القوة التي كانت ليزيد لا يمكنه المقاومة.

وأيضًا: الحسين (عليه السلام) بعد قتل أبيه كان يخبر عن نفسه أنه مقتول لا محالة، ومن الساعة التي خرج فيها من المدينة كان يقول بصوت عال وبلا تستر [إنني ذاهب للقتل]، وكان يصرًح بذلك لأصحابه إتمامًا للحجة ليتركه من اتبعه طمعًا في الجاه، وكانت لهجته على الدوام [إن أمامي طريق المصرع]، ولو لم يكن الحسين بهذه الأفكار لم يكن ليستسلم للموت، بل كان يسعى لإعداد جيش لا أنه يفرق الجماعة الذين معه، ولما لم يكن له قصد سوى القتل الذي هو مقدمة لتلك الأفكار السامية وتلك الثورة المقدّسة التي كانت في نظره، رأى أن أكبر وسيلة لتلك الثورة هي فقد الأنصار والقتل مظلومًا، فاختارها لتكون مصائبه أشد تأثيرًا في القلوب.

ومن الواضح أنه مع تلك المحبة التي كانت للحسين (عليه السلام) في نفوس المسلمين في ذلك الزمن، لو صمم على جلب قوة لتمكن من جمع جيش جرار، ولو قتل على تلك الحالة لقيل إنه قتل في سبيل الملك، ولم تحصل له المظلومية التي أنتجت تلك الثورة العظمى، فلهذا لم يبقَ معه سوى الأشخاص الذين لم يمكن انفكاكهم عنه، كأولاده وإخوته وأبناء أخوته وأبناء أعمامه وبعض خواص أتباعه، حتى أن هؤلاء أيضًا كلفهم بالانفكاك عنه فلم يقبلوا، وهؤلاء أيضًا كانوا عند المسلمين موصوفين بالتقدّس وجلالة القدر، وصار بسبب قتلهم مع الحسين (عليه السلام) زيادة في عظم هذه الواقعة وتأثيرها، وكان الحسين (عليه السلام) بقوة العلم والسياسة لم يفتر آنًا عن إفشاء مظالم بني أمية وإظهار نواياهم السيئة في عداوتهم لبني هاشم وآل محمد (صلى الله عليه وآله) .

منها: أنه لعلمه بعداوة بني أمية له ولأهل بيته كان يعلم بأنه بعد قتله سيأسرون نساء وأطفال بني هاشم الذين هم آل محمد، وأنها ستؤثر هذه الواقعة في قلوب المسلمين -خصوصًا العرب منهم- بدرجة فوق التصور، كما جرى ذلك، فحركات ظلم بني أمية وعدم رحمتهم لحريم وصبية نبيهم أثّرت في قلوب المسلمين تأثيرًا لم يكن بأقل من تأثير قتل الحسين وأصحابه، وقد أظهر ذلك عداء بني أمية لآل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) وعقائدهم في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين، فلهذا كان يقول الحسين (عليه السلام) علنًا لأصحابه الذين ينهونه عن السفر للعراق [أنا ذاهب للقتل]، ولما كانت أفكارهم محدودة ولم يطلعوا على مقاصده السامية، كانوا يصرون على منعه حتى كان جوابه الأخير لهم [هكذا شاء الله وأمرني جدي]، فكانوا يجيبونه بتأكيد [إذا كنتَ ذاهبًا للقتل فلا تأخذ النساء والأطفال معك]، فكان يجيبهم [قد أراد الله أن يكون عيالي أسرى].

ولما كان الحسين (عليه السلام) يومئذٍ رئيسًا روحانيًا للمسلمين لم يجدوا لتلك الكلمات جوابًا، وكانت دليلاً على عدم تصوره لسوى تلك الأفكار العالية، وأنه لم يتحمّل هذه المصائب للحصول على السلطنة، ولم يرد هذه المهلكة العظيمة على غير علم كما تصور ذلك بعض مؤرخينا، بدليل أنه كان قبل هذه الواقعة بسنين متطاولة يترنم بذكر مصائبه التي ستقع -على سبيل التسلية- لخواص أصحابه من ذوي الأفكار العالية والأدمغة الواسعة، قائلا [سَيُظْهِرُ الله بعد قتلي وظهور تلك المصائب المفجعة أقوامًا يميزون الحق من الباطل، ويزورون قبورنا، ويبكون على مصائبنا، ويأخذون الثار من أعداء آل محمد. هؤلاء الجماعة يروِّجون دين الله وشريعة جدي، ونحبهم أنا وجدي، وسيحشرون معنا يوم القيامة].

فإذا أُنعم النظر في كلمات الحسين (عليه السلام) وحركاته، يُرى أنه لم يفتر لحظة عن إظهار قبائح بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم، ومظلوميته، وهذه السياسة البالغة إلى النهاية، وقوة القلب والاستماتة، تثبت سلوكه في طريق أفكاره السامية، حتى أنه في آخر لحظة من حياته أتى بعمل في مسألة طفله الرضيع حيّر فيه عقول الفلاسفة.

ففي تلك الساعة العصيبة، مع تلك المصائب المفجعة، وتراكم الأفكار والعطش، وكثرة الجراحات أيضًَا، لم يصرف نظره عن أفكاره السامية، مع أنه كان يعلم أن بني أمية لا يرحمون طفله الصغير، ولكنه لتعظيم مصيبته حمله على يديه وتظاهر بطلب الماء له، فسمع الجواب بالسهم، كأن الحسين (عليه السلام) كان قصده من هذه الحركة أنه يُعلم العالَم عداوة بني أمية لبني هاشم إلى أي درجة كانت، وأن لا يتصوروا أنه كان إقدام يزيد على هذه الفجيعة اضطرارًا لأجل الدفاع عن نفسه، لأن قتل هذا الطفل الرضيع في مثل هذا الحال مع تلك الوضعية المدهشة لا تظهر إلا وحشيتهم وعداوتهم السبعية التي تنافي قواعد كل دين ومذهب.

وهذه النكتة وحدها ترفع الستار عن وجه قبائح أعمال بني أمية ونواياهم الفاسدة وعقائدهم السيئة، وتظهر للعالَم أجمع وللمسلمين خاصة أن بني أمية لم تسعَ في مخالفة النبوة والإسلام فقط، بل تسعى عن طريق العصبية الجاهلية في أن لا تُبقي من بني هاشم وعلى الأخص بقايا آل محمد ديّارًا.

فالحسين (عليه السلام) بتلك الأفكار السامية، وسعة العلم والعقل، والسياسة التي كانت مسلَّمة له إلى أن قتل، لم يرتكب أمرًا يُلجئ بني أمية لدفعه، حتى أنه مع ذلك النفوذ الذي كان له يومئذ وتلك المقدرة العظيمة لم يستولِ على بلدة من بلاد المسلمين، ولم يهاجم حكومة من حكومات يزيد، وأخيرًا قبل أن تظهر منه حركة عصيان أو تبدو منه إساءة حاصروه في فلاة غير ذات زرع.

أبدًا لم يقل الحسين (عليه السلام) إني سأكون ملكًا أو أريد الملك، إنما كان يظهر مساوئ بني أمية واضمحلال الإسلام من سيرهم، ويخبر عن قتله، وكان فرحًا جذلاً من مظلوميته، ولما حاصروه في البيداء أظهر أنهم لو تركوه فهو مستعد لأن يخرج بعياله وأطفاله من سلطنة يزيد، أي من الممالك الإسلامية، وهذه النكتة وحدها التي تثبت سلامة نفس الحسين أثّرت في قلوب المسلمين غاية الأثر ضد بني أمية.

قَبْلَ الحسين قُتل أيضًا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب الديانات ظلمًا، وقامت الدعوة من بعد قتلهم وسلّ أتباعهم السيوف على أعدائهم، كما تكرر ذلك في بني إسرائيل، وقضية يحيى هي إحدى الوقائع التاريخية الكبرى، وتلك الخطة التي سلكها اليهود مع السيد المسيح إلى ذلك الزمان لم يقع نظيرها، ولكن لواقعة الحسين مزية على جميع تلك الوقائع.

لم يُرَ في التاريخ أن أحد الروحانيين وأرباب الديانات سلّم نفسه للقتل عالمًا عامدًا لأفكارٍ عالية متأخرة، أي أن كل واحد من أرباب الديانات الذين قُتِلُوا هجم عليهم أعداؤهم وقَتَلوهم عنفًا وظلمًا، وعلى قدر مظلوميتهم كانت قوة الثورة من بعدهم، ولكن واقعة الحسين (عليه السلام) كانت عن علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في تاريخ الدنيا، تأهب الحسين (عليه السلام) للقتل سنين متوالية ونظره ممدود إلى مقاصد عالية جدًا، ولم يوجد في التاريخ أحد سلّم نفسه للقتل عالمًا عامدًا لترويج دينه في المستقبل سوى الحسين (عليه السلام) .

إن للمصائب التي تحملّها الحسين (عليه السلام) في سبيل إحياء دين جده مزيّة على السالفين من أرباب الديانات، ولم تَرِدْ على أحد من الماضين. وعلى فرض القول بأن أشخاصًا أُخَر خسروا نفوسهم أيضًا في طريق الدين، لكنهم ليسوا كالحسين (عليه السلام) ، الحسين جاد بنفسه العزيزة، وبجميع أبنائه وإخوته، وأبناء إخوته وأبناء أعمامه، وخواص أحبابه وأقربائه، جاد بالمال، سلّم عياله للأسر، هذه المصائب لم تفاجئه على حين غرة وعلى غير علم لتكون في حكم مصيبة واحدة، بل وردت هذه المصائب على مرور الزمان واحدة بعد واحدة، وهجوم هذه المصائب المترادفة مختص بالحسين وحده في تاريخ الدنيا.

فمن عظم مصائب الحسين ارتفع الستار فجأة عن سرائر بني أمية، وظهرت قبائح أعمالهم. بمجرد قتل الحسين (عليه السلام) وورود تلك الرزايا المؤلمة وأسر نسائه وبناته، ظهر في المسلمين حسّ السياسة ومادة الثورة ضد سلطنة يزيد وآل أمية، وعلموا أن بني أمية هم مخربو الإسلام، فردّوا بدعهم ومجعولاتهم، وسمّوهم الظالمين والغاصبين، وبالعكس بنو هاشم فسموهم مظلومين مستحقين للرياسة، وعرفت فيهم حقيقة روحانية الإسلام، كأنما أخذ المسلمون حياة جديدة وظهر لروحانية الإسلام رونق جديد.

رياسة روحانية الإسلام -التي كانت قد زالت دفعة واحدة، والمسلمون كأنهم قد نسوا جهة الروحانية الإسلامية- تجددت بنورانية شفافة، كما كانت عظمة مصائب الحسين على جميع مصائب روحانيي السلف مسلّمة، كذلك كانت للثورات التي ظهرت بعد واقعة الحسين مزيّة على ثورات السلف، وكان امتدادها أكثر وآثارها أعظم، ومن هذا الوجه ظهر للعالم أجمع مظلومية آل محمد.

أول نتيجة لهذه الثورة أن الرياسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة تجدّدت في بني هاشم، وعلى الأخص في البقية من آل الحسين([13])، وإلى الآن ينظر جميع المسلمين إلى بني هاشم وخصوصًا ذرية الحسين بنظر الروحانية، ولم تطل المدة حتى زالت تلك السلطنة ذات السعة والاقتدار عن آل يزيد ومعاوية، وفي أقل من قرن سلبت السلطة من بني أمية قاطبة، وانمحى ذكرهم واضمحلوا، بحيث أنه لم يبقَ لهم اليوم اسم ولا رسم ولا ذكر، وأينما ذكر لهم في متون الكتب اسم يقرنه المسلمون بكلمة شماتة، وهذه كلها نتائج السياسة الحسينية التي يمكن أن يقال فيها إنه لم يذكر التاريخ في أرباب الديانات والسلف من الروحانيين إلى اليوم شخصًا كالحسين، مفكرًا في عواقب الأمور، مراعيًا لها، بعيد النظر إلى المستقبل، مستقل الفكر.

قبل أن تصل أسرة الحسين إلى يزيد نُشر لواء طلب ثار الحسين وقامت الثورة ضد يزيد([14]).

مظلومية الحسين كشفت جميع أسرار بني أمية، ورفعت الستار عن نواياهم السيئة، حتى أنه طال لسان اللوم والشماتة على يزيد من أهل داره وحرمه، مع أنه لم يكن بالإمكان ذكر الحسين وأهل بيت علي بخير حول يزيد وبين حاشيته، وبعد هذه الواقعة أصبح يزيد مرغمًا على سماع ذكر اسم الحسين وأهل بيت علي في الملأ العام، وفي الخلوات والجلوات، بالتقديس والتعظيم والمظلومية، وكان ذلك أسخط شيء له، ولكن لا يسعه إلا السكوت، ولما رأى تبرُّؤَ الناس من هذه الأعمال نسب التقصير إلى أمرائه.

ولما رأى شدة إطراء الناس للحسين وذِكر محامده عزّ عليه ذلك، حتى قال يومًا: [كان أحبّ إليّ أن يكون الملك والسلطنة للحسين من أن أرى وأسمع لآل علي وبني هاشم هذا التعظيم والتقديس].

وبالآخرة: فلم يزل أولياء الحسين يستفيدون من هذه الثورات، وتزيد قوة وعظمة بني هاشم، ولم يمضِ أقل من قرن حتى صارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم([15]) بلا مزاحم، وأبادوا بني أمية بحيث لم يبقَ لهم اسم ولا رسم، غير أنه بعد بضعة قرون ترأس جماعة منهم في الأندلس واحدًا بعد واحد، واليوم لا يمكن أن يوجد من ذلك البيت العظيم -الذي مرّت عليه قرون وهو ذو عظمة وسلطنة- شخص واحد ولو خامل الذكر، ولو وجد لستر حسبه ونسبه عن الناس من شدة الطعن، كما هو المشهور أن العائلة القاجارية الذين هم سلاطين إيران اليوم، هم من بني أمية، ولكنهم ينكرون هذه الشهرة ويتبرؤون من هذه النسبة.

تحلّى بنو هاشم بعد قرن بقلادة الملك، وكانوا أولاد عم الحسين لا أولاده، لأن أولاده كانوا قد اختاروا العزلة، وكانت رياسة الإسلام الروحانية على الإطلاق مسلّمة لهم.

إن أبناء عم الحسين وإن يكونوا حازوا السلطنة ببركة ثورات أتباع الحسين، لكنهم بعد أن قبضوا على زمامها ورسخت فيها أقدامهم خافوا على مقامهم وسلطنتهم، فمنعوا أصحاب تلك الثورات منها منعًا شديدًا، خوفًا من أن تعود السلطنة الإسلامية في أبناء الحسين شيئًا فشيئًا، فهدأت فورة تلك الثورات شيئًا فشيئًا.

أولاً: للمنع الشديد من أبناء عم الحسين، وثانيًا: لاضمحلال بني أمية.

فلما رأى عقلاء أتباع الحسين وعلي شدة المنع من قبل بني العباس وضعف مادة الثورة، علموا أن لا قدرة لهم على مقاومة بني العباس الذين هم في غاية القدرة، وعلى الثورة ضدهم مع تشتت الأفكار العمومية، فتركوا الثورة ظاهرًا، وغيّروا صورتها باطنًا، باجتماعهم وتذكر تلك المصائب والفظائع التي وردت على الحسين، فأحيوا تلك الثورة العظمى وأظهروها بمظهر جديد.

لما اطّلع سلاطين بني هاشم([16])على هذا التدبير الذي دبّره أتباع الحسين خافوا زيادةً على خوفهم الأول، ورأوا من اللازم شدة معارضة ذلك التدبير على وجه أنهم تتبعوا أتباع علي والحسين، فإذا ظهرت تابعيتهما على أحد يعاملونه معاملة أكبر جانٍ سياسي، وبهذا الجرم صلب وقتل وجرح وحبس ألوف من أتباع الحسين، ومع هذه الشدة لم يتمكنوا من قلع مادة الثورة من أتباع علي، وكلما ازدادوا شدة ومعارضة ازداد أتباع علي والحسين قوة واشتدادًا في الثورة، وكانت العاقبة أنه بتدابير أتباع الحسين زالت سلطنة هذه الطبقة، وتداول السلطنة أولاد الحسين مدة من الزمان([17]).

كانت الرياسة الروحانية بعد الحسين في أولاده واحدًا بعد واحد([18])، وهؤلاء أيضًا جعلوا إقامة عزاء الحسين الجزء الأعظم من المذهب، وأُلبست هذه النكتة السياسية شيئًا فشيئًا اللباس المذهبي، وكلما ازدادت قوة أتباع علي ازداد إعلانهم بذكر مصائب الحسين، وكلما سعوا وراء هذا الأمر ازدادت قوتهم وترقّيهم، وجعل العارفون بمقتضيات الوقت يغيّرون شكل ذكر مصائب الحسين قليلاً قليلاً، فجعلت تزداد كل يوم بسبب تحسينهم وتنميقهم لها، حتى آل الأمر إلى أن صار لها اليوم مظهر عظيم في كل مكان يوجد فيه مسلمون، حتى أنها سَرَت شيئًا فشيئًا بين الأقوام وأهل الملل الأخرى، خصوصًا في الصين والهند.

وعمدة أسباب تأثيرها في أهل الهند هو أن المسلمين جعلوا طريق إقامة العزاء مشابهًا لمراسم إقامة العزاء عند أهل الهند, قبل مائة سنة لم تكن إقامة عزاء الحسين شائعة في الهند شيوعًا تامًا وظاهرة علنًا، وفي هذه المدة القليلة استوعبت بلاد الهند من أولها إلى آخرها، ويظهر أنها كل يوم في زيادة.

لعدم اطّلاع بعض مؤرخينا على كمية وكيفية هذه المآتم ورواجها، استرسلوا في كلامهم على غير علم، وجعلوا يصفون إقامة أتباع الحسين لها بأنها أفعال جنون، ولم يقفوا أبدًا على مقدار ما أحدثته هذه المسألة من التغييرات والتبديلات في الإسلام.

الحسّ السياسي والثوران والهيجان المذهبي التي ظهرت في هذه الفرقة من إقامة هذه المآتم لم يُرَ مثلها في قوم من الأقوام، إن من يسبر غور الترقيات التي حصلت في مدة مائة سنة لأتباع علي في الهند، الذين اتخذوا إقامة هذه المآتم شعارًا لهم، يجزم بأنهم متبعون أعظم وسيلة للترقي، كان أتباع علي والحسين في جميع بلاد الهند يعدّون على الأصابع، واليوم هم في الدرجة الثالثة بين أهل الهند من حيث العدد، وكذلك في سائر البلدان.

عندما نقيس منهج دعاتنا (المبشرين) مع صرف تلك القوة والثروة بمنهج دعاة هذه الفرقة نرى أن دعاتنا لم يحوزوا العشر من تقدم هذه الفرقة، رؤساء ديننا وإن كانوا يحزِّنون الناس بذكر مصائب حضرة المسيح، ولكنه ليس بذلك الأسلوب والشكل الذي يتخذه أتباع الحسين. ويحتمل أن يكون السبب في ذلك أن مصائب المسيح في جنب مصائب الحسين لا تكون مؤثرة مشجية للقلب بتلك الدرجة التي لمصائب الحسين. على مؤرخينا أن يطلعوا على حقائق رسوم وعادات الأغيار ولا ينسبوها إلى الجنون.

يقول المؤلف: إنني أعتقد أن صيانة قانون محمد (صلى الله عليه وآله) ([19]) وترقي المسلمين وظهور رونق الإسلام هو من قتل الحسين (عليه السلام) وحدوث تلك الوقائع, إن هذا القسم من الدماغ السياسي والحس الثوروي (الذي هو عدم الاستسلام للضيم والظلم وهو عند حكماء السياسة أشرف شعار وأعظم سعادة وأفضل صفة ممدوحة لكل إنسان) قد ظهر في هؤلاء القوم بواسطة إقامتهم مآتم الحسين (عليه السلام) ، ومادام هذا العمل ملكة لهم لا يقبلون الذل والضيم, ينبغي تدقيق النظر فيما يذكر في المجالس المنعقدة لإقامة عزاء الحسين (عليه السلام) ، من النكات الدقيقة الباعثة في الإنسان روح الحياة، التي يُسمعها بعضهم لبعض، وفي الحقيقة يعلِّمه إياها.

يقول المؤلف: حضرت مجالس إقامة عزاء الحسين (عليه السلام) مرارًا في إسلامبول مع مترجم خاص، فسمعتهم يقولون: (الحسين الذي هو إمامنا ومقتدانا، وطاعته واتباعه واجبان علينا, لم يتحمل الضيم ولم يدخل في طاعة يزيد، ولأجل حفظ شرفه وعلو حسبه وارتفاع مقامه بذل ماله, بذل نفسه، بذل أولاده, بذل عياله، واستعاض عن ذلك بحسن الذكر في الدنيا والشفاعة في الآخرة والقرب من الله، وقد خسر أعداؤه في الدنيا والآخرة).

من بعد ذلك رأيت وعلمت أنهم في الحقيقة يعلّم بعضهم بعضًا علنًا، أنكم إن كنتم من أتباع الحسين (عليه السلام) , إن كان لكم شرف، إن كنتم تطلبون السيادة والفوز, فلا تدخلوا في طاعة أمثال يزيد، ولا تحملوا الضيم، واختاروا موت العز على حياة الذل، تنالوا حسن الذكر في الدنيا والسعادة في الآخرة.

من المعلوم أن أمة تُلْقَى عليها هذه التعاليم من المهد إلى اللحد في أي درجة تكون في الملكات العظيمة والسجايا العالية. نعم تكون حائزة كل سعادة وشرف, ويكون كل فرد منها جنديًا حقيقيًا مدافعًا عن عزّ قومه وفخرهم, هذه هي نكتة التمدن الحقيقي للأمم اليوم, هذا هو تعليم معرفة الحقوق , هذا هو معنى تدريس أصول السياسة.

نحن الأوروبائيين بمجرد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملية أو المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها إلى الجنون والتوحش، ونحن غافلون عن أننا لو سبرنا غور هذه الأعمال لرأيناها عقلية سياسية، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة وهؤلاء القوم([20]) بأحسن وجه، والذي يجب علينا هو أن ننظر إلى حقائق عوائد كل قوم، وإلا فإن أهل آسيا أيضًا لا يستحسنون كثيرًا من عوائدنا، ويعدّون بعض حركاتنا منافية للآداب، وَيَسِمُونَها بعدم التهذيب بل بالوحشية([21]).

وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها، التي هي طبعًا أثر التهيج الطبيعي، فإنهم يعتقدون أن لهم في إقامة مأتم الحسين (عليه السلام) درجات عالية في الآخرة.

كل عارف بالتاريخ واقف على طبائع أهل آسيا يعتقد ويذعن بأنه لا يمكن اليوم بل وإلى ما بعد قرنين إصلاح أخلاقهم وإلقاء التعاليم السياسية عليهم إلا باسم الدين والمذهب.

ينبغي اقتطاف ثمرات حب القومية والوطن من أهالي آسيا تحت ظل المذهب كما كانت أوروبا قبل بضعة قرون، لا يمكن اليوم طلب خدمة من أهالي آسيا كأهالي أوروبا باسم الخدمة القومية والوطنية، ولكن يمكن أخذ خدمات منهم تعود ثمراتها على الأمة والوطن باسم المذهب.

لا يُرى اليوم من المسلمين البالغين ثلاثمائة مليون من هو حائز على الاستقلال سوى خمسين مليونًا([22])، فإذا نبذ المسلمون الدين ظهريًا وراموا التقدم السياسي باسم القومية فسينالون عوض النفع ضررًا، لأن خمسة أسداس المسلمين تحت ضغط ملل أخرى ومضمحلة في أقوام آخرين.

فإذا طلبوا التقدم باسم القومية فيكون الحرمان من الحياة السياسية نصيب هذه الخمسة أسداس، فلا تشترك مع السدس الباقي، ولكنهم إذا راموا التقدم باسم الجامعة الإسلامية فلا بد أن تنبعث روح النهضة في جميع آحاد المسلمين، وبواسطة الرابطة الروحانية ستنجو من الاضمحلال جميع الفرق الإسلامية التي هي تحت ضغط أقوام آخرين، وليس لواحدة من الروابط الروحانية التي بين المسلمين اليوم تأثير في نفوسهم كتأثير إقامة مأتم الحسين.

فإذا دام انتشار وتعميم إقامة هذه المآتم بين المسلمين مدة قرنين لا بد أن تظهر فيهم حياة سياسية جديدة، وإن الاستقلال الباقي للمسلمين اليوم([23]) نِصف أسبابه هو اتباع هذه النكتة، وسنرى اليوم الذي يتقوّى فيه سلاطين المسلمين تحت ظل هذه الرابطة، وبهذه الوسيلة سيتحد المسلمون في جميع أنحاء العالم تحت لواء واحد، لأنه لا يرى في جميع طبقات الفرق الإسلامية من ينكر ذكر مصائب الحسين وينفر منها بسبب ديني، بل للجميع رغبة طبيعية بطور خاص في أداء هذه المراسم المذهبية، ولا يرى في المسلمين المختلفين في العقائد سوى هذه النكتة الاتحادية.

الحسين (عليه السلام) أشبه الروحانيين بحضرة المسيح، ولكن مصائبه كانت أشد وأصعب، كما أن أتباع الحسين كانوا أكثر تقدمًا من أتباع المسيح في القرون الأولى، فلو أن المسيحيين سلكوا طريقة أتباع الحسين، أو أن أتباع الحسين لم تمنعهم من ترقياتهم عقبات من نفس المسلمين لسادت إحدى الديانتين في قرون عديدة جميع المعمور، كما أنه من حين زوال العقبات من طريق أتباع الحسين (عليه السلام) أصبحوا كالسيل المنحدر يحيطون بجميع الملل وسائر الطبقات.

(انتهت ترجمة ما نَقَلَتْه جريدة حبل المتين الفارسية عن المسيو ماربين الألماني)

وأما ما نقلَته عن الدكتور جوزف الإفرنسي فهذه ترجمته إلى العربية، قال في الجريدة المذكورة تحت عنوان:

[ترقيات فرقة الشيعة المحيّرة للعقول]

شرح الدكتور [جوزف] أحد مشاهير مؤرخي فرنسا في كتابه المسمّى [الإسلام والمسلمين] ترقيات كل فرقة من الفرق الإسلامية بأدلتها، والمؤلف المذكور يدّعي أنه إلى الآن لم يشرح أحد من مؤرخي أوروبا أحوال المسلمين بأدلتها مثله.

(ترجمة ما نقلته جريدة حبل المتين عن الدكتور جوزف الإفرنسي)

أولاً: قسّم المؤلف المسلمين إلى قسمين، فقال:

بعد وفاة مؤسس الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) وقع الاختلاف في عقيدة أتباعه بسبب الخلافة، فقالت طائفة بخلافة صهره علي بن أبي طالب، وخضعت فرقة أخرى لخلافة أبي زوجته أبي بكر بن أبي قحافة، وفي الحقيقة أنه من يوم مفارقة محمد بن عبد الله الدنيا صار اختلاف الكلمة بين المسلمين محسوسًا، ولكن لا يمكن أن يفهم من التواريخ زمان افتراق اسم هاتين الفرقتين، أعني في أي زمان سمّي أتباع الصهر شيعة([24])، وأتباع أبي الزوجة سنيين، ولكن التباين بين هاتين الفرقتين صار يكثر يومًا فيومًا، إلى أن صار الصهر خليفة، وخالفته عائشة زوجة النبي وبنت الخليفة الأول، ونشر لواء الملكية في الشام معاوية أخو الزوجة الثانية للنبي([25])، ونشبت الحروب وسُفكت الدماء، فكانت العداوة إلى ذلك الزمان قلبية، فلما آل الأمر إلى سفك الدماء وطلب الثار صارت علنية، وتسمّى كل من الفرقتين علنًا مع الافتخار أحدهما بالشيعي والآخر بالسني، إلى أن قام ملك الشام بالإغارة على أتباع صهر النبي وقتلهم، وجعل يذكر اسمه بالشتم والقبح في مساجد المسلمين وعلى منابرهم، واستمر ذلك ألف شهر، فزاد هذا العمل العداوة بين الشيعة والسنيين، مع أن السلطنة والاقتدار التام لم ترافق فرقة الشيعة إلا أيامًا قليلة أي أيام خلافة علي بن أبي طالب، ولم يكن لهم كثير قوة واقتدار، ومع هذا كله كانوا كالجراد المنتشر، وكانوا لا يظهرون أنفسهم خوفًا على حياتهم إلى أن قتلوا سبط محمد مع أصحابه قرب الكوفة بأمر يزيد ابن ملك الشام.

اكتسبت هذه المسألة أهمية كبرى، وأفجعت أتباع صهر محمد وقَوَّتْهُم، وجعلتهم مستعدين لمتابعة العمل، فأنشبوا الحروب وسفكوا الدماء وأقاموا المآتم، حتى آل الأمر إلى أن جعلت هذه الفرقة إقامة مأتم سبط النبي جزءًا من المذهب والإيمان، وبما أن هذه الفرقة تعتقد أن رؤساء الدين بعد النبي اثنا عشر شخصًا من أولاد علي وفاطمة، وأن أقوال كل واحد من هؤلاء وأفعالهم في كل حال هي قول الله والرسول وثاني القرآن، وأئمة هذه الفرقة أيدتها في إقامة مأتم الحسين، أصبحت على التدريج أحد أركان مذهب الشيعة بل ركنه الأعظم.

لم يكن لهذه الفرقة في القرون الإسلامية الأولى كثير ظهور، ويمكن إسناد قلة هذه الطائفة إلى سببين:

أحدهما: إن الرئاسة والحكم التي هي بالأصالة مورِثة لنشوء ونمو أتباع المذهب كانت من بدء الإسلام بيد الفرقة الثانية.

ثانيهما: إنه كان القتل والإغارة عليهم في كل زمان ومكان، ولهذا حكم أحد أئمة الشيعة في أوائل القرن الثاني من الإسلام بالتقية وإخفاء مذهب الشيعة، حفظًا لنفوسهم وأموالهم.

التقية قوّت هذه الفرقة، لأنهم حيث لم يكونوا ظاهرين لم تنلهم أيدي أعدائهم القوية بالقتل والغارة، وأقاموا المآتم تحت الستار يبكون فيها على الحسين، فأثّرت هذه المآتم في قلوب هذه الطائفة إلى حد أنه لم يمر عليها زمن كثير حتى بلغت الأوج في الترقي، ودخل في هذه الطائفة بعض الوزراء وكثير من الملوك والخلفاء، فبعضهم أخفى ذلك تقية، وبعضهم أظهره جهارًا. من بعد الأمير تيمور الگورگاني ورجوع سلطنة إيران قليلاً قليلاً إلى الصفوية، اتخذت فرقة الشيعة إيران مركزًا لها.

بموجب تخمين بعض سائحي فرنسا أن الشيعة سدس أو سبع المسلمين([26])، ونظرًا إلى ترقي هذه الطائفة في مدة قليلة بدون إجبار أصلاً، يمكن القول بأنه لا يمضي قرن أو قرنان حتى يزيد عددها على عدد سائر فرق المسلمين، والعلة في ذلك هي إقامة هذه المآتم التي جعلت كل فرد من أفرادها داعية إلى مذهبه.

اليوم لا يوجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة إلا ويقيمان فيها المأتم، ويبذلان المال والطعام.

رأيت في بندر (مارسل) في الفندق شخصًا واحدًا عربيًا شيعيًا من أهل البحرين، يقيم المأتم منفردًا، جالسًا على الكرسي، بيده الكتاب يقرأ ويبكي، وكان قد أعدّ مائدة من الطعام ففرقها على الفقراء.

هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الأموال على قسمين:

فبعضهم يبذلون في كل سنة من أموالهم خاصة في هذا السبيل بقدر استطاعتهم ما يقدّر بالملايين من الفرنكات، والبعض الآخر من أوقاف خصصت لإقامة هذه المآتم، وهذا المبلغ طائل جدًا، ويمكن القول بأن جميع فرق المسلمين منضمة بعضها إلى بعض لا تبذل في سبيل مذهبها ما تبذله هذه الطائفة، وموقوفات هذه الفرقة هي ضعفا أوقاف سائر المسلمين أو ثلاثة أضعافها، كل واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة إلى مذهبه، وهذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين حتى الشيعة أنفسهم، فإنهم لا يتصورون هذه الفائدة من عملهم هذا، بل قصدهم الثواب الأخروي، ولكن بما أن كل عمل في هذا العالم لا بد أن يظهر له بطبيعته أثر فهذا العمل أيضاً يؤثر ثمرات للشيعة.

من المسلّم أن المذهب الذي دعاته من خمسين إلى ستين مليوناً لا محالة يترقى على التدريج ترقياً لائقاً بهم، حتى أن الرؤساء الروحانية والملوك والوزراء لهذه الفرقة ليسوا بخارجين عن صفة الدعوة، فقراء وضعفاء هذه الفرقة بما أنهم حصلوا ويحصلون على فوائد كلية من هذا الطريق، فهم يحافظون على إقامة هذه المآتم أكثر من كبرائها، لأنهم رأوا في هذا العمل ثواب الآخرة وأجر الدنيا، فلهذا ترك جمع غفير من عرفاء هذه الفرقة أسباب معاشهم، واشتغلوا بهذا العمل، فهم يتحملون المشاق ليتمكنوا من ذكر فضائل كبراء دينهم، والمصائب التي أصابت أهل هذا البيت بأحسن وجه وأقوى تقرير على رؤوس المنابر وفي المجالس العامة.

وبسبب هذه المشاق التي اختارتها هذه الجماعة في هذا الفن تفوقت خطباء هذه الفرقة على جميع الطوائف الإسلامية، وحيث إن تكرار المطلب الواحد يورث اشمئزاز القلوب وعدم التأثير، فهؤلاء الجماعة يتحملون المشاق فيذكرون جميع المسائل الإسلامية العائدة لمذهبهم في هذه الطريقة على المنابر، حتى آل الأمر إلى أن أصبح الأميون من الشيعة أعرف في مسائل مذهبهم ممن يقرؤون ويفهمون من الفرق الإسلامية الأخرى من كثرة ما سمعوا من عرفائهم.

اليوم إذا نظرنا في كل نقطة من نقاط العالم من حيث العدد والنفوس، نرى أن أليق المسلمين بالمعرفة والعلم والحرفة والثروة هي فرقة الشيعة، دعوة هذه الفرقة غير محصورة في أهل مذهبهم أو في سائر الفرق الإسلامية، بل أي قوم وضع أفراد هذه الطائفة أقدامهم بينهم يسري في قلوب أهل تلك الملة هذا الأثر.

إن العدد الكثير الذي يرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه المآتم، فرقة الشيعة حتى في زمان السلاطين الصفوية لم تسعََ في ترقي مذهبها بقوة السيف، بل ترقت هذا الترقي المحير للعقول بقوة الكلام، الذي هو أشد تأثيرًا من السيف، ترقت اليوم هذه الفرقة في أداء مراسمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتبعونها في حركاتها، جم غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضًا شاركوهم في أعمالهم، وهذا أمر واضح أنه بعد مضي قرن تُوْدَع هذه الخيالات بطريق الإرث لأبناء تلك الطوائف، فيسلمون بها أو يعتقدون بذلك المذهب، وحيث أن فرقة الشيعة تعتقد أن جميع مطالبها مرتبطة بكبراء مذهبها ويطلبون المدد منهم في الحوائج والشدائد، فسائر الفرق أيضًا التي تشاركهم في أفعالهم وأعمالهم تتأسى بهم كثيرًا، فبمجرد مصادفة قضاء حوائجهم تزداد عقيدتهم رسوخًا.

من هذه القرائن والأسباب يمكن أن يستدرك أنه لا يمر زمن قليل على هذه الفرقة حتى تتفوق من حيث العدد على جميع الفرق الإسلامية، كان أكثر هذه الفرقة إلى ما قبل قرن أو قرنين ما عدا إيران يعملون بالتقية في مذهبهم لقلة العدد وعدم القدرة، ومن الزمن الذي استولت فيه دول الغرب على الممالك الشرقية وأعطت الحرية لجميع المذاهب، تظاهرت هذه الفرقة بمراسم مذهبها في كل نقطة، وهذه الحرية أفادتهم بدرجة أنها رفعت من مذهب الشيعة اسم التقية.

بمناسبة الأسباب التي ذكرت، وقفت هذه الفرقة على مقتضيات العصر أكثر من سائر الفرق الإسلامية، وأقدمت على كسب المعاش وتحصيل العلوم أكثر من الآخرين، ومن هذه الوجهة فالرجال العاملون الذين يعيشون بكد اليمين يوجدون فيهم أكثر من سائر فرق المسلمين، وحيث إن الغالب عليهم العمل، فالملازمون لهم وخدامهم يصيرون بالطبع تابعين لهم، وعلاوة على ذلك أنهم بواسطة الأعمال يحتاج الناس إليهم، ومحبتهم ومعاشرتهم لسائر الفرق موجبة لاختلاط الآخرين معهم عند مشاركتهم لهم في مجالسهم ومحافلهم، وحينما يصغي المباشرون لهم إلى سماع أصول مذهبهم وأحاديثهم مرة بعد مرة لا محالة يألفون مشربهم، وهذا هو عمل الدعاة، والأثر الذي يترتب على هذه الوضعية هو الأثر الذي توخته عرفاء دول الغرب في ترقية دين المسيح مع بذل أموال تحير العقول.

من جملة الأمور السياسية التي ألبستها رؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدة قرون وصارت مورِثة جدًا لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم، هي أصول التمثيل باسم الشبيه والتعزية في مأتم الحسين، التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا، الأوربائيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرج، وأظهروا في محلات التفرج العمومية لأنظار العام والخاص أمورًا سياسية مهمة لاستجلاب القلوب، وقليلاً قليلاً أصابوا هدفين بسهم واحد، تفريح الطبائع، وجلب قلوب العامة في الأمور السياسية.

فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامة، فألبست ذلك لباس المذهب، فيستنبط أن فرقة الشيعة أخذت هذا العمل من الهنود، وعلى كل حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامة والخاصة في إقامة العزاء والشبيه قد حصل.

من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة وعلى المنابر، المصائب التي وردت على رؤساء دينهم، والمظالم التي وردت على الحسين، ومع تلك الأحاديث المشوقة إلى البكاء على مصائب آل الرسول، فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضًا له تأثير عظيم، ويجعل العام والخاص من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصور، وهذه النكات الدقيقة صارت سببًا في أنه لم يُسمع بأحد من هذه الفرقة من ابتداء ترقي مذهب الشيعة أنه ترك دين الإسلام أو دخل في فرقة إسلامية أخرى.

هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة، فتارة في مجالس مخصوصة ومقامات معينة، وحيث إنه في أمثال هذه المجالس المخصوصة والمقامات المعينة يكون اشتراك الفرق الأخرى معهم أقل، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاص، فعملوا الشبيه في الأزقة والأسواق، وداروا به بين جميع الفرق.

وبهذا السبب تتأثر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم بذلك الأثر الذي يجب أن يحصل من التمثيل، ولم يزل هذا العمل شيئًا فشيئًا يورث توجه العام والخاص إليه، حتى أن بعض الفرق الإسلامية الأخرى وبعض الهنود قلدوا الشيعة فيه، واشتركوا معهم في ذلك.

وعمل الشبيه في الهند أكثر رواجًا منه في جميع الممالك الإسلامية، كما أن سائر فرق الإسلام هناك أكثر اشتراكًا مع الشيعة في هذا العمل من سائر البلاد، ويظن أن أصول التمثيل وعمل الشبيه بين الشيعة قد جاءت من جهة سياسة السلاطين الصفوية، الذين كانوا أول سلسلة استولت على السلطنة بقوة المذهب، ورؤساء الشيعة الروحانيون شيئًا فشيئًا أيدوا هذا العمل وأجازوه.

ومن جملة الأمور التي صارت سببًا في ترقي هذه الفرقة وشهرتها في كل مكان هو إراءة أنفسهم بالمرأى الحسن، بمعنى أن هذه الطائفة بواسطة مجالس المآتم، وعمل الشبيه، واللطم والدوران، وحمل الأعلام في مأتم الحسين، جلبت إليها قلوب باقي الفرق بالجاه والاعتبار والقوة والشوكة، لأنه من المعلوم أن كل جمعية وجماعة تجلب إليها الأنظار وتوجه إليها الخواطر إلى درجة ما.

مثلاً: لو كان في مدينة عشرة آلاف نفس متفرقين، وكان في محل ألف نفس مجتمعين، كانت شوكة الألف وعظمتهم في أنظار الخاص والعام أكثر من العشرة آلاف، مضافًا إلى أنه إذا اجتمع ألف نفس انضم إليهم من غيرهم بقدرهم بعضهم للتفرج، وبعضهم للصداقة والرفاقة([27])، وبعضهم لأغراض خاصة، وبهذا الانضمام تتضاعف قوة الألف وشوكتهم في الأنظار.

لهذا ترى أنه في كل مكان ولو كانت جماعة من الشيعة قليلة يظهر عددها في الأنظار بقدر ما هي عليه مرتين، وشوكتها وقوتها بقدر ما هي عليه عشر مرات، وأكثر أسباب معروفية هؤلاء القوم وترقيهم هي هذه النكتة.

ومن جملة الأمور الطبيعية التي صارت مؤيدة لفرقة الشيعة في التأثير في قلوب سائر الفرق هو: إظهار مظلومية أكابر دينهم، وهذه المسألة من الأمور الطبيعية، لأن كل أحد بالطبع ينتصر للمظلوم، ويحب غلبة الضعيف على القوي، والطبائع البشرية أَمْيَل إلى الضعيفِ ولو كان مبطلاً، والمظلومِ منها إلى القوي وإن كان محقاً والظالم خصوصاً إذا كان بعيداً أو مرت عليه أعوام([28]).

ومصنفو أوروبا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين وأصحابه وقتلهم، مع أنه ليس لهم عقيدة بهم أصلاً، أذعنوا بظلم قاتليهم وتعديهم وعدم رحمتهم، ويذكرون أسماء قاتليهم بالاشمئزاز. وهذه الأمور طبيعية لا يقف أمامها شيء، وهذه النكتة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة.

(انتهت ترجمة ما أردنا نقله مما نقلته جريدة حبل المتين الفارسية عن الدكتور جوزف الإفرنسي، وقد أفاض الكاتب في أمور أخر برهن على أنها من أسباب ترقي الشيعة، كالقول بالاجتهاد، والاعتقاد بوجود المهدي، تركنا ذكرها لعدم تعلقها بما نحن بصدده).


 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) وقد نشرت مطبعة العرفان-صيدا هذه الخاتمة بتمام فصولها في كتيب مستقل عام 1344هـ ، وقد التزمنا بحرفية النص المنشور .

([2]) المراد الخوارج.

([3]) أي الشيعة.

([4]) أي من حيث علو الشأن وسمو المقاصد كما يدل عليه قوله فكما أننا نقول إلخ... لا الربوبية فإنه لا يعتقدها أحد من المسلمين في حق الحسين.

([5]) الظاهر بدل كلمة "وكلياته": "وكلماته".

([6]) دعوى القرابة بين هاشم وأمية غير مسلّمة (التحرير) .

([7]) الظاهر بدل كلمة "عن" : على (التحرير)

([8]) لعل المراد ما فاه به يزيد من قوله لعبت هاشم إلخ..، وما قاله الوليد حين استفتح بالمصحف، وغير ذلك.

([9]) الذين أظهروا ذلك لم يكونوا من بني هاشم كما دلّ عليه التاريخ.

([10]) الذين قتلوا عليًا (عليه السلام) هم الخوارج لا بنو أمية.

([11]) نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن هذا النص وغيره من النصوص الواردة عن الإمام الحسين (عليه السلام) هي تعريب للنص المترجم، والتزاما بالأمانة العلمية ارتأينا نشرها كما هي. (التحرير).

([12]) الظاهر (في) (التحرير).

([13]) يشير إلى الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام).

([14]) كأنه يشير إلى التوابين الذين طلبوا بثار الحسين (عليه السلام) .

([15]) يعني بني العباس.

([16]) بنو العباس.

([17]) يشير إلى الدولة الفاطمية بمصر.

([18]) كأن مراده الأئمة الإثنا عشر.

([19]) أي دين الإسلام.

([20]) يعني الشيعة.

([21]) كرقص النساء والرجال في المحافل العمومية والتهتك وغير ذلك.

([22]) في الأصل الفارسي المترجم منه خمسة ملايين والظاهر تبدل الخمسين بالخمسة سهوًا.

([23]) كأن مقصوده سلطنة الشيعة.

([24]) لفظة الشيعة كانت مستعملة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولم يكن يلقب بها وقتئذ سوى أربعة من الصحابة: سلمان وعمار والمقداد وأبي ذر، ثم انتشرت بعد ذلك بصفين في أصحاب علي (عليه السلام) ، ذكر ذلك أبو حاتم السجستاني في الجزء الثالث من كتاب الزينة، وأما لفظة السنة فلم تكن لتعرف إلا عام صلح الحسن (عليه السلام) لمعاوية، حيث لقب بها معاوية وأتباعه، كما نص على ذلك جملة من المؤرخين (مجلة العلم)، بل الظاهر أن لفظة أهل السنة أطلقت في زمن العباسيين فقط.

([25]) يقصد : زوجة أخرى من زوجاته (صلى الله عليه وآله) وهي السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان (التحرير) .

([26]) كما أن المسلمين هم سدس البشر (مجلة العلم).

([27]) هكذا وردت في المصدر (التحرير).

([28]) حق العبارة أن تكون: والطبائع البشرية أميّل إلى الضعيف -ولو كان مبطلاً- منها إلى القوي وإن كان محقًا، وأميل إلى المظلوم منها إلى الظالم، خصوصًا إذا كان الظالم بعيدًا أو مرّت عليه أعوام (التحرير).

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس عشر