السنة الخامسة / العدد السادس عشر/ كانون أول 2009 - ذو الحجة 1431هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الفصل الثالث:

أسباب النزول.. عصر الشيوع والانتشار

الشيخ حسن حيدر

 

في مقالة سابقة وقفنا مع أولى اهتمامات المسلمين بأسباب النزول، فكان لنا وقفة مع أسباب النزول في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) ([1]) ، ثمّ عرضنا في مقالة أخرى ما تعرّضت له أسباب النزول بعد وفاته -في -عهد الصحابة- ([2]) ، وكيف وقف الإمام عليّ (عليه السلام) في وجه تجاهلها والتنكّر لها، ونتابع في هذه المقالة سيرنا التاريخيّ لنرى الحال التي آلت إليها الأسباب فيما بعد.

تمهيد

في زمن كان من المتوقّع أن يستمرّ الخط البياني لأسباب النزول في مراوحة بين إصرار أهل البيت (عليهم السلام) على التمسّك بها، وتجاهل الآخرين لهذه الأسباب، بما يعني توضّح الخطّين؛ خطّ السلطة الذي يحاول محو آثار أسباب النزول، وخطّ أهل البيت (عليهم السلام) الذين يريدون إرساء هذه الحقائق، انقلبت الموازين في هذه المرحلة حيث انفجرت ينابيع المرويّات في أسباب النزول خاصّة في مدرسة أهل العامّة، حتّى بدت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تابعة لتلك المدرسة في مجال أسباب النزول، ممّا ولّد شعورًا بأن خللاً ما قد حصل، وأيقظ مجموعة تساؤلات حول طبيعة وحقيقة ما جرى في هذه المرحلة؟!

ففي أواخر القرن الهجريّ الأوّل، وبعد المرحلة الحساسة التي مرّت بها أسباب النزول في زمان الصحابة، وما رافق ذلك من قيامها على أساس صراع بين تجاهلها وإعراض عنها، وبين تأسيس لبنيانها وتأكيد على ضرورة حضورها([3])، وفي وقت بدأ المجتمع الإسلاميّ يفتقد حضور الصحابة الشاهدين على الوحي ونزوله، أطلّت مرحلة جديدة في عالم أسباب النزول، مرحلة بدأ هذا الفنّ، وعلى خلاف ما حصل في المرحلة السابقة، يتّخذ طابعًا أكثر شيوعاً، حيث سعت أجيال لم تشهد الوحي ولم تعاصر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى التعرّف عليها وعلى السيرة والأحكام من خلالها، كلّ ذلك في زمان افتقدنا فيه الراوي والشاهد المباشر عليها.

وأوّل ما نتوقّف عنده في هذه المقالة، هو مجموعة الأحداث التي أثّرت مباشرة في شيوع أسباب النزول بهذا الشكل وفي هذه المرحلة بالذات.

أسباب شيوع هذا الباب

تُعدّ مرحلةُ التابعين العصرَ الذهبيّ لانتشار وشيوع أسباب النزول بين الناس، وذلك بعد قحطٍ عانت منه الأسباب في المراحل السابقة، وتوزّعت أسباب هذا الانتشار بين ما هو عقيديّ مرتبط بالصراعات، وثقافيّ مرتبط بنموّ المجتمع الإسلاميّ فكريًّا، وتاريخيًّا نتيجة توسّل جيل المسلمين في هذا العصر أسبابَ النزول سبيلاً للتعرّف على أحداث القرن الأوّل من تاريخ الإسلام، ونتعرّض فيما يلي إلى هذه الأسباب تباعاً.

أ ـ توسّع الصراع المذهبيّ

بعد ترسّخ الانقسامات في المجتمع الإسلاميّ استعرّت نيران الخلاف المذهبيّ بين مختلف المجموعات، لم يعد الخلاف بين الفرق محصورًا بمسألة الخلافة، كما كان عليه الأمر في المرحلة التي تلت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وإنّما تخطّاه لتسعى كلّ فرقة إلى محاولة تقديم الحقائق الدينيّة التي تناسبها.

فقد ترسّخت في الساحة الإسلاميّة هيكليّات سياسيّة فرضت نفسها أمرًا واقعًا، ولم تقنع -بالتالي- بما قنع به الأجداد من النزاع السياسيّ والاجتماعيّ على الحكم والخلافة وحسب، بل تجاوزته لتحاول فرض هيمنة علميّة وثقافية، ممّا ولّد صراعًا ثقافيًّا ومعرفيًّا، فقد أرادت الهيكليّات السياسيّة فرض ما استنبطته من أحكام وقوانين في الأوساط التي تنتمي إليها، مؤمنةً بأنّ من شأن ذلك تثبيت جذورها وضمان استمرارها فترة أطول، لذا لوحظ في هذه الحقبة: [محاولة (...) إيجاد مبرّر موضوعيّ للأحكام(...)؛ ذلك أنّ الهياكل السياسيّة والاجتماعيّة تحتاج إلى قوانين منظّمة لعلمها ووجوده واستمرارها]([4])، فقد [كانوا يبحثون في الواقع عن سلطة بها يشرّعون لفهمهم ذاك، حتّى يسود ويسودهم ومن يمثّلون]([5]).

ولا شكّ أنّ من أهمّ المبرّرات التي يمكن أن تخدم هذا الهدف -لدى الأطراف كافّة-: رواياتُ أسباب النزول، فهي تتمتّع بحصانة توجيه دلالات النصّ القرآنيّ وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والمفاهيم المختلفة؛ فـ: [..أسباب النزول، كما لا يخفى، عنصر من عناصر التفسير لا يستأثر به منهج دون آخر، وهو سلاح في غاية الخطورة يمكن أن ينفخ بالمعنى في جميع الاتّجاهات، فكان من أكبر الذرائع التي توسّلت بها الفرق لتوجيه الدلالة في خدمة المذهب دفاعًا عن النفس وطعنًا في الغير...]([6])، [حتّى أنّ الناقد البصير ليرى في كثير من هذه الروايات أثر ما كان من القرون الإسلاميّة الثلاثة من خلافات سياسيّة ومذهبيّة وعنصريّة وفقهيّة وكلاميّة قويّ البروز...]([7]).

ب ـ النموّ الفكريّ

من جهة أخرى يسجِّل الباحثون في هذه الفترة نموًّا ونضجًا فكريًّا كان له أبلغ الأثر في المجتمع الإسلامي، وقد أدّى إلى التوسّع في مختلف العلوم، ولا شكّ أنّ الصدارة كانت لتلك البحوث التي ترتبط بصورة أو بأخرى بكتابهم المقدّس، وهو القرآن الكريم.

فعلماء القرآن يلاحظون أنّه بعد أن انصبّ اهتمام المفسّرين الأوائل على معالجة ظهور الآيات، والاكتفاء بعنصري: [الإبانة والإيضاح بالكشف عن معنى اللفظ لغويًّا، وعن مدلوله عرفيًّا]([8])، بحيث غلب على تفاسير تلك الفترة الطابع اللغويّ، ممّا لا يجعلها تستحقّ اسم التفسير، وهي [أحرى أن تسمّى: دراسة في المفردات]([9])، تغيّرت الظروف الثقافيّة [وانصبّ جهد المفسّرين في مرحلة تالية على معرفة الحوادث المحيطة بنزول القرآن(...) ويُسمّى هذا الشكل من الجهد بـ: "معرفة أسباب النزول" في مصطلح مؤلّفي علوم القرآن]([10]).

وليكون البيان أكثر دقّة وشموليّة نقول: لقد بلغت مدرسة العامّة ذروة اهتمامها بالأسباب معرفيًّا وتفسيريًّا في هذه الفترة المتأخِّرة، وأمّا أهل البيت (عليهم السلام) ، فإنّهم وإن تابعوا -منذ أمير المؤمنين (عليه السلام) ([11])- مختلف جوانب التفسير بما فيه أسباب النزول، كما مرّ بعض بيان، ولم يتركوا الأمر إلى فترة دون أخرى، إلا أنّ ظروفًا معيّنة -مرّ ذكرها- منعت إظهار الصورة كاملة، ثمّ في هذه المرحلة وبعد شيوع هذا الباب لدى مدرسة العامّة، كان لأهل البيت (عليهم السلام) حريّة أكبر في مجال نشرها، وأعطى الأئمّة (عليهم السلام) هامشًا أكبر للتحرّك في إطارها.

والنتيجة على كلّ حال أنّ هذه الفترة التي شهدت تطوّراً ملحوظًا في الإطار الفكريّ، قد شهدت بموازاة ذلك توسّعًا في إطار التعامل مع أسباب النزول على مستوى المدرستين.

ج ـ رغبة الأجيال في معرفة أخبار انطلاق الدعوة

عندما نتحدّث عن الفترة التي تلت الصحابة فإنّنا نتحدّث عن فترة نشأت فيها أجيالٌ عطشى إلى معرفة تفاصيل سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وتاريخ الدعوة الإسلاميّة ونزول الوحي التي تسمع عنها الكثير، وراغبة بالتالي في التعرّف على حقيقة سياق النصّ القرآنيّ والخطاب النبويّ، وما يحفّ به من ملابسات وقرائن.

.. وعلى خطّ موازٍ ظهرت تفسيرات ورؤى عديدة ترتبط بتلك السيرة، بل برزت تناقضات وتنازعات في بيان سيرته المباركة، حينها وجدت أسباب النزول، بما هي رفيقة القرآن من جهة -أي الكتاب المقدّس-، وسيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) من جهة أخرى - أي السنّة الشريفة -، بابًا للانتشار والتوسّع فكانت الملجأ الأوّل لبثّ الحقائق التاريخيّة.

 وخلاصة الكلام: أنّه بالإضافة إلى العامل الإيديولوجيّ العقائديّ الذي طبع المرحلة السابقة من ناحية التأثير في تطوّر البحث في أسباب النزول، والذي تطوّر إلى هيكليّات ثقافيّة ودينيّة متنازعة في هذه الحقبة، برز العامل المعرفيّ ـ على مستوى علوم القرآن وعلى مستوى سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ بشكل واضح، ليشكّل عاملاً إضافيّاً في توجيه الأنظار إلى هذا البحث.

بهذا الشكل ازدادت الحاجة إلى أسباب النزول بصورة ملفتة، ولم يعُد بالإمكان الاستغناء عنها أو تجاهلها، لصلتها الوثيقة بعصر الوحي، قرآنًا وسنّةً وسيرةً نبويّة، فكانت الملجأ الرئيس لأصحاب القرار يستمدّون شرعيّتهم، وعلماء القرآن ينهلون علمهم، والمجتمع يروي ظمأه...

من هنا لم يكن مستغربًا في هذه المرحلة أن تتجاوز رواية الأسباب مرحلةَ الرواية ابتداءً، لنقف على مجموعة من الوثائق التي تُشير إلى رواج واستقرار هذا العالَم في العقل الجمعيّ للمسلمين بمختلف مستوياتهم وأطيافهم، فكيف كانت الحال التي ظهرت عليها أسباب النزول في هذه المرحلة؟

الشكل الذي ظهرت عليه أسباب النزول في هذا العصر:

1ـ نوعان من الأسباب

برزت حاجة المجتمع للأسباب، في ظرف افتُقد فيه المصدر المباشر لنقلها، فكان لا بدّ من اللجوء إلى طبقة أخرى في رواية الأسباب؛ حينها لجأ العامّة إلى من تيسّر وتوفّر من التابعين، وإلى من راح ينسب إلى ابن عبّاس مختلف الكلمات وشتّى الأسباب، وقد شاعت هذه الأسباب بين الناس بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم ومذاهبهم حتّى زماننا هذا، وشكّلت هذه الأسباب-المرويّة في غالبها عن التابعين- ما يمكن أن نسمّيه بأسباب النزول الرائجة.

في المقابل لجأ أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إلى بيت العصمة والطهارة المتمثّل في أئمّتهم، وتلقّوا منهم الروايات في أسباب النزول، بما ينسجم مع منظومتهم الفكريّة والعقائديّة، التي تقوم على أساس أنّهم معصومون يمثّلون امتداداً لخطّ الرسالة، ويشكّل امتدادهم امتدادًا لعصر النصّ، وأنّ ما يروونه فإنّما يرويه الواحد منهم عن أبيه عن جدّه عن الرسول"ص" عن جبريل عن الله عزّ وجلّ، وهو ما يميّز المدرسة الشيعيّة: مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) .

وهذا الواقع سيضطّرنا إلى الحديث عن نوعين من أسباب النزول: الأسباب الرائجة، وروايات أهل البيت (عليهم السلام) ، وهذا أمر -على أهميّته- لم يُلفِت إليه الباحثون، حتّى مَن كَتب على مستوى البحث الشيعيّ، بل حصل خلط كبير بين النوعين من الأسباب وتَوَهّمٌ فيها، وسنتحدّث عن ذلك تباعًا.

2 ـ الأسباب والوضع

شاعت أسباب النزول في هذا العصر بشكل غطّى مختلف الأطياف، ولكن ما لا بدّ من إعادة التنبّه إليه أنّ ذلك قد تمّ في عصر شهد غياب الشاهدين على الوحي إلا ما ندر، وبالتالي: [بانقضاء جيل الصحابة اندثر مصدر مباشر من المصادر المساعدة على ضبط الأطر الاجتماعيّة والمعرفيّة والتاريخيّة التي نزل فيها الوحي]([12])، وكان لذلك تأثير مباشر على طبيعة الأسباب في هذه الفترة، سواء في طبيعة تشكّلها أو على مدى حجيّتها واعتبارها.

فالحركة المستجدّة في إطار أسباب النزول في هذه المرحلة لم تكن كلّها بَرَكة، بل شابها الكثير من التشويه لا سيّما على مستوى اعتبارها، ومن هنا يتساءل البعض - ومن حقّه أن يسأل - : [هل كان نزول الآية لهذه المناسبات المذكورة؟! أم أنّ هذه المناسبات من قبيل القصص التي نسجها المخيال الجمعيّ في حرصه على ربط الأحكام الفقهيّة المجرّدة بأحداث ملموسة وأشخاص تاريخيّين؟!...]([13])، ففي الواقع راج الوضع بشكل هائل في أسباب النزول وشوّه صورتها، ولانتشاره عدّة أسباب:

أ) فمن جهة، كان لغياب الشاهدين على الوحي، التأثير الكبير على انتشار الوضع، إذ غاب بذلك الرقيب المباشر، والمدقّق الفعليّ في صحّة أسباب النزول، فكان [..كلّ أحد يخترع شيئًا ويختلق إفْكًا وكذبًا... ]([14]).

ب) ومن جهة أخرى كان هناك إشراف مباشر من قبل الدولة وأصحاب القرار على تدوينها، وقد أخضعوها [على نحو منهجيّ، لما يخضع له كلّ خطاب من تعديل وتنظيم وإبراز وإخفاء وما إلى ذلك، أي إنّ إعادة بناء الماضي بجميع أبعاده قد خضعت للواقع الثقافيّ الحضاريّ الذي فيه تشكّل ذلك البناء]([15])، وهذا ما جعلها تقع [تحت تأثير واقعه]ها[ الراهن بكلّ أبعاده السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة]([16]).

ج) ثمّ ما زاد الأمر تعقيدًا هو مسألة انتشار القصّاصين، وبروزهم كصنف من الرواة المسلمين، فهذه الجماعة وإن حظيت بالمنزلة الرفيعة اعتبارًا منذ عهد الخليفة الثاني، كما ينقل السائب بن يزيد: [لم يكن يُقصّ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولا أبي بكر، وكان أوّل من قصّ تميم الداري استأذن عمر بن الخطّاب أن يقصّ على الناس قائمًا، فأذن له عمر]([17])، إلا أنّه لم يخلُ ذلك العصر -حيث الصحابة- من ضابط لحركتهم، أمّا في هذه الفترة، فقد تسيّدوا الساحة الثقافيّة ببضاعتهم المزجاة، من غير منازع أو حسيب.

وقد ميّز مشاغل القصّاصين: الاحتفاء بكلّ ما هو عجيب وغريب خارج عن المألوف لعطف قلوب الجمهور، فيما لم تكن الحقيقة التاريخيّة من اهتماماتهم البتّة، بل يتصرّفون فيما يبلغ أسماعهم من أخبار، تضخيمًا واختلاقًا...

لذلك [فإنّ عملهم أوصل إلى نتيجة نراها بديهيّة، هي تعاظم الهوّة الفاصلة بين ما يُروى عن تجربة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ورسالته في مجالس القصّاص (...)، و[بين] ما يقوله القرآن...]([18]).

والنتيجة التي آلت إليها أسباب النزول أنْ تَرَافق أمرُ شيوعِها بانتشار الوضع فيها.

بعد هذه الإلمامة بالأجواء العامّة لأسباب النزول في هذه المرحلة لا بدّ من دراسة دقيقة لوضعيّة الأسباب بتفاصيلها، لنعيش في صميم بحث أسباب النزول في هذه الفترة.

أوّلاً: الأسباب الرائجة

1- طبيعة هذه الأسباب

ثمّة مجموعة كبيرة من أسباب النزول نقل أكثرَها أهلُ العامّة عن التابعين، وتعرّض لها الطبري في تفسيره الشهير بتفصيل، ثمّ ضمّتها كتبٌ خاصّة بين دفّتيها حيث تولّت أمر جمعها منذ القرن الخامس الهجريّ، ككتاب الواحديّ ثمّ من حذا حذوه كالسيوطيّ وغيره، هذا القسم من المرويّات هو الذي اشتهر لاحقًا بعنوان "أسباب النزول"، فهو المستقرّ في الأذهان عندما يُراد الحديث عن هذا الفنّ، وإليه يُشار عند البحث عن سبب نزول آيةٍ ما.

والأمر الذي لا بدّ من تكرار لفت النظر إليه، هو أنّها - في غالبها الأعظم - لا تُمثّل روايات تُنسب إلى معصوم، وإنّما هي أحداث ينقلها نفس الصحابيّ أو التابعيّ، فالروايات في هذه الأسباب لا تكاد تتجاوز عدد الأصابع، كما يمكن ملاحظته عند مراجعة أمهّات هذه الكتب كأسباب النزول للواحدي، وأسباب النزول للسيوطيّ.

وعلى الرغم من شدّة تأثير هذا الأمر على طريقة التعاطي مع هذا النوع من المرويّات([19])، فإنّنا نرى هذه الحقيقة اليوم بعيدة عن الأذهان وقد أغفلها معظم الباحثين المعاصرين، لا سيّما أنّهم يعبّرون عنها بـ : روايات أسباب النزول.

2 - السرّ في اعتماد هذا النوع من الأسباب

في الواقع كان اعتماد علماء أهل العامّة على هذه الأسباب ضرورةً، نتيجة افتقارهم إلى رواياتٍ في تفسير القرآن منقولةٍ عن المعصوم، حيث لا نجد عند العامّة أكثر من 250 رواية، على ما أحصاه السيوطيّ([20])، وقد ذكر أنّ أكثرها لا اعتبار له، ولذا يقول: [الذي صحّ"من المأثور في التفسير" قليل جدًا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلّة]([21])، فيما نُقل عن ابن حنبل قوله الشهير: "ثلاثة ليس لها أصول -ليس لها أصل-: المغازي والملاحم والتفسير]([22])، وعليه فقد اضطُرّت هذه المدرسة إلى اللجوء إلى أسبابِ النزول، بغثِّها وسمينِها، على أساس أنّها الحقائق التي يُلجأ إليها في تبيّن الآيات القرآنيّة.

في المقابل لم تكن المدرسة الشيعيّة ترتكز في التفسير إلى مثل هذه الأسباب؛ لأنّ روايات أهل البيت (عليهم السلام) ، بما في ذلك الروايات التي ترتبط بالكشف عن أسباب النزول، تُمثّل مخزنًا ومرجعًا مهمًّا في عالم تفسير القرآن الكريم بالنسبة لهم، فقد أحصى بعضهم هذه الروايات بأكثر من 4000 رواية([23]).

أسباب النزول ورواجها بين السنّة والشيعة

يظهر ممّا سبق أنّ الحاجة إلى الأسباب الرائجة، المنقولة في غالبها عن التابعين والتي اختلطت بقصص القصّاصين ووضع الوضّاعين، هي حاجة مدرسة أهل العامّة بالدرجة الأولى، لكن لعلّ العمل الشكليّ لبعض المفسّرين، كالشيخ الطوسيّ والشيخ الطبرسيّ، أوهم أنّ المدرسة الشيعيّة مفتقرة هي الأخرى إليها، فإنّ الشيخ الطوسيّ في التبيان، والشيخ الطبرسيّ في مجمع البيان، قد ذكرا هذا النوع من الأسباب تحت عنوان "النزول" أو "سبب النزول" في تفسيرهما بشكل منفرد ومستقلّ، وذلك قبل ولوج معنى الآيات، هذا الأمر فتح الباب أمام توهّم كثير من الباحثين والدارسين بأنّ هذه الأسباب تدخل في صميم الفكر الشيعيّ، وفي منظومة تكوين مفاهيمه حول الآيات القرآنيّة والتفسير.

إلا أنّ نظرةً فاحصة تكشف ما استتر، فإنّ المتابع لعمل الشيخ الطوسي والطبرسيّ، يلاحظ، أنّهما قد أدرجا أيضًا بشكل منفرد ومستقل إلى جانب أسباب النزول، أقوال التابعين في التفسير، كعكرمة ومجاهد ومقاتل...، في المقابل فإنّهما حين ترد رواية عن أهل البيت (عليهم السلام) ترتبط بسبب نزول الآية أو التفسير فإنّهم يوردونها في متن التفسير، فما قاما به في الواقع هو فصل أسباب النزول وأقوال التابعين، عن الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في أسباب النزول والتفسير، وقد صرّحا في مقدّمة "التبيان" و"مجمع البيان" أنّ العمدة في هذا التفسير لا تكون إلا على الخبر الصحيح، وأنّه لا عبرة لغيره من الأقوال، ومن الواضح أنّ المقصود فيه ما أورداه من أسباب نزول رائجة أو أقوال التابعين في التفسير، وهذا ما يمكن ملاحظته عند مراجعة التفسير أيضًا.

وعليه فإنّ إيراد الشيخ الطوسيّ والشيخ الطبرسيّ لأسباب النزول في بداية تفسير الآيات بشكل منفصل، مثله مثل إيراد أقوال التابعين في التفسير، لا يتعدّى كونه مجاراة لمفسّري السنّة شكلاً بعد التأثير الكبير الذي تركه تفسير الطبريّ في ساحة تدوين التفاسير، [خاصّة أنّ تفاسير عديدة أُلّفت بعده لم تتخلّص من سلطته المعرفيّة الضاغطة، التي تختلف قوّتها وأثرها من تفسير إلى آخر]([24])، لذا عدّوه في هذا المجال أهمّ مصدر في التفسير، بمعنى أنّه يُعدّ أصلاً لغيره من الكتب في معالجته للتفسير([25])، وكان [عمدة لأكثر المفسّرين]([26])، ولكن إيرادها بهذا الشكل لم يؤثّر ذلك في المضمون، ومع ذلك فقد أوهم هذا العمل كثيرًا من الباحثين الذين تأثّروا بالبحث السنّي، فساروا في هذا البحث على طريقة أهل العامّة، بل ربما نجد أنّ هذا الوهم هو المستقرّ في أذهان مختلف المثقّفين حين يتحدثون عن أسباب النزول والقصص المرويّة فيها!!

هذا بالنسبة لطبيعة الأسباب الرائجة باسم أسباب النزول والمرويّة عن التابعين، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو السبب في رواجها باسم أسباب النزول دون غيرها؟

3 ـ سبب رواج هذه الأسباب

يمكن ردّ سبب رواج هذه المرويّات بعنوان وباسم "أسباب النزول" فيما بعد، دون روايات أهل البيت (عليهم السلام) حيث ظلّت رواياتهم في الأسباب ترد تحت عنوان واسم روايات التفسير، إلى عدّة أمور:

1) لعبت التصنيفات الخاصّة التي ضمّت بين دفّتيها أسباب النزول، من قبيل كتابي الواحدي والسيوطيّ، دورًا كبيرًا في رواج هذه الأسباب، فإنّها كانت السبّاقة في هذا العمل (تدوين أسباب النزول ضمن مصنّف خاصّ)، وأشبعت بالتالي رغبة الناس وفضولهم في معرفة الأسباب وقصصها، ممّا أدّى بالتالي إلى شيوعها كأسبابٍ لنزول القرآن.

على أنّ اللافت في الأمر، أنّ الداعي إلى تصنيفها بشكل مستقلّ عن الروايات يعود بالدرجة الأولى إلى كون هذه الأسباب لا تستند إلى سند متين يمكن الاعتماد عليه، ممّا اضطرهم إلى فصلها عن روايات التفسير، ومن هنا يتّضح سرّ عدم اهتمام علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بالتصنيف في أسباب النزول المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) بشكل مستقلّ عن بقيّة رواياتهم في التفسير، كونها جميعاً منقولة عنهم، وتعتمد على سند يتّصل بالمعصومين، فالدراسة السنديّة في كلا القسمين -أسباب النزول وروايات التفسير- واحدة.

2) إلى ذلك كان لتفسير الطبريّ -الذي كان أوّل من تعرّض لهذه الأسباب بشكل منظّم- دور مؤثّر في مجال رواج هذه الأسباب.

3) بالإضافة إلى كلّ ذلك لا يمكن أن نغفل دور أرباب القرار وأصحاب السلطة الذين أرادوا استمداد الشرعيّة من خلال أسباب النزول، فقد روّج هؤلاء للأسباب التي تتناسب مع استمراريّة حكمهم والمذهب الذي يدينون به، فسعوا إلى نشرها وأشاعوها في المجتمع وعند العوامّ، بل قاموا بالإشراف على تدوينها، في مقابل سعيهم الحثيث لحصار بقيّة الأسباب لفرض انحسارها وتلاشيها، وكانت طبيعة الحكم والخلافة في تلك الفترة، تتّفق وتنجسم مع ما رُوي من الأسباب الرائجة وأقاصيصها.

حول دور التابعين

إذا كان لا بدّ من ملاحظات نسجّلها حول دور التابعين في أسباب النزول([27])، فهي كما يلي:

1ـ الملاحظة الأولى هي عدم تعرّضهم لبحث الدراية، واقتصار دورهم على الرواية،

فقد قسّم علماء القرآن أسباب النزول إلى شعبتين:

1) نظريّ، ويطلقون عليه اسم: الدراية، و[يُعنى بذكر قواعد هذا العلم، وما يتعلّق بها]([28]).

2) تطبيقيّ، وفي مصطلحهم: رواية، و[يتناول أسباب النزول الواردة والمأثورة، ويعنى بجمعها...]([29]).

وهناك ارتباط وثيق بين الشعبتين، يمنع الباحث من الشروع في الثاني قبل أن يؤسّس الأوّل؛ فإنّ السير الطبيعيّ لأيّ تحقيق هو أن يجري التطبيق وفقًا لقواعد نظريّة محدّدة، ومع الأسف فإنّه كثيراً ما حدث خلل وإبهام نتيجة دراسة أحدهما دون الآخر، أو عدم الاعتماد على البحث الدرائيّ في الجمع.

2ـ أمّا الملاحظة الثانية فهي مرتبطة بكثرة النقل عنهم، مع وجود المتناقضات التي لا تقبل الجمع فيما نقلوه، وهذا الأمر هو الذي جعل الباحثين يؤكّدون على أنّ ذلك يعود إلى الوضع من قِبَل مَن شُغف بأسباب النزول، حتّى صار كلٌّ ينسب للآية سببَ نزولٍ، كما يؤكّد الواحدي: [وأمّا اليوم فكلّ أحد يخترع شيئاً ويختلق إفْكًا وكذبًا، مُلقِيًا زمامَه إلى الجهالة، غير مفكّر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية، وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلّمون في نزول هذا القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب]([30]).

بل يعزو بعضهم سبب استقلال علم أسباب النزول إلى: [استفحال ظاهرة وضع الأحاديث النبويّة على نطاق واسع بعد القرن الرابع الهجريّ (...)، ولذلك كَثُر التأليف في مختلف علوم الحديث منذ القرن الرابع، وظهرت مؤلّفات عيّنت ضوابط رواية الحديث، طُرُقَ تحمّلٍ وأداءً (...)، ونعتقد أنّ عديد الأحاديث الموضوعة وُظّفت في بيان أسباب نزول آيات القرآن، ومن ثمّ تزعزعت ثقة العلماء القدامى بأخبار أسباب النزول التي لا غنى لهم عنها...]([31]).

وهذا ما زعزع ثقة العلماء بهذه الأسباب، وكان لذلك الآثار الكبيرة، سواء من حيث الوقوف بشدّة في وجه الاستغراق والإفراط في الاعتماد على أسباب النزول([32])، أم من حيث التمحيص المكثف التي تعرّضت له أسباب النزول من أجل انتخاب الصحيح منها، كما سيأتي في مسرد التأليف.

ثانياً: حركة أهل البيت (عليهم السلام)

إذا انتقلنا إلى الضفّة الأخرى من ضفاف عالَم أسباب النزول، فإنّنا نحطّ الرحال عند دور الأئمّة (عليهم السلام) على مستوى هذا الفنّ في هذه المرحلة التاريخيّة.

فقد تابع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بشكل عامّ، والإمامان الباقر والصادق (صلى الله عليه وآله) بشكل خاصّ([33])، ما بدأه الأمير (عليه السلام) من حركة في إطار أسباب النزول، مع مراعاة مقتضيات مرحلتهم والظروف المستجدّة، لا سيّما اشتداد الحاجة إلى أسباب النزول، والنمّو الثقافيّ والفكريّ للمسلمين في هذا العصر، فضلاً عن حملات وعمليّات الوضع والابتداع التي تعرضّت لها الأسباب، وهذا ما خلق نوعاً من التمايز عن دور أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهو ما نتعرّض له.

أ ـ دورهم على مستوى دراية الأسباب

قد مرّ الحديث عن الثغرة التي وقع فيها التابعون حين أغفلوا البحث في دراية أسباب النزول، فيما لم يفت أهل البيت (عليهم السلام) هذا الأمر، فشهدنا منهم حركة تأسيسيّة في مجال دراية هذا الباب، ونطلّ على بعض جوانبها ضمن النقاط التالية:

1ـ طرح أهميّة أسباب النزول

نبّه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على حقيقة أسباب النزول، وقاموا بتثبيت دورها كعنصر له دور كبير في بيان حقائق ومفاهيم مرتبطة بالقرآن من جهة، وبمجمل أوضاع الإسلام والمسلمين من جهة أخرى، من ذلك ما ورد عن الصادق (عليه السلام) : [اعلموا رحمكم الله أنّه من لم يعرف من كتاب الله: الناسخ والمنسوخ، والخاصّ والعام، والمحكم والمتشابه، والرخص من العزائم، والمكيّ من المدنيّ، وأسباب التنزيل (...)، فليس بعالم القرآن ولا هو من أهله]([34])، وهذا تصريح بأهميّة بحث أسباب النزول، وحثّ على دراسته، وبذلك يمكن تسجيل خطوةٍ متقدّمة في مجال بيان أهميّة هذا البحث، بعد الإشارات التي مرّت في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) .

2 ـ تكوين المصطلح

لا شكّ أنّ من أهمّ مبادئ أيّ علم أو باب من العلوم هو تكوين المصطلح، و طبقاً للوثائق الموجودة بين أيدينا فإنّ أوّل تصريح بمصطلح "سبب النزول" ورد على لسان الأئمّة (عليهم السلام) ، وقد ورد هذا المصطلح في أكثر مناسبة؛ فمن ذلك الرواية التي تقدّمت في مجال بيان أهميّة هذا المبحث حيث عبّر الإمام (عليه السلام) بـ: "أسباب التنزيل"، بالإضافة إلى عدد كبير من الروايات التي تشتمل على هذا العنوان كالذي ورد في الآية: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}([35])، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه قال:[كان سبب نزول ذلك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا تزوّج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها، ورأى زيدًا يباع ورآه غلامًا كيّسًا حصيفًا، فاشتراه...]([36])، وورد في نزول سورة الفتح عنه (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: [كان سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم أنّ الله عز وجل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج‏...]([37])، وورد عن أبي محمّد (عليه السلام) : [كان سبب نزول قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ...}([38]) الآيتين، ما كان من اليهود أعداء الله من قول سّيئ في جبرئيل وميكائيل...]([39])، وكذا ورد ذلك في مجموعة أخرى من أسباب نزول الآيات ([40])، هذا بالإضافة إلى وروده في بيان نزول: سورة الكهف([41])، والمعوذتين([42]).

ولعلّهم كانوا يهدفون بذلك إلى تركيز روايات الأسباب في العقل الجمعيّ للمسلمين، ومن اللافت كثرة استخدام عليّ بن إبراهيم نفسه لهذا المصطلح في التفسير المنسوب إليه.

في المقابل فإنّ عبارة "سبب النزول في مدرسة العامّة، [لم تكن معلومة في عهد الصحابة والتابعين]([43])، ويبدو [أنّ الصيغة النهائيّة المعبّرة عن علم أسباب النزول قد استقرّت بمعناها الاصطلاحيّ استقراراً نهائيّاً في النصف الأوّل من القرن الرابع الهجريّ]([44]).

3 ـ الإشارة إلى كثرة أسباب النزول

في حين يؤكّد الباحثون قلّة الآيات النازلة وفق أسباب النزول، أكّد أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على حقيقة أنّ لأغلب آيات القرآن الكريم أسبابَ نزول، فعن خيثمة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : [يا خيثمة القرآن نزل أثلاثًا:

ثلث فينا وفي أحبائنا، وثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا، وثلث سنة ومثل...]([45])، وبمقتضى المقابلة بين الثلثين الأوّلين والثلث الذي يمثّل حركة عامّة في إطار السنّة والأمثال، يظهر أنّ المراد من الثلثين الأوّلين خصوص ما نزل وفق أسباب النزول.

وفي حديث آخر ورد عن الباقر (عليه السلام) ، في تفسيره للحديث المعروف: [ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن]([46])، قال (عليه السلام) : [ظهر القرآن الذين نزل فيهم، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم]([47]).

وهذه الكثرة تُعدّ متناسقة مع طبيعة القرآن وما أكّدوا عليه من نزوله منجّماً وفق الأحداث والاحتياجات المستجدّة في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) : فإنّ [هذا القرآن لم ينزل جملة واحدة، بل نزل منجّمًا مفرّقًا بحسب الحوادث والمناسبات والوقائع (...)، وهي التي سمّاها العلماء فيما بعد أسباب النزول]([48])، ومع هذا فقد غفل الباحثون في علوم القرآن عن هذه الحقيقة -كثرة أسباب النزول-، لا سيّما أهل العامّة([49]).

4 ـ تأكيد مفهوم "العبرة بعموم اللفظ"

انشغل علماء القرآن والباحثين فيه ببحث عرُف لاحقًا بعنوان: "العبرة بعموم الصيغة لا بخصوص السبب"، أو "المورد لا يُخصّص الوارد"، وهذا المطلب بعينه تمّ التنبيه عليه من الأئمّة (عليهم السلام) قبل أن يرد في كتب علوم القرآن، وقد نصّوا عليه بتعابير مختلفة منها ما ورد عن خثيمة عن أبي جعفر (عليه السلام) : [...ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شي‏ء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السَّماوات والأَرض، ولكل قوم آية يتلونها [و] هم منها من خير أو شر]([50]).

ومن ذلك ما ورد في إطار بيان أنّ للقرآن ظهرًا وبطنًا، حيث ذُكر أنّ: [ظهر القرآن الذين نزل فيهم وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم]([51])...

ب ـ روايات أهل البيت (عليهم السلام) في أسباب النزول :

ما يمكن تسجيله في إطار روايات أهل البيت (عليهم السلام) في أسباب النزول عدّة ملاحظات:

أوّلاً: ضخّ عدد كبير من الروايات

ساهم الإمامان الباقر والصادق (صلى الله عليه وآله) في ضخّ مجموعة من الروايات، وفق ما اقتضته المصلحة والظروف، بحيث بلغت الروايات المنقولة عنهما أضعاف ما رُوي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام عليّ (عليه السلام) ، لذا يلاحِظ المراقب أنّ كتب التفسير والحديث حافلة برواياتهما، ولا يخفى هذا الأمر على أيّ باحث يرجع إلى كتب التفسير والحديث الشيعيّة.

يعود هذا الزخم في بثّ روايات أسباب النزول إلى تغيّر نسبيّ في الظروف التي مرّ ذكرها في عصر الإمام عليّ (عليه السلام) ، ولكن هذا لا يُلغي أنّهم راعوا الحال، فيجب أن لا نَغفل حقيقةَ أنّهم لم يكونوا في وارد استقصاء أسباب النزول؛ لما ذكرناه سابقًا من أنّهم لم يكونوا راغبين في إشاعة الأسباب إذا ما كانت تؤدّي إلى شقّ صفوف المسلمين في مواجهة الأعداء، أو لظروف أخرى، لذا عمدوا إلى عدم الكشف عن أسماء من نزلت فيهم الآيات أحياناً، كما ورد في الآية: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَالِمُ عَلَى يَدَيْه...}([52]) عن الباقر والصادق (صلى الله عليه وآله) : [إنّ هذه الآيات نزلت في رجلين من مشايخ قريش أسلما بألسنتهما، وكانا ينافقان النبيّ (صلى الله عليه وآله) ...]([53]).

وورد ذلك أيضاً عن الإمام الهادي (عليه السلام) عندما سأله المتوكّل العبّاسيّ عنها فيمن نزلت؟، فأجابه (عليه السلام) : [هذان رجلان كنّى الله عنهما، ومنّ بالستر عليهما، أفيحبّ الخليفة كشف ما ستره الله؟!]([54]).

وعلى خطّ موازٍ، ولكن بعيداً عن الخطوط السياسيّة ومسألة شقّ صفّ المسلمين، ابتعد أهل البيت (عليهم السلام) عن فضح الناس، فما يُلفت المتتبّع ويؤكّد هذا المطلب أنّ بعض الأسباب المنقولة عن العامّة تصرّح باسم مرتكبها، ففي آية اللعان([55]) مثلاً يذكر العامّة سبب النزول مع التصريح باسم الزوجين، كما نجده عند السيوطيّ([56])، بينما الرواية عن الصادق (عليه السلام) حين سئل: كيف يُلاعن الرجل المرأة، فإنّه قام بذكر سبب النزول، وبيّن نفس الحادثة المنقولة في أسباب نزول عند العامّة ولكن من غير تسمية الفاعل، فإنّه ذكرها في "رجل من المسلمين وزوجته"([57])، حفظاً لعرض المرأة، وخصوصيّة زوجها!

والنتيجة أنّ عمليّة ضخّ روايات أهل البيت (عليهم السلام) تركّزت في مجال تصحيح الحقائق والعقائد، وكذلك مواجهة كثرة الوضع، مع مراعاة حالة المجتمع وعدم نفخ روح الفتنة فيه.

فأسباب النزول المنقولة عنهم في هذه الفترة كانت أغلبها في معرض الردّ على الوضع والادعاءات الباطلة، التي كثُرت في زمانهم، وحركتهم في مسألة الأسباب وإن توسّعت بالقياس إلى الفترات السابقة، إلا أنّها تأطّرت بنطاق بيان بعض الحقائق اللازمة، وفقاً لما تمليه الظروف، وبما يكفل عدم التناحر بين مكوّنات المجتمع الإسلاميّ.

ثانياً: إيقاظ حسّ الاستفهام عن الأسباب

عمِل أهل البيت (عليهم السلام) على إيقاظ حس الاستفهام عن الأسباب، ما أدى إلى ترسّخ بحث أسباب النزول في العقل الجمعي لأبناء هذا العصر، يبيّن هذه الحقيقةَ كثرةُ السؤال عن الأسباب، كما في الآيات التالية: الآية 200 من سورة البقرة([58])، الآية 83 من سورة آل عمران([59])، الآية 58 من سورة النساء([60])، الآية 93 من سورة الأنعام([61])، الآية 74 من سورة الإسراء([62])، الآية 88 من سورة مريم([63])، الآية 23 من سورة الحديد([64])، وغيرها...، ففي جميع أسباب نزول هذه الآيات نرى المتلقّي هو الذي يُبادر إلى سؤال الإمام عن سبب نزول الآيات، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّهم (عليهم السلام) قد نجحوا في إيقاظ حسّ البحث عن أسباب النزول في عقول ووجدان أصحابهم وتابعيهم.

خلاصات واستنتاجات

1ـ إذا أردنا أن ندرس تصاعد الاهتمام بأسباب النزول بين مختلف الفترات الزمنيّة منذ انطلاق الدعوة، بدءاً من عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، مرورًا بالأمير (عليه السلام) ، وصولاً إلى الصادقين (صلى الله عليه وآله) ...، فسنجد أنّ ثمّة علاقة جدليّة تربط بين أسباب النزول وبين بعض العوامل التي لعبت دورًا هامًّا في تطوّرها، وأهمّها عاملان:

الأوّل: ارتباطها بحقائق التاريخ من السيرة النبويّة الطاهرة ومختلف أحداث عصر الوحي، لذا كنّا نلاحظ أنّ مرور الزمن، وتشوّق الأجيال التي لم تشهد الوحي إلى معرفة ملابسات ذلك العصر، كان يُسهم في شيوعها أكثر فأكثر، ولا سيّما أنّها كانت تلعب دورَ تأييدِ بعض الحقائق التاريخيّة التي يمكن أن تخدم الفئات المتخالفة، ولذا فإنّ لأسباب النزول إمكانيّة حَرْفِ حقائق التاريخ بشكل واسع.

الثاني: العامل الإيديولوجي العقائديّ، فمن الملاحظ أنّه كلّما اشتدّ الصراع المذهبيّ، كلّما تألّق هذا العلم واتّخذ أبعادًا جديدة، وكلّما كثر الجدل العقائديّ، موّنت أسباب النزول هذا الصراع، سلبًا أو إيجابًا، افتراءًا على الإسلام أو تبيانًا للحقائق، فقد كانت أسباب النزول اللاعب الأبرز في تأييد الحقائق، بما يخدم المنظومات العقائديّة المختلفة.

وفي النتيجة لا يمكن للباحث أن يقوم بدراسة أسباب النزول بمنأى عن هذه العوامل، وبمنأى عمّا يمكن أن تؤثّره على الأصعدة كافّة.

2ـ ومن الإشارات التي يمكن أن نخلص إليها، أنّ مختلف الأحداث في هذه الفترة تشير إلى أمر يسوء الأسباب، فكلّ الأحداث التي أدّت إلى تصاعد الاهتمام بها كانت في المقابل تفتح الباب مشرعًا أمام الوضع والجعل، وهذه مسألة جديرة بمتابعتها وتحليل معطياتها عند الحديث عن مدى اعتبار وحجيّة أسباب النزول.

3ـ تبيّن أنّ الأئمّة (عليهم السلام) قد أشاروا إلى مجموعة من الأبحاث في عالم دراية أسباب النزول، كما أنّهم عملوا على ضخّ عددٍ من روايات هذا الباب.

ولكن يا ترى إلى أي مدى ترسم هذه الإشارات وتؤسّس لعلم مستقلّ بذاته، ولفنّ له خصوصيّاته؟ ففرق بين الكلام عن أسباب النزول، وبين الاهتمام بعلم خاصّ مستقلّ في تفسير القرآن.

نقول: حتّى زمانه لا يوجد أيّ دليل يمكن أن يُطمأنّ إليه على استقلال علمٍ باسم أسباب النزول، فالإشارات في عالم الدراية عن أهل البيت (عليهم السلام) ، لا يظهر منها أنّ ثمّة علم قائمٍ بذاته اسمه علم أسباب النزول، وغاية ما يُستفاد منها هو الاهتمام بروايات أسباب النزول في عمليّة الوقوف على معطيات القرآن، وضرورة ذلك لارتباط عدد كبير من الآيات بهذه الأسباب، مع عدم موت الآية بموت السبب.. ولا شيء من ذلك يؤسّس لعلم مستقلّ.

بل ربما تكون القرائن من خلال كلماتهم على العكس منه، حيث لا يظهر التمييز في كلماتهم (عليهم السلام) بين روايات أسباب النزول، وبين غيرها من روايات التفسير المنقولة عنهم ممّا يعني عدم جعلها بابًا مستقلاً، بل يكون الأمر مرتبطًا بها كغيرها من روايات التفسير الأخرى المؤثّرة في عمليّة التعاطي مع تفسير القرآن.

وممّا يؤيّد عدم استقلال روايات أسباب النزول بعلم وباب مستقلّ حتّى أواخر القرن الثالث، أنّنا لو راجعنا المصادر التي تكفّلت تدوينها، فإنّنا لا نجدها قد وضعتها تحت عنوان أو باب مستقلّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) راجع رسالة النجف، العدد 13.

([2]) راجع رسالة النجف، العدد 14.

([3]) راجع رسالة النجف، العدد 14.

([4]) أسباب النزول: بسّام الجمل، المركز الثقافيّ العربيّ، الطبعة الأولى، ص:57ـ58.

([5]) في قراءة النصّ الدينيّ، الشرفي، ص: 57.

([6]) الهادي الجلطاوي، قضايا اللغة في كتب التفسير، ص: 99، وص: 233.

([7]) محمّد عزّة دروزة، كتابه "القرآن المجيد"، وهو مقدّمة لتفسيره: "التفسير الحديث"، ص:217.

([8]) دراسات في علوم القرآن الكريم، د. فهد بن عبد الرومي، مكتبة التوبة, ط7، ص19.

([9]) تاريخ التراث العربيّ، فؤاد سزكين، م1ـ ج1ـ ص:177.

([10]) د. فهد بن عبد الرومي، م س، ص20.

 ([11])راجع رسالة النجف، العدد 14.

([12]) أسباب النزول: بسّام الجمل، المركز الثقافيّ العربيّ، الطبعة الأولى، ص62ـ 63.

([13]) عبد المجيد الشرفي، لُبُنات أو الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص: 169، ومن هنا يظهر أهميّة أن تُتلقّى مثل هذه الأسباب عن معصوم دون غيره.

([14]) الواحدي، أسباب النزول،دار الجيل، ص:7.

([15]) محمّد عجينة، عمليّة تدوين التراث العربيّ الإسلاميّ، ص: 37.

([16]) بسّام الجمل، م س، 73.

([17]) كتاب القصّاص والمذكّرين، ط1، المكتب الإسلاميّ، بيروت، 1983، ص:175.

([18]) بسّام الجمل، م س، ص: 51ـ 56.

([19]) فرواية الصحابيّ أو التابعيّ لها لا يعني سقوطها عن درجة الاعتبار والحجيّة، فإنّها قد تكون مرويّة عن حسّ، كما أنّ بعضها سُلّم اعتباره بين المسلمين، أضف إلى أنّ قسماً منها قد وافقته روايات أهل البيت (عليهم السلام) ...، ولذلك بحثه الخاصّ في دراستنا إن شاء الله.

([20]) خاتمة الإتقان في علوم القرآن: جلال الدين السيوطيّ، دار الفكر، ط1.

([21]) الإتقان في علوم القرآن: جلال الدين السيوطيّ، دار الفكر، ط1, ج4، ص: 180ـ214ـ 257.

([22]) البرهان في تفسير القرآن: السيّد هاشم البحرانيّ، مؤسّسة البعثة، 1415هـ: 2، ص156، التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب: محمّد هادي معرفة، الجامعة الرضويّة للعلوم الإسلاميّة، ط1: ج1، ص180، وهذا لا يعني أنّ كلّ ما نُسب إلى أهل البيت (عليهم السلام) ، فهو صادر عنهم، بل نعتقد بأنّه قد تسلّل الوضع إلى حديثهم: [حيث وجد الكذّابون من رفيع جاه آل الرسول ’ بين الأمّة ومواضع قبولهم من الخاصّة والعامّة، أرضًا خصبةً استثمروها لترويج أباطيلهم...](التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب: م ن:ج1، ص476).

([23]) راجع التفسير والمفسّرون: معرفة: ج1، ص181.

([24]) بسّام الجمل، م س، ص100.

([25]) لاحظ: المدخل إلى علوم القرآن والعلوم الإسلاميّة: د. محمّد أمين فرشوخ، دار الفكر العربيّ، ط1، ص153 و155.

([26]) الحديث في علوم القرآن والحديث: حسن أيوب، دار السلام، ص147.

([27]) كُتبت دراسات كثيرة حول دور التابعين في مجال أسباب النزول، ونحن نكتفي بإدراج ملاحظتين عامّتين، ونركّز البحث في دور أهل البيت (عليهم السلام) حيث لم نجد أيّ دراسة تعرّضت إلى دورهم في هذا الإطار.

([28]) أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص، د. عماد الدين الرشيد، دار الشهاب، ص105.

([29]) د. عماد الدين الرشيد، م ن، ص105.

([30]) الواحدي،م س، ص7.

([31]) بسّام الجمل، م س، ص83.

([32]) لاحظ كلام ابن عاشور، في مقدّمة تفسيره: التحرير والتنوير، كنموذج لذلك.

([33]) وذلك لطبيعة الظروف الموضوعيّة، التي حكمت حركة الأئمّة (عليهم السلام)

([34]) بحار الأنوار: محمّد باقر المجلسيّ، مؤسّسة الوفاء، ط2، ج93 ص:9.

([35]) الأحزاب،4.

([36]) تفسير القمّي: أبو الحسن عليّ بن إبراهيم القمّي، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، ط3، 1404،ج‏2, ص172.

([37]) تفسير القمّي، م ن، ج‏2, ص309.

([38]) البقرة،97ـ98.

([39]) تفسير نور الثقلين: عبد علي بن جمعة العروسي الهويزي، مؤسسة إسماعيليان، 1415، ج‏1, ص104.

([40]) المجادلة،10، راجع: تفسير نور الثقلين،م ن، ج‏5, 261، هود،12، راجع: تفسير القمّي، م ن،ج‏1، ص: 324، مريم،96، راجع: تفسير القمّي، م ن،ج‏2, ص56.

([41]) تفسير القمّي، م ن،ج‏2, ص31 .

 ([42])تفسير القمّي،م ن،ج‏2, ص450.

([43]) البيان في مباحث من علوم القرآن، الشيخ عبد المجيد غزلان، ص: 93.

([44]) بسّام الجمل، م س، ص75.

([45]) كتاب التفسير، محمّد بن مسعود العيّاشي(تفسير العيّاشي)، المطبعة العلميّة، 1380،ج‏1,ص10.

([46]) بصائر الدرجات: ص196،ح7.

([47]) تفسير العيّاشي, م ن، ج1, ص11.

([48]) إتقان البرهان في علوم القرآن، فضل عباس، دار الفرقان, ط1،ص237، وهو قريب ممّا يذكره الشيخ محمّد هادي معرفة: "وإذا كان القرآن ينزل نجوماً، وفي فترات متفاصلة بعضها عن بعض، ولمناسبات شتّى كانت تستدعي نزول آية أو آيات تعالج شأنها، فقد اصطلحوا على تسمية تلكم المناسبات بأسباب النزول أو شأن النزول على فرق بينهما..."( التمهيد في علوم القرآن: الشيخ محمّد هادي معرفة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط1: ج1، 241)، وراجع كلام د. شوّاخ: معجم مصنّفات القرآن الكريم: ج 6، ص127...

([49]) لاحظ: فضل عباس، م ن، ج1, ص 357، دراسات في علوم القرآن الكريم، د. فهد بن عبد الرومي، مكتبة التوبة, ط7، ص 134...

([50]) تفسير العياشي، ج‏1,ص10.

([51]) تفسير العياشي، ج‏1, ص 11.

([52]) الفرقان: 27.

([53]) نهج البيان عن كشف معاني القرآن: محمّد بن الحسن الشيباني، مخطوط، ص: 208.

([54]) بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: الشيخ محمّد تقي التستري، دار أمير كبير للنشر، ط1، ج5, ص63.

([55]) النور،6.

([56]) لباب النقول في أسباب النزول: جلال الدين السيوطيّ، عالم الكتب، ط1، 1422هـ، ص182. ولاحظ ما نقله الواحدي, م س، ص231.

([57]) الكافي، الشيخ محمّد بن يعقوب الكلينيّ، دار الكتب الإسلاميّة، ط3، ج6، ص163، ح4, وفي المقابل ما رواه السيوطيّ في لباب النقول: ص181 ـ 182.

([58]) تفسير العيّاشي، م س، ج1، ص98، ح270.

([59]) تفسير العيّاشي، م ن، ج1، ص183،ح82.

([60]) الكافي، م ن، ج1، ص226، ح1.

([61]) الكافي، م ن، ج8، ص200، ح242.

([62]) تفسير العيّاشي، م ن، ج2، ص306، ح132.

([63]) تفسير القمي, م س، ج2، ص 57.

([64]) تفسير القمي, م ن، ج‏2, ص351.

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس عشر