السنة الخامسة / العدد السادس عشر/ كانون أول 2009 - ذو الحجة 1431هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الدماغ والنفس والذات

دراسة علمية فلسفية

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا *قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}

د. محمد شامي

 

تقديم

ينتمي الإنسان إلى عالم المادة ويرتبط بالكون، وينسج علاقات متأصلة مع الوجود بكل أشكاله وألوانه، إلا أنه يحتوي على نقيض المادة أيضًا ضمن جدلية اتحاد-تنافر، فالإنسان عندما يدرك الموجودات، يُعمل فيها الفكر ويستخدم العقل إلا أنه ينسحر ويندهش أمام الجمال ودقة التنظيم الكوني، الأمر الذي يجعله يبدع النظريات والفلسفات والمفاهيم والمعتقدات.

وإذا كان الإنسان ينتمي إلى عالم المادة (الطبيعة) فإنه يملك بُعدًا روحيًا (النفس)، نجده يتكون من كيمياء وفيزياء ولكنه يشتمل على بُعد روحي يسمو به ويرتقي إلى أعلى مراتب الوجود من خلال العقل والوعي والإرادة الحرة والأخلاق والعمل.

يمتلك الإنسان دماغًا مركبًا ومعقدًا، يدرك من خلاله المحسوسات والمعقولات، ويضع مفاهيم ونظريات وآراء، ويحتسب الدماغ كل شيء ثم يعيد احتساب الاحتساب، ليحتسب الذات نفسها التي تعي فكرتها وتراقبها وتضبطها. تتخلّق النفس البشرية وقواها من الدماغ ولكنها لا تلبث أن تتمايز عنه في الوقت نفسه، إذ تخلق عالمها الخاص وتطوّر قواها مستعينة بالدماغ ثم تعيد إبداعها عبر الوعي والإرادة الحرة.

تستوي الذات الإنسانية على تركيب متعدد الأبعاد، يثير فينا الحيرة والدهشة، فهي تتشكل من نفسٍ ودماغٍ وثقافةٍ ومثالٍ في ترابط أصيل، إذ تتشكل الذات وتتخلّق عبر التاريخ الفردي المتأثر بالمحيط الثقافي-الاجتماعي، حيث ينمو الدماغ مستبطنًا الثقافة التي تحفر فيه طرقها ومناهجها، وتنبثق النفس منهما في جدليةٍ تكوينيةٍ حوارية، لتستقل لاحقًا في صيرورة إبداعية، تبدو النفس كينونة جوهرية تتعيّن الذات فيها وتنفصل عنها في آن معًا.

تراقب النفس-الذات قواها ونوازعها مستخدمة الدماغ والأعصاب في معالجة المعلومة وتطابقها مع الواقع الخارجي، تهذب النفس مدركاتها وتؤدب رغباتها بالتواصل مع الثقافة والمعاش والنموذج المثال.

يستدعي البحث في النفس والدماغ مقدمات علمية لا بد منها لكي نكون على مستوى الحاكمية العلمية والمعرفية وهي تطال الدماغ نفسه والأعصاب.

الجهاز العصبي ووظائفه

الجهاز العصبي والدماغ

يتكوّن الجهاز العصبي من مراكز متخصصة شديدة الترابط، معقدة ومتداخلة ومتشابكة، يحتوي الدماغ على مائة مليار خلية عصبية، يمكن لكل خلية منها أن تلتقط وتنقل عدة اتصالات في الوقت نفسه، يمكننا اعتبار الدماغ آلة تقوم على نظام متخصص بل متعدد الاختصاصات، إذ تعمل مجموعات الخلايا العصبية وتتصل وتتواصل باستمرار، وتتشكل المشابك العصبية قبل الولادة (وهي نقاط الاتصال بين الخلايا العصبية)، ثم تنمو وتتطور بعد الولادة وتستمر في عملها من خلال فاعلية تقوية وإضعاف، فالدماغ لا يتوقف أبدًا عن التطوّر والنمو([1]).

تعمل الخلايا العصبية من خلال نشاط كيمائي-كهربائي، أي من خلال جُزيئات محددة وناقلات عصبية، وعندما تفشل الخلية العصبية في إجراء الاتصال الصحيح فإنها تختفي وتموت، ثم إنّ نصف الخلايا العصبية التي تقوم بتشكيل الوصلات العصبية سوف ينتهي بها المطاف إلى الموت .

الوظيفة العصبية

إن الخلية العصبية هي الوحدة الأساسية العاملة في الجهاز العصبي والدماغ، حيث تتصل الخلايا ببعضها البعض عبر المشابك التي يصل عددها إلى مائة ألف مليار مشبك، ومن هنا كان الكم الهائل لعدد وحجم الاتصالات والارتباطات العصبية الممكنة والمحتملة.

وإذا أضفنا إلى ذلك وجود مراكز متخصصة متعددة ومتنوعة ونقاط اتصال بين المراكز حيث تُصدَّر ألياف وتورد أخرى وتنسق الأحاسيس والتصرفات والحركات الإرادية واللاإرادية، نجد أنفسنا أمام حاسوب هائل ومتطور وعجيب ومتعدد الأبعاد([2]).

تستند الوظيفة العصبية إذًا إلى انتقال السيالة العصبية في الخلايا وهي نبضات كهرو-كيميائية تعبر من المشابك بواسطة الناقلات العصبية.

يعتبر التعلّم واكتساب المهارات والتذكر خصائص تميّز أنشطة الدماغ والجهاز العصبي وخلاياه ، ويرى جان بيار شانجو في هذا السياق([3]) بأن هذه الفاعلية ترتبط بعمل المشابك العصبية ومتحركياتها، فيقول:

1-     "إن الكائنات التي تكون اتصالاتها العصبية مبرمجة بطريقة جامدة وثابتة هي غير قادرة على التعلّم، إذ أن التعلّم يتطلب وجود متحركيات للمشابك، أي قابليتها للتحول والتعديل والتغيّر.

2-     تنتج القابلية للتحوّل (التبدّل) في المشابك من أمرين:

أولهما: مرونة النهايات العصبية جزئيًا (أي حراكها).

وثانيهما: إجراء عدد كبير من الارتباطات العصبية بشكل ظرفي ، أي انتقالي مرن وقابل للتبديل.

3-     يعمل ورود المعلومات وانسيابها على تحديد مميزات الارتباطات العصبية الجديدة وأنواعها وخصائصها، وذلك من خلال اختيار مسارات خاصة متفرّعة من بين عدد كبير من التركيبات المشبكية المتحركة".

تكمن المسارات العصبية المحتملة ومشابكها المتحركة في الأصل ، أي في الموروث الإحيائي-الدماغي، ولكنها تتمظهر وتتنوّع وتتعدّل ، أي تتم إبداعاتها بحسب طبيعة المعلومة الواردة وظروف تشكلها أولاً ، ثم بحسب طريقة التعلّم أثناء النموّ ثانيًا.

نستنتج من هنا في هذا السياق بأن الحرية الفردية وإمكانية المثاقفة تكمنان في أننا نستطيع استخدام مسارات عصبية جديدة ومتعددة كامنة، ثم يتم الإبداع والابتكار أمام المواقف المستجدة والمعلومات التي تستدعي ردّ فعل جديد وملائم.

وعندما تصل التفاعلات المتبادلة وتتواصل فيما بينها إلى مستوى الحاكميات الدماغية المتخصصة، يتم وصلها بمخزون الذاكرة اليومية (تمثلات وصور ذهنية) عندها تعمل المراكز المتخصصة والمتشابكة على دمج المعلومات وربطها وتحليلها، إلا أن الأهم هو أن هذه التفاعلات تنعكس وترتد على نفسها لتُحدث وعيًا ووعيًا ذاتيًا.

ونشير هنا إلى أن هذه الفاعليات المعقدة الإدراكية تتعالى بالقوى الفيزيولوجية وتسمو بها، وتتعالى هذه الأخيرة بدورها بالقوى الجزيئية التي تتعالى بالقوى الذرية وشبه الذرية، بمعنى أن المحصّلات الفكرية النفسية-الإدراكية لهذه الفاعليات هي من نمط آخر يختلف نوعيا عن أصلها الكهربائي والكيميائي ويستحيل علينا كنه جوهر وآلية هذا التعالي في واقعه الفعلي، كما أن من مميزات هذه التفاعلات هي أنها ارتدادية حيث تؤثر النتيجة على السبب والعكس بالعكس، "ويمكننا رصد مفاعيل ومحصلات هذا التعالي وإدراك ملامحه، فالدماغ قائم وسط سيل هائل من المواد الكيميائية دائمة التغيّر"([4]).

الوعي والوعي الذاتي

يعتبر الوعي ذروة التفاعلات العصبية، وبلوغ المسارات والارتباطات المتبادلة مستوى من التعقيد لا يمكننا تصوّره، لذا يرى أنطونيو داماسيو : "بأن الوعي ينشأ من التفاعلات المتجددة باستمرار حول إدراك الدماغ لحالة الجسم (أي ورود المعلومات وتوصيلها كهربائيًا وكيميائيًا) ويترافق هذا الإدراك مع مخزون الذاكرة والوظائف الإدراكية الأخرى... وهذه العملية المعقدة تستخدم في إنتاج الوعي([5]).

وإذا كان الوعي انسياب المعلومات المتبادلة بين الخلايا العصبية ونقاط الاتصال، فأنه انسياب لتبادل مكثف ومركّب ومتطور جدًّا، بحيث يعتقد معه وليم جيمس: "بأن الوعي هو ما يمكننا توقعه من قبل جهاز عصبي متطور جدًّا ومعقد جدًّا لكي يقود نفسه بنفسه"([6]).

وإذا كان بإمكاننا رصد حركة الوعي ومفاعيله في حركة الاستبطان الداخلي أو العين الداخلية حيث تراقب الفكرة ذاتها ووعيها، فإن الإشكالية الكبرى تظل مسألة تحول النشاط العصبي إلى فاعلية ذهنية وتمثلات، وهو تحول محيِّر ولغز كبير، إذ يتجاوز العقل (وهو جوهر- الدائرة المادية وإن كان يرتكز إليها، كما أن تحوّل الفاعليات العصبية إلى تفاعلات متبادلة-ارتدادية لا تجعلنا نفقه ما الذي يحصل بالفعل!!

فيتم إذاً حلِّ المرموزات والإشارات العصبية واحتسابها شموليًا، ثم يُعاد احتساب الاحتسابات المتشابكة، أي معالجتها على مستوى الكينونة أي الكليَِّة الدماغية، وكأننا نقول بمعنى آخر بأن المصطلح العام أو المجرد هو الذي يعالج المرموزات العصبية، إذ لا يتوقع أحد العثور على العقل في جزء من الدماغ أو في كليِّته لأن ذلك هو أشبه بتوقع كون المبرمج جزءًا من الحاسوب الآلي مثلاً، فالعقل فاعلية وليس مادة.

لا تُعفينا هذه التساؤلات من وصف وإدراك مفاعيل الفاعليات الدماغية المعقدة! إذ يبدو أن الجهاز العصبي والدماغي ينتجان مستويات أرقى وأسمى، إذ يحدث الدماغ تحولاً في مرموزات المعلومات لتتشكل مفاهيم ونظريات وآراء على نمط تمثلات وصور ذهنية، تنعقد فيها جدليات ومنطق رياضي بالإضافة إلى اللغة والمنطق الاستدلالي والاستقرائي .

إذًا تتجوهر المعطيات المادية الموضوعية وتنفصل معانيها متجاوزة الدائرة المادية وإن ظلّت ترتكز في الأساس إليها . ينشأ من الدماغ عالم ما فوق المادة يتكوّن من مفاهيم وعمليات احتساب عقلية ومنطق كما أسلفنا يستقل نسبيًا عن عالم المادة ليؤسس عالم النظريات والأخلاق وهو حقل يتأثر بالثقافة والاجتماع البشري .

يمكننا القول إذًا بأن المعنى يجوهر الموضوع ويتحول إلى منطق يسري فوق المعطى المادي ليؤسس عالم الأفكار والمفاهيم.

الذات والأنا ووحدانية المزدوج

يحدث الوعي الذاتي من التطور الأقصى للدماغ وفاعلياته، إذ تعمل المراكز المتخصصة كما ذكرنا على تبادل المعلومات وتلقّي الإشارات والمرموزات المتعددة. كما أن مليارات المشابك العصبية التي تترابط وتتواصل وتتداخل، تضعنا أمام معمل كهربائي-كيميائي هائل ومعقد مما يسمح بانبثاق ذهني محيّر، إذ أن الفكرة ترتد على ذاتها فتزدوج مع أنها تظل واحدة، الأمر الذي يعمل على مراقبة الفكر وضبطه من قبل النفس-الذات.

عندما ننظر في المرآة مثلاً يتم تعيين الذات حضورًا ، فالوعي تلقائي وفوري وحدسي ، ولكن ثمة شاهد مخفي يؤكد الوعي والحضور ، فالوعي الذاتي يعين الحضور ويخفي تجربة تأملية داخل الذات ، وهي تجربة فكرية ذاتية ارتجاعية . يٌبرز التفكير الذاتي الأنا ويموضعها في النفس-الذات وتتجلى خصائص الوعي الذاتي في التأثير الارتدادي على السلوك والكائن نفسه ، مما يمكنّنا من إجراء النقد الذاتي الذي يتفاوت بحسب الأفراد وتجربتهم الخاصة.

يُحدث الوعي إذًا تفكير الفكر في كل شيء ويؤسّس المراقبة النقدية والتأمل والإبداع.

تتطلب المعرفة بكل معانيها انقطاعًا أو فصلاً بين الذات العارفة وموضوع المعرفة، فلكي يتم الإدراك ينبغي وجود مدرِك ومُدرَك ، وبما أن الوعي الذاتي هو إدراك الذات لذاتها فهذا يعني أن الموضوع والذات يقعان في كينونة واحدة، لذلك كان لا بد من خلق فصل داخل الذات لكي يتحقق وعي الوعي، أي نشوء فاصل بين ذات وموضوع داخل الذات نفسها.

تتحقق المعرفة إذًا داخل الذات من ازدواجية الأنا-الذات وهي ازدواجية أصيلة وليست عارضة، وهنا يبرز العقل الداخلي الذي يحتسب ويدقق ويراقب الذات داخل الكائن الإنساني الحيّ ، وهو يسمح بمعالجة قوى النفس وميولها وسلوك الأفراد . إن العقل الداخلي هو مرآة الذات في علاقة جدلية حوارية .

إذًا ثمة في الذات-الأنا وحدة-ثنائية حيث:

- يؤكد الاحتساب الذاتي (التأمل) الوحدة (الهوية) من خلال حبكته المعلوماتية.

- ويعيّن التمايز أي الفصل (الثنائية).

- ثم يعيد الوصل بينهما أي يربط الحاكمية المحتسِبة بالكينونة المحتسبة أي الأنا-الذات، مما يشكل الكينونة المشتركة بينهما([7]).

تزدوج الذات إذًا ضمن وحدتها الأصلية (هوية-تمايز) إلا أن الرديف يحتجب ويتروحن (روح)، ويُستبطن ويبدو فاقدًا لصفته المادية([8]).

إن الرديف هو انعكاس للذات ولكنه محاور لها ومراقب، لذلك تشير الآية الكريمة في المصدر رقم (1) إلى ذلك لتؤكد وجود النفس-الذات ورديفها الذاتي المحاسب والمراقب.

إن ازدواجية الذات-الأنا هي ازدواجية فريدة وغريبة، ولكنها حاضرة ومؤكدة ، نشعر بها في كل لحظة ، إنها تكمن في الكينونة الكلية على شكل مثال (نموذج) عائم ومتوارٍ ولكنه يلازمنا دائمًا ويراقب سلوكنا وفكرنا ، يقع هذا الضمير في عالم ما فوق المادة ، يبدو هذا الرديف (المثال)  كعيننا الداخلية خارجيًا كشبح غير مرئي، ويعطينا إحساسًا ثابتًا بوجود ذاتنا فهو الأنا وشيء آخر مغاير، يتطابق معنا كطيفٍ جسدي لا يمكن إفساده ودائم الحضور ويفارقنا لحظة الموت.

يتأسس هذا النموذج-المثال في لحظة تكوين الذات ويتطابق معها وينفصل في آن معًا ، ويتشكّل من الموروث الإحيائي ويتغذى من الثقافة (المعتقدات والآراء)، وسواء كان التكوّن حلوليًا (نفخ الروح) أم انبثاقًا من المادة (التجوهر) فإن هذا الرديف النموذج يتعيّن ويحدث الأنا-الذات .

توكيد الذات وتحقيق الهوية

تفترض الذات بداية وجود الكائن الفرد، ولكن الفرد يستمد معناه من مفهوم الذات الذي يرتبط بدوره بانبثاق الوعي.

ويتحقق توكيد الذات من خلال احتلال مركز الأنا (الأنانية المركزية)، فالأنا عند المتكلم لا يمكن تقاسمها مع الغير، فلا يتميز الاختلاف عن الغير بالفرادة الوراثية والتشريحية والنفسانية بل يتعداه إلى وجود مركز للأنا حيث يتم توحيد ودمج كل تجارب الحياة ومركزتها دماغيًا وعاطفيًا([9]).

يبدو الإحساس بوجود الذات الفردية دائمًًا وثابتًًا، وهو إحساس يسبق اللغة والفكر ويترافق مع إدراك الوجود الخارجي المحيط بنا، وتؤدي عملية الإدراك والتعرّف على الأشياء الخارجية إلى حصول متغيرات داخلية في الجهاز العصبي الذي يحتسب وينظم المعلومات وينسقها الأمر الذي يضاعف الإحساس بالوجود الذاتي.

لا تنحصر الذات-الأنا في مركزية أنانية، بل إن شرط التذويت يشمل مبدأ التمايز عن الغير وتضمين الآخر في الهوية الفردية.

يظهر مبدأ الحدود كأصل ثابت في تكوين الأنا – الذات، فجسدنا له حد يفصله عن المحيط الخارجي ومن خلاله نتبادل ونتعارف ونشعر بالوجود، ومن خلاله تتغير تفاعلاتنا الداخلية وتوازناتنا المناعية والهرمونية والعصبية، فنقوم عندها بابتكار السلوك الملائم للظرف واللحظة.

إذًا ثمة حبكة معلوماتية مزدوجة تتحكم بذاتنا، الأولى تُفعّل ما هو من أجل الذات والثانية تُفعّل ما هو من أجل الغير، وقد نخضع مرة للأنانية ومرة أخرى للغيرية، وقد ندمج الاثنين معًا في حوار صراعي مستمر، لذلك رأى آلان ثورين في هذا السياق: "بأن الذات هي صورة يحصّلها الفرد بنفسه من خلال التبادلات اللغوية مع الآخرين، فنحن ذات من خلال التعرف على الآخرين ... وإن أيّ ذات لا يمكن تأكيدها إلا قياسًا على محيطها..."([10]).

يتغذى الإحساس بوجود ذاتنا الفردية من تاريخنا الفردي، وهو إحساس يستمر على الرغم من تغيّر ذرّاتنا وتفاعلاتنا الكيميائية، كما أن ذاكرتنا تحتفظ بالصور الذهنية منذ الطفولة إلى نهاية العمر، وما الإرادة الحرة إلا توكيدًا لاستمرارية الذات من خلال السلوك الحر.

تتأكد الأنا وتتعيّن في لحظة الكلام، حيث تحدّد كينونتها وتفعّل فكرتها عن ذاتها.

إذًا، مهما تعددت وتنوّعت التغيّرات الحاصلة أثناء النمو، فإنها لا تلغي ثبات الأنا وديمومتها، كذلك الوعي والشعور العميق بالذات اللذان يستندان إلى الذكريات والتجارب الداخلية الواعية واللاواعية.

 يستوي الوعي كسمة إنسانية داخلية على تقاطع التوازنات الجسدية الداخلية التي تحافظ على استمرارية الحياة العضوية، مع فاعليات إدراكية تترجم الترسيمات العصبية الداخلية لتشكيل الواقع الخارجي.

يعمل الاحتساب الداخلي-الذاتي بما هو سيرورات إحيائية داخلية على إحداث حالات ذاتية حسية وفكرية، أي أن الفاعلية العصبية تدمج المعطى الخارجي مع الحياة الداخلية الذاتية مما يولّد الذات الواحدة ويؤكّدها أو يولّد إحساسًا ذاتيًا بوعي الوجود والكينونة.

إن السيرورات الداخلية الواعية تستند إلى احتسابات معقدة ومتشابكة في المنظومة العصبية وهي تلقائية وموروثة ولا واعية إلا أنه لا يمكننا فهم وإدراك التجربة الواعية إلا من خلال تقرير يضعه الكائن الفرد نفسه الذي يعيش هذه التجربة، فالتقرير إذًا يمكن تقاسمه مع الغير عبر اللغة والاتصال الشفهي، وبما أن الاحتسابات هي في مجملها لا واعية، "لذلك نشعر أننا في لحظة الكلام، كأننا نسمع صوتًا داخليًا ينص علينا المفردات والكلمات"([11]).

تتكون الذات الفردية من أصل ثابت ودائم وموروث لا يصله وعينا، ثم ترفده التجارب المعاشة والتاريخ الفردي وذاكرتنا مع ما تحمله من صور ذهنية، التي تشكل وعينا متى استحضرناها وتفاعلنا معها حيث تثير فينا انفعالات وأحاسيس تحدد هويتنا وكينونتنا الشخصية، يبرز من هذه السيرورات وتداخلها وتركيب مستوياتها وحاكمياتها إحساس بالوجود الواعي.

ويُلخّص أنطونيو داماسيو هذه السيرورات كما يلي([12]):

"1- ما يسبق - الذات: وهو مجموعة التصويرات العصبية المتناسقة التي تمثل حالة الجسد على مستويات متعددة في الدماغ، ولكننا لا نعيها.

2- الذات -المركزية: وهي تلازم التقرير غير الشفهي الذي يحدث كلما بدّل شيئ ما خارجي أو أحدث تغييرًا في حالة جسدنا .... وإننا نعي هذه الذات المركزية.

3- السيرة التاريخية -الذاتية: وهي سيرة تتشكل من ذكريات تجاربنا التاريخية وتتمظهر على شكل صور ذهنية- تنمو وتتطور يوميًا لتحدد ملامح شخصيتنا وهويتنا... كما أنها تؤدي إلى وعينا الذاتي- المركزي".

نخلص إلى أن مسألة الذات والهوية معقدة وشائكة، وتستدعي الإلمام بسيرورات فردية - تاريخية - ذاتية - وثقافية - اجتماعية.

فالذات تنبثق من هذه السيرورات عبر احتساب الاحتسابات المتعددة وحبكاتها المعلوماتية المتنوعة([13])، ويمكننا إيجاز ذلك بما يلي:

1-       تشمل عملية التذويت (تكوين الذات) وجود نواة مركزية ذاتية موروثة، يضاف إليها تجاربنا الشخصية وذاكرتنا الذاتية.

2-       إن المعرفة الذاتية أي الوعي الذاتي وتوكيد الذات هما انعكاس لشعور مستمر بالوجود يلازم الكينونة، كما أن الذات تحتسب ذاتها وما هو محيط بها، فالكائن يدقّق ويقدّر ويفترض.. إلخ، وتعمل حواسه وخلاياه العصبية بالتشارك حيث تربط المنفصل وتفصل المرتبط، والاحتساب ذاتي ولمصلحة الذات وقياسًا عليها.

3-       وبما أن المعرفة تشترط ذاتًًا وموضوعًًا، لذلك كان لا بد من إحداث فصل داخل الذات نفسها بحيث تزدوج، فيمكنها عندئذ أن تدرك وتعي ذاتها، فالذات تتطابق مع الموضوع وتتمايز عنه في آن معًا.

وعندما يستحيل الفصل داخل الذات، ويظل الموضوع والذات متطابقين تمامًا دون تمايز، يصعب عندئذ الضبط والرقابة وتحديد الأبعاد بين الذات وخارجها، وينتج عن ذلك اضطرابات نفسية وسلوكية كالذهان والاغتراب والشرود الذهني.

4-       أما النظرة الاختزالية فإنها تحوّل الكائن -الفرد إلى مجرد آلة تحتسب ذاتها فقط فتعزله عن محيطه بدليل غريزة البقاء وهي فردية بامتياز .

إن غريزة البقاء غير كافية، ولا يمكننا عزل الفرد عن محيطه الكوني بكل مكوناته وأبعاده، فالذات هي فرد كائن يضاف إليه محيط ثقافي واجتماعي.

فالإنسان الفرد يملك بشكل متكامل ومتعارض الأنا والغير، وليس الآخر مجرد صدفة، بل إنه يتعيّن في العلاقة بين الذات والمحيط كضرورة حيوية وتكوينية للذات نفسها.

لذلك يبدو النموذج القائم على الفردنة المطلقة في هذا السياق كانحراف نفسي واجتماعي، يؤدي إلى الاضطراب العاطفي والانفعالي، حيث الشك الدائم والوحدة القاتلة والكآبة التي تؤدي أحيانًا إلى الانتحار.

الدماغ والنفس

ما هي النفس؟ هل هي الروح؟ وكيف تظهر في المادة؟ وهل هي جوهر يحلّ في المادة؟ أم انبثاق من الكلية العصبية في لحظة الحياة والنشاط الإدراكي والذهني؟

إنها أسئلة كبرى قد لا نتمكن من الإجابة عليها! ذلك أن موضوع النفس قد تناوله الفلاسفة والعلماء منذ أقدم العصور، وهو ما يزال يشغل حيّزًا واسعًا من الفكر الفلسفي والعلمي، ولسوف يظلّ لغزًا محيّرًا وسرًا كبيرًا لا يفارقنا حتى نهاية العمر.

ولكننا سنحاول الإضاءة على جوانب أساسية في هذا الموضوع وفاقًا لما توفر لدينا من معارف علمية ومعلومات موثقة، لعلنا نهتدي إلى كشف بعض من غموض النفس وقواها.

لا بد بداية من توضيح مفهوم النفس (Esprit)، نجد في المعجم مرادفات متعددة منها: الروح، الطيف، النفحة، الفكر، التأمل، العقل، الذهن... إلخ، ولا يخفى على القارئ بأن القاسم المشترك بين كل هذه المرادفات هو الفاعلية المفكرة، أي الفعل العقلي- الذهني الذي يتجوهر في المادة والذي يتميز بواقع غير مادي، أو عائم فوق المادة.

إن الدماغ والجهاز العصبي هما آلة تحتسب وتعالج المعلومة الواردة من الخارج (المحيط الخارجي)، ومن الداخل (الصور الذهنية والتوازنات الداخلية للجسم) وهما ينظمان العمليات الإدراكية والسلوكية للكائن البشري، إنهما أشبه بحاسوب هائل شديد التعقيد.

تتجلّى النفس (الفكر) كفاعلية روحية تستند إلى الفاعليات الدماغية ولكنها لا تلبث أن تنفصل عنها باستقلالية ضمن علاقة حوارية حيث تتخذ السيرورات الاحتسابية شكل التأمل والتفكير واللغة والمعنى والقيمة، وحيث تكمن ظواهر الوعي. وإذا كان الاحتساب الدماغي يتطور إلى وعي الذات إلا أن الذات تجهل في الحقيقة السيرورات الداخلية اللاواعية، فثمة بعد غامض وغير شفاف يفصل احتسابنا الدماغي عن الكلية العضوية للكائن (النفس).

وإذا كان الفكر يتطلب وجود كائن-ذات  يحتسب لذاته، فإنه لا يتمظهر إلا عبر قواعده المنطقية واللغوية التي تتعالى بالأفراد، فثمة شيء في الحقل الروحي يخترق الدماغ والفرد معًا ويتعالى بهما، وعلى ضوء معارفنا الحالية فإننا لا نملك رؤية واضحة لطبيعة العلاقة بين النفس والدماغ، إن لم تكن تلك الوحدة - الثنائية حيث يتجلّى تكامل وثيق بين كينونات مادية (دماغ،جسم) وكينونات غير مادية (معلومات، رموز، عقل).

إن الحديث عن تطابق الدماغ والنفس أي وحدانيتهما أمر يعتوره التباس وتناقض، فالنفس وإن تكن ذات منشأ مادي إلا أنها تتجوهر وتتطور نوازعها وقواها باستقلالية وتؤثر عكسيًا على الدماغ والجسم كله.

ولكننا لا نستطيع بالمقابل دحض الارتباط المؤكد والوثيق بينهما، إذ يظهر أن علاقتهما متأصلة منذ الخلق، وهي تنمو وفق المورّث والتربية والثقافة، كما أننا نستطيع تحويل أو إلغاء أو تعديل بعض قوى النفس وميولها وصفاتها من خلال التأثير الكيميائي أو الكهربائي أو التشريحي للدماغ. وقد نستطيع إلغاء الوعي أو تحويله من خلال جروحات دماغية أو استئصال منطقة معنية من الدماغ أو عقاقير مخدرة، ويمكننا إثارة مناطق محددة كهربائيًا أو كيميائيًا فتحدث رؤى وهلوسات وأحاسيس متنوعة وانفعالات مما يشير إلى أن قوى النفس تتعدل وتتحوّل ماديًا بفعل المؤثرات الخارجية أو الداخلية، فلقد بات معلومًا أن حالة الاكتئاب مثلاً ذات صلة بنقص مادة السيروتونين في المشابك العصبية الدماغية، ولكن المدهش هو أن كل هذه التعديلات والتحولات لا تلغي إحساسنا العميق بالوجود الحي.

إلا أن المسألة الأهم هي ما تشير إليه التجارب والوقائع في أن كل ما يطال النفس وقواها من تحولات أو تبدلات يطال الدماغ وفاعليّاته والجسم كله من خلاله، فالحزن المفرط والأسى أثناء مأتم أو حالة اكتئاب خطير تضعف كلها منظومة المناعة لعدة أشهر، كما أن الآلام النفسية قد تحدث أمراضًا جسدية والرياضة الروحية (اليوغا) قد توقف نبضات القلب، والتنويم المغناطيسي يمكنه إحداث اضطرابات فيزيولوجية.

ولا شك بأن الإيمان العميق بالعقائد الدينية والمعاناة النفسانية العميقة قد تشفي من المرض أو الموت، والمحرمات والسحر واللعنات قد تقتل، والمعجزات قد تشفي، والعلاج البديل أظهر فعاليته عند ثلث المرضى([14]).

يمكننا أن نستنتج من كل هذا بأن العلاقة بين الدماغ والنفس هي علاقة ارتباط دائري وتفاعل متبادل، بحيث يتأثر المسبّب بمحصلته ارتجاعيًا.

ولكن هذا الارتباط العميق بين النفس والدماغ هو أصيل كما ذكرنا سابقًا، بحيث لا يمكن للنفس وحدها أن تفّسر الدماغ، والدماغ لا يمكنه وحده أن يفسّر النفس، فهما يحتاجان إلى بعضهما البعض، فالدماغ يحتاج إلى الفكر (النفس) لكي يعبّر عن نفسه، والفكر يحتاج إلى الدماغ لكي يعبّر عن نفسه، تؤكّد الحاجة المتبادلة بينهما إذًا الارتباط والاختلاف والتماثل والتمايز والتساوي بينهما في الوقت نفسه.

التمثيل الذهني

التمثيل الذهني فاعلية فكرية - نفسية عصبية تعيد تركيبًا إدراكيًا للموضوعات الخارجية، وهو تركيب يتصف بالثبات والتناسب والتناسق، فلقد رأى أنطونيو داماسيو: "بأن التصورات الذهنية تمثل شيئًا خارجيًا بشكل ثابت ومنسجم"([15])، فالصور الذهنية المنطبعة في النفس تعكس بشيء من الأمانة واقعية الشيء الخارجي، إن ما يحصل بالتحديد هو إعادة تشكيل الواقع الموضوعي في التصويرات الذهنية للكائن، وهذا ما كان قد ذهب إليه لوك([16]) في قوله: " ثمة مصدران لمعارفنا كلها وهما الانطباع الذي تحدثه الموضوعات الخارجية على حواسنا، والإجراءات التي تحدثها النفس في هذه الانطباعات". ولكن هذه الصور الذهنية وإن كانت تعبّر عن واقع خارجي فإن الدماغ هو الذي يعيد بناءها أما الفكر (النفس) فإنه ينشئ المفاهيم والمجردات من هذه الصور، كما أن الدماغ يمكنه أن يخلق تمثيلات داخلية ذهنية غير مرتبطة بالعالم الخارجي.

يساهم الدماغ في تشكيل الصور العصبية –الذهنية حيث يصنع ويرسم آثار التفاعل مع المحيط الخارجي في المسارات العصبية المتراتبة والمتخصصة، أي أن الفاعليات الإدراكية ترسم تمثيلات ما لخصائص الأشياء الفيزيائية، وتصور أيضًَا أنماط الاستجابات العصبية والجسدية، ومن خلالها يتم إنشاء الصور الذهنية الداخلية، ولكن التمثيل الذهني ينتج صورًا من طبيعة تختلف عن الصور المادية التي تنطبع في الخلايا العصبية نفسها، لذلك يتم الإدراك من خلال ترجمة التصويرات العصبية إلى مدركات ومفاهيم في المناطق الدماغية المتشابكة ببعضها البعض، إننا ندرك الموضوعات الخارجية من غير شاشة وبشكل تلقائي بوصفها موضوعات لأشياء واقعية، تقوم النفس في هذا السياق بالتمييز بين الصور خارجية المنشأ والصور داخلية المنشأ.

تحلل الآلة الدماغية الموضوع الخارجي وتفككه وتبدله ثم تعيد تركيبه وتشكيله لتبني مثيلاً ذهنيًا له.

أما الذاكرة فهي انطباعة للأحداث في الدماغ تتخذ هيئة الصور الذهنية والمفاهيم المجردة، لذلك يرى لانسلي:" بأن انطباعات الذاكرة تتموضع في أماكن مختلفة ومتعددة من الدماغ، كما أن استحضارها يتم في الأماكن نفسها" ([17]).

إن الصورة الذهنية هي من أشياء الذاكرة وهي مستقلة أو تصبح مستقلة وعابرة، إلا أن استدعاءها لا يتطلب تفاعلاً مباشرًا مع الوسط الخارجي حيث أن استقلالية الصورة تنتج من وجود تزاوج بين الخلايا العصبية وخارطتها الثابتة في الزمن والمتواجدة مسبقًا قبل استدعاء الصورة.

إن ما تختزنه الذاكرة هو الاحتسابات التي أحدثت التمثيل الذهني أو الصورة لحظة الإدراك وليس التمثيل بحد ذاته، كما أن استدعاء الصور الذهنية يتحصّل من إعادة احتساب الاحتسابات السابقة، فالانطباعة في الذاكرة هي احتساب وليس تسجيلاً.

إن المعرفة بحد ذاتها مدونة في الدماغ والأعصاب كمجموعة من الاحتسابات، فالمعرفة إذًا هي معرفة الاجراءات والتفاعلات التي تؤدي إلى المعرفة لذلك قد نفهم كيف أن بعض الصور الذهنية تتداخل وتتشابك وتتدافع وتتقاطع لحظة استحضارها من الذاكرة، وذلك لقربها أو مجاورتها لصور  أخرى (أي أماكن احتساباتها).

روحانية النفس والفكر

يمكننا القول بل الجزم بأن علاقة الدماغ بالنفس والفكر هي علاقة معقدة ومركبة، وتتحدى أي مفهوم قد نصوغه حولها، فهي علاقة بين مادة (دماغ -جسم) وقدرات وطاقات غير مادية (جوهر -نفس - روح)، ثم إن مفهوم المعلومة أو الرمز يعتبر اصطلاحًا عقليًا، إذ أن واقعه غير مادي ولا يمكن اختزاله بالكتلة أو الطاقة، كما أننا نعقل مفهوم التنظيم أو النظام كمفهوم علائقي تجريدي-ذهني أي ظاهرة لا مادية، فهو ذو ماهية عائمة فوق المادة وتخص الفاعلية العقلية.

عندما يرتقي الاحتساب الدماغي إلى مستوى التأمل أي إلى مرتبة التفكير الذاتي، فإنه يدخلنا في عالم مميز ومختلف حيث يتعالى الأصل المادي للفكر ويتضح الالتباس بين أصل النفس (المادي) وقدراتها (اللامادية)، فعملية التجوهر هي اللغز والسر الكبيران، مما جعل إدغار موران([18]) يعتقد بأن السر هو في الفائض الدماغي أي القدرات العقلية والاستعدادات الذهنية التي تفوق الحاجة إليها للتكيّف مع المحيط الخارجي، فالإبداع البشري يتخطى الحاجة العملية ليصل إلى مرتبة التعالي على المادة والوجود.

لا بد من الإشارة في هذا السياق بأن الوعي والتأمل هما من ضروريات الحياة واستمرار البقاء، إلا أن القدرات الإنسانية العقلية والشعورية والأخلاقية تفوق متطلبات الحياة الأساسية بكثير وبشكل يدعو إلى الحيرة والدهشة.

ولا شك بأن الحقل الذهني يشمل حاكميات ومستويات فكرية متعددة منها الاستبطان الذي يعتبر حركة الفكر في الفكر أو وعي الوعي... ([19])، فالاستبطان يساهم في جعلنا نعي وجودنا ويجعل الأنا تدرك ذاتها.

ثمة شيء في الحقل الذهني والفكري ينطلق من متغيرات في الجهاز العصبي والدماغ ولكنه لا يلبث من أن يستقل ويعوم فوق المادة ثم يعود ليؤثر على عملياتها الاحتسابية، فالفكر مثلاً يسبق اللغة في الزمن، والكلام يوضح المعنى والسياق المطلوبين من الفكرة.

نخلص إلى ما يلي:

1- إن الوعي والنفس والعقل هي مفاهيم غير مادية ..... التي تتصل بل تنبثق من سيرورات مادية وتحولات فيزيائية وكيمائية.

2- إن العقل الناظم الأحيائي غير مادي ولكنه يرتبط بالمادة.

3- إن الفاعلية الدماغية قد أحدثت أو أظهرت قوى النفس من خلال فاعلياتها الإدراكية التي يعاد توليفها من خلال الكائن بكليته حيث تكمن النفس وتقوم بدورها المبدع.

4- تبقى المشكلة الأساسية وهي عدم التجانس الحاصل بين المثيرات الفيزيائية الواردة من المحيط الخارجي، والنقل الكهربائي والكيميائي بين الخلايا العصبية والصور الذهنية والتمثلات الإدراكية، ثم عملية المطابقة بينها وبين الواقع الفعلي والروحانية واللامادية للأفكار والكلمات.

إن القضية هنا هي ترجمة ومعالجة للمعلومة وليس نقلاً للطاقة كما هي، ذلك أن الإدراك كفاعلية احتسابية يقوم على:

1- إنه يستند إلى متغيرات مادية واختلافات وتمايزات فيزيائية خارجية، فلو انعدمت هذه المتغيرات والاختلافات والتمايزات في الطاقة والكتلة في المحيط الخارجي لاستحال الإدراك، إذ يمتلك الكائن الحي العضوي مستقبلات حسية تستطيع التقاط أو تلقي هذه التغيرات والمتشابهات والثوابت والاختلافات وترمزها وتترجمها وتحولها وتنقلها إلى متغيرات واختلافات من نمط آخر.

 3- ترمّز الخلايا العصبية المقادير الفيزيائية وليس طبيعة المدركات نفسها.

4- تُجري الفاعليات الدماغية وحاكمياتها الداخلية احتساباتها على كافة المستويات والمناطق حيث تتواصل وتتصل وتتناسق، ثم تعمل على رسم الصورة النهائية للمدركات من خلال الحبكات المعلوماتية المتنوّعة والقوالب والترسيمات المسبقة التي تعيد ضبط وتوليف الظواهر الخارجية والأشكال والألوان والكينونات على رغم تغيّرها في الزمن والبعد.

5- تقوم الكينونة الكلية على ضبط وتنظيم هذا الايقاع والتنسيق، والكينونة هي كل هذا وشيء آخر لا تحديد له ولا موقع خاص له، إنها  النفس مادية الولادة وجوهرية الاستمرار والفاعلية.

الحلم

ما زال الحلم بوصفه فاعلية نفسية - ذهنية يشكل لغزًا وسرًا كبيرين منذ أقدم العصور، ولقد عمل الإنسان جاهدًا على سبر أغواره وتأويله لعله يجد معنى لتعاقب أحداث وتداخل صور ذهنية، متناسقة أحيانًا وعشوائية أحيانًا أخرى، وتبعث كلها على الدهشة والذهول والانسحار.

وفي مقاربة موجزة للحلم والهوام والهلوسة نجد أن القاسم المشترك بين هذه الكينونات الذهنية هي حدوثها في غفلة الوعي أو بغيابه وهي ترتكز على:

1- سيرورات تركيبية للاحتسابات المتعددة التي تخص صورًا ذهنية نستحضرها من الذاكرة.

2- تترافق مع الرغبة أو الخوف من شيء ما.

3- تجاور صورًا أخرى ذهنية أي مناطق احتساباتها.

4- تبدو هذه الكينونات وكأنها تتطابق مع الواقع الفعلي الخارجي.

5- تعبّر عن إثارات عصبية داخلية وليست خارجية.

إن الفاعلية النفسية أو الفكرية تحقق التمييز بين الإدراك الحسي الفعلي والكينونات الذهنية المذكورة من خلال التأمل الفكري فيما هو واقعي وغير واقعي.

فما هو الحلم؟ وهل هو من فعل النفس المنعتقة من ظوابط الوعي؟ أم أنه شيء آخر؟ وما هي حقيقة هذه الصور الذهنية الملونة التي ترد أمامنا في الأحلام كسرديات روائية؟

يرى مالينوفسكي: "بأن ذكريات الأحلام قد تكون في أصل الاعتقاد بوجود الروح أو النفس التي تختلف عن الجسم"([20]).

بينما ذهب فرويد إلى اعتبار الأحلام تمظهرًا للرغبات المكبوتة بشكل مقنّع، وربطها بالغرائز الجنسية وتجديد الطاقة.

ينتج الحلم عن إثارات هائلة عشوائية وفوضوية في المسارات العصبية للجذع المخيّ، ولكن نظامًا ما يفرض نفسه في النهاية، يتحصل من فعل الذات النفس أو من البيئة -الذهنية، ويتشكل نظام الأحلام في سرد متناسق يعتوره تشويش وتداخل هوامات وغموض أحيانًا.

ويرى إدغار موران في تعريفه للحلم: "بأن الحلم الإنساني لا يحتوي على قالب واحد بل قوالب متعددة... كما أنه عبارة عن مزيج من الفوضى واللافوضى، ولكنه يشكل خطابًا متناسقًا يتعرَّض لتشويش دائم من قبل خطابات أخرى..." ([21]).

يجمع علماء الأعصاب بأن التعقيد والتركيب المتزايدين للجهاز العصبي يترافقان مع زيادة فترة الأحلام، التي ظهرت مع ظهور الكائنات ذات الحرارة الثابتة، وأن الأمان ضروري للحلم.

وتشير التجارب والدراسات حول الأحلام بأن آلياتها وبنياتها الحسيّة هي:

1-              إثارة عصبية شديدة ومتواترة في معظم الخلايا العصبية وصولاً إلى الخلايا الحركية والبصرية.

2-              اشتغال منبّه كهربائي (Pacemaker) في الجذع المخي يتصل بالدماغ الخلفي البصري.

3-              تثبيط الألياف الحركية، بحيث يصاب النائم بالشلل، فالنوم شرط أساسي للحلم.

ولقد أدّت الأبحاث العلمية إلى تعزيز الفكرة التي تقول بأن للأحلام وظائف فيزيولوجية على الأقل وإن ظلت موضعًا للشك وهي:

‌أ-                 قد تعمل على تعزيز وتثبيت بعض المسارات العصبية للبصر والذاكرة والتعلّم.

‌ب-            تعزيز نشاط المسارات والمشابك العصبية التي تفتقد إلى الإثارة الحسية لمستقبلاتها بعد الولادة([22]).

‌ج-              ثبات وديمومة بعض المشابك العصبية حيث يعمل الحلم على تعزيز البنيات التي لم تستخدم بفعالية أثناء اليقظة.

‌د-                جعل البرمجة الوراثية تؤمّن ثبات وظائفها.

‌ه-                 تفعيل السمات الوراثية للمزاج الفردي أي تحقيق دائم ومستمر لفردية الفرد من خلال الصور الذهنية الخاصة بالفرد.

يبرز في هذا السياق السؤال الكبير وهو لماذا يستمر الحلم في الظهور عند البالغ، الذي تغلب فيه عناصر البيئة والمحيط الخارجي على العوامل الوراثية؟ قد يكون الجواب هو احتمال وجود تفاعلات بين المحيط الخارجي وبعض الدوائر العصبية المبرمجة وراثيًا، هذه التفاعلات التطورية التي تملك قيمة كبيرة في التكيف البشري، قد تحدث أثناء الحلم ويتم تعزيزها.

يتشكل الحلم غالبًا من تقاطع مركب لمقالات وسرديات إبداعية لا تخلو من الغرابة أحيانًا، إنه عبارة عن صور ذهنية تعبّر عن أحداث مركبّة، وقد يكون تثبيت البرمجة الوراثية أحد وجوهها، أما الوجوه الأخرى فهي روايات تعمل على متابعة وإنجاز مقالات تكون قد كسرت ولم تنجز أثناء اليقظة، أضف إليها تطفل عشوائي تشويشي من قبل المشابك العصبية، وأمام هذه اللوحة الذهنية التي يتقاطع فيها العشوائي والمتناسق تبدو الأحلام صورًا غامضة تستدعي الربط المنطقي وإعادة التركيب والتأويل.

وإذا كان العالم بوظائف الأعضاء يستطيع تحديد سبب الوظيفة العضوية وغايتها، فإنه أمام الحلم لا يعلم سببه ولا وظيفته([23]).

كما أنه لا يعلم أسباب مدة الحلم الزمنية، ما يزال العلم حتى الآن يجهل السبب الذي يجعلنا نملك دماغًا ينام ويحلم، قد نعلم كيف يتم ذلك ولكننا لا نعرف لماذا!! خاصة وأن التجارب التي أجريت على أفراد حرموا من النوم والأحلام لم تُظهر أي تبدلات في السلوك الدماغي أو العضوي تذكر.

وإن يكن بإمكاننا عرض بعض التأويلات المحتملة وهي:

1-              الإضاءة على بعض الهوامات الواعية لتعزيزها في المسارات العصبية.

2-              الإضاءة على بعض الأفكار الملازمة، والعمل على تحقيقها في روايات إبداعية.

3-              الإضاءة على الرغبات المكبوتة لتحقيقها في الحلم.

4-              تحقيق وإنجاز الحلول لبعض المشاكل العالقة التي يمنع الوعي حلها.

5-              تحقيق سلوك مرغوب فيه ولكن بشكل مموّه ومرمّز.

6-              تجميع المخزون المشتّت في الذاكرة، ووضعه في سرد روائي واضح.

7-              إعادة بعض المسارات المهملة وتعزيزها في الذاكرة أو تثبيت بعض الوقائع التي تحصل أثناء اليقظة ووضع الحلول لها، ولا تخلو هذه الحلول من الإبداع كاستشفاف المستقبل والتنبّوء بالأحداث القادمة.

8-              ارتباط بعض الأحلام بالحالات الفيزيولوجية الباطنية أثناء النوم.

لا تستوي الأحلام على وتيرة واحدة، وتتعدد خطاباتها ورواياتها، لذلك سوف يبقى مضمونها لغزًا وسرًا كبيرين، يعود للحالم تأويلها وربط أحداثها بتاريخ الفرد ومعاشه وذكرياته، لذلك كانت هذه المسألة مصدر غنىً للمخيلة الإنسانية المبدعة التي تلجأ إلى شتى أنواع التأويلات الوجيهة وغير الوجيهة، حيث تستعين بالثقافة والمعتقد والإيديولوجيا.

الحلم إذًا أناني بامتياز، لا يمكن تقاسمه مع الآخرين، ويعود إلى الذات الفردية وحدها، فالمشاعر والأحاسيس والانفعالات المثارة في الأحلام تخصّها وحدها، وهي التي قد تستطيع فك الرموز والصور الذهنية وتحليل الرواية واكتشاف منطقها الداخلي إذا كان ثمة منطق داخلي!!

يغيب الوعي في الحلم وتتفاعل المكبوتات والرغبات على أنواعها كما الاهتمامات المخنوقة في الذاكرة والأسئلة الحائرة التي تبحث باستمرار عن إجابات طال انتظارها.

نخلص إلى أنه قد يكون الحلم سياقًا تتم فيه تعزيز البرمجة الوراثية والتعلم أي الاكتساب المعرفي كما يرى هنري أتلان:"إذ قد نستطيع أن نجد تفسيرًا لآليات وغائيات الأحلام أثناء النوم، حيث نجد تزامنًا ناشطًا لمجموع الخلايا الدماغية... ويمكننا تفسير ذلك وكأنه عودة إلى حالة الفوضى أو الحشو الأساسي الكبيرة جدًا، إذ أن القدرة الكامنة على الاكتساب المعرفي تنقص تدريجيًا كلما تعلمنا أو اكتسبنا، فينبغي عندئذ إعادة شحن القوالب والترسيمات الدماغية بشكل ينتج استمرارية التعلم ومتابعته على الدوام"([24]).

إن الفوضى الهائلة وعشوائية الصور الذهنية التي تتداخل أثناء الحلم، قد تكون غايتها إعادة شحن قدراتنا المعرفية والإدراكية الكامنة وتجديدها، وبما أن القوالب الإدراكية والترسيمات المسبقة متخصصة في الربط – والفصل- والتحليل والتفكيك وإعادة الربط، فإننا قد نفهم معنى السرد الروائي في الحلم!!

لذلك سوف يظل الحلم لغزًا يحجب المعنى الفعلي، ولنا نحن أن نقول فيه ونأوله كما نشاء وفاقًا لرغباتنا ومعتقداتنا وآرائنا.

الثقافة والنفس

يمكننا تعريف الثقافة كميزة خاصة بالمجتمع الإنساني بأنها مجموعة المعارف والعادات والتجارب المعاشة والذاكرة التاريخية والمعتقدات الدينية والأسطورية التي تخص هذا المجتمع، وتنتقل الثقافة عبر التواصل بين الأفراد من خلال اللغة والطقوس والقواعد التي تنظّم المجتمع، والتي تحكم سلوكيات الأفراد وتشكّل عنصر لحمة المجتمع وترابط الأفراد والجماعات.

يرتبط الفكر كقوة نفسية بالدماغ من خلال الاحتساب والتأمل والوعي، بل يمكننا اعتبار الفكر تحديدًا محصّلة الاحتسابات والتأملات والوعي، إلا أنه يحتاج إلى الثقافة كعنصر ضروري وأساسي لمظهرة الفكر من خلال اللغة والمنطق حيث تُبرز النفس اندفاعاتها وميولها.

يستند الدماغ في إدراكه إلى ذاكرة وراثية ومبادئ ناظمة للمعرفة تؤطّرها الثقافة، إذ يكتسب مع النفس ذاكرة فردية عبر التجارب اليومية فيدمجان ويستبطنان المبادئ والقواعد الثقافية والاجتماعية الناظمة للمعرفة.

إذًا يدرك الإنسان منذ ولادته من ذاته ولأجلها وقياسًا عليها، غير أنه يدرك أيضًا من خلال مجتمعه، أي ثقافته.

تتغذى المعرفة الإنسانية من ذاكرة إحيائية وذاكرة ثقافية تتقاطعان في ذاكرة فردية لتُشكّلا معايير داخلية وثقافية - اجتماعية.

فعلى عكس الحاسوب الآلي يشتمل الحاسوب البشري على ذاكرة متعددة ومتنوّعة حيث يخضع ويأتمر لحبكات معلوماتية متراتبة ومتداخلة ومتلازمة.

تقوم الفاعليات الإدراكية الإنسانية على حوارية تبادلية بين حاكميات احتسابية وحبكات معلوماتية مختلفة دماغية - احيائية وثقافية - اجتماعية.

ولكن الحبكات المعلوماتية المتنوّعة تتداخل وتتعارض وتتكامل وتتنافس، لذلك كان الإدراك الحسي للأشكال والألوان والأشياء والكينونات يتمّ في تقاطع الترسيمات الغريزية مع الترسيمات الثقافية المكتسبة للإدراك.

تخضع الفكرة مهما كانت صغيرة وهامشية إلى معالجة ومساءلة دماغية - احيائية وفردية تاريخية تصدرها بعد إخضاعها لمراجعة دقيقة للحاكمية الثقافية -الاجتماعية، فلا يعقل السلوك الإنساني إلا ضمن هذه التعددية المتلازمة للحاكميات المعرفية.

إننا نعتقد في هذا السياق بأن الحرية الفردية للفكر تكمن هنا بالذات أي في تعددية الحاكميات وتبادلاتها المعرفية وحوارياتها، فكلما كانت الحاكميات المعرفية متنوعة ومتعددة كلما كان بإمكان النفس ابتداع الفكر المتميّز من كثرة الإمكانيات المتاحة والتركيبات المحتملة واستنباط الفكر الفردي الخاص.

الحرية ممكنة لأنه ثمّة فسحة وانقطاعات وثغرات بين الحاكميات الفردية والثقافية والاجتماعية، ويستطيع الفكر (النفس) بالتأكيد استخدام إمكانياته المختلفة وإبداعه عندما تكون الثقافة تعددية وحوارية منفتحة، أي عندما تتعدد الثغرات في المحددات الثقافية لتضاعف اتساع مروحة الإمكانيات الفكرية والمعرفية.

لا شك بأن الفكر يرتكز في استقلاله النسبي على حبكاته المعلوماتية وعلى مرونة الثقافة من خلال متحركيات المشابك العصبية ومرونة إمكانياتها، وهي مسألة تتعلق بالتربية والتعليم وطبيعة الثقافة نفسها، فكلما كانت متحركيات المشابك مرنة وغير قاسية، كلما كانت المثاقفة ممكنة والتفاعل والحوار مع الآخر سهل التناول وشديد الاحتمال.

نشير في هذا السياق إلى أن السلفية الإسلامية في بعض وجوهها تتسم بالجمود العقائدي والقساوة التأطيرية التي قد يكون مردها إلى عدم إخضاع الفكر للحبكات المعلوماتية المتعددة، بل الاكتفاء بالحبكات الثقافية الصارمة التي تقوم على التلقين القاسي وتلغي الحبكات الفردية وتاريخيّتها، أي أنها تستنبط مسلكياتها من بُعد واحد وليس من كل الأبعاد والمحددات المعرفية الإنسانية المتعددة.

الخلاصة

تتجوهر النفس البشرية وتتعالى بالذات وبالمادة، وتمثل قمة تطور وارتقاء الفاعليات الإدراكية الدماغية. ثمة روحانية تسري إذًا في الخلايا والدماغ، فالكم الهائل من الاتصالات والسيالات العصبية والسيرورات الممكنة تؤدي كلها إلى انبثاق شمولي لكينونة تعوم فوق المادة وتؤثر فيها وتستقل عنها.

وسواء كانت النفس تنشأ من المادة! أم تحل في الجسد، فإنها تفارقه لحظة الموت! وهي إما أنها تموت معه وإما ترد إلى عالم مغاير، وفي كل الأحوال فإن القدرة الإلهية المتعالية تسترد النفوس حين موتها وتعيد إحياءها كما أنشأتها أول مرة.

ــــــــــــــ

([1]) لمزيد من التفصيل، انظر: عالم المعرفة، (هل نحن بلا نظير)، العدد 323 /2006، ص77-83.

([2]) حول هذه النقطة، انظر: عالم المعرفة، (المخّ البشري)، العدد 287 / 2007، ص29 إلى 59.

([3]) انظر: مقالة المؤلف المذكور في كتاب بالفرنسية: وحدة الإنسان-الدماغ، ص59، منشورات سوي 1974م.

([4]) المصدر رقم (2)، ص155.

([5]) المصدر رقم (2) ص 196.

([6]) انظر ديريك دانثون في كتابه بالفرنسية بزوغ الوعي، منشورات فلاماريون 1993 ص24.

([7]) حول الاحتساب والتأمل، راجع مقالنا المترجم في رسالة النجف العدد 12/ 2008 ص109.

([8]) لمزيد من التفصيل انظر : كتاب إدغار موران بالفرنسية، معرفة المعرفة المنهج 3، ص195، منشورات سوي 1986م.

([9]) لمزيد من التفصيل انظر كتاب ادغار موران بالفرنسية، إنسانية الإنسان المنهج 5، ص78-79، سوي 2001م.

([10]) راجع كتاب آلان ثورين بالفرنسية ، نقد الحداثة، ص343، منشورات فايار، 1992م.

([11]) لمزيد من التفصيل-انظر كتاب جان بيار شانجو بالفرنسية ، الواقع والجمال والخير، ص227-228، منشورات أوديل جاكوب، 2008م.

([12]) انظر كتاب أنطونيو داماسيو بالفرنسية، الشعور الذاتي، ص226، منشورات أوديل جاكوب، 1999م.

([13]) نذكّر بان الحبكة المعلوماتية هي مجموعة القواعد والمناهج التي تعمل على معالجة المعلومة الواردة من الخارج أو الداخل، بواسطة حاكميات الدماغ والجهاز العصبي.

([14]) انظر المصدر السابق رقم (9) ص73 .

العلاج البديل : هو إعطاء المريض حقنة من الماء المعقم أو غيره والمريض يظن أنه الدواء الحقيقي الشافي.

([15]) انظر المصدر رقم (13) ص406-407.

([16])انظر جان بيار شانجو في كتابه بالفرنسية ، الإنسان العصبي، منشورات بلوريال، 1982م.

([17])انظر المصدر رقم 9 ص103.

([18]) انظر المصدر رقم (9) ص335.

([19]) لمزيد من التفصيل انظر جون ألكس في كتابه بالفرنسية تطور الدماغ وخلق الوعي- فلاماريون 1994، ص 302-303..

([20]) انظر ميشال جوفيه، في مقالته في كتاب الدماغ الإنساني ، ص102، سوي 1974م. المصدر رقم (4).

([21]) انظر المصدر رقم (4) ص129-130.

([22]) المصدر السابق ص111-112.

([23]) انظر ميشال جوفيه، في كتابه بالفرنسية النوم والحلم، ص211- منشورات أوديل جاكوب،1992.

([24]) انظر المصدر رقم(4) ص212.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس عشر