السنة السادسة / العدد الثامن عشر/ كانون أول 2010 - محرم : 1432هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

السيرة الحسينية وجدليات الإصلاح[1]

 

السيد محمد رضا شرف الدين

من كربلا مهوى الملائك ينشر
مهـما تقـادمـت الســنـون فإنـه
فـبهـا تجــلّى الله مـن عليــائــه
مشـــكاة نــور الله منــه أضالع
فيها الفـؤاد وقد رمته قسيُّـهم
وشـغافه فهي الزجاجــة إنـها
ولها مـن الأوداج مُتَّـقَـدٌ غـدا
مـذ فاض دمُّ النحر منها زيتها
 

 

أرج الفدا يسبي العقول فيُسكر
يشــتدُّ طيــبا أيـن مـنـه الأذفــر
بالسـبط فــهو مثالـه والمظهــر
لهفي لها تحت السنابك تكسـر
مصباحها المكنونُ يبقى يُزهــر
كالكوكب الدُّري بل هي أزهر
زيتونــةً فرعـــاءَ لا تُسـتَنكـــــر
من غير مــسٍّ بالسـنا يتفــــجَّر
 

تقديم

إنَّ موضوعَ العنوان المتقدم يستحق النفير العام في أوساطنا العلمية لما يمتاز به من حيوية وحياتية، إذ إنه يلامس قضية تُعَدُّ الرصيدَ الذي وهب الحق وأتباعه البقاء إلى يومنا هذا على رغم ضراوة الهجمات والتحديات التي لولاها لكان اندراسه أمرًا مُحتّمًا.

ومن هنا فإنه يتطلب مساحة كبيرة من البحث الموضوعي الدقيق، وهو ما نفتقده بحدة في دوائرنا التي إليها يعود أمر سدانة الشرع وصيانة الدين.

ولولا بعض الجهود الجزئية المشكورة لأمكننا القول بأنَّ هذه المسألة الكبرى أودعت طي الإهمال الفظيع دون مُبرّرٍ مقبول وأعذار موجهة.

وما نحن الآن بصدده لا يعدو كونه لمعة خاطفة عملنا فيها على تلخيص ما لدينا بصورة مضغوطة جدًا، طوينا فيها الكثير من المقدمات استثارةً للعزائم واستنهاضًا للهمم بغية تحقق الكفاية في هذا الجانب المصيري.

فإن كان فيها ما يحقق المنشود فهو بفضل المنعم الوهاب وعناية وليه عجل الله تعالى فرجه الشريف، وما شابَها من خلل فهو مَعزيٌّ لقصور صاحب السطور.

تمهيد

إنّ أيةَ حادثةٍ تاريخيّةٍ غالبًا ما تُبتلى بتحريفاتٍ قد تَمَسّ جوهرها. وهذه التحريفاتُ تارةً تكونُ وليدةَ تفاعلاتٍ سلبيةٍ مع تلك الحادثةِ وأخرى إيجابية. فيعمل المتضررون وأتباعهم على تقزيمها وتحجيمها في محاولة لتهميشها والحدّ من آثارها. في حين قد يعمد المنتفعون منها أو المعجبون بها إلى تضخيمها إلى حدّ يخرج بها عن غاياتها.

وكلا الفريقين يشتمل على شرائح تختلف من حيث المستوى الفكريُّ والثقافيُّ مما يؤثّر على طبيعة العمل فيترك بصماتٍ متغايرةً -وفي الاتجاه ذاته- يتأرجح بين السذاجة المفضوحة أو الدّهاء الخفي.

ومع تباعد الأيّام وتقادم القرون قد تدفن الحقائق تحت ركام هائل من التزييف الناتج عن عمل الفريقين.

وهنا يقف الباحث عن الحق والحقيقة أمام مهمة شاقّة لاستخراج الجوهر وسط الشوائب المتراكمة. وهي مُهمَّة في غاية الدقة. فهو بين محذورين:

- لصوق الأجسام الدخيلة بالمعدن الأصيل المستخرج.

- الإضرار بالجوهر الصافي بإنقاص ما هو من صلب جنسه.

محدوديّةُ التدوين التاريخي

إنَّ الأقلام التي تعنى بالتدوين التاريخي تنقسم -غالبًا- إلى قسمين رئيسين:

(القسم الأول): أقلام البلاط التي تقوم بإثبات ما يصبّ في صالح السلطة أو السلطات الغاصبة من تلميع صورتها وتبرير مواقفها وتشويه صورة الحركات المناهضة لها أو لأسلافها ممن نسجت على منوالهم.

(القسم الآخر): الأقلام المعارضةُ للواقع السائد والمُتبرّمة من ممارسات المتسلطين.

(أما القسم الأول): فلا يُرتجى منه أن يدوّنَ ما يتنافى مع مصلحة أربابِ نعمته، فهو لا يعدو كونه من الأجهزة المرتزقة، وهل يُتوقَّعُ مِنَ الجلّاد أن يُقرَّ بتفاصيل ما يُنزلُهُ بضحيَّته؟!

اللهم إلا إذا كانت الجريمة غايةً في الفظاعة، بحيث لا يمكن إنكارها فلا مناص حينئذٍ مِنَ الإقرار بها بصورة جزئية مُلَطَّفَة.

(وأما القسم الآخر): فهو يُكابِدُ شتّى أنواع القمع، ويُعاني من مطاردةٍ حَثيثةٍ تقطعُ عليه أنفاسَه، فإن سنحت الفرصة لأحدهم بذكر شيء من الحقائق احتاج إلى فرقٍ فدائيةٍ تحمل خشبتها على كتفها لتنقلَ تلك الصورَ إلى الأجيال الصاعدة.

ومن هنا نجدُ بأنَّ المصادرَ التاريخيّةَ لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تُعاني مِنْ محدوديَّةٍ حادّةٍ جدًا فقد كان -في بعض الحقبات- يُحكَمُ على مَن تفوّه بلَمَعاتٍ مِن فضائلهم بألوان التنكيل وصنوف التعذيب بل بعقوبة الإعدام، فكيف بمن ينشر مثالب أعدائهم المتسلطين على سدة القرار؟!

وفي يومنا شاهد صدق على الأمس البعيد، فالتاريخ سنّته أن يعيد الكرة مرة بعد مرة.

ولذا فإنَّ ما سمحت الظروفُ بتدوينه حدوثًا عاثتْ به الأعاصيرُ المتواترةُ بقاءً.

وبين هذه وتلك لم يظفر بنعمة البقاء إلا نتفٌ متناثرةٌ لا تحمل إلا اليسيرَ من الكثير الكثير.

فليس للباحث بعد هذا إلا أن يجيد قراءة ما بينِ السطورِ واستشفافَ ما وراءَ القراطيسِ وأن يتقن فنَّ لمِّ الشذرات ورصف المنمنمات.

إنَّ جميع ما ذكرناه لهو جارٍ في أيّة حادثة من الحوادث التاريخية كبيرةً كانت أم صغيرةً، بائدةً كانت في آثارها أم خالدةً في فاعليتها وتفاعلاتها، وبغض النظر عن خصوصيات أبطالها وميزات أهدافها وطبيعة تكتيكاتها.

خصوصيات واقعة الطف

لا شك عند ذي مسكة في أنَّ واقعة الطف تُعدُّ من المنعطفات التاريخية القصوى.

ولسنا نغالي إذا ما قلنا بأنها ألقت بظلالها على مسار البشرية ومصيرها، وما زالت إلى يومنا هذا تسري في شرايين الأمم، تستثير فيهم الهمم، وتضخ في نفوسهم أعلى القيم، دون أن تقتصر في ذلك على من عرفها أو انتحل الولاء لرموزها أو دان بعقيدة صاحبها.

إننا نعتقد بأنها ساعات أوقفت الزمن وأخرست اللُّسُن، وأنَّها فاقت جميعَ الحدود التاريخية والجغرافية والعقلية والعقلائية.

إنَّ الحدث المرادَ توثيقُهُ هذه المرّة لم يقوَ على تعقله أهل العالم العلوي ولا مكونات العالم العنصري بحسب اعتقادنا.

فقد أتت صحاحُ الأخبار لتُعلِمَنا بضجةٍ كبرى اجتاحت المجتمعَ الملائكيَّ في علياء الملكوت، وقد تمحور إقليم الوجود يومها حول ساحة كربلاء، انقلابٌ لفَّ أظلة العرش وما يُرى وما لا يُرى، وما في الجنَّة من حورٍ وولدانٍ، وما في النّار من زبانية وأعوان، ناهيك عن الآفاق والأفلاك والبسيطة بكل ما تحويه.

وما كان كذلك لا يمكن أن يحيط بتفاصيله إلا المحيط بجميع تلك العوالم.

إننا نعتقد بأن نهضةَ سيدِ الأحرارِ ورائدِ الفداءِ لم تكن عمليّةً عسكريّةً أو انقلابًا سياسيًّا أو ثورةً ترمي إلى تغيير السلطة.

بل كانت كتابًا صارخًا خالدًا مداده الدماء والدموع يشتمل في صحائفه على سور وصور تضمن خلود الأصول الأخلاقية والقيم الإنسانية إلى نهاية المطاف.

تلك الأصول التي هي مهد الدين ووعاؤه وأُُسُّهُ وأساسه والتي بها حياة الأمم واستمرارها ككائنات أراد الله لها التكريم.

إنَّ تسلسل العمليات الانحرافية التي تلت عهد خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله) كان قد وصل إلى درجته القصوى، من اندراس المفاهيم الدينية مفهوما فمفهوما، إلى انحلال الأصول الأخلاقية، وحتى اضمحلال القيم العربية التي كانت مرتكزًا لقبول الدعوة المحمدية.

كانت الأمة تطلق آخر ما لديها من حشرجات الاحتضار، وبموتها معنويًا يتحقق الإخفاق المُحتَّم لجهود أطوار الرُّقي التي جاءت بها كافة الشرائع.

إنه الموت الذي لا حياة بعده، وبه انتفاء العلةِ الغائيّةِ مِن الخِلقة.

لذا كانت المرحلةُ تتطلب نهضةً هي الصاعقةُ التي تُفجّر صدمةً تُسعفُ الكيان المحتَضَر، لتستفيقَ الضمائرُ في صحوةٍ لا هجعة بعدها، صدمةٌ تَخرجُ في فعلها وردود فعلها على الأعراف، تمتاز بالتشدد الأخلاقي، تَظهرُ فيها القيَمُ بشكلها الصارخ دستورًا متجسدًا في واقعٍ عمليِّ يستثيرُ على الدوام العمقَ في قراءةِ موادِّه وبنوده.

كان سُلَّم الأولويات في نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) تتصدره العناصر الأخلاقية، وقد تعمد في تلك اللوحةِ التي قام بروعةِ رسمِها اشتمالَها على مشاهدَ تهزُّ الوجدان؛ ليعطي البُعدَ العاطفيَّ مكانةً تتقدم حالةَ التعقّلِ العُرفيّ في عصر نضبت فيه العواطفُ إلا كرذاذ.

ولذا خرقت نهضتُه -على حدّ تعبير بعض الأكابر- النواميسَ ومزقت القواميس.

فتفاعلت مع رسالتها الأعصار والأمصار فلم تقتصر في ذلك على شريحة أو طبقة أو أهل ملة أو أبناء نحلة دون أخرى.

ومن هنا تُفَكَّك لغة الترميز لتُترجَم على ضوء ما ذكرناه الكثير من المواقف التي نُقِلت -والتي طالما أثارت الجدل- فينقلب التشنيع والاستغراب حينئذ إلى تحسين وإعجاب، بل وإلى الحكم بلابُدّيّة وقوع مثل هذه المواقف بدلاً من استبعادها والطعن في مصادرها.

وعصارة الكلامِ في هذا المقامِ:

أنَّه في يوم العاشر من المحرَّم عامَ واحدٍ وستّينَ للهجرة النبوية برزت الفضائلُ كلُّها إلى الرذائل كلِّها.

وهذه هي النتيجة التي توصلت إليها بعد دراسة مطولةٍ انطلقت من النصوص المُكرّسة للدور الرئيسي الذي يقوم به الولي الإلهي والذي لا يمكن أن يتخلى عنه مهما تغيرت الظروف الموضوعية ومهما اشتدت هوجُ الرياح عتوًّا.

إن كل ما ذكرناه ناء عن صناعتي الشعر والخطابة تماما بل هو ثمرة أقيسة برهانية قطعية الإنتاج والنتائج.

لكن المؤسف أننا نرى كثيرًا من الباحثين ما زالوا يتخبطون في تشخيص ماهيّة هذه النهضة.

ولذا ما انفكت كثيرٌ من المقاول والأقلام تنعتها بالثورة دون النهضة، مع الفرق الفارق الذي يحمله كلٌّ من التعبيرين.

بهذا المختصر يظهر دون لبس بأنّها تأبى الخضوع لبوتقةِ التدوين، وهي التي كاد ينوء تحت عبئها عالم التكوين.

فهي حقًا لا ترقى إليها خواطر الأوهام ولا تبلغ شأو عليائها فِكَرُ الألباب.

محاولات التنقية

ومع كل ذلك انبرى العديدُ من الباحثينَ وبكلِّ ثقة مع اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ومستوياتهم وأهدافهم فمخروا في لججها، ورفعوا شعار الإصلاح التاريخي لأعظم حركة إصلاحية في تاريخ البشرية.

فأين ترى تقع المحاولات الإصلاحية والعمليّاتُ التنقَويّة التي باشرت تاريخَ واقعةِ الطَّف من إتقان هذه المهمة؟

وإلى أي حدٍّ اقتربت أو ابتعدت عن مقصدها؟

وما هي أبرز سماتها وأجلى صفاتها؟

إنَّ ما نلاحظه عمومًا في محاولات دعاة تنقية تاريخ نهضة الطف قد يُلَخّصُ في النقاط التالية:

1- فقدان الأطروحةٍ المنهجيّةٍ للتوثيق التاريخي، فترى البعضَ يعمَدُ في محاولته إلى طرح حفنةٍ من النماذج ليهيلَ عليها وعلى ناقليها وابلاً من لاذع النقد دون أن يرتكز في نقده على أسسٍ واضحةٍ وآليّاتٍ محددة. فتارة ينطلق من عدم اعتبار المصدر وأخرى من قصور السند وطورًا من جهة أخرى، بينما تراهُ يأخذُ بما يشتمل على هذه النقاط في موضع آخر دون إبراز ميزان لهذه الازدواجية.

ولذا نرى أن غياب الأطروحةِ المنهجيّة تولّد تلقائيًا حالةَ الفرزِ الانتقائيّ بما يتوافق مع أهواء الناقد واستذواقاته الشخصية.

2- عدم تحديد دائرة البحث مما يحول دون بنّائيته إلى حدّ الاشتغال بتتبع عثرات النعاة والتقاط هفوة هنا أو كبوة هناك فيقومون بنشرها وتخليدها بَدَلاً من وأدها مما يلزم منه نقض الغرض، فتتحول الهفوة التي ألقيت في مجتمع خاص محدود إلى مدوّنةٍ تتناقلها الأجيال ومادةَ تشنيع يتلقفها المغرضون.

 بل قد تتسرب فيما بعد إلى تاريخ النهضة فيكون للناقد شرفُ الإسهام في التحريف بعد أن كان قاصدًا تنزيه التاريخ وتنقيته من عناصر التزييف.

3- غياب الموضوعية والمنطق في عملية التنقية وغلبة الأجواء التهويلية وإطلاق الادعاءات المضخّمة بفعل تحكم الانفعالات النفسية على أقسامها.

4- تأصل عقدة النقص وفقدان الثقة بالذات والتي كثيرًا ما تنتاب أبناء الفئة المضطهدة عبر التاريخ تأثرًا بالحملات التشنيعيّة الحاقدة ؛ فيتحرك الباحث ليدافع عن قضيته بإسقاط كل ما يظن أنه ثغرةٌ ينفذ الشانئون من خلالها فيبادر إلى النفي والنقد مستبقا للغير من باب النقد الذاتي قطعًا للطريق أمام نقد الآخرين للمدرسة التي ينتمي إليها.

وقد تتفاقم هذه الحالة فيصاب صاحبها بداء فقدان الهوية المعرفية.

5- عدم امتلاك الخبرويةِ المطلوبةِ في هذا المضمار، من الإحاطةِ بالمصادرِ والتمييز بين غثها وسمينها، ومعرفة المراجعِ ومآخذِها والوقوف على آلياتِ الجمع ومِلاكاتِ التنافي بين النصوص والتبحر في اللغة وأساليب البيان في سبيل فهم النص.

6- عدمُ خوض غمارِ التتبعِ المسوّغِ للبَتِّ في الواقعة نفيًا وإثباتًا إمّا لعدم توفر المصادر وإمّا للتسرع الذي قد يعود لإحدى النقاط الآنفة أو الآتية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى ما يمتاز به النفي في إثباته إذ يحتاج إلى استقصاء شامل واستقراء تام بخلاف الإثبات الذي قد يكفي فيه العثور على نص معتبر.

7- الاشتغال بالمفردات الجزئية وإيلاؤها عظيم الاهتمام بما يؤول إلى زعزعة المكونات الأساسية في الذهنية العامة، وبذلك يسقط نداء الحقائق الهامة صريع صخب التفصيلات.

8- عدم الوقوف على منطلقات النهضة وأهدافها وآلياتها العملية المرسومة لها، مما يجرُّ الناقدَ إلى استنكار جملة من الحوادث ونفي كثير من المواقف دون استناد إلى حجة، بحجة تصادمها مع العلة الغائية المتوخاة منها.

9- النقص المعرفي ولا سيما في الجنبة العقائدية، حيث لا سبيل لورود مشرعة هذه النهضة دون توفر المخزون المعرفي العقدي الذي يمثل الإطار الجوهري الأساس في توثيق المنقولات التي تحكي خطوطها وخيوطها وترسم ملامحها بكلّ تفاصيلها.

10- فقدان السمو الروحي والتأصّل الأخلاقي، إذ كيف يمكن لمن هو أجنبي عن روح الواقعة بتمام ما للكلمة من معنى، ومن يحكم أفكاره وأفعاله النمطُ المادي الدنيوي أن ينفذ إلى لُباب نهضة إلهيّة إنسانيّة ترتكز على البُنيَةِ الأخلاقيّة القيمية وتستقي مدادها من عالم الغيب، هيهات، هيهات أن يلامس مثل هذا قِرابَها فضلاً عن استجلاء لُبابها.

11- طغيان روح التمرد على التراث: لقد مُنينا في عصرنا بحالة هي الأولى من نوعها بحسب ما وصل إلينا من أنباء الماضين. ألا وهي روح التمرد على التراث وهاجس الولع بالتجديد. لقد وصل الأمر ببعضهم إلى أن يَعُدَّ نسفَ المسلّمات التاريخية فتحًا مُبينًا.

إننا لا نأبى التجديد ولا ننكر أهميته، بل نرى بأنه الوسيلة الناجعة للحفاظ على المضمون إذا ما اقتصر على جهة الأسلوب، أما إذا انقلب إلى هدف في حد ذاته فلا نرى فيه إلا محقًا للدين بل سائر الشرايع والقيم.

وإننا مع التحقيق والتدقيق في التراث لكن بشرط أن لا يتضخم كخلية سرطانية فيفتك بالجذور لنصبح كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

إنّ موجة التمرد هذه أصبحت واقعًا لا يمكن أن يضمر، وقد تجلت في بعض النتاجات التي عالجت بعض مفردات تاريخ النهضة فعاجلتها بالإنكار.

12- سيطرة روح التشكيك: لا شك في أن الشك ضرورة فكرية تشكل الجسر للوصول إلى الحقيقة إنه القنطرة التي إذا ما أحسن المرء سلوكها وصلت به إلى اليقين المقصود.

لكن الشك هذا بإمكانه أن يتحول إلى حالة مَرَضيّة يقعد بالإنسان عن الرُّقيِّ المعرفيّ، فإنَّ من أكبر آفات العقل البشري -ومنذ القِدَم- هو اختناقه في شرنقة قاتلة من الشكوك.

وقد تبلورت هذه الحالة في العهد الإغريقي على يد رمزين من رموز هذا المنهج وهما تيمون وبيرون ثم سرعان ما تلاشت بفعل كفاح سقراط وغيره من رواد منهج اليقين لتعود بحلة جديدة بعد الانفجار المنبثق عن روح التمرد على عهد الاستبداد الكنسي في الغرب لتتردد أصداء منهج الشك في الساحة الفكرية الإسلامية والعربية في عملية اجترار نمطي على يد ثلة من المنبهرين بالنتاج الهجين، حيث قدَّموا للأمة ما أكل الدهر عليه وشرب من أفكار الأغارقة ملبّسًا لَبوسَ التجديد، ليدور المثقف في دوامة من الشك لا يخرج منها حتى خروجِ النَّفسِ عن رَوح آخرِ الأنفاس.

13- الإسقاط: باتخاذ نتائج وقناعات مسبقة قد تكون ناشئة عن خلفيات كوّنتها ظروفٌ مرحلية تحجب الرؤية المجردة وتدفعه نحو إسقاط الوقائع عليها.

14- الأغراض التعبوية: تفسير الواقعة بما يُجَيّرُها لمصلحة مشروع سياسي أو عسكري معين يدفع بأصحابه لإزالة جميع المفردات التاريخية التي تعاكس خطابهم التعبوي.

إنَّ هذه الهنات لوحظت على تلك المحاولات من حيث المجموع، بمعنى أنها ليست مجتمعة في محاولة واحدة بل بعضُها يجل عنه بعضُ من ابتُلي ببعضها الآخر.

نماذج تطبيقية

لا يخفى على القارئ اللبيب أننا لسنا بصدد بحث تحقيقي تشييدي ينتج نفيًا أو إثباتًا لمفردات تاريخية من الواقعة العظمى، وإنما نريد توجيه نظرة ناقدة تدقيقية تكشف عن صحة ما ادعيناه في العنوان السابق من افتقاد تلك المحاولات لأدنى مقومات النهوض، ومن ثمة يكفي في ردّها إيرادُ احتمال عقلائي على خلافها ليُبطِلَ ما تحتويه من صورة استدلال ويظهر عقمها في مقام الإنتاج.

وحيث كانت محاولاتهم تهدف إلى إثبات نفي تلك الوقائع كانوا هم المطالبين بإقامة الدليل السليم من أية خدشة.

أما الناقد فلا يكلف غير سلامة ما يطرحه -من احتمال ثبوتي- عن معارضة مسلم عقلي أو نقلي.

النموذج الأول: علمُ الإمام (عليه السلام) بمصرعه وإخبارُه الآخرين بذلك

من الجدليات التي أثيرت قبل نحو نصف قرن وما زالت تتردد في أندية الفكر وصحائف الثقافة هي قضية النصوص الدالة على تصريح الإمام الحسين (عليه السلام) بعلمه بمصير مسيرته وإخباره الآخرين بذلك.

وقد أحصيت له (عليه السلام) سبعة عشر موقفًا يعلن فيه أنه مقدم على الشهادة ، منها:

أ - من خطبة له (عليه السلام) لما عزم على الخروج إلى العراق:

..خُطَّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه.  كأني بأوصالي تقطعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منى أكراشًا جُوَفا، وأجربةً سُغُبًا، لا محيص عن يوم خط بالقلم.  رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين. لن يشذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لُحمتُه، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عينُهُ، ويتنجّز لهم وعده، من كان فينا باذلاً مهجته، وموطّنًا على لقاء الله نفسه، فليرحل فإني راحلٌ مصبحًا إن شاء الله([2]).

ب - كتابه إلى بني هاشم:

 بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم، أما بعد، فإنّه من لحق بي منكم استُشهد معي ومن تخلَّف لم يبلغ الفتح. والسلام([3]).

جـ - جوابه لأحد الناصحين في منزل بطن العقبة:

 عن لوذان أحد بني عكرمة أنَّ أحد عمومته سأل الحسين (عليه السلام): أين تريد؟  فحدثه. فقال له: إني أنشدك الله لما انصرفت، فوالله لا تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف، فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطَّؤا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيًا، فأما على هذه الحال التي تذكرها فإني لا أرى لك أن تفعل.

قال: فقال له: يا عبد الله! إنه ليس يخفى عليَّ، الرأي ما رأيت، ولكنَّ الله لا يغلب على أمره.

ثم قال (عليه السلام): والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم ([4]).

د- رؤياه (عليه السلام) في أثناء الطريق:

عن الصادق (عليه السلام): لما صعد الحسين بن علي (عليهما السلام) عقبة البطن قال لأصحابه: ما أراني إلا مقتولاً.

قالوا: وما ذاك يا أبا عبد الله.

قال: رؤيا رأيتها في المنام.

قالوا: وما هي؟

قال: رأيت كلابًا تنهشني، أشدّها عليَّ كلب أبقع([5]).

هـ - موقف آخر:

هذه كتب أهل الكوفة إليَّ، ولا أراهم إلا قاتِليَّ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمةً إلا انتهكوها فيسلط الله عليهم من يذلُّهم حتى يكونوا أذلَّ من فرم الأمة([6]).

و - جوابه لسيدتنا أم المؤمنين أم سلمة:

وقد نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار حيث قال:..وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ (عليه السلام) لَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَا تَحْزَنِّي بِخُرُوجِكَ إِلَى الْعِرَاقِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ يَقُولُ: يُقْتَلُ وَلَدِيَ الْحُسَيْنُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كَرْبَلَاءُ. فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّاهْ! وَأَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ ذَلِكَ، وَإِنِّي مَقْتُولٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ لِي مِنْ هَذَا بُدٌّ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ الَّذِي أُقْتَلُ فِيهِ، وَأَعْرِفُ مَنْ يَقْتُلُنِي، وَأَعْرِفُ الْبُقْعَةَ الَّتِي أُدْفَنُ فِيهَا، وَإِنِّي أَعْرِفُ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَقَرَابَتِي وَشِيعَتِي، وَإِنْ أَرَدْتِ يَا أُمَّاهْ أُرِيكِ حُفْرَتِي وَمَضْجَعِي.

ثُمَّ أَشَارَ (عليه السلام) إِلَى جِهَةِ كَرْبَلَاءِ، فَانْخَفَضَتِ الْأَرْضُ حَتَّى أَرَاهَا مَضْجَعَهُ، وَمَدْفَنَهُ، وَمَوْضِعَ عَسْكَرِهِ، وَمَوْقِفَهُ، وَمَشْهَدَهُ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ بَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بُكَاءً شَدِيدًا، وَسَلَّمَتْ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّاهْ! قَدْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرَانِي مَقْتُولاً مَذْبُوحًا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَقَدْ شَاءَ أَنْ يَرَى حَرَمِي وَرَهْطِي وَنِسَائِي مُشَرَّدِينَ وَأَطْفَالِي‏ مذبوحين([7]).

ز- من كلام له (عليه السلام) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام:

.. أعلم علمًا أن هناك مصرعي ومصارع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي علي([8]).

وموئل هذه الجدلية هي إشكالية قديمة تمتد إلى عصر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) مفادها (المنع من إقدام المعصوم على ما فيه قتله) انطلاقًا من قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}([9]).

أما الآية فقد ذكر في معناها وجوه: منها قول الحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وهو المروي عن حذيفة، وابن عباس من أنّ معناها {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} بالامتناع من الانفاق في سبيل الله.

ومنها ما روي عن البراء بن عازب، وعبيدة السلماني: لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة.([10])

وهذان المعنيان مؤيَّدان بسياق العبارة كما لا يخفى.

فهل الإقدام على الموت هو إلقاء للنفس في التهلكة وبقول مطلق؟!

الموت والحياة والهلكة والنجاة في القاموس الديني

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

وفي موضع آخر: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}.

وفي آية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

وفي آية أخرى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ*أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.

وفي حديث شريف ذي مضامين عالية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): منكِرٌ للمُنكَرِ بقلبه ولسانه ويديه، فخِلالُ الخيرِ حصلَها كلَّها، ومُنكِرٌ للمُنكَر بقلبه ولسانه وتاركٌ لهُ بيده، فخصلتان من خصال الخير حاز، ومُنكِرٌ للمنكَرِ بقلبه وتاركٌ بلسانه ويده، فخلة من خلال الخير حاز، وتارك للمنكر بقلبه ولسانه ويده، فذلك ميت الأحياء.

وعنه (عليه السلام) في حديث آخر: .. وآخرُ قد تسمّى عالمًا وليس به، فاقتَبَسَ جَهائلَ مِن جُهّالٍ، وأضاليلَ مِن ضُلّالٍ، ونصب للناس أشراكًا من حبالِ غرورٍ وقولِ زور، قد حملَ الكتابَ على آرائه، وعطفَ الحقَّ على أهوائه، يؤمِّنُ من العظائم، ويُهوّن كبيرَ الجرائم، يقول: أقفُ عندَ الشبُهات، وفيها وقع، ويقول: أعتزل البدعَ، وبينها اضطجع، فالصورة صورةُ إنسان، والقلبُ قلبُ حيوان، لا يَعرفُ بابَ الهُدى فيتّبعَه، ولا بابَ العمى فيصدَّ عنه، فذلك ميّت الأحياء.

ومن هذا المنطلق كان قول ابن الرعناء الضبابي الذي سارت به الركبان:

ليس من مات فاستراح بميت
 

 

إنما الميت ميت الاحياء
 

وقد كرس السبط الشهيد هذا المفهوم بقوله (عليه السلام): .. إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما.

إذن: مفهوم الهلكة والنجاة والموت والحياة في القاموس الديني يختلف عن ما يراه أبناء الدنيا. والنظرة الكونية الإلهية تغاير النظرة المادية الإلحادية في تقييمها. والتحريم الشرعي ليس منصبًّا على إقدام المرء على ما فيه موته بعنوانه.

مقاومة العين للمخرز عند العقلاء

وكذلك العقل لا يحكم بقبحه ذاتًا فهو في حكمه تابع للعنوان الذي يندرج تحته.

والعقلاء لا يذمّون ولا يسفّهون من يقع على الموت إذا ما كان يرمي -من خلال ذلك- إلى تحقيق هدف سام، بل يرون بأن ذلك هو قصارى ما تصل إليه النفس البشرية من رفعة ورُقيّ كما هو الحال في تقييمهم للذين يقفون في وجه العدو -مع ما يمتلكه من أسلحة فتاكة ومدرعات محصنة- ليقاوموه بالبنادق أو الأحجار أو اللحم الحي.

وإنهم ليبجّلون من يُقدم على تفجير نفسه في جمعٍ من الغزاة المعتدين غاية التبجيل، وليس ذلك في قاموسهم جنونًا أو تهورًا أو انتحارًا، بل هو عين التعقل والشجاعة وأسمى مراتب التضحية والشهادة.

وقديمًا ذهب قول الشاعر مثلاً:

يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها
 

 

والجود بالنفس أقصى غاية الجود
 

الأمر الإلهي بالإقدام على ما فيه القتل

ثم إنَّ الله تعالى الذي حرَّم على الإنسان قتلَ نفسه أو الإقدام على ما فيه قَتلُهُ أو قَتلُ غيرِه قد يجيز له ذلك، أو يأمره به، كما في إقرار من اقترف موجب الحد والقصاص (كالقتل واللواط والزنا محصَنًا والاغتصاب) فإنه يجوز له أن يعترف أمام الحاكم الشرعي بجريمته ويستسلم لتنفيذ الحكم فيه.

وكما في قضية بني إسرائيل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}([11]).

وكذا الحال في قضية سيدنا الخضر (عليه السلام) قوله عز وجل: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}([12]).

ولولا إمكان صدور مثل هذا التكليف لم يهمَّ نبيُّ الله إبراهيم بذبح ولده، ولم يستسلم الولد لإرادة أبيه. قوله تعالى: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}([13]).

والجهة الأكثرُ أهميةً في هذه الواقعة هي: أنَّ الله تعالى لم يُعب عليه تصديقَه وهَمَّه بذبح ولدِهِ امتثالاً للأمر، بل امتدحه على ذلك حيث قال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}([14]).

وقد كانت سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحرب أن ينتدب رجلاً من أصحابه ليحمل المصحف فيدعو البغاةَ إلى كتاب الله عالمًا بأنَّه مقتول لا محالة.

كما كان منه في وقعة الجمل حيث نادى (عليه السلام): من يأخذ هذا المصحف، فيدعوهم إليه، وهو مقتول، وأنا ضامن له على الله الجنة؟

فلم يقم أحد إلا غلام، عليه قباء أبيض، حدث السن، من عبد القيس، يقال له: (مسلم).. فأعرض عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) إشفاقًا، ونادى ثانية: من يأخذ هذا المصحف، ويعرضه على القوم، وليعلم أنه مقتول، وله الجنة؟

فقام مسلمٌ بعينه وقال: أنا أعرضه.

ونادى ثالثة، ولم يقم غير الفتى، فدفع المصحف إليه، وقال: إمضِ إليهم، واعرضه عليهم، وادعهم إلى ما فيه.

فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف، ونشر المصحف، وقال: هذا كتاب الله، وأمير المؤمنين يدعوكم إلى ما فيه.

فقالت عائشة: اشجروه بالرماح قبحه الله.

فتبادروا إليه بالرماح، فطعنوه من كل جانب، وكانت أمه حاضرة فصاحت، وطرحت نفسها عليه، وجرَّته من موضعه، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أعانوها على حمله حتى طرحته بين يدي أمير المؤمنين وهي تبكي.. ([15]).

وتكرر منه (عليه السلام) مثل ذلك في النهروان([16]).

وفي هذا السياق قال الشيخ المفيد في الرد على من استشكل في خروج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد مع علمه بالمصير:.. لا يمتنع أن يتعبّده الله بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه الله بذلك من علو الدرجة ما لا يبلغه إلا به، ولعلمه تعالى بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كُلّفَها سواه لم يؤدّها، ويكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامَه غيرُه، فلا يكون بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ملقيًا بيده إلى التهلكة، ولا معينًا على نفسه معونةً مستقبحةً في العقول([17]).

وكذا العلامة الحلي حيث قال:.. فجاز أن يُكلَّف ببذل مهجته الشريفة -صلوات الله عليه- في ذات الله تعالى، كما يجب على المجاهد الثبات، وإن أدى ثباته إلى القتل، فلا يُعذَلُ في ذلك([18]).

وعلى هذا المنوال كان كلام المحقق البحراني:.. إن رضاهم صلوات الله عليهم بما ينزل بهم من القتل بالسيف والسم، وكذا ما يقع بهم من الهوان والظلم على أيدي أعدائهم، مع كونهم عالمين به، وقادرين على دفعه، إنما هو لما علموه من كونه مرضيًا له سبحانه وتعالى، ومختارًا له بالنسبة إليهم، وموجبًا للقرب من حضرة قدسه، والجلوس على بساط أنسه.

وحينئذ، فلا يكون من قبيل الإلقاء باليد إلى التهلكة الذي حرّمته الآية، إذ هو ما اقترن بالنهي من الشارع نهي تحريم، وهذا مما علم رضاه به واختياره له، فهو على النقيض من ذلك.

ألا ترى أنَّه ربما نزل بهم شيء من تلك المحذورات قبل الوقت المعد، والأجل المحدد، فلا يصل إليهم منه شيء من الضرر، ولا يتعقبه المحذور والخطر؟! فربما امتنعوا منه ظاهرًا، وربما احتجبوا منه باطنًا، وربما دعوا الله سبحانه في رفعه فيرفعه عنهم، وذلك لما علموا أنه غير مراد له سبحانه في حقهم، ولا مقدر لهم.

وبالجملة: فإنهم صلوات الله عليهم يدورون مدار ما علموه من الأقضية والأقدار، وما اختاره لهم القادر المختار([19]).

علم الإمام الحسين بمصيره حقيقة ثابتة على جميع المناهج

لا يمكن الالتزام بإنكار تلك الحقيقة وهي علم الإمام الحسين (عليه السلام) بمصيره على طبق أي منهج من المناهج الفكرية السائدة:

المنهج الإمامي

أما بناء على اعتقادنا بعلمه اللدني وميراثه الملحمي عن جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فهو أمر قطعي لا ريب فيه. وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) اختص بعلم البلايا والمنايا ثلة من أصحابه كميثم التمار ورشيد الهجري وحبيب بن مظاهر الأسدي فما بالك بوصيه وخزانة علمه([20]).

إنَّ حقيقة علم الإمام (عليه السلام) -كمًّا وكيفًا- وإن كانت غير متبلورة في العصور المتقدمة لعوامل متعددة نوكل بيانها إلى محله إلا أنَّ علماءنا الأبرار في العصور المتأخرة أشبعوا الكلام فيها ردًا للشبهة التي جاءت ممن تسمى بالتشيع ممن لا يعذر في ذلك بعد زوال الظروف التي كانت تحكم الأولين.

وقد صُنّفت رسائل خاصة في إظهار الإمام (عليه السلام) على الغيب بإذن الله والتوفيق بين القول بعلمه وإقدامه على ما فيه موته([21]).

وقد استندوا فيها إلى الآيات والأخبار وما يؤيدها من وجوه الاعتبار فلتراجع في مظانها.

وأخصر ما سيق فيها من الوجوه العقلية المحتفة بالشواهد النقلية في مجال ذب المحذور هو: أنَّ علمهم بالحوادث علم بها من جهة ضرورتها أي من جهة وقوع تلك الحوادث حتمًا بما لا مردَّ له دون ما يعرض عليه البداء، والعلم الذي هذا شأنه لا يبعث الإنسان نحو التحرز ولا ينتج تنجيزًا ولا تفعيلاً للتكليف بتجنب الوقوع في مغبة تلك الواقعة فإذا كان الخطر بحيث لا يقبل الدفع بوجه من الوجوه فالابتلاء به وقوع في التهلكة لا إلقاء للنفس فيها، قال تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: أتاني جبرائيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد إنَّ أمَّتك ستقتل ابنك حسينًا من بعدك. قلت: أوَ لا أراجع الله فيه؟

قال: إنه أمر قد كتبه الله عز وجل([22]).

المنهج السُّنّي

وإن أبيت ذلك فدونك ما ورد من الأحاديث النبوية وإخبارات الصحابة بمن فيهم أمهات المؤمنين وكذا أعلام التابعين حيث لم تتفرد مصادرنا به بل ورد مضافًا إليها في مجاميع الحديث والتاريخ والسير عند أهل السنة.

لقد كان الجميع يرقب ذلك اليوم.

فمن دان بما عليه العامة لا مناص له من الإقرار بمعرفة الإمام (عليه السلام) بمصيره([23]).

المنهج المادّي

وإن أبيت إلا سلوك سبيل الماديين من الباحثين فإن أدنى قراءة للجغرافيا السياسية والمعطيات الميدانية تكشف جليًا أن من أراد غير الفتح الاستشهادي من حركته لا يكاد يسلك السبيل الذي سلكه الحسين (عليه السلام).

رجل يعلن عن رفضه وكفاحه في ضمن حدود الدولة التي يناهضها دون قوة عسكرية يعتصم بها بل تراه يصرح بوجهته ومقصده على مرأى ومسمع من العيون والمخبرين بدلاً من أن يتكتم على ذلك حتى يبلغ مأمنه ويتوسط قاعدته الشعبية التي تحميه.

ويسير باتجاه مدينة تحوي مزيجًا غير متجانس لا تمتلك الأصالة في تكوينها، فكوفة الجند مدينة مستحدثة يقطنها خليط من القبائل المهاجرة من مواطن متباعدة بدلا من أن يسير إلى بقعة آمنة ذات نسيج متجانس ومجتمع متماسك.

وكيف يختار تلك المدينة وقد رأى منها ما يتلمَّظُ مرارتَه مما كان منها تجاه أبيه وأخيه (صلى الله عليه وآله) قبل عقد وعقدين؟!.

ثمَّ إنَّها على مقربة من حاضرةٍ اتسمت بالعداء المطلق لأهل بيته في الغالب، علاوةً على قربها النِّسْبيّ مِن عاصمة السلطة وخزّانِ قوّتها في بلاد الشام.

ولذا لمّا عزم على المسير عارضه كلُّ من لقيه مِن العبادِلةِ أبناءِ عباسٍ وعمرَ والزُّبير إلى أخيه محمد ابن الحنفية وحتى الفرزدقِ الشاعرِ الذي لا قِدَمَ ولا قَدَمَ لهُ في عالم السياسة.

فمصير مسيره (عليه السلام) كان واضحًا عند أي شخص عاقل ملتفت إلى ما يدور حوله، فلما أبى عليهم الرجوع عن رأيه ودّعوه وداع مفارقٍ فراقَ غيرِ آيب، فاعتنقه بعضهم قائلاً: استودعك الله من قتيل([24]).

إنَّ من أراد غيرَ الفتح الاستشهادي لا يمكن أن يقوم بما قام به إلا أن يكون مفرطًا في عالم السذاجة والغباء معاذ الله.

فالخطة المُثلى لمن أراد إسقاط النظام وتشييد دولته على أنقاضه هي ما أشار إليه بعضُهُم من الخروج إلى اليمن.

أرض فيها من وعور الجبال ما يصلح للتحصن، تتكون من مجتمع قبلي صلب، لم تتعرف على الإسلام إلا من خلال أمير المؤمنين (عليه السلام).

وهي على مقربة من البحرين الكبرى التي تشاطرها الصفاء العقدي حيث غِراسُ ابنَي سعيدِ بن العاصِ مؤمنَيْ آلِ أمية.

وهما معا تتمتعان بخصوصيتين أخريين:

أ - البُعد النِّسبيّ عن موقع ثقل السلطات.

ب - الثروات الطبيعية التي تمهد لنشوء دولة قوية مستقلة ابتداءً فالتوسُّعُ شمالاً إلى الحجاز وصولاً شيئًا فشيئًا إلى العراق فالشام بعد اتساق الأمور.

أين هذا من مخطط نهضته وطبيعة مسيرته؟!

ثم إن غالبية الذين كاتبوه لم يكونوا بحيث يمكن الاعتماد عليهم، كيف وفيهم رؤوس الخوارج وأعداء البيت العلوي وشخصيات مذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؟!

بعد هذا، كيف للباحث مهما كانت خلفياته واعتقاداته أن ينفي الكتب والخطب والتصريحات التي وردت في تاريخ النهضة ناصة على علمه بمصيره وإقدامه على ما فيه قتله؟!.

اللهم إلا أن يتجاوز ما تعتقده الطائفة في علم الإمام (عليه السلام) وما تدين به الأمة من صحة إخبارات نبيها (عليهما السلام) وما أجمع عليه المنصفون المنتمون إلى سائر الملل والمشارب من كونه (عليه السلام) شخصيةً فكريةً واجتماعيةً مرموقةً تفيضُ حِكمةً وتتوقدُ فهمًا.

 النموذج الثاني: عددُ الجيش المهاجم:

اختلفت المصادر التاريخية في تحديد عدد الفئة التي بادرت إلى ارتكاب تلك المجزرة الرهيبة في طور الطف.

وهناك أحاديثُ نصت على أنها تبلغ الثلاثين ألفًا ومنهم من ذكر سبعين ألفًا والبعض نقل ما يفوق هذا العددَ بأضعافٍ مضاعفةٍ مما أثار حفيظة بعض الناقدين.

والحجة في الإصرار على النفي هو عدم تعقل ابتعاث السلطة مثل هذه الأعداد من أجل قمع فئة قليلة دون المائتين.

وهذا النفي مردود لجهات منها:

أ- لم يكن عدد معسكر الإمام (عليه السلام) محددًا لدى السلطة، والساحة عندها كانت مفتوحة أمام جميع الاحتمالات، ويؤيده تحرك مواكب متعددة نحو أرض المعركة لم يكتب لها الوصول قبل وقوع الواقعة.

ب- إن عظم المحتمَل يحتم على المحتمِل أن يرتب الأثر على احتماله مهما كان الاحتمال ضعيفًا، واحتمال اندلاع تحرك يزعزع عرش الحاكم لهو قمة هرم الخطر عند المتشبثين بسدة الحكم قديمًا وحديثًا.

ت- لا يُقتصَرُ في إحصاء الجيش المناهض للنهضة على خصوص المباشرين للقتال فإن جبهة الإسناد والخطوط الخلفية وفرق الإمداد المجتمعة في المسالح والمعسكرات ما زالت إلى يومنا هذا تعد في عمليات الإحصاء جزءًا لا يتجزء من الجيش، ومع الأخذ بعين الاعتبار لكون حركة الحسين (عليه السلام) كانت الحركة الوحيدة التي تخشاها السلطات فإن كافة التجهيزات العسكرية كانت تعنى بها أولاً وبالذات. فما هو وجه الاستبعاد بعد هذا البيان.

ث- إن المراقب لمجريات الأمور قبل الواقعة وإبانها وبعد انتهائها يجزم بأن التجييش والنفير العام الذي قامت به السلطة آنذاك كان بمثابة استفتاء شعبي عمدت إلى إنهائه -ترهيبًا وترغيبًا- لمصلحتها وبنتيجة حاسمة تقطع الطريق أمام أية حركة أخرى، ولم يكن المقصود مجرد الظفر على تلك الثلة الطيبة.

فما هو وجه الاستبعادِ بل النفيِِ القاطعِ لضخامة العدد؟!

وما هو المسوغ لتكذيب ما ورد؟!

النموذج الثالث: عددُ القتلى:

وأرى بأن أساس نفيه هو الجزم بكون الواقعة خالية من العنصر الغيبي.

وهو توهم محض فإن قائد المعسكر هو ابن من كان سيفه معجزة تتقاصر دونها الفرسان.

وقد يعين الفارس على نفسه.

ومما يقرب الصورة ما ورد في جملة من المصادر المعتبرة من فرار العسكر بين يديه فرار المعزى([25])، ومن تأمّل في كيفية فرار المعزى وقف على ما يستلزمه مثلُ هذا الفرار.

والقتل إذا ما كان بفعل الحملة فإنه ينسب لصاحبها حتى ولو لم يباشره بصارمه.

وقد يكون استعمال القوة الإلهية أبلغ في إلقاء الحجة وإتمامها.

نعم ما ينافي الغرض هو حسم المعركة بعامل غيبي ولا ينافي ذلك اشتمالها على بعض العناصر الغيبية ما لم تصل إلى ذلك الحد.

ونحن إذ لم نكن ملزمين بإثبات ما أرادوا نفيه، ولسنا بصدد توثيق ما ردّوه، يكفينا أن نقول بأنَّ المصادر وإن لم تنص على اشتمال القتال على العنصر الغيبي، وتسلح المعسكر الحسيني بالمدد الإلهي، لكنَّ المتأمل في التفاصيل التي تعرضت إليها من طبيعة الحملات، وكيفية المبارزات، وجزئيات الحوارات، ومفردات الأفعال وردودها، لَيَقف على نحو الجزم بأن المصادر ذكرت اللازم دون الملزوم؛ إذ لا يعقل أن تقع مثل تلكم الحوادث المدهشة إلا بقوة ربانية، ومدد إلهي وعامل غيبي.

وأما من لم يؤمن بالغيب فأبلغ عقله عني السلام.

النموذج الرابع: عقدُ قران القاسم بن الحسن (عليه السلام)

من الموارد التي أثارت حفائظ غيارى العقلانية والتعقل قضية عرس سيدنا القاسم (عليه السلام)، فأتحفونا بما جادت به قرائحهم الفياضة استهجانًا واستنكارًا وتنديدًا بمن يبني على ما جرت عليه القرون في الحواضر الشيعية من إحياء مراسم التفجع الموسومة بعرس القاسم عرّيس واقعة الطف، وقد أمطروا خطباء المنبر الحسيني الشامخ بوابل نيران النقد اللاذع متهمين إياهم باجتراح جريمة التزييف التاريخي لهذه الواقعة العظمى مستندين في حملتهم تلك تارة: على عدم وجود الإثبات التاريخي والنص المعتبر. وأخرى: على عدم تعقل قيام سيد الشهداء (عليه السلام) بمثل هذا الأمر في خضم الأحداث المهولة التي تذهل كل مرضعة عما أرضعت والتي تنأى بالتفكير فيما هو أهم بكثير من عقد قِران غلام لم يبلغ الحلم على ابنة عمه وفي خيمة تتوسط الهيجاء بين أعمدة الدخان وصهيل الخيول العادية وزعيق الفرسان واصطكاك الأسنة وتطاير الرؤوس وتطايح الأيدي وأنين اليتامى وصراخ الأيامى واستغاثات العطاشى.

المصادر التاريخية لعرس القاسم:

إنَّ القضية لم تنطلق من نسج خيال العوام ولم تُبتدَع بفعل تفاعل عاطفيٍّ ساذج. بل نقلها ثلةٌ من العلماء الأفذاذ.

فأوّل مَن وصلَ إلينا نقله لهذه الواقعة هو العَلّامة المفسر الأديب الفلكي المولى حسين الكاشفي([26]) في روضة الشهداء([27]) وهو من أعلام القرن التاسع، وقد توفي في السنة العاشرة بعد التسع مائة للهجرة، وقد ألف كتابه المذكور في منتصف القرن التاسع على ما ذُكر. ثم تلاه من لم يعهد عنه غير التحقيق والتدقيق في خبرويّة مشهود له بها من قبل علماء التراجم مزدانة بوثاقة وورع مجمع عليه، وهو العلامة المحدّث الفقيهُ اللغوي المؤرخ المتبحر أعبدُ أهل زمانه وأورعهم الشيخ فخر الدين الطُّريحي (قدس سره) والذي ذكر الواقعة بأكملها في كتابه المنتخب([28])، وقد ذكرها أيضًا بتفاوت يسير: معاصره العلامة النسابة الجليل والمؤرخ الشهير السيد ضامن بن شدقم الحسيني المدني في كتابيه: (تحفة لب اللباب في ذكر نسب السادة الأنجاب) و(تحفة الأزهار).

نص رواية العرس:

نقل غير واحد من الأعلام هذه الرواية عن العلامة الطريحي ولم يتعرض أحدٌ منهم إلى رواية العلامة ابن شدقم، لذا ارتأيت نقلها عنه بلفظه، حيث قال في كتابه تحفة لب اللباب:

«السيد القاسم بن أبي محمد الحسن السبط (عليه السلام) قد حضر مع عمه الحسين (عليه السلام) وقعة الطف، فاستأذنه في البراز، فقال له (عليه السلام): يا بن أخي أنت لي من أخي علامة، فأريد أن تبقى لي لأتسلى بك، فجلس مهمومًا مغمومًا واضعًا رأسه بين ركبتيه حزين القلب باكيًا.

فذكر أن أباه (عليه السلام) قد عقد له عوذة في عضده الأيمن وقد قال له: يا بني إذا أصابك ألمٌ أو همٌّ فحلها واقرأها وافهم معناها واعمل بكل ما تراه مكتوبًا فيها، فعند ذلك حلّها وقرأها، فهذا ما وجده مكتوبًا فيها:

يا ولدي يا قاسم أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإذا رأيت عمك الحسين (عليه السلام) بكربلاء وقد أحاطته الأعداء، فاطلب منه البراز ولا تترك الجهاد بين يديه على أعداء الله ورسوله وأعدائه، ولا تبخل عليه بروحك، فإذا نهاك فعاوده حتى يأذن لك لتحظى بالسعادة الأبدية.

فنهض القاسم إلى عمه (عليه السلام) وعرض عليه العوذة فتنفس الصعداء وقال (عليه السلام) له: يا بني هذه وصية لك من أبيك وعندي وصية أخرى منه لك فلا بد من إنفاذها، ثم نهض (عليه السلام) آخذًا بيده وبيد أخويه عون والعباس ودخل بهم الخيمة، وأمر أخته زينب بإحضار الصندوق، وفتحه واستخرج منه قباء أخيه الحسن (عليه السلام) وعمامته، فألبسهما القاسم وعقد له على ابنته وأدخله عليها وخرج عنهما.

فجعل القاسم ينظر إليها وهو يبكي، فسمع القوم ينادون: هل من مبارز؟! ما من مبارز؟! إن القوم قد ذلّوا.

فنهض مسرعًا يقول: إن هذا وقت البراز إلى القتال ليس فيه أعراس ولا حطة عقال وسنلتقي إن شاء الله الواحد المتعال، فقال له عمه (عليه السلام): يا بن أخي أتمشي برجليك إلى الموت؟!

فقال: لم لا تكون روحي لك الفداء ونفسي لك الوقاء، إذ لا صديق حميم يحميك ولا ذاب يذب عنك ولا دافع يدفع عنك.

ثم إن الحسين شق أزياق([29]) القاسم وقطع عمامته نصفين فعممه بنصف ودلّى نصفها الثاني على وجهه وكفنه بثيابه وقمّطه بسيفه وأمره بالبراز»([30]).

ملاحظات مستفادة:

وهنا لا بد من الإشارة لبعض النقاط المستفادة من هذه الرواية:

ألف: اندفاع القاسم التلقائي لأداء دوره الفدائي وذلك قبل اطلاعه على وصية أبيه.

ب: امتياز القاسم في كونه علامةً للسبط الأكبر دون سائر إخوته حيث لم يرد في حق أحدهم مثل هذا النقل، ومن هنا نرى بأن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يرى فيه السلوة المذكِّرة بأخيه كما كان علي الأكبر علامة مذكِّرة بشخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).

ج: إن ما اعترى الفتى من هَمّ وغَم لعدم الإذن له بالقتال يدل على أنه كان يحمل رؤية فريدة للجهاد والفداء بين يدي عمه (عليه السلام). فهو لا يرى في ذلك واجبًا مفروضًا لا بد من تأديته للخروج عن عهدته، بل كانت نفسه المقدسة توّاقة ترقب ساعة الوصال تلك بفارغ الصبر، فالموت عنده بتلك الطريقة أشهى من العسل كما سبق ما نقلناه عنه. وهنا تظهر مصداقية قول الشاعر في حقه وحق أمثاله من فتيان كربلاء:

أطفالهم بلــغوا الحــلوم بقـربهم
 

 

شوقــًا إلى الهيجــاء لا الحســـناء
 

قد كانت هذه هي الرؤية السائدة لدى أبناء المعسكر الحسيني على تفاوت درجاتهم واختلاف أعمارهم ومنابِتهم وألسنتهم، وهو أمر يثبته ما تواتر في الأدلة التاريخية من سلوكياتهم التي مارسوها في ساحة الوغى، مما يقطع معه بصحة مضمون ما روي عن سيدهم أمير الفداء (عليه السلام) من قوله -مطمئنًا عقيلة الطالبيين- ليلة الأضحى الكربلائي:

«أما والله لقد بلوتهم فما رأيت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه»([31]).

د: إن ما وجّهه الإمام الحسن (عليه السلام) لولده من خطاب بشأن تلك الوصية التي أودعها إياه في العوذة المذكورة يدل على عناية خاصة من ذلك الجانب الرفيع كما يدل على وعي كبير كان يمتلكه القاسم الذي لم يكن في حينها إلا فتى دون الخامسة عشر من العمر.

هـ: كون تزويج القاسم وصية معهودة من السبط الأكبر لأخيه السبط الشهيد تجعل منها قضية مبدئية تتجاوز حدود القضايا العائلية المحضة، فالوصية الأولى والتي كان المخاطب فيها القاسم مباشرة كانت تحمل أمرًا بالجهاد حتى الفوز بالسعادة الأبدية، وأما الوصية الأخرى والتي كان الواسطة في إبلاغها سيد الشهداء ففيها الأمر بالتزويج مقدمًا على الجهاد والشهادة، وفي ذلك دلالات منها:

1 - إن مسألة الزواج والعلقة الزوجية ليست في عمقها علاقة جسدية غرائزية، بل الأساس فيها عهد روحاني وارتباط معنوي تباركه السماء ليلتف بالرحمة الإلهية مضافًا إلى الوشائج العاطفية، ومن هنا لا تسقط أهميته إذا ما علم تعذر إقامة تلك العلاقة للظروف المحيطة أو لعدم المقتضي في أحد الزوجين أو كليهما.

2 - إنها لا ينتهي أمدها بانقضاء هذه الحياة الدنيا بل تمتد أبعادها إلى عالم الخلود، وهذا ما تفيده جملة من آي الكتاب المحكم، ولذا لا يعتد بقصر المدة في هذه النشأة وطولها.

قال جل علاه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}([32]).

وفي آية أخرى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}([33]).

فالزوجية كالعلقة النسبية تمتد إلى النشأة الآخرة في وجودها وآثارها.

3 - إن امتثال الأمر والنهي الشرعيين لا يترك لمجرد الاستنسابات البشرية، فقضية النهي عن العزوبة وأن العزاب هم شرار موتى الأمة وغير ذلك مما ورد مؤكدًا في الشرع المقدس تبقى على إطلاقها تبعث الكُمّل نحو الامتثال حتى ولو لم يكن الحكم إلزاميًا.

4 - إن مدرسة الطف توجت القاسم أميرًا للعِرِّيسين وبذلك نصبته مثلاً أعلى لهم وحجة كبرى عليهم لتتم محاكاتها لجميع الشرائح والطبقات والأحوال الاجتماعية في رسالتها المفتوحة للأجيال.

و: إن ما قامت به يد العصمة من تخصيص القاسم بتعميمه بعمامة أبيه السبط الأكبر (عليه السلام) وإلباسه قباءه، وبناءً على ترميزيّة الرسالة والقصدية التي تحكم جميع مفرداتها ومكوناتها كما أثبتناه في بحثنا المشار إليه، تدل على أن رابع أصحاب الكساء كان حاضرًا في الملحمة العاشورائية ممثَّلاً بولده، وأن القاسم كان الوجود التنزيلي لأبيه الحسن (عليه السلام) دون سواه في تلك المنازلة.

النموذج الخامس: طلبُ الماء

ووجه استشكالهم هو توهم لزوم ذلك ظهور سيد الأباة بمظهر الذلة والمهانة.

وهو مردود لأن الذلة إنما تكون إذا طلب الإنسان من غيره ما ليس له، أما المطالبة بما هو من أدنى حقوقه فأية مذلة فيها.

والماء من الحقوق البديهية لأي إنسان حتى ولو كان عدوًا، فهو (عليه السلام) إنما طلب ما هو حق مشروع له، وهو الذي كشف المشرعة في صفين فأروى أهل الكوفة ولم يمنع منه أهل الشام، وهو الذي صلى الإستسقاء فأمطرت السماء ورفع الجدب عن البلاد إبان حياة أبيه (عليهما السلام).

ثم إن في طلبه تحقيقًا لمرامي نهضته من استدرار المشاعر الإنسانية وإظهار قبح التسافل المعنوي الذي منيت به الأمة بفعل المتسلطين عليها.

وهذا يصلح ردًا على إشكالهم الآخر في طلبه الماء لطفله.

النموذج السادس: خروجُ ربات الخدور ناشرات الشعور:

هناك زيارة نقلها الشيخ الجليل محمد بن المشهدي تحت عنوان: "زيارة أخرى يزار بها في يوم عاشوراء"، في كتابه المزار ثم قال: ومما خرج من الناحية (عجل الله فرجه الشريف) إلى أحد الأبواب..

ونقلها السيد رضي الدين بن طاوس في مصباح الزائر فقال: زيارة كان يزور بها الشريف المرتضى..

تشتمل هذه الزيارة على مضامين عالية وعلى صور مفجعة ومنها:.. فلما رأين النساءُ جوادَك مخزيًّا، ونظرن سرجك عليه ملويًّا، برزن من الخدور، ناشرات الشعور..

فقامت قيامة البعض واعتبروا ذلك جريمة تاريخية كبرى تنسب إلى ربات الخدر النبوي وهي مخالفة الشرع الأقدس بنشر شعورهن.

ولو كلفوا أنفسهم التأمل في المصادر اللغوية لعلموا أن النشر لا يقابله الستر ليكون بمعنى الكشف وإنّما يقابله الطي واللف ومن ثم كثر التعبير باللف والنشر.

قال الخليل: ونشرت الثوب والكتاب نشرا: [ بسطته ]([34]).

وقال ابن فارس: ( نشر ) النون والشين والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وتشعبه.. خلاف طويته([35]).

وقال الزبيدي: النشر: خلاف الطي، كالتنشير، نشر الثوب ونحوه ينشره نشرا. ونشره: بسطه، وصحف منشرة، شدد للكثرة.

وفي خبر عمار بن موسى الساباطي عن الإمام الصادق (عليه السلام): ... وعن المرأة تغتسل وقد امتشطت بقرامل ولم تنقض شعرها كم يجزيها من الماء؟

 قال: مثل التي نشرت([36]) شعرها وهو ثلاث حفنات على رأسها([37]).

ولنساء العرب أساليب في إظهار الجزع عند المصيبة كشق الجيب ولطم الخد.

ولما كانت المرأة العربية شديدة الاهتمام بشعرها حريصة على تطويله وتصفيفه في غدائر وضفائر تضفي عليه رونقا ساحرا كان من أهم آيات التفجع ومظاهر الجزع وعلامات الحداد إرساله ونفشه بحلّ ضفائره وعقائصه.

وإذ أصبح هذا الفعل شعارًا استعمل من باب الاستعارة في الشعر العربي كما في عينية ابن أبي الحديد حيث قال:

والشمس ناشرة الذوائب ثاكل
 

 

والدهر مشقوق الرداء مقنع
 

وقد ترسخت هذه الأعراف حتى أصبحت سلوكًا ارتكازيًا يُمارَسُ دون تكلفٍ، كما يُستخدَم كرسالة لإبلاغ موقف أو إيصال مفهوم ما.

وهو ما هددت به الصدّيقة الشهيدة ÷ عصابة المنقلبين حينما اقتادوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالت:

والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري، ولأشقن جيبي، ولآتين قبر أبي، ولأصيحنَّ إلى ربي..

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والله، إن نشرت شعرها، وشقت جيبها، وأتت قبر أبيها، وصاحت إلى ربِّها، لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [ وبمن فيها ]..([38])

فتظهر الجزع لربها وتستصرخه مستعدية على القوم فيتجاوب عالم الملك لذلك بأمر مالكه.

ويتحصل من جميع ما تقدم

أ - أن النشر لم يؤخذ في مفهومه الكشف ولا الستر فهو لا بشرط بالنسبة إلى كلا المفهومين.

ب - عدم الملازمة المصداقية بينه وبينهما.

ت- كونه سلوكا رائجا عند نساء العرب يدل على قمة التفجع.

ث- أنه من صغريات الجزع، فهو أمر محبوب إذا ما كان انتصارًا لقضية محقة أو تفاعلاً معها، وفي طليعتها قضية الإمامة.

جـ- أن الزيارة المذكورة حيث نسبت نشر الشعر إلى ربات الخدر الحسيني كان ذلك قرينة على أنه لم يقترن بما نهى عنه الشرع المبين من الكشف الذي هو -في كل الأحوال- أجنبي عن النشر مصداقًا ومفهومًا.

 النموذج السابع: فاطمةُ بنتُ الحسين (عليه السلام) المخلّفة في المدينة

أنكر وجودها بعض الباحثين وذلك لعدم استقصائهم زوايا الكتب التاريخية، فنسبوا قصتها إلى اختلاق أهل المنبر تسرعًا، مع أنها ذكرت في جملة من المصادر المعروفة كتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر([39])، وتلخيصه لابن منظور، وفرائد السمطين للجويني الشافعي، وبغية الطلب لابن العديم على ما حكي عنه، والخوارزمي في مناقبه، وقد نقلها عنه العلامة المجلسي في بحار الأنوار حيث قال:

«رُويَ في كتاب المناقب القديم، عن علي بن أحمد العاصمي، عن إسماعيل بن أحمد البيهقي، عن أبيه، عن أبي عبد الله الحافظ، عن يحيى بن محمد العلوي، عن الحسين بن محمد العلوي، عن أبي علي الطرسوسي، عن الحسن بن علي الحلواني، عن علي بن يعمر، عن إسحاق بن عباد، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه ثم تمرغ ثم طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي (عليهما السلام) وهي الصغرى، فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاءً شديدًا وأنشأت تقول:

نعب الغراب فقلت من
قال الإمام، فقلت من؟!
إن الحسين بكربلا
فابك الحسين بعبرة
قلت الحسين؟! فقال لي
ثم استقل به الجناح
فبكيت مما حل بي
 

 

تنعاه ويلك يا غراب
قال الموفق للصواب
بين الأسنة والضراب
ترجي الإله مع الثواب
حقا لقد سكن التراب
فلم يطق رد الجواب
بعد الدعاء المستجاب
 

قال محمد بن علي: فنعته لأهل المدينة فقالوا: قد جاءتنا بسحر عبد المطلب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي (عليه السلام)»([40]).

أقول: المشهور بين أهل السير كون فاطمة الصغرى هي صاحبة الخطبة المعروفة في مدينة الكوفة، وهي زوج سيدنا الحسن المثنى، وقد كانت مع ركب السبايا. لكن هذه الرواية تصرح بكون الصغرى هي المخلفة في المدينة، ومع الاشتراك في الاسم فقد يقع فيه ما وقع في اسم علي بن الحسين من الاختلاف في تعيين الأكبر من الأصغر منهما، فإذا اختلف في الرجال مع كون أحدهما إمامًا، فكيف بعقائل النبوة وحليفات الخدور؟! فلا مجال لاستبعاد الحادثة المذكورة بحجة كون فاطمة بنت الحسين الصغرى مع ركب السبايا كما ذهب إليه ابن عساكر بل يستفاد منها تعدد البنت المسماة بفاطمة.

نكتفي بهذا القدر من النماذج ولدينا مزيد، سائلين المولى أن يوفق الباحثين للمزيد من العمل في هذا السبيل تلبية لاستنصار إمام الهدى وسيد الشهداء (عليه السلام).

ــــــــــــــــــ

الهوامش

([1]) ألقي هذا البحث في شهر شعبان من عام 1431 للهجرة في مهرجان ربيع الشهادة العالمي والذي تقيمه العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية في كل عام بمناسبة ذكرى ميلاد الإمامين الحسين والسجاد وأبي الفضل العباس (عليهم السلام)، وقد أضيفت إليه فيما بعد بعض التعديلات التي اقتضاها المقام.

([2]) كشف الغمة للقاضي الإربلي ج2 ص239، اللهوف للسيد ابن طاوس ص38، نزهة الناظر للحلواني ص86، مثير الأحزان لابن نما الحلي ص29، معارج الوصول للزرندي الشافعي ص94، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج44 ص367، عوالم الإمام الحسين للعلامة الشيخ عبد الله البحراني ص217، لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين ص70، المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص207.

([3]) بصائر الدرجات للصفار 502، دلائل الإمامة للطبري الشيعي ص 188 ونوادر المعجزات ص110 له أيضًا، الخرائج والجرائح للراوندي ج2 ص771، ذوب النضار لابن نما الحلي ص29، الدر النظيم لابن حاتم العاملي الشامي ص532، اللهوف للسيد ابن طاوس ص41، مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ج3 ص461، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج42 ص81، أعيان الشيعة ج1 ص620 ولواعج الأشجان ص 256 للسيد محسن الأمين، المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص104.

([4]) الإرشاد للشيخ المفيد ج2 ص76، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج44 ص375، عوالم الإمام الحسين للعلامة الشيخ عبد الله البحراني ص225، أعيان الشيعة ج1 ص596 ولواعج الأشجان للسيد محسن الأمين ص88، وراجع تاريخ الطبري ج4 ص301 ومقتل أبي مخنف الأزدي ص80

([5]) كامل الزيارات لابن قولويه ص157، بحار الأنوار ج45 ص31، عوالم الإمام الحسين للعلامة الشيخ عبد الله البحراني ص156.

([6]) تاريخ دمشق ج14 ص216، سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص306، تاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص12، البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص183، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد ص64.

([7]) بحار الأنوار: ج44 ص331، وعنه: المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين .

([8]) دلائل الإمامة للطبري الشيعي ص74 وعنه اللهوف للسيد ابن طاوس ص61 وبحار الأنوار ج44 ص364.

([9])  البقرة من الآية 195 .

([10]) التبيان للطوسي ج2 ص152.

([11]) البقرة:54.

([12]) الكهف:74.

([13]) الصافات: 102.

([14]) الصافات: 103 ـ 105.

([15]) الجمل للشيخ المفيد ص182، وقد ذكرت الحادثة في: تاريخ الطبري ج4 ص511, وشرح الأخبار للقاضي النعمان.

([16]) الخرائج والجرائح للراوندي ج2 ص756، ومجمع الزوائد للهيثمي ج6 ص241، والمعجم الأوسط للطبراني ج4 ص228، وكنز العمال للمتقي الهندي ج11 ص290، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي ج33 ص386.

([17]) المسائل العكبرية ص70.

([18]) أجوبة المسائل المهنّائية ص148.

([19]) راجع الدرر النجفية ص84 فما بعد.

([20]) راجع على سبيل المثال: بصائر الدرجات، باب في الأئمة أنهم ورثوا علم أولى العزم من الرسل وجميع الأنبياء وأنهم صلوات الله عليهم أمناء الله في ارضه وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب، والكافي ج1 ص223 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم وكذا باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم، وأمالي الطوسي ص166، وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج2 ص547، والاختصاص للمفيد ص77، وعيون المعجزات للحسين بن عبد الوهاب ص88، والثاقب في المناقب لابن حمزة ص121، المناقب لابن شهر آشوب ج2 ص94 إلى 112، والمحتضر للحسن بن سليمان الحلي ص155، وتفسير فرات الكوفي ص283، ورجال الكشي ج1 ص291، والمجدي لعلي بن محمد العلوي ص51، والفضائل لابن عقدة ص125، ونهج الإيمان لابن جبر ص 271 و641، وأعلام الدين للديلمي ص463.

([21]) فليراجع على سبيل المثال لا الحصر: المعارف السلمانية للعلامة السيد عبد الحسين الموسوي اللاري، وعروض البلاء على الأولياء للعلامة السيد هادي الخراساني وهي رسالة فريدة ساق فيها عشرين وجهًا تحقيقيًا في هذا المقام، وإقدام المعصوم على ما فيه قتله، ورسائل في علم الإمام للعلامة المظفر والشيخ شهاب الدين الإشراقي والمرجعين الشيخ الفاضل اللنكراني والشيخ الصافي الكلبايكاني والشهيد السعيد السيد محمد علي القاضي الطباطبائي، وهناك أيضًا رسالتان للعلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان في علم الإمام، ورسالة في علم الأئمة بالغيب والاعتراض عليه بالإلقاء إلى التهلكة لسيدنا الأستاذ العلامة الرجالي المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي (دامت إفاضاته) وقد طبعت في مجلة (تراثنا) الغراء الصادرة عن مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) في قم المقدسة العدد الرابع السنة التاسعة 1414 للهجرة وهي مقالة جليلة تناولت الشبهة من أساسها وأحاطت بكافة جوانبها.

([22]) شرح الأخبار للقاضي النعمان ج3 ص143، وتاريخ دمشق لابن عساكر ج14 ص197.

([23]) راجع على سبيل المثال: المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص176، وتاريخ دمشق ج14 ص190 و195و196و197، ومقتل الخوارزمي ج1 ص232 و234 و236 و237 و238، والصواعق المحرقة لابن حجر المكي ص295، وتلخيص المستدرك للذهبي ج3 ص176، وصحيح ابن حبان ج15 ص142، ومسند أبي يعلى الموصلي ج6 ص129، المعجم الكبير للطبراني ج3 ص120. وللمزيد راجع فاجعة الطف للمرجع الديني السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم ومقتل الحسين من موروث أهل الخلاف لأخينا الفاضل الشيخ زهير الحكيم القطيفي ج1 الفصل الثاني في الأخبار الغيبية عن الشهادة الحسينية.

([24]) راجع على سبيل المثال: مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج2 ص261، تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى ص227، الدر النظيم لابن حاتم العاملي ص546، التاريخ الكبير للبخاري ج1 ص356، تاريخ دمشق ج14 ص301، سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص292، تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج2 ص307، البداية والنهاية لابن كثير ج6 ص259، السيرة الحلبية ج1 ص270، إمتاع الأسماع للمقريزي ج12 ص241، جواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص275، سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ج11 ص78، السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص100، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج45 ص96، لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين ص74.

([25]) راجع على سبيل المثال: روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص189، الإرشاد للشيخ المفيد ج2 ص111، تاريخ الطبري ج4 ص345، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج4 ص77، البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص204، مقتل أبي مخنف ص180.

([26]) من أعلام القرن التاسع، وقد أدرك العقد الأول من القرن العاشر، وقد تعرض في العقود المتأخرة إلى هجمة عنيفة ارتكزت على ما أتى به في كتابه المذكور، وقد خفيت منزلته العلمية وشخصيته المعرفية بسبب ذلك إلى حد أصبح يضرب به المثل في السذاجة والجهل، وتسطير الأساطير. ورسمت للناس عن كتابه صورة مجانبة للواقع حتى عدّوه مجمعًا للسفاسف والأوهام، ومثالاً للتزوير والاختلاق، ودأبُ الناس في عصرنا هذا ترجيع صدى كلمات الناقدين بوتيرة ببغائية تريحهم من عناء التحقيق، ولذا كان لابد من وقفة استشرافية نتطلع من خلالها وبتجرد إلى مكانة المصنِف وماهية المصنَف من خلال كلمات أرباب التراجم والفهارس حيث يرجع إليهم في أمثال هذا المقام.

قال صاحب رياض العلماء: «الصوفي الشاعر الأديب المنشي الفاضل العالم الفقيه المحدث المفسر المنجم الجامع لأكثر العلوم حتى لعلوم السحر والأعداد والنجوم واسرار الحروف والجفر وغير ذلك وله في كل فن تأليفات وكان في عصر السلطان حسين ميرزا بايقرا أيام وزارة الأمير بشير علي أو علي شير له بل أدرك زمن السلطان الغازي الشاه إسماعيل الصفوي وكان يتهم في هراة وسائر بلاد ما وراء النهر بالتشيع وفي سبزوار وسائر بلاد الشيعة بالتسنن والتحنف والتشفع وخاصة من صحبته للأمير شير علي ومصاهرته المولى الجامي وهما من غير الشيعة حتى أنه كان ذات يوم في كاشان أو سبزوار يعظ الناس على المنبر ويفسر لهم القرآن فجرى ذكر نزول جبرائيل على الرسول (صلى الله عليه وآله).

فقال إنه نزل عليه ألف مرة فقام رجل من أهل المجلس فقال له وكم مرة نزل على علي (عليه السلام)؟!

فتحير في الجواب؛ لأنه إن قال لم ينزل عليه خشي أن يظن العوام به غير التشيع وإن قال نزل عليه فجبرائيل لم ينزل إلا على الأنبياء، فقال نزل عليه ألفي مرة.

فقال السائل: وكيف ذلك، فقال: لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وإذا كان جبرائيل قد نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) ألف مرة، فلا بد أن يدخل من الباب ويخرج منه فكلما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) مرة يكون قد نزل على علي (عليه السلام) مرتين فتخلص من جهال العوام بهذا الجواب.

وأكثر تصانيفه لا سيما تفسيراه مؤلفة على طريقة غير الشيعة وأدرج فيها طرائق الأحاديث الصوفية، ولذلك يظن عدم تشيعه لكن تشيعه عندي واضح. وقال: له ولد فاضل اسمه علي بن الحسين.

وعن حسن بك روملو في تاريخه: إنه كان فائقا على أهل زمانه في علم النجوم والإنشاء وله حظ في سائر العلوم.

وقال صاحب الأعيان: وفي مسودة الكتاب ولا أعلم الآن من أين نقلته: واعظ جامع للعلوم الدينية عارف بالمعارف اليقينية عالم بعلم الحديث والتفسير والرياضيات والحروف، حسن التقرير هاجر في أول أمره إلى هراة ولازم سلطانها مير شير علي وتزوج أخت ملا عبد الرحمن الجامي الصوفي ولهذا نسبه أهل بلده المتصلبين في التشيع إلى التسنن.

وعن القاضي الشهيد نور الله التستري في مجالس المؤمنين ما تعريبه: إن المولى الفاضل الحسين الواعظ الكاشفي السبزواري كان مجمعًا للعلوم الدينية وسفينة للمعارف النفسية وكان له اطلاع على العلوم الغريبة كالجفر والتكسير والسيميا وكان ماهرًا في علم النجوم وكان له نفس مؤثرة وعبارات مقبولة وكان في غاية البلاغة والفصاحة.

وفيه عن التاريخ المسمى حبيب السير: أن المولى حسين الواعظ هذا كان لا نظير له في علم النجوم والإنشاء وكان متفوقًا على أقرانه في سائر العلوم وكان يعظ الناس بصوت حسن جميل ويبين معاني الآيات البينات القرآنية وغوامض أسرار مقاصد الأخبار النبوية بعبارات لائقة وإشارات رائقة وكان يعظ الناس صباح يوم الجمعة في المسجد الجامع الذي بناه الأمير شير علي بهراة ويوم الثلاثاء في المدرسة السلطانية ويوم الأربعاء في مزار الخواجة أبي الوليد أحمد وكان في أواخر أيام حياته يعظ الناس مرة يوم الخميس في حظيرة السلطان أحمد ميرزا ومصنفاته كثيرة وآثاره غزيرة وكان شاعرا بالفارسية وله قصائد في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأورد بيتين من بعض قصائده حاصل ترجمتها: إن سؤال إبراهيم (عليه السلام) بقوله: ومن ذريتي بعد قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ ومطابقة الجواب للسؤال بقوله تعالى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ وعلو مقام إبراهيم (عليه السلام) عن طلب المحال دليل واضح على أن الإمامة لا تليق بمن كان أكثر عمره في الخطأ.

وقد عرّفه العلامة المحقق أبو الحسن الشعراني في مقدمته على روضة الشهداء قائلا ما تعريبه: من أكابر أهل العلم والدين وأركان المؤلفين وأساتذة الأدب والنثر والذي قلما يتذكر الدهر نظيرا له..

وعنون له الأستاذ عمر كحالة في معجم المؤلفين فقال:

صوفي، أديب، شاعر، فقيه، محدث، مفسر، منجم..

وتبين من جميع ذلك: أن المصنف شخصية علمية موسوعية جامعة ذو تاريخ إجتماعي وسياسي فريد مما يدل على رجحان عقل وديناميكية ملفتة نادرة الوجود ثم إن كون منبته ومحتده في مدينة سبزوار ـ التي ما انفكت ثابتة على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على رغم التقلبات المذهبية التي شهدتها بلاد فارس ـ شاهد على تشيعه ولعل الظروف التي عاشها فرضت عليه منهج المداراة الذي مكنه من أداء رسالته.

وأما كتابه «روضة الشهداء» فهو كتاب فريد في بابه لم يسبقه إليه الأولون ولم يلحق به الآخرون صاغ فيه المأثور من المصائب التي كابدها الأنبياء ثم عطف على مصائب العترة الطاهرة ولا سيما سيد الشهداء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولعن الله ظالميهم من الأولين والآخرين ـ وقد اعتمد في مادته على مصادر كثيرة منها ما هو معتبر مشهور، ومنها ما هو مجهول مفقود لم يصل إلينا منه عين ولم نعثر له على أثر فكان متفردا في نقل جملة من التفاصيل التاريخية قال العلامة الشعراني في مقدمته المشار إليها: إن كثيرًا من الكتب والروايات التي ينقلها المؤلف ليست موجودة في عهدنا وقد نعد بعضها ساقطًا عن الاعتبار لكن حاشا لهكذا رجل أن يأتي بكلام دون دليل.

ولا ريب في أن موقعه المقرب من السلطان في بلاد الأفغان مكنه من الحصول على المزيد من نفائس التراث التي بعثرتها يد الزمان فذوبها المصنف في قالب قصصي بديع فكان الكتاب لوحة أدبية رائعة وعند مقارنة ما نقله من المصادر المتوفرة لدينا مع الأصل نراه دقيقًا في الترجمة جامعًا بين أمانة النقل وروعة السبك وبذلك احتل الكتاب مكانة رفيعة بين أبناء اللغة الفارسية طيلة قرون وتربع على المنبر الحسيني لا ينازعه في ذلك أحد حتى استغنى خطباء الفرس به عن عناء صياغة المصائب الحسينية فكانوا يقتصرون في مجالس العزاء على تلاوة نصوصه ومن هنا وإلى يومنا تسمى مجالس العزاء في إيران بمجالس (روضة) وقرّاء العزاء بـ (روضة خوان) وسرت التسمية إلى اللهجة العراقية حيث يطلق عليهم اسم (رَوزَخون) حتى تعرض إلى النقد اللاذع من قبل بعض العلماء ومنهم من له مكانته العلمية التي تخوله إسقاط ما ينقده عن الاعتبار في أعين الناس فخرّ هذا الكتاب صريعا منبوذا وشاطره في صرعته تلك كتاب «أسرار الشهادة» للفاضل الفقيه الدربندي قدس سره ونرى بأن الهجمة كانت تفتقر للكثير من التحقيق والتتبع والموضوعية وهناك بعض المفردات التي أخذت على الكتابين والتي زاغ بصر الناقد عن وجودها في جملة من المصادر التاريخية المعتبرة المتوفرة وللكلام صلة مذخورة إلى محلها.

([27]) روضة الشهداء للمولى حسين الكاشفي ص321.

([28]) منتخب الطريحي ص365 ـ 366 ومعالي السبطين للمازندراني الحائري ص450 عنه، ومدينة المعاجز ج3 ص366.

([29]) جمع زيق، وهو ما أحاط بالعنق من القميص.

([30]) تحفة لب اللباب في ذكر نسب السادة الأنجاب ص216 ـ 217 وتحفة الأزهار وزلال الانهار ج2 ص86 بمزيد من التفصيل.

([31]) المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة ص231 ومقتل الإمام الحسين للمقرم، ومعالي السبطين للمازندراني الحائري.

([32]) الرعد : 23 .

([33]) غافر : 8 .

([34]) كتاب العين 252:6

([35]) معجم مقاييس اللغة 430:5

([36]) في نسخة وفي نسخ أخرى: يشرب ونثرت

([37]) الفقيه 100:1

([38]) تفسير العياشي 2/67 .

([39]) تاريخ دمشق ج70 ص24.

([40]) بحار الأنوار ج45 ص171.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثامن عشر