من منطقة الملبار بولاية كيرالا الهندية إلى دبي عاصمة
دولة الإمارات العربية، مسافة قطعتها "كمالا داس" من
البوذية والهندوسية إلى الإسلام، من آسيا البوذية إلى آسيا
الإسلامية قَرابةُ قيم ومبادئ، عرفناها مع طاغور الذي
يلتقي مع الإسلام في كثير من قِيَمه المثلى التي عاشها،
ومع غاندي الذي تعلّم من الحسين × كيف يكون مظلومًا
فينتصر، من آسيا البوذية والهندوسية التي ساندت قضايانا
المحقة في نضالنا ضد الاستعمار والصهيونية في الخمسينات
والستينات، إلى آسيا الإسلامية حيث التقى بحر العرب مع بحر
الهند في أواصر صداقة ابتدأت عميقًا مع رحلات الصيف
والشتاء مطلع الدعوة النبوية، من الماضي إلى الحاضر،
تتلألأ أنوار الإسلام في قارة تواجه اليوم أطماع
الأمبريالية العالمية كما نواجه نحن تمامًا.
في تلك القارة الهندية النائية، وفي قرية "بونا يوركولام"
في منطقة "الملبار" بولاية كيرالا الهندية، وُلدت الشاعرة
والأديبة العالمية المحبوبة كما ينعتونها "كمالا ثريا" قي
31 آذار 1934م، في عائلة ميسورة الحال ذات ثروة أدبية،
تدعى "نالاباتو"، ابنة السيد "في يم نايار" محرر جريدة
محلية معروفة، والسيدة "بالامانياما" الشاعرة الماليامية
المشهورة. تزوجت في الخامسة عشرة، وهي تتكلم الماليامية
لغة ولاية كيرالا.
إبداعاتها
أحبّت "كمالا" الشعر والأدب في سن مبكرة، ومالت إليهما
بتشجيع من عمّها "نالابات مينون" وكان كاتبًا معروفًا، وفي
سنتها الثامنة قرأت الترجمة الماليامية لرواية البؤساء
لفيكتور هوغو، بعد أن نقلها عمّها من الفرنسية، كما تأثرت
بشاعرية أمّها "نالابات بالامانياما" وكانت شاعرة معروفة،
وكان الأدباء والشعراء يجتمعون في منزلها، وقد أسهم هذا
الجو الأدبي وحبّ جدّتها التي كانت تقصُّ عليها قصصًا
كثيرة في صقل موهبة "كمالا" ونضج إمكاناتها، وكانت تدعى
"آمي" بين المحبين والأصدقاء.
برعت "كمالا داس" بنظم الشعر وكتابة القصة، وتميّز أسلوبها
بالصدق والعفوية، وقد آثرت كتابة الشعر باللغة الإنكليزية،
والقصص الصغيرة بلغتها الأم (الماليالم). وتناولت مؤلفاتها
قضايا المرأة، مما أثار ضدها سيلاً من الانتقادات من
المجتمع التقليدي، بينما يصفها كثير من النقّاد برائدة
الشعر النسائي في الهند، وحملت نصوصُها أيضًا أصواتَ
الفقراء ومعاناتهم، ووقفت إلى جانبهم ودافعت عن حقوقهم.
كتبت "كمالا" قصائدها ونصوصها تحت ثلاثة أسماء وتوقيعات،
كتبت باسم "كمالا داس" باللغة الإنكليزية، ثم استعارت اسم
"مادوي كوتي" للنصوص الماليامية، وبعد إسلامها كتبت باسم
"كمالا ثريا" في الإنكليزية والماليالم.
من نتاجها في القصة كتاب "قصتي"، وقد ترجم إلى خمس عشرة
لغة، ونظمت في الماليالم ديوانًا بعنوان (يا ألله) و(يا
محمد) وذلك بعد اعتناقها الإسلام، وقد تَرجم "كليم أحمد"
-أحد الشعراء الهنود- قصائد منه إلى الإنكليزية، ثم تَرجم
المقطوعات الثلاث الأولى إلى العربية الشاعر والمترجم
الإماراتي الدكتور "شهاب غانم"، كما تَرجم لها قصيدتها
التأملية (موازي الحياة الغامض)، وتعبّر الشاعرة في هذه
القصيدة عن سؤالها حول الموت والحياة، ولها ديوان "امرأة
ضائعة"، وديوان "الروح وحدها تعرف كيف تُغنّي" باللغة
الإنكليزية، وقد أصدرته سنة 1996م،.
ولنشاطها الأدبي وسيرتها المعروفة حضور في العالم العربي،
فقد كرّمت "جمعية دبي" الشاعرة سنة 1996م مع مجموعة من
الشعراء منهم "شهاب غانم" وهو شاعر ومترجم إماراتي، ترجم
إلى اللغة العربية كثيرًا من نتاج كمالا الشعري، والشاعر
الهندي "يوسف علي" الذي أغنى الأفلام الهندية بكلمات
الأغاني، وقد رُشّحت "كمالا ثريا" لجائزة نوبل للآداب سنة
1984م مع الأدباء العالميين "مارغريت يورسنار" و "دوريس
ليسينج" و"نادين غورديمر"، كما أنها تلقّت العديد من
الجوائز، منها: جائزة الشعر الآسيوية، وجائزة كينز
الإنكليزية للكتاب من البلدان الآسيوية، وجائزةَ الآسيوية
العالمية، وجائزةً أكاديميةً هنديةً للأدب، وجائزة
أكاديمية كيرالا للأدب.
وإلى جانب كتابة الشعر والقصص والروايات برعت بالرسم
أيضًا، وكانت تتنقل في آخر أيامها على كرسي متحرك، حيث
أقامت مع أحد أبنائها في مدينة بوتا غربي الهند، وتوفيت
هناك في نهاية شهر أيار سنة 2009م.
كمالا والإسلام
ذكرنا سابقًا أن الشاعرة الهندية "كمالا داس" نشأت في
عائلة هندوسية، والهندوس -كما هو معلوم- من عُبّاد النار،
ولهم معتقدات مثيرة، إذ يؤمنون بتعدد الآلهة ولا مكان
عندهم لعقيدة التوحيد، و"برهما" عندهم هو الخالق، ولا
اعتقاد عندهم بجنّة أو نار وإنما الأنفس تنتقل بالتناسخ من
بدن إلى بدن، ثم إنهم يقدسون نهر الغانج والأبقار.
وقد نشأت كمالا في هذه البيئة وعاشت معتقدات قومها، وهي
تتحدث بنفسها عما حدث لها وانتقلت من بوذيتها إلى حضن
الإسلام الدافئ.
تذكر أنها قبل اعتناقها الدين الإسلامي بسبعة وعشرين
عامًا، حدّثت زوجها في الأمر، وأفصحت له عن رغبتها بالدخول
في الإسلام، وقد نصحها زوجها بالتريث وقراءة ما أمكنها من
الكتب التي تتحدث عن الإسلام، كي تتكوّن لديها قناعة
ذاتيّة ونفسيّة لهذا الأمر، فالقضية تحتاج إلى تبصّر وتروّ
وانتظار، ثم عادت إلى الفكرة نفسها بعد فترة قصيرة، لكنها
انتظرت ريثما يتزوج أولادها وتطمئن على أمورهم، سألتها
صحيفة انكليزية تدعى "أوف أنديا" عن أول احتكاك حقيقي لها
بالإسلام فقالت: [كان ذلك عندما تطوّعت لتعليم الأطفال
العميان في إحدى الجمعيات، فأُرسل -والحديث لها- لي طفلان
مسلمان، وكانت المواد الإسلامية من ضمن ما كان عليّ
تعليمهما].
كان لدورها التعليمي في هذه الجمعية أثر كبير في ترسيخ
قناعتها التي توّجتها في ما بعد -وتحديدًا سنة 1999م-
باعتناقها الإسلام علنًا، وقد أثار هذا الإعلان ضجة كبرى
في وطنها، كونها شخصية معروفة في الأوساط الهندية، كما
أنها تعرّضت لتهديدات بالقتل.
وقد غيّرت الشاعرة اسمها عند اعتناقها الإسلام، وأصبح
"كمالا ثريا" بعد أن كان "كمالا داس".
يروي الكاتب والشاعر الإماراتي الدكتور "شهاب غانم" شيئًا
عن قصتها في مجلة العربي عدد 599، بعد مشاركتهما وتكريمهما
سنة 1996م، من قبل جمعية "دبي كيرالي" في حفل أقيم في دبي،
وقد كُرّم إلى جانبهما الشاعر الهندي يوسف، وتمّ التعارف
بين الدكتور غانم والشاعرة الهندية، وتبادلا إهداء الكتب،
وفي تلك الأمسية التي جمعتهما تكرّمت كمالا ثريا بترجمة
إحدى قصائد غانم وقرأتها في الحفل، كما عمد الدكتور غانم
إلى ترجمة بعض قصائدها من الإنكليزية إلى اللغة العربية،
خاصة من ديوانها "الروح وحدها تعرف كيف تُغنّي"، كانت
كمالا ثريا آنذاك ترتدي عباءة سوداء، وقد سأل غانم عنها
أول الأمر، فأكدوا له أنها هندوسية، والهندسيون كما هو
معلوم يعبدون النار ويقدسون البقر، ويحرقون جثث موتاهم
وينثرون رمادها في نهر الغانج الذي يقدسونه، ويتباركون
بالغوص في مياهه، لأنهم يعتقدون أنه يدرّ عليهم البركة
والفأل الحسن ويجلب التوفيق.
كان اعتناق كمالا للإسلام مخاطرة بالنسبة لها، لقد استفحلت
الضجة حول عملها هذا، وتعرّضت لتهديدات بالقتل في وطنها،
خاصة بعد ارتدائها الخمار، وقد أدّى ارتداؤها الخمار
والحجاب -التزامًا بتعاليم الدين الإسلامي-، إلى انتشار
ظاهرة لبس الخمار والحجاب في كيرالا، وانعكس ذلك على
الحياة الاقتصادية، فازدهرت حوانيت ومحال عدة لبيع هذا
النوع من الملبوسات.
من نتاجها الشعري
إن معظم القصائد التي نتصدّى لها في هذه الدراسة نظمتها
الشاعرة بعد اعتناقها الإسلام، وقد ترجمت هذا الاعتناق
قولاً وفعلاً وممارسة، كرّست رحلتها إلى هذا الدين الحنيف،
رحلتها إلى الإيمان الحقيقي، بإصدارها ديوانًا نظمته
بلغتها المحلية "الماليم" بعنوان "يا ألله"، وقد تَرجم
"كليم أحمد" أحد الأدباء الهنود المقطوعات الأولى من
الديوان إلى اللغة الإنكليزية، ثم تولى الدكتور شهاب غانم
ترجمة ثلاث مقطوعات منها إلى اللغة العربية.
في هذه القصائد انخراط حقيقي وفعلي بالدين الإسلامي
وتعاليمه السمحاء، وأوّلها مناجاة كمالا ثريا لله سبحانه
وتعالى، وهي في أبيات قليلة تحدّد معنى الألوهية القائمة
على أن الله واحدٌ أحد، لا شريك له ولا شبيه، بالإضافة إلى
الحديث عن قدرة الله التي لا تحدها حدود، إنه المعبود
وحده.
تمحو حدودَ الأرضِ والأبعادْ
فلا تحدُّك الديارُ والجبالُ والمهادْ
لكنني أحويكَ في قرارةِ الفؤادْ
فهل فؤادُ المرءِ عالمٌ بلا حدودْ
يا ربُّ من أنتَ وحدَكَ المعبودْ
إن ما أشارت إليه الشاعرة في هذه الأبيات إشارة إلى حقيقة
أساسية في الدين الإسلامي، وهي قضية الإيمان المطلق بالله
سبحانه وتعالى ووحدانيته، فهي تدركه في الموجودات في قرارة
فؤادها، وهذا عائد ربما إلى تثقّفها بالقرآن الكريم، أو
نتيجة تأملات بالكون والطبيعة واستخلاص العبر الدينية
منها.
وتُناجي الشاعرة الله سبحانه في أداء شعري حنونٍ خاشعٍ
متبتل، فالدين بكل ما فيه حرية وانطلاق إلى الأبعاد، وما
هو بقيودٍ تحدُّ من حركة العقل والجسد:
يا أيها الذي ليس له حدودْ
يا رب يا أللهُ يا معبودْ
فلا قشور الدين أو أصدافه قيودْ
إذ أنت غاية الغايات في الوجودْ
وهكذا أسعى إلى ضيائكَ المديدْ
وظلُّكَ الظليلِ والممدودْ
كيما أنال السَّعدَ والصفاءْ
وأُغمضَ العينين في المنام في هناءْ
وأصدافه قيود
إذ أنت غاية الغايات في الوجود
وهكذا أسعى إلى ضياك المددي
وظلك الزليل والممدودوها
هي كمالا ثريا تؤكد مرة أخرى على وجود الخالق في كل زمان
ومكان، فهو لا تحده الأزمنة والأمكنة، وهو المعبود الواحد
الأحد الصمد.
والشاعرة مفعمة بالإيمان والخشوع، فهي تسعى إلى رضى الله
وثوابه وعفوه وجنّته التي عرضُها السماوات والأرض أعدت
للمتقين، وواضح في هذه الأبيات تأثرها بآيات من القرآن
الكريم في إشارتها إلى الظل الظليل الممدود وشمولية القدرة
الإلهية الكون بأسره.
وتشكر الله في قصيدة أخرى على أن أنعم عليها بالإسلام، لقد
أصبح الكون ملك يمينها، وتحصّنت بالإسلام الذي يحميها
بِقَيمه ومبادئه حيث لن يجرؤ أحد بعد الآن على الطعن بها
والنيل منها، فليست وحيدة في هذا العالم، معها حب الله
ونوره، وهي وحدها تسمع تسبيحاته في ما خلق ، وتُنعم أذنيها
وقلبها بألحان قوافيه الساحرة المخبئة في أعماق البحار.
لقد امتلكت بفضل معرفتها العميقة لله واعتناقها للإسلام
(من دون أن تسميه هكذا في القصيدة) امتلكت مكونات الحياة
السعيدة كلها، وأضحت تمتلك المعمورة وجمال الكون العظيم،
وهي هناك هداها الله إلى محبته وهي تعبر فيافي الطبيعة
وأنهارها لتصلي ضارعة إلى الله أن يهديها ويهبها نعمة
الإيمان.
وهكذا تحققت أمنيتها عندما صلّت للرب الواحد الأحد هناك،
وهطلت عليها أمطار الرحمة الإلهية عندما أشرق وجهها
بابتسامة لم تعهدها من قبل:
لن يجرؤ أحد أن يرميكِ بالحجارة بعد الآن
لا تبقي على آلام الحسرة في صدركِ
الهدوء الساحرُ المخبأ في أعماقِ
البحار المضطربةْ
أصبح ملككِ منذ اليوم
اللونُ الناعمُ للغروب
حيث يلتقي اليومُ الآفلُ باليوم الوليدْ
أصبحَ مُلككِ منذُ اليومْ
لقد عبرتِ البراري والقفارْ
والتلال والأنهار
لتصلي هنا
وعندما أصبحتِ تحتَ الشجرةِ المزهرةْ
هطلتْ عليكِ الأمطار
ثم هطلت الأزهار
وأشرقَ وجهكِ بابتسامة مضيئة
وتقترب الشاعرة الهندية أكثر من الصوفيين، بل تزاحِمهم في
هذا العشق للحضرة الإلهية، عبر مناجاة تحمل الكثير من
المعاني، وهي تعبير عن الإيمان الحقيقي الذي تعيشه بفؤادها
وجوارحها، لقد انتقلت من الضياع إلى الوعي، إلى التماس
طريق الحق والرشاد، وهي لم تَعُد وحيدة، إنما هداها الله
إلى الدين الذي يشعرها بالطمأنينة الروحية والقلبية.
في قصيدة "امرأة ضائعة"، تلامسُ كمالا ثريا حياةَ الصوفيين
الروحية أمثال حافظ الشيرازي، وجلال الدين الرومي، وعمر
الخيام، وسواهم ممن حقنوا الشعرَ بتعاليم الصوفية وصورها
الخالدة :
لستِ وحيدةً يا ثريا
إنَّ حُبَّ الله العميق مثل نور القمر الناعم
أنتِ وحدكِ تسمعين قوافي الألحان الصامته
مثلما البحارُ عند جَزْرِ التيار
لقد أغمي عليكِ عند الباب
وأنتِ تجاهدين لترتقي تلك الدرجات الشاهقة
بأقدامكِ الداميةِ الناعمهْ
بحثًا عن رضى الحافظ الذي ليس كمثله شيءْ
بهذه الروحية العالية تعيش كمالا حياتها الدينية المفعمة
بالنبل والطاعة، وفي الحياة الروحية الدينية لا يصيبُ
الإغماء إلا أولئك الذين يذوبون في الحضرة الإلهية
ويتواصلون مباشرة مع الله عبر تجلياتهم ومناجاتهم الصوفية
العميقة، وكمالا من هؤلاء الذين يجاهدون ليرتقوا درجاتِ
الوعي الديني والاتصال الروحي بعزم وثبات بحثًا عن رضى
الله الذي هو غايةُ الغايات لدى هؤلاء الذائبين في العشق
الإلهي، وكمالا منهم.
لقد فتح الله قلبها وعينيها وروحها فرأت ما لا يراه
الكثيرون، وهي في قمة التجلي تخاطب نبي الرحمة محمدًا بن
عبد الله ’، ناشرة فيض قلبها المُضمّخ بعطر الحضرة
الإلهية، عبر قصيدة محمدية عذبة عنوانها (يا محمد) ، تكرّس
فيها خطها الإسلامي وعمق تعلّقها بهذا الدين الحنيف عن
قناعة ورضى، مؤكدة روحها الإسلامي الجديد، إنه خاتم الرسل،
والفجر الذي أشرق لينير الليالي الحالكات، وحمل راية
الجهاد في سبيل الحق، إنه الأمل الذي حوّل الجزيرة العربية
من الجهل إلى العلم ومن التخلف إلى الرقي والتقدم:
يا محمد، عليك أفضلُ السلامْ
يا أيها الفجر الذي قد شعَّ كالذهبْ
ليبهرَ الليالي الحالكاتِ في جزيرةِ العربْ
يا آخرَ الرّسلْ ، يا من حملت راية الجهاد للحقِ
والإخلاص والأملْ
وتأسف الشاعرة لأنها لم تكن في العصر الذي كان فيه الرسول
’، لأنه لم يتسنَّ لها أن تُنعم عينيها وقلبها برؤية وجهه
الساطع المبين، وتلامس الشاعرة هنا شيئًا من نزعات
الصوفيين الذين يذوبون في العشق الإلهي:
نسمعُ عن ضياءِ وجهك المبينْ
يا من تجلُّه الأجيالُ والقرونْ
إنّا نُعِدُّ هاهنا لأجلكَ الباقاتْ
ناضرةً بالحبِّ والدعاء والصلاةْ
ثم تشير الشاعرة إلى أن الرسول ’ هبط على الناس رحمة وبركة
كالمطر الغزير، ثم توقف منذ ذلك الوقت، كناية عن أن الرسول
هو خاتم الرسل، غاب لكنما تبقى رسالته وتعاليمه وقرآنه،
يبقى ذكره كالذهب كامنًا في كل حبة من الرمال:
أتيت فجأةً كالمطرِ الهطال
وقد توقَّفَ الهطولُ منذ تلكمُ الحقبْ
لكنما تبقى له ذِكرى من الذهبْ
في كل حبةٍ من الرمالْ
وتعبّر الشاعرة في قصيدة "موازي الحياة الغامض" عن موقفها
من جدلية الحياة والموت، مصورة انعكاسهما على وجودها، في
أداء وجداني عارم، وإشارات صوفية واضحة، تقول كمالا ثريا:
موازي الحياةِ الغامضُ هو الموتْ
كثيرًا ما أسألُ نفسي، هل ما أفعلُه هو الحياةُ أم الموتْ؟
يوجدُ شيءٌ من كليهما في كل حركهْ، سواءٌ كانت لعقلي أو
جسدي
في حنجرتي يصارعُ الشهيقُ الزفيرْ
والمشَاهدُ التي أراها لا تسكنُ في الخارج بل في الداخلْ
هكذا تلامس الشاعرة فلسفة الوجود، وتأثير ما فيه على
الكائنات، فكل ما نراه في الخارج ونتأثر به يخترق إحساسنا
ودواخلنا، ويربط بين الإنسان وكل ما يحيط به في الوجود.
تلك هي "كمالا ثريا" الشاعرة الهندية التي هداها الله إلى
الإسلام، فنفضت عن كاهلها عبء الوثنية، وغذَّت قلبها
وفكرها بتعاليم السماء، وكرّست قلمها وإبداعها لخدمة الدين
الذي جاء رحمة للعالمين، فاختارته عزًّا لها وخلاصًا من
الضياع والعبثية، حيث نقلها من حياة القلق إلى عالم المثل
والكرامة والإيمان.
|