السنة السابعة / العدد التاسع عشر/ حزيران 2011 - رجب : 1432هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

دور علي (ع)  في حروب الردة

الشيخ علي كوراني

مقدمة

كان علي  (عليه السلام)  العمود الفقري في معارك النبي (صلى الله عليه وآله) وانتصاراته، وعندما أبعدوه عن الخلافة واعتزل، فكر الطامعون من القبائل بغزو المدينة واحتلالها، أو فرض شروطهم على أبي بكر وعمر، فهاجموا المدينة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)!

وهنا نهض علي  (عليه السلام)  مدافعًا عن الإسلام وأهله، ورتّب حراسة المدينة، وانتشر خبر قيادته للمسلمين، فتفاجأ بذلك المهاجمون من جموع القبائل، وارتدّوا على أعقابهم خائبين، فتبعهم المسلمون إلى معسكرهم في ذي القصة، على بعد ثلاثين كيلومترًا عن المدينة، والمرجح أن عليًا  (عليه السلام)  قصد قائدهم وهو حبّال أخو طليحة المتنبئ وقتله، وبدأت حملة المسلمين لحرب المتنبئين، وأولهم طليحة الأسدي في حائل، ثم مسيلمة في اليمامة، التي تُسمّى اليوم الرياض.

كانت الردة خطراً من زمن النبي (ص)

أول من حاول الردة والتخلّص من حكم النبي (صلى الله عليه وآله) قريشٌ، وذلك بعد فتح مكة، فقد كانت ترى أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخضعها وفتح عاصمتها عنوةً، وأجبرها على خلع سلاحها، والدخول في الإسلام.

وقد بحثنا في كتاب آيات الغدير محاولتها الاستقلال بقيادة سهيل بن عمرو، وكيف شلّت حاكم مكة أسيد بن عتاب الذي عيّنه النبي (صلى الله عليه وآله)، وجاء سهيل إلى المدينة طالبًا أن يعامل النبي (صلى الله عليه وآله) قريشًا كدولة مستقلة، وتأييد أبي بكر وعمر له! وجواب النبي (صلى الله عليه وآله) القاطع لهم وتهديدهم بعلي (عليه السلام)  : (فقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش، حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا)([1]). أي على الإسلام، وهو تصريح بأنهم لم يسلموا!.

وكذلك هدّد النبي (صلى الله عليه وآله) ثقيفًا وقبائل أخرى بعلي (عليه السلام) ، وأخبرهم أنه سيقاتل بعده المنحرفين على تأويل القرآن كما قاتل هو على تنزيله([2]).

كما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) عليًا  (عليه السلام)  أن يعلن تهديده لقريش ومن يفكر بالردة. وهو موقف وقائي لمنعهم من التفكير بالردة!

قال ابن عباس: (إن عليًا  (عليه السلام)  كان يقول في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل يقول: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}([3])، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى. والله لئن مات أو قتل، لأقاتلنَّ على ما قاتل عليه حتى أموت. لا والله. إني لأخوه ووليُّه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني)! ([4]).

كانت موجة الردة تريد محو الإسلام!

قال ابن واضح اليعقوبي يصف الردة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله): (وتنبّأ جماعة من العرب، وارتدّ جماعة ووضعوا التيجان على رؤوسهم، وامتنع قوم من دفع الزكاة إلى أبي بكر. وكان ممن تنبّأ طليحة بن خويلد الأسدي بنواحيه، وكان أنصاره غطفان وفزارة، ورئيسهم عيينة بن حصن الفزاري. والأسود العنسي باليمن. ومسيلمة بن حبيب الحنفي باليمامة. وسجاح بنت الحارث التميمية، ثم تزوجت بمسيلمة. وكان الأشعث بن قيس مؤذنها)([5]).

وقال الطوسي في المبسوط: (أهل الردة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضربان: منهم قوم كفروا بعد إسلامهم، مثل مسيلمة وطليحة والعنسي وأصحابهم، وكانوا مرتدين بالخروج من الملّة بلا خلاف. والضرب الثاني: قوم منعوا الزكاة مع مقامهم على الإسلام وتمسّكهم به، فسُمّوا كلهم أهل الردة، وهؤلاء ليسوا أهل ردة عندنا وعند الأكثر)([6]).

وقال الزمخشري في الكشّاف: (وقيل: بل كان أهل الردة إحدى عشرة فرقة:

- ثلاث في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله): بنو مدلج ورئيسهم ذو الخمار وهو الأسود العنسي، وكان كاهنًا تنبّأ باليمن واستولى على بلاده، وأخرج عمال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن، فأهلكه الله على يدي فيروز الديلمي، بيَّته فقتله، وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتله ليلة قتل، فَسُرَّ المسلمون، وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الغد، وأتى خبره في آخر شهر ربيع الأول.

وبنو حنيفة قوم مسيلمة، تنبّأ وكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ...

وبنو أسد، قوم طليحة بن خويلد ...

- وسبع في عهد أبي بكر: فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم قُرَّة بن سلمة القشيري، وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل. وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة. وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة، التي زوّجت نفسها مسيلمة الكذاب .. وكندة قوم الأشعث بن قيس. وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد. وكفى الله أمرهم على يدي أبي بكر.

- وفرقة واحدة في عهد عمر: غسان قوم جبلة بن الأيهم، نَصَّرَتْهُ اللطمة (من عمر) وسيَّرته إلى بلاد الروم بعد إسلامه)([7]).

أقول: هذا التعداد للمرتدين غير دقيق، فبعضهم أشيع عنهم أنهم ارتدوا، لأنهم اعترضوا على خلافة أبي بكر فسمّاهم مرتدين، كبني يربوع من بني تميم، الذين كان رئيسهم مالك بن نويرة &، صحابيًا جليلاً شهد له النبي (صلى الله عليه وآله) بالجنة.

فقد جاء مالك إلى المدينة فتفاجأ بأبي بكر على منبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فاعترض عليه وسأله: أين علي الذي أوصانا النبي (صلى الله عليه وآله) بطاعته من بعده؟ فأجابه أبو بكر، ورد عليه مالك، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يخرجه من المسجد واتهمه بالردة.

وعندما أرسل أبو بكر خالدًا لقتال طليحة، أمره أن يقتل مالك بن نويرة حتى لا يفتق على خلافته فتقًا، ويحشد معه بني تميم، فذهب خالد واحتال على مالك، فقتله غدرًا وأخذ زوجته! وقد اعترض عليه عدد من الصحابة كانوا معه مثل عبد الله بن عمر وأبي قتادة الأنصاري، فلم يسمع منهم، كما انتقده عمر، وطالب أبا بكر أن يقتص من خالد، لأنه قتل مسلمًا وَعَدا على زوجته!

لكن استغلال شعار الردة لتصفية المعارضين للسقيفة لا ينفي وجود حركة ردة في قبائل العرب، فقد تصوّر عددٌ من القبائل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) أن نبوّة قريش انتهت بوفاته (صلى الله عليه وآله)، وجاءت الفرصة لها لتعلن نبوّتها، وتتحرك وتحقق مكاسب، كما حقّقت قريش من نبوّتها!

وهكذا كانت الردة وادعاء النبوة فورة طمع من قبائل لم يدخل الإيمان في قلوبها، وغرضها تحقيق مكاسب مادية عن طريق ادّعاء النبوة. قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ..}([8]).

روى في تاريخ دمشق: (فلما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام عيينة بن حصن في غطفان فقال: ما أعرف حدود غطفان منذ انقطع ما بيننا وبين بني أسد، وإني لمجدد الحلف الذي كان بيننا في القديم ومتابع طليحة. ووالله لأن نتبع نبيًا من الحليفين أحب إلينا من أن نتبع نبيًا من قريش. وقد مات محمد وبقي طليحة! فطابقوه على ذلك)! ([9])

ويقصد بالحليفين: غطفانًا وأسدًا. وهو كقول أبي جهل: نبيٌّ من بني هاشم! لا والله حتى يكون نبي من مخزوم!

واندفعت القبائل وهاجمت المدينة، لكنها اكتشفت أن دولة النبي (صلى الله عليه وآله) قوية، وأن أصحابه ثابتون على نبوته، ماضون في سياسته، فتراجعت منهزمة بخفة، أو بعد مناوشة مختصرة، أو احتاجت إلى قوة صغيرة من المسلمين المحليين.

وبعضها احتاج إحباطها إلى إرسال قوة من عاصمة الخلافة، كطليحة، أو إرسال جيش كبير وخوض معركة قوية مع متنبئها، كمسيلمة.

وقد وصف علي  (عليه السلام)  ردة القبائل بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال في رسالته إلى أهل مصر: (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله))!([10]).

وأهم حركات الردة ثلاث :

الأولى: حركة الأسود العنسي، الذي ادعى النبوة في اليمن وقتل عامل النبي (صلى الله عليه وآله) وسيطر على صنعاء، وقد أنهى النبي (صلى الله عليه وآله) حركته، وجاءه الوحي في مرض وفاته (صلى الله عليه وآله) بقتل الأسود العنسي، وأخبر المسلمين بذلك.

والثانية: حركة طليحة الأسدي، الذي جمع عدة قبائل وهاجم المدينة، فنهض أمير المؤمنين علي  (عليه السلام)  والصحابة لمواجهته. وأرسل له أبو بكر عدي بن حاتم، ثم أرسل قوة بقيادة خالد بن الوليد، ولكن خالدًا وصل بجيشه إلى قرب معسكره في بزاخة، فوجده قتل الفارسين الشجاعين اللذين أرسلهما خالد للاستطلاع، وهما ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن، فخاف خالد، ورجع قاصدًا عدي بن حاتم الطائي، الذي كان ناشطًا في إقناع بني طيء وحلفائهم بجيلة بترك طليحة، فنجح عدي في مسعاه، وانضم إلى خالد في جيش من طيء وبجيلة، وقصدوا طليحة، وتولّى عدي والأنصار قتاله ولم يقاتل خالد أبدًا، فانهزم طليحة وهرب إلى الشام، وتفرّق عنه أتباعه، وانتهت حركته.

والحركة الثالثة: حركة مسيلمة الكذاب، وهي أهم حركات الردة والتنبؤ، فقد جمع حوله قبيلته بني حنيفة، ومعهم قليل من غيرهم، وكان مركزه اليمامة التي هي الرياض نفسها أو قربها، وقد وقعت المعركة في عقرباء، وتسمّى اليوم الجبيلة، وتبعد نحو 40 كيلو مترًا عن الرياض.

وقاد المسلمين فيها خالد بن الوليد لكنه لم يقاتل بنفسه أبدًا، واستمرت المعركة يومين، واستشهد فيها من المسلمين نحو ألف ومائتين، وقتل من أتباع مسيلمة حسب الرواة واحدٌ وعشرون ألفاً، وقُتِل مسيلمة، وانتهت حركته.

أبو بكر وعمر يفتقدان إلى المقوّمات العسكرية

تضرب الأمثال عند العرب والعالم بشجاعة علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  وبطولته، ويليه -لكن مع فارق كبير- أفراد معدودون من الصحابة. أما الباقون فكان أحدهم إذا حميَ الوطيس يحفظ نفسه في الصفوف الخلفية، أو يهرب مُوَلِّيًا من المعركة، تاركًا النبي (صلى الله عليه وآله) لسيوف أعدائه!

وقد وصفتهم الزهراء (عليهما السلام) فقالت: «وكنتم على شفا حفرة من النار، مُذقة الشارب، ونَهزة الطامع، وقَبْسَة العَجْلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطَّرَق، وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله بأبي بعد اللُّتَيَّا والتي، وبعدما مُنِيَ ببُهم الرجال، وذؤبان العرب، ومَرَدَة أهل الكتاب، كلما حَشَوْا ناراً للحرب أطفأها، ونَجَمَ قرنٌ للضلال، وفَغَرت فاغرة من المشركين، قذف بأخيه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدودًا في ذات الله، قريبًا من رسول الله، سيدًا في أولياء الله، وأنتم في بَلَهْنِيَةٍ وادعون آمنون .. حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين، وهدر فنيق المبطلين ... الخ.»([11]).

وكما أجمع المسلمون على شجاعة علي  (عليه السلام) ، أجمعوا على أن أبا بكر وعمر لم يشتركا في أي معركة من معارك النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يضربا ضربةً بسيف، ولا طعنا طعنةً برمح! بل كانا عندما تبرز الأبطال ويزحف الصفان، يتأخران إلى الصفوف الخلفية يحفظان حياتهما، أو يولِّيان الدبُر ويهربان!

وفي المناقب: «المعروفون بالجهاد: علي، وحمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحارث، والزبير، وطلحة، وأبو دجانة، وسعد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب، وسعد بن معاذ، ومحمد بن مسلمة. وقد أجمعت الأمة على أن هؤلاء لا يقاسون بعلي  (عليه السلام)  في شوكته وكثرة جهاده. فأما أبو بكر وعمر فقد تصفحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرًا البتة»([12]).

وروى سليم بن قيس قول علي  (عليه السلام)  يصف أبا بكر وعمر وعثمان: (ألا إن العجب كل العجب من جهّال هذه الأمة وضلالها، وقادتها وساقتها إلى النار، لأنهم قد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول عودًا وبدءًا: ما ولَّت أمة رجلاً قط أمرها وفيهم أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا! فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط، ما منهم رجل جمع القرآن، ولا يدّعي أن له علمًا بكتاب الله ولا سنة نبيه. وقد علموا يقينًا أني أعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيه، وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله، وأقضاهم بحكم الله، وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا غناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم، ولا طعن برمح، ولا ضرب بسيف، جبنًا ولؤمًا ورغبةً في البقاء.

وقد علموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاتل بنفسه فقتل أبيَّ بن خلف، وقتل مسجع بن عوف، وكان من أشجع الناس وأشدّهم لقاءً، وأحقّهم بذلك.

وقد علموا يقينًا أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري، ولا نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) شديدة قط، ولا كربة أمر، ولا ضيق ومستصعب من الأمر، إلا قال: أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج غمي عن وجهي! فيقدّمني فأتقدّم فأفديه بنفسي، ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه. ولله عز وجل ولرسوله بذلك المَنُّ والطَول حيث خصّني بذلك ووفّقني له. لم يكن لأبي بكر وعمر أي سابقة في الدين. وإن بعض من سمّيت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن، ولا فتح ولا نصر، غير مرة واحدة، ثم فرَّ ومنح عدوه دُبُرَه، ورجع يُجَبِّن أصحابه ويجبنونه، وقد فرَّ مرارًا! فإذا كان عند الرخاء والغنيمة، تكلّم وتغيّر وأمر ونهى)! ([13])

أقول: وكلامه  (عليه السلام)  أطول من هذا، وهو مليء بالحجج والحقائق الدامغة.

ثم نلاحظ أن الله تعالى أنزل السكينة على النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين في حُنين فقال: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ َ، ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}([14]). بينما أنزلها في الهجرة على النبي (صلى الله عليه وآله) وحده ولم ينزلها على صاحبه، مع أنه كان حزينًا. قال تعالى: {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}([15]).. ولم يقل: عليهما.

وفي معركة بدر: قال الله عز وجل عن فريق من الصحابة: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }([16]).

قال مسلم في صحيحه: «شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلّم عمر فأعرض عنه»([17]).

وفي الدر المنثور : «فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إنها قريش وعزها! والله ما ذلّت منذ عزّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنك، فتأهّب لذلك أهبته واعدد له عدّته»([18]). أي ارجع واستعد لقتالها في المستقبل! فهل يكون من ينصح النبي (صلى الله عليه وآله) بالرجوع وعدم قتال قريش، إلا من الذين يساقون إلى الموت وهم ينظرون!

وروى البخاري قول المقداد: «يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}([19])، ولكن امضِ ونحن معك! فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)»([20]).

ومعنى إعراضه (صلى الله عليه وآله) عن الشيخين وسروره بقول المقداد: أنه أفضل منهما وأشجع؟!

واعتذر أتباع أبي بكر عنه بأنه لم يقاتل في بدر، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) استبقاه معه في العريش أي في الخيمة، ليستشيره في إدارة المعركة!

لكنهم رووا أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج من الخيمة المزعومة وقاتل قتالاً شديدًا، ولم يكن معه أبو بكر ولا عمر، فأين كانا؟!

قال علي  (عليه السلام): «لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا»! ([21]).

أما عمر فاعترف بأنه رأى العاص بن سعيد بن العاص في بدر فهرب منه: «رأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه، فإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ، فهبته وزغت عنه! فقال: إلى أين يا ابن الخطاب»!([22]).

ثم أنزل الله في بدر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}([23]).

أقول: معناه لمن يعي، أنه كان في بدر فرارٌ من المبارزة، وفرارٌ إلى الصفوف الخلفية! وهو فرارٌ من الزحف بالمعنى الشرعي تام الشروط والأركان، مستوجب لغضب الرحمن.

وفي أُحُد: زعموا أن عمر وحده هرب وأبا بكر لم يهرب، فقال في الطبقات: «وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلاً، سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق، وسبعة من الأنصار»([24]).

لكنهم كذَّبوا أنفسهم، فقال أبو بكر إنه كان من أول من رجع من الفرار يوم أحُد! ففي الطبقات: «عن عائشة قالت: حدثني أبو بكر قال: كنت في أول من فاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد»([25]).

أي كان في الأوائل الذين عادوا من الفرار، وقد عادوا بعد الظهر، بعد أن انسحب المشركون وغادروا. وبعد أن صلى النبي (صلى الله عليه وآله) على الشهداء!

أما عمر فقد أقرّ بهروبه وتحدّّث عنه، ففي تفسير الطبري : «خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران .. قال: لما كان يوم أحد .. ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى، والناس يقولون: قتل محمد»([26]). والأروى: العنز الجبلية!

وفي سيرة ابن إسحاق أن أنس بن النضر: «انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم (أي انهاروا)، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله! قال: فما تظنون بالحياة بعده! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)! ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل (رحمه الله)»([27]).

وفي تفسير الطبري: «قال أهل المرض والارتياب والنفاق حين فرَّ الناس عن النبي: قد قُتِل محمد، فالحقوا بدينكم الأول»!([28])

وقال أحدهم: «والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي (صلى الله عليه وآله) لنعطينهم بأيدينا! إنهم لعشائرنا وإخواننا! وقالوا: لو أن محمدًا كان نبيًا لم يهزم ولكنه قد قُتِل! فترخّصوا في الفرار حينئذ»!([29]).

وفي معركة الخندق: أخذ الصحابة يستأذنون النبي (صلى الله عليه وآله) ليتفقدوا بيوتهم، فكانوا يذهبون ولا يعودون! وبعضهم هرب بلا استئذان!

قال حذيفة كما رواه الحاكم: «إن الناس تفرقوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة الأحزاب، فلم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً»!([30])

وهذا فرار مخفي، وقد فضحه الله تعالى بقوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً }([31]). ومعناه: أنهم ولّوهم الأدبار، بترك الخندق!

قال عبد الله بن عمر: «بعثني خالي عثمان بن مظعون لآتيه بلحاف، فأتيت النبي فاستأذنته وهو بالخندق فأذن لي، وقال: من لقيت فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن ترجعوا، وكان ذلك في برد شديد، فخرجت ولقيت الناس فقلت لهم: إن رسول الله يأمركم أن ترجعوا. قال: فلا والله ما عطف عليَّ منهم اثنان، أو واحد»!([32]).

ووصفت عائشة اختباء جماعة من الصحابة في حديقة، منهم عمر وطلحة، وكان عمر يتخوّف من الفرار العام، فيبرره طلحة بأنه فرارٌ إلى الله!

ورووا أنه بعد أن قتل عليٌّ  (عليه السلام)  عمرو بن عبد ود، أمر النبي (صلى الله عليه وآله) عمر بن الخطاب أن يبرز إلى ضرار بن الخطاب، فنكص عنه!([33]).

بينما روى الجميع قول النبي (صلى الله عليه وآله): «لمَبُارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد وُدٍّ يومَ الخندق، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة»([34]).

وفي معركة خيبر: روى النسائي: ... دعا أبا بكر فعقد له لواءً ثم بعثه فسار بالناس فانهزم! فدعا عمر فعقد له لواءً فسار ثم رجع منهزمًا بالناس! فقال رسول الله: لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرّار([35]).

وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: «فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: لأعطين الراية غدًا رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله، كرّار غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»([36]).

وفي غزوة ذات السلاسل: رجع أبو بكر وعمر منهزمين، فأرسل النبي (صلى الله عليه وآله) عليًا فانتصر، ونزلت سورة العاديات([37]).

وفي حُنين: فرَّ أبو بكر وعمر مع الفارّين، وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسيوف عشرين ألف مقاتل من هوازن، وثبت معه بنو هاشم فقط!

قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}([38]) . وروي أن أبا بكر عانهم، أي أصابهم بالعين.

وفي سيرة ابن كثير: «وقال أبو بكر الصديق: لن نُغلَب اليوم من قلّة، فانهزموا، فكان أول من أنهزم بنو سليم، ثم أهل مكة، ثم بقيّة الناس»([39]).

وقال المفيد في الإفصاح: «وكان أبو بكر هو الذي أعجبته في ذلك اليوم كثرة الناس فقال: لا نُغلب اليوم من قلّة. ثم كان أول المنهزمين ومن ولى من القوم الدبر، فقال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}([40]). فاختص من التوبيخ به لمقاله بما لم يتوجه إلى غيره، وشارك الباقين في الذم على نقض العهد والميثاق»([41]).

وستعرف خوف عمر ورأيه بعدم إرسال جيش أسامة، وعدم قتال المرتدين.

عندما داهمهم خطر الردة أحسّوا بالحاجة إلى علي  (عليه السلام)

ثبت لقبائل العرب من حروب النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قوة عسكرية لا تُقهر، فهو من بني عبد المطلب الشجعان الذين لا يعرفون ما هو الفرار، والوحي يأتيه، ومعه فرسان أبطال، أولهم وأعظمهم ابن عمه علي بن أبي طالب  (عليه السلام) ، الذي دوّى صيته في أرجاء الجزيرة، بعد أن جندل أبطال قريش في بدرٍ وأُحُد. وجندل بطل العرب الذي لا يبارى عمرو بن عبد ود العامري في وقعة الأحزاب.

واقتحم أكبر حصون خيبر بعد أن حاصره المسلمون شهرًا وعجزوا عن فتحه، وكان علي  (عليه السلام)  غائبًا، فجاء واقتحمه وحده وجندل بطل اليهود مرحبًا، وقلع باب الحصن ودخله، وقتل فرسانه وفتحه وحده، ثم التحق به المسلمون!

ففي سيرة ابن هشام: «... بعث أبا بكر الصديق برايته ... إلى بعض حصون خيبر فقاتل فرجع ولم يكُ فتح، وقد جهد! ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع ولم يكُ فتح، وقد جهد! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية غدًا رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرّار! قال: يقول سلمة: فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليًا رضوان الله عليه وهو أرمد فتفل في عينه ثم قال: خذ هذه الراية فامضِ بها حتى يفتح الله عليك. قال: يقول سَلَمة: فخرج والله بها يأنح، يهرول هرولة، وإنّا لخلفه نتبع أثره .. فما رجع حتى فتح الله على يديه»([42]).

وفي معركة حُنين، حيث حشدت هوازن عشرين ألف مقاتل، وكان جيش النبي (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر ألفًا، ففاجأته هوازن بكمين كبير فهرب الجيش كله، وثبت النبي (صلى الله عليه وآله) وبنو هاشم، فوكَّلهم عليٌّّ  (عليه السلام)  بحماية النبي (صلى الله عليه وآله)، وغاص في جيش هوازن يقطف رؤوس قادته فقط، حتى جندل أربعين من حملة الرايات، فوقعت فيهم الهزيمة، واستعاد النبي (صلى الله عليه وآله) الكفّة، وحقّق النصر المؤزّر.

بهذه القوة التي دوّى صيتها في الدنيا، كانت قبائل العرب تهاب النبي (صلى الله عليه وآله)!

وبهذه القوة كان النبي (صلى الله عليه وآله) يهدّدها، وتقدّم أنه هدّد قريشًا بأنها إن لم تنتهِ عن شيطنتها، فسيبعث لها عليًا  (عليه السلام)  ليؤدّبها، وكذلك هدّد ثقيفًا بعلي  (عليه السلام).

كما أمر عليًا  (عليه السلام)  أن يعلن تهديده لمن يفكر بالردة بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)، فأعلن ذلك. وقد تقدم قول ابن عباس: (إن عليًا كان يقول في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل يقول: {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}([43])، والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى. والله لئن مات أو قتل، لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت. لا والله. إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني)!([44]).

فأصل قوة المسلمين بعلي  (عليه السلام). وخوف قبائل العرب من علي  (عليه السلام). وعقدة قريش وثأرها عند النبي (صلى الله عليه وآله) وعند بني هاشم والأنصار، في علي  (عليه السلام)!

قال في المناقب: (قال ابن عمر لعلي  (عليه السلام): كيف تحبك قريش وقد قتلت في يوم بدر واحد([45]) من ساداتهم سبعين سيدًا، تشرب أنوفهم الماء قبل شفاهم. قال أمير المؤمنين  (عليه السلام):

ما تركت بدر لنا مذيقا

 

ولا لنا من خلفنا طريقا 

وسئل زين العابدين  (عليه السلام)  وابن عباس أيضًا: لم أبغضت قريش عليًا؟ قال: لأنه أورد أولهم النار، وقلّد آخرهم العار)([46]).

وقال في شرح نهج البلاغة: (ولست ألوم العرب، لا سيما قريشًا في بغضها له وانحرافها عنه، فإنه وترها وسفك دماءها، وكشف القناع في منابذتها، ونفوس العرب وأكبادهم كما تعلم، وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس، كما نشاهده اليوم عيانًا، والناس كالناس الأُوَل والطبائع واحدة. فاحسب أنك كنت من سنتين أو ثلاث جاهليًا أو من بعض الروم، وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ثم أسلمت. أكان إسلامك يُذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه، كلا إن ذلك لغير ذاهب.

هذا إذا كان الإسلام صحيحًا والعقيدة محققة، لا كإسلام كثير من العرب، فبعضهم تقليدًا، وبعضهم للطمع والكسب، وبعضهم خوفًا من السيف، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه!

واعلم أن كل دمٍ أراقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيف علي  (عليه السلام)  وبسيف غيره فإن العرب بعد وفاته عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب وحده! لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنّتهم وعادتهم أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته، طالبت بها أمثل الناس من أهله. لمَّا قَتل قوم من بنى تميم أخًا لعمرو بن هند، قال بعض أعدائه يحرّض عمرواً عليهم:

من مُبلغٌ عمراً بأن
وحوادثُ الأيام لا يبقى
ها إن عَجْزَةَ أمَّةٍ
تَسفى الرياح خلال كشـ
فاقتل زرارة لا أرى
 

 

المرءَ لم يخلق صَبَارهْ
لها إلا الحجارهْ
بالسفح أسفل من أوارهْ
ـحيه وقد سلبوا إزارهْ
في القوم أمثلَ من زرارهْ
 

فأمره أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم، ولم يكن قاتلاً أخا الملك ولا حاضرًا قتله! ومن نظر في أيام العرب ووقائعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه)([47]).

وكان بغض قريش لعلي  (عليه السلام)  لقتله أبطالها في بدر، إحدى حججها لعزله عن الخلافة وإبعاد بني هاشم عن أي منصب، وبيعتها أبا بكر المرضي عند قريش.

لكن لم يمضِ شهران على وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى تحرّكت قبائل العرب ضد قريش ونبيّها (صلى الله عليه وآله) ودينه وخليفته، فأحسّت بحاجتها الملحّة لعلي  (عليه السلام).

فقد استجابت قبيلة أسد خزيمة كلها لادعاء طليحة بن خويلد النبوة! وتسارعت القبائل للانضمام إليهم، فانضم بنو فزارة بقيادة عيينة بن حصن، وقال: إن نبي حلفائهم أسد أحبّ إليه من نبي قريش. وانضمت بطون من طيء، وخزاعة، وغيرها وغيرها في ألوف مؤلفة، حتى ضاقت بهم سميراء وبزاخة وهي مناطق قرب حائل، فاتخذوا معسكرًا آخر في ذي القَصَّة قرب المدينة، وأرسل طليحة أخاه لقيادته وغزو المدينة!

وقد أتقن طليحة توقيت مهاجمته للمدينة، فاختار فترة تنحية قريش لبطلها علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  عن الحكم، فتخيّل أنه اعتزل النظام وانتهت أسطورته! وفترة إرسال أبي بكر جيش أسامة إلى مؤتة البعيدة لحرب الروم، حسب أمر النبي (صلى الله عليه وآله)، فخفّت قوة المسلمين في المدينة إلى أدنى مستوى!

ففي تلك الفرصة الذهبية أرسل طليحة وفدًا من أنصاره بني أسد، وبني فزارة، وبني حنيفة، وطيء، إلى أبي بكر يطلبون منه إسقاط الزكاة عنهم، فإن لم يقبل منهم هاجموا المدينة واحتلّوها وأعلنوا نبوة طليحة!

كانت هذه الحادثة بعد نحو ستين يومًا من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان لها وقع شديد على الصحابة، خاصة على قريش ونظامها الجديد، وفرحتها بأنها أخذت دولة محمد (صلى الله عليه وآله) -لأنه قرشي- منها.

وظهر هنا تفكير قريش التجاري الخائف، وتجسّد في موقف عمر بن الخطاب الذي أصرَّ على أبي بكر أن يقبل بشروط القبائل، ليكفّوا عن مهاجمة المدينة!

لكن كان واضحًا للجميع أن قبول خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) بشروطهم ليس إلا بداية خضوع لمطالب لا تنتهي إلا بسيطرتهم التامة على المدينة وإنهاء الإسلام! لأنهم أعلنوا نبوة طليحة مع نبوة قريش أو بدلها. فستكون بدلها!

وكان أبو بكر أبعد نظرًا من عمر، وأشجع منه وأرق، فقرر أن يصالح عليًا ويمدّ إليه يده، لأن العرب لا تخاف إلا منه! وأن يشاوره في أمر المرتدين ويستعين به عليهم، وهو يعرف أن رأيه لا محالة رد مطالبهم وقتالهم، كما كان رأيه إنفاذ جيش أسامة، فأخذ به أبو بكر وخالف عمر، ووبّخه واصطدم به!

أبو بكر يحاول مصالحة علي  (عليه السلام)  ويستشيره

نلاحظ موقفين ليّنين لأبي بكر تجاه العترة الطاهرة  (عليهم السلام)  في أول خلافته:

أحدهما: عندما كان على منبر النبي (صلى الله عليه وآله) فأتاه الحسن بن علي (عليهما السلام) وكان غلامًا دون العاشرة، وجرّه قائلاً: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك!

والثاني: عندما قال عليٌّ  (عليه السلام)  لفاطمة (عليها السلام): إن أبا بكر أرقّ من صاحبه، فائتيه عندما يكون عمر غائبًا، فذهبت إليه، فكتب لها مرسومًا بإعادة فدك!

كما نلاحظ موقفين مهمين خالف فيهما أبو بكر عمرَ، وأخذ برأي علي  (عليه السلام)  في إرساله جيش أسامة، ثم في رد طلب المرتدين أتباع طليحة الأسدي.

فقد روى ابن سعد في ترجمة الإمام الحسن  (عليه السلام)  من طبقاته: (عن عروة أن أبا بكر خطب يومًا، فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال: انزل عن منبر أبي! فقال أبو بكر: صدقت، والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي، فبعث علي  (عليه السلام)  إلى أبي بكر: إنه غلام حدث وإنّا لم نأمره. فقال أبو بكر: صدقت، إنّا لم نتهمك)([48]).

ورووا مثله عن الحسين  (عليه السلام)  أنه قال لعمر: (انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال: إن أبي لم يكن له منبر! فأقعدني معه، فلما نزل قال: أي بنيَّ مَن علمّك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد. قال: أي بني وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم! ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا) ([49]).

أقول: يسهل أن تلاحظ أن هذا الموقف اللين من عمر مع الحسين  (عليه السلام) ، جاء تقليدًا منه لموقف أبي بكر المشابه مع الحسن  (عليه السلام).

كما روى الطبري حوار الزهراء (عليهما السلام) مع أبي بكر في إرثها، وفيه: (زعمتَ أن النبوة لا تورّث وإنما يورّث ما دونها، فما لي أمنع إرث أبي؟ أأنزل الله في كتابه: إلا فاطمة بنت محمد. فدلّني عليه أقنع به ... قال: ولم يكن عمر حاضرًا فكتب لها أبو بكر إلى عامله برد فدك كتابًا، فأخرجته في يدها، فاستقبلها عمر، فأخذه منها وتفل فيه ومزّقه، وقال: لقد خرف ابن أبي قحافة وظلم! فقالت له: مالك لا أمهلك الله وقتلك ..) ([50]).

وفي الاختصاص: (قال عليٌّ  (عليه السلام)  لها: إئتِي أبا بكر وحده فإنه أرقُّ من الآخر، وقولي له: ادعيت مجلس أبي وأنك خليفته وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردّها عليّ. فلما أتته وقالت له ذلك قال: صدقتِ، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها برد فدك. فقال: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟ فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك، فقال: هلميه إليّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن إسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها فكأني أنظر إلى قرط في أذنها .. ثم أخذ الكتاب فخرقه! فمضت ومكثت خمسة وسبعين يومًا مريضة مما ضربها عمر)([51]).

أقول: لم يتجرأ أبو بكر أن يكتب لها ثانية، لأنه خاف من عمر! فقد رووا عنه شبيه ذلك وأنه كتب مرسومًا بأرض لزعيمين من نجد وأشهد عليه، فذهبا إلى عمر ليشهد لهما فوجداه يدهن بعيرًا له بالقطران، فقال: اقرآه فقرآه، فغضب وأخذه ومزقه! ورجعا إلى أبي بكر فقالا له: أأنت الخليفة أم عمر؟ قال: هو إن شاء، لا نجيز إلا ما أجازه عمر! ولما حضر قال له: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني ولكنك غلبتني)!([52])

لكن هذا الموقف من أبي بكر سياسة، فقد كان يخالف عمر أحيانًا ويصرّ على مخالفته، ويوبّخه ويشدّ بلحيته! ويلين معه ويطيعه أحيانًا، حتى يقول له إنه هو الخليفة لو شاء! ولا يتسع المجال لبحث أوجه العلاقة بينهما.

على أي حال، واصل أبو بكر الليونة مع علي  (عليه السلام)  حتى وصل الأمر إلى تكرار اعتذاره منه لأنه أخذ الخلافة ووعده له بأنه سيستخلفه. وقد ورد عنه  (عليه السلام)  أنه قال: (فإن القائم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كان يلقاني معتذرًا في كل أيامه ويلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي، ونقض بيعتي وسألني تحليله ... فلما دنت وفاة القائم وانقضت أيامه، صيَّر الأمر بعده لصاحبه، فكانت هذه أخت أختها)! ([53]).

وقال  (عليه السلام)  في خطبته الشقشقية: (فيا عجبًا، بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها)!([54]).

مهما يكن، فقد شعر أبو بكر بالحاجة إلى علي  (عليه السلام)  عندما ضاقت عليه الأمور وتحرك طليحة الأسدي بألوف المقاتلين، وأرسل قواته فعسكروا في ذي القَصَّة على مرحلة من المدينة، وجاء وفدهم يطلب من أبي بكر إسقاط الزكاة عنهم، وإلا هاجموا المدينة! فخاف هو وعمر، وقال له عمر: اقبل من طليحة ما يريد فلا طاقة لك بحربه! لكنه كان يشعر أن تنازله للقبائل يزيد في طمعهم، ويفتح عليه اعتراض المسلمين، فيعتبرونه انحرف عن سنة النبي (صلى الله عليه وآله).

لذلك كان يتمنّى أن يوجد حوله فرسان قادة، خاصة علي  (عليه السلام)!

وجاءت المفاجأة لأبي بكر من علي  (عليه السلام)  نفسه!

فقد أحسّ الإمام  (عليه السلام)  بالخطر على الإسلام، وهو أم الصبي وليس مستأجرًا، لذلك نهض في تلك الأحداث وأدارها وخاضها حتى اطمأن الإسلام وتنهنه.

قال في نهج البلاغة: (من كتاب له  (عليه السلام)  إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها: أما بعد، فإن الله سبحانه بعث محمدًا (صلى الله عليه وآله) نذيرًا للعالمين ومهيمنًا على المرسلين، فلما مضى (صلى الله عليه وآله) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلى الله عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنهم مُنَحّوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه). وتعبير: ما كان يلقى في روعي: تعبير مجازي للأمر المفاجئ غير المنطقي. ومعنى تنهنه: سكن.

وفي كشف المحجة : (حتى رأيت راجعة من الناس، قد رجعت من الإسلام تدعو إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله) وملة إبراهيم  (عليه السلام))([55]).

ومقصوده  (عليه السلام)  حركة طليحة في حائل، وحركة مسيلمة في اليمامة، وحركة الأسود العنسي في اليمن. ومعنى دعوتهم إلى محق دين محمد وملة إبراهيم، أنهم يريدون إزالة الإسلام، وحتى الحج إلى الكعبة الذي بقي عند العرب من ملّة إبراهيم  (عليه السلام)! لأن دعوتهم كانت ضد قريش التي هي سادنة البيت وبُعث منها النبي (صلى الله عليه وآله). ولعلهم كانوا مرتبطين بهرقل، أما العنسي فعن طريق الحبشة، وأما الآخران فعن طريق الغساسنة.

أبو بكر يستشير عمر وعليًا  (عليه السلام)  في مواجهة طليحة؟

برزت المشكلة العسكرية في الأسبوع الأول لخلافة أبي بكر، فقد اختلف الصحابة هل يرسل أبو بكر جيش أسامة إلى مهمته التي حدّدها النبي (صلى الله عليه وآله) وأكّد عليها في مرضه، أم يلغيه فينتقده الصحابة بأنه يخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

روى الطبري وغيره عن الحسن البصري قال: (ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته بعثًا على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، فلم يجاوز آخرُهم الخندق حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس، فإن معي وجوه الناس وحدهم، ولا آمن على خليفة رسول الله وثِقْلِ رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطّفهم المشركون.

وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولّي أمرنا رجلاً أقدم سنًا من أسامة.

فخرج عمر بأمر أسامة وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة. فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردَّ قضاءً قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك، وإنهم يطلبون إليك أن تولّي أمرهم رجلاً أقدم سنًا من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالسًا، فأخذ بلحية عمر فقال له: ثكلتك أمُّكَ وعُدِمَتْكَ يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتأمرني أن أنزعه)! ([56])

معناه: أن عمر تخوّف من هجوم المشركين على المدينة وليس فيها قوة كافية. لكن أبا بكر اختار تنفيذ أمر النبي (صلى الله عليه وآله) حتى لا يقال خالفه، وسيَّر الجيش، وكان ثلاثة آلاف مقاتل، فيهم ألف فرس([57]).

خطورة رأي عمر على الإسلام

وعندما اقترب جيش طليحة الأسدي من المدينة، رأى عمر أن ما تخوف منه قد وقع، وخاف من مهاجمتهم المدينة، فأشار على أبي بكر أن يقبل بأول مطالبهم وهو إسقاط الزكاة عنهم، فقال له: (تألَّف الناس وارفق بهم، فإنهم بمنزلة الوحش. فقال له: رجوتُ نصرك وجئتني بخذلانك؟ جَبَّارٌ في الجاهلية خَوَّارٌ في الإسلام! ماذا عسيت أن أتألفهم، بشعر مفتعل، أو بسحر مفترى، هيهات هيهات، مضى النبي وانقطع الوحي. والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي، وإن منعوني عقالاً)([58]).

ولم ينفِ عمر ما اتهمه به أبو بكر من الخوف والخور! لكن البخاري رواه مخففًا فقال في صحيحه: (لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستُخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله؟ فقال: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه)([59]).

أبو بكر يأخذ برأي علي  (عليه السلام)  وشجعان الصحابة

كان جواب أبي بكر الذي رواه البخاري لوفد طليحة برفض مطالبهم، بعد أن استمهلهم، وشاور الصحابة فأشار بعضهم بالصلح كعمر: (وتشاوروا في أهل الردة فاستقر رأي أبي بكر على القتال)([60]).

وروى مسدد في مسنده كما في كنز العمال: (استشار علياً في أهل الردة فقال: إن الله جمع الصلاة والزكاة، ولا أرى أن تفرق، فعند ذلك قال أبو بكر: لو منعوني عقالاً لقاتلتهم عليه)([61]).

وفي الرياض النضرة للطبري: (شاوره أبو بكر في قتال أهل الردة بعد أن شاور الصحابة فاختلفوا عليه، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: إن تركت شيئًا مما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) منهم فأنت على خلاف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فقال: أما لئن قلتَ ذلك، لأقاتلنهم ولو منعوني عقالاً([62]).

ومما يلفتك في دفع هجوم القبائل عن المدينة، ثم في مطاردة المهاجمين والاشتباك معهم في ذي حُسى خارج المدينة، ثم في عسكرة المسلمين مكان معسكر القبائل المهاجمة في ذي القَصَّة، أنك تجد الذين حضروا في نقاب المدينة وذي القَصَّة: أبو بكر، وعلي  (عليه السلام) ، والزبير، وعبد الله بن مسعود، وطلحة، والنعمان بن مقرن وإخوته. ولا تجد ذكرًا في حراسة المدينة ولا في المعركة، وفي ذي القَصَّة: لعمر، ولا خالد، ولا سعد والمغيرة بن شعبة، وآخرين من المتحمّسين للسقيفة!

وهذا يدل على أن عليًا  (عليه السلام)  وجماعته هم الذين تصدّوا لرد المهاجمين إلى جانب أبي بكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

([1]) المستدرك، الحاكم النيسابوري: 2/125، وسنن أبي داود: 1/611.

([2]) آيات الغدير، الشيخ علي الكوراني ص148.

([3]) آل عمران من الآية 144.

([4]) رواه الحاكم: 3/126، والنسائي: 5/125، والخصائص ص86، والمحاملي ص163، والطبراني الكبير: 1/107، وتفسير ابن كثير: 1/418، ومجمع الزوائد: 9/134، وصححوه. ومن مصادرنا: الاحتجاج: 1/291، وأمالي الطوسي /502، ومناقب ابن سليمان: 1/ 339.

([5]) تاريخ اليعقوبي : 2/128.

([6]) المبسوط ، الطوسي : 7/267.

([7]) الكشاف، الزمخشري 1/620 ؛ والزيلعي: 1/405 ، والينابيع الفقهية: 9/143 .

([8]) الحجرات من الآية 14 .

([9]) تاريخ دمشق 25/156.

([10]) نهج البلاغة:3/119.

([11]) بلاغات النساء ص13.

([12]) المناقب 1/341.

([13]) كتاب سليم بن قيس ص247.

([14]) التوبة من الآيات 25-26.

([15]) التوبة من الآية 40 .

([16]) الأنفال : 5-6-7.

([17]) صحيح مسلم 5/170.

([18]) الدر المنثور 3/165.

([19]) المائدة من الآية 24.

([20]) صحيح البخاري : 5/187 .

([21]) مجمع الزوائد: 9/12، وقد صححوه .

([22]) ابن هشام: 2/464.

([23]) الأنفال: 15-16 .

([24]) الطبقات: 2/42.

([25]) الطبقات: 3/155.

([26]) تفسير الطبري 4/193.

([27]) سيرة ابن إسحاق 3/309 .

([28]) تفسير الطبري: 4/151 .

([29]) الدر المنثور: 2/80 .

([30]) الحاكم: 3/31 .

([31]) الأحزاب : 15 .

([32]) الطبراني في الأوسط: 5/275، وصححه في مجمع الزوائد: 6/135.

([33]) أحمد: 6/141 ، تفسيرالقمي: 2/182 .

([34]) الحاكم: 3/32 .

([35]) راجع النسائي: 5/108 ، وصححه في مجمع الزوائد: 9/124 .

([36]) أمالي المفيد ص56.

([37]) الإرشاد: 1/150.

([38]) التوبة : 25-26 .

([39]) سيرة ابن كثير: 3/610.

([40]) التوبة من الآية 25 .

([41]) المفيد في الإفصاح ص68 .

([42]) سيرة ابن هشام: 3/797.

([43]) آل عمران : 144.

([44]) الحاكم: 3/126.

([45]) هكذا في الأصل والمقصود في يوم واحد هو يوم بدر.

([46]) مناقب آل أبي طالب: 3/21.

([47]) شرح نهج البلاغة: 13/299 .

([48]) طبقاته ص68 ، وأنساب الأشراف: 3/26 .

([49]) ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر ص202.

ونلاحظ هنا أن عمر أسند إنبات الشعر إلى محمد وعترته (ع) ، وهذا شرك عند الوهابية، بسبب سطحيتهم وعدم تعمّقهم، فقد ورد في القرآن في قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}( التوبة: 74) ! فنسبة الرزق إلى الرسول (ص) كنسبة عمر إنبات الشعر إلى أهل بيته (ع). والمعنى أن الله تعالى أغنى المسلمين، وأكرمهم، وأنبت شعر رؤوسهم بواسطتهم وبركتهم (ع) .

ونشير هنا إلى أن علماءهم اتّفقوا على تصحيح النص، وأن بعض رواياته بلفظ: (وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله ثم أنتم)، لكن أكثر مصادرهم بلفظ: (إلا أنتم) كمعرفة الثقات للعجلي: 1/302، وتاريخ دمشق: 14/175، وتاريخ الذهبي: 5/100، وغيرها.

وفي بعضها بلفظ: (الله ثم أنتم) كالإصابة: 2/69، وسير الذهبي: 3/285، وتهذيب التهذيب: 2/346. ومعنى اللفظين واحد، فالفعل يسند إلى الله تعالى حقيقة ويسند لهم (ع) مجازاً، لأن الله جعلهم سبباً في عطائه.

([50]) دلائل الإمامة ص119 .

([51]) الاختصاص ص185 .

([52]) تاريخ دمشق: 9/195، ومبسوط السرخسي: 3/9.

([53]) الخصال للشيخ الصدوق ص372.

([54]) نهج البلاغة: 1/36.

([55]) كشف المحجة ص176 .

([56]) الطبري: 2/462 .

([57]) الفصول المهمة للسيد شرف الدين ص103 .

([58]) كنز العمال: 6/527.

([59]) صحيحه: 8/140.

([60]) تفسير القرطبي: 16/37 .

([61]) كنز العمال: 6/531 .

([62]) الرياض النضرة للطبري: 1/129 ، أخرجه ابن السمان ، وذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطبري ص97، وجواهر المطالب للدمشقي: 1/261 .

أعلى الصفحة     محتويات العدد التاسع عشر