مقدمة
قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}().
القرآن الكريم، ذلك الكتاب العظيم، والفرقان المبين، معجزة
الإسلام الخالدة، وأحد الثقلين اللّذين خلّفهما رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
في أمته ليكونا سببًا للهداية ما إن تمسكوا بهما، لطالما
كان مرمىً لعقول وقلوب الكثير من علماء الأمة، ابتغاءً
منهم استنطاق آياته وكشف مخزوناته، وقد قضى بعضهم عمره في
التحقيق بحثًا عن علومه وتبيينًا لمرامه ومراده.
ولمَ لا، وقد وصف الله تعالى كتابه بأوصاف تنبئ عن عظمته،
قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ
مَّحْفُوظٍ}()،
وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ
مَّكْنُونٍ}()،
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ
الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}().
وقد وصف الله عز وجل نفسه بأنه معلّم هذا الكتاب
{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ}(),
وهذا الكتاب مظهَر علمه تعالى وحكمته: {وَإِنَّكَ
لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}().
ولا يستغني الباحث في آياته والسابر في أعماقه وأغواره عن
الاستهداء بالكتاب نفسه وبقرنائه الذين أودعهم الله (جلّ
شأنه) علومه وأسراره وجعلهم عِدْلاً لكتابه.
فقد روى الشيخ في التهذيب أن عبيدة السلماني قال: سمعت
عليًا
(عليه السلام)
يقول: يا أيها الناس اتقوا الله! ولا تفتوا الناس بما لا
تعلمون، فإنّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
قد قال قولاً آلَ منه إلى غيره، وقد قال قولاً من وضعه غير
موضعه كذب عليه، فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس معهم
فقالوا: يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في
المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد
(عليهم السلام)
()
.
وعن الإمام أبي جعفر الباقر
(عليه السلام)
أنه قال لعمرو بن عبيد -وهو من شيوخ المعتزلة-: فإنما على
الناس أن يقرأوا القرآن كما أُنزل، فإذا احتاجوا إلى
تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو().
وحيث إنني كنت أبحث عن الوجه الذي دعا بعض علمائنا للقول
بالاحتياط الوجوبي بقراءة آية الكرسي إلى قوله تعالى
{هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} في صلاة ليلة الدفن، رأيت أن
الحديث حول آية الكرسي لَهُوَ من أحسن الحديث. ورغبة مني
في الاستزادة من أسرارها ومراميها، أحببت أن أقدم هذه
الوريقات للقارئ الكريم ، آملاً في أن يكون هذا البحث
المتواضع قد ساهم في جلاء بعض معاني وأنوار آية الكرسي.
تفسير الآية الكريمة:
لا بد من بيانٍ -ولو مقتضبًا- لبعض معاني مفردات الآية
وجملها التركيبية عَلّه يجلي بعضًا مما ترمي إليه ويزيد
وضوحًا من قدسيتها وعظمتها.
قوله تعالى {اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ}
{الله}: اسمٌ، علمٌ، مفردٌ، موضوع على ذات واجب الوجود.
وبما أن افتتاح البحث وقع على بيان الاسم المقدس للذات
الإلهية فلا بأس بشيء من الإسهاب لقداسة موضوع الكلام.
قال الشهيد (رحمه الله) في قواعده: "الله" اسم للذات
لجريان النعوت عليه، وقيل: هو اسم للذات مع جملة الصفات
الإلهية، فإذا قلنا: الله، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات
الخاصة، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال. ثم قال (رحمه
الله): وهذا المفهوم هو الذي يُعبد، ويُوحّد، ويُنزّه عن
الشريك والنظير، والضدّ والنّدّ والمِثل().
انتهى.
وقد اختصّ هذا الاسم الشريف عن غيره من أسمائه الحسنى بأنه
أشهر أسمائه، واختصّت به كلمة الإخلاص، ووقعت به الشهادة،
وبأنه عَلَم على الذات المقدسة، وهو مختص بالمعبود الحق
تعالى، فلا يُطلق على غيره حقيقة ولا مجازًا، قال تعالى:
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِيًّا}()
أي: هل تعلم أحدًا يُسمّى الله؟ وقيل: سميًا أي: مثلاً
وشبيهًا.
ومما اختص به أيضًا أنه لا يقع إلا اسمًا، بخلاف سائر
أسمائه تعالى، فإنها تقع صفات، أما أنه اسم غير صفة، فلأنك
تصفه ولا تصف به().
وهذا الاسم الشريف يتسمّى به جميع أسمائه الحسنى ولا
يتسمّى هو بشيء منها، فلا يقال: الله اسم من أسماء الصبور
أو الرحيم أو الشكور، ولكن يقال: الصبور اسم من أسماء الله
تعالى.
اشتقاق الاسم المقدس:
اختلِف في اشتقاقه على وجوه عشرة ذكرها الشيخ الكفعمي
(رحمه الله) في حاشيته على الصحيفة السجّادية الموسومة
بالفوائد الشريفة على الصحيفة()،
وإليك الوجوه كما ذكرها (رحمه الله).
الأول:
أنه مشتق من لاه الشيء إذا خفي، قال الشاعر:
لاهت فما عُرفت يومًا بخارجة
|
|
يا ليتها خرجت حتى عرفناها
|
الثاني:
أنه مشتق من أَلِهَ بالكسر أي تحيّر، لتحيّر العقول في كنه
عظمته، قال:
ببيداءَ تيهٍ تألّه العير وسطها
|
|
مخفقة بالآل جرد وأملق
|
الثالث:
أنه مشتق من الغيبوبة، لأنه سبحانه لا تدركه الأبصار، قال
الشاعر:
لاه ربي عن الخلائق طرًا
|
|
خالق الخلق لا يُرى ويرانا
|
الرابع:
أنه مشتق من التعبّد، قال شعر:
لله درّ الغانيات المُدَّهِ
|
|
آلَهْنَ واسترجعن من تألّهي
|
الخامس:
أنه مشتق من أَلِهَ بالمكان إذا أقام به، قال شعر:
أَلِهْنا بدارٍ لا يدوم رسومها
|
|
كأن بقاها وشام على اليد
|
السادس:
أنه مشتق من لاه يلوه بمعنى ارتفع.
السابع:
أنه مشتق من وَلَهَ الفصيلُ بأمه إذا ولع بها، كما أن
العباد مولهون، أي: مولعون بالتضرع إليه تعالى.
الثامن:
أنه مشتق من الرجوع، يقال: أَلَهْت إلى فلان، أي: فزعت
إليه ورجعت، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون
إليه، وقيل للمألوه إليه: إله، كما قيل للمؤتَمّ به: إمام.
التاسع:
أنه مشتق من السكون، وألهت إلى فلان أي: سكنت، والمعنى أن
الخلق يسكنون إلى ذكره.
العاشر:
أنه مشتق من الإلهية. وهي القدرة على الاختراع.
{الحي}: وهو من كان على صفة يجب لأجلها أن يدرك المدرَكات
إذا وُجدت.
{القيّوم}: أصله قيووم على وزن فيعول، إلا أن الياء والواو
إذا اجتمعتا وأولاهما ساكنة، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء
في الياء قياسًا مطردًا. وقد قيل في معنى القيوم أقوالاً
قد يجمعها ما ذكروه من أنه: القائم الدائم بلا زوال، وبه
قيام كل موجود في إيجاده وتدبيره وحفظه، ومنه قوله تعالى:
{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ}، أي يقوم بأرزاقهم وآجالهم وأعمالهم.
قوله تعالى {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ}
السِنَة:
بكسر السين، فتور يتقدم النوم، قال الشاعر:
وسنان أقصده النعاس فرنقت
|
|
في عينه سِنَة وليس بنائم()
|
والنوم معروف، وقد ورد في القرآن أنه بمعنى وفاة النفس من
غير موت، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}،
حتى قيل: النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل.
وها هنا إشكال مشهور:
وهو أن قوله تعالى {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ
نَوْمٌ} على خلاف الترتيب الذي تقتضيه البلاغة، فإن
المقام مقام الترقي، والترقي في الإثبات إنما هو من الأضعف
إلى الأقوى، تقول: فلان يقدر على حمل عشرة أمنان بل عشرين،
وفلان يجود بالمئات بل بالألوف. وفي النفي بالعكس، تقول:
لا يقدر فلان على حمل عشرين ولا عشرة، ولا يجود بالألوف
ولا بالمئات، فكان ينبغي أن يقال: لا يأخذه نوم ولا سنة.
وجوابه بما ذكره السيد الطباطبائي (رحمه الله) في تفسيره:
بأن الترتيب المذكور لا يدور مدار الإثبات والنفي دائمًا
كما يقال: فلان يجهده حمل عشرين بل عشرة ولا يصح العكس، بل
المراد هو صحة الترقي وهي مختلفة بحسب الموارد، ولما كان
أخذ النوم أقوى تأثيرًا وأضرّ على القيومية من السِّنة كان
مقتضى ذلك أن يُنفى تأثير السِّنة وأخذها أولاً، ثم يُترقى
إلى نفي تأثير ما هو أقوى منه تأثيرًا، ويعود معنى {لاَ
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} إلى مثل قولنا: لا
يؤثر فيه هذا العامل الضعيف بالفتور في أمره ولا ما هو
أقوى منه([14]).
فتحصل من قوله تعالى: {الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ} أن السلطان المطلق في الوجود لله سبحانه
لا تصرّف إلا وهو له ومنه.
قال في الميزان: فقد يقع من ذلك في الوهم أنه إذا كان
الأمر على ذلك فهذه الأسباب والعلل الموجودة في العالم ما
شأنها؟ وكيف يتصوَّر فيها ومنها التأثير ولا تأثير إلا لله
سبحانه؟
فأجيب بقوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، فإن تصرّف هذه العلل والأسباب في
هذه الموجودات المعلولة توسط في التصرف، وبعبارة أخرى:
شفاعة في موارد المسببات بإذن الله سبحانه، فإنما هي
شفعاء، والشفاعة -وهي بنحوٍ: توسطٌ في إيصال الخير أو دفع
الشر، وتصرفٌ ما من الشفيع في أمر المستشِفع- إنما تنافي
السلطان الإلهي والتصرف الربوبي المطلق إذا لم ينتهِ إلى
إذن الله، ولم يعتمد على مشيّة الله تعالى بل كانت مستقلة
غير مرتبطة، وما من سبب من الأسباب ولا علة من العلل إلا
وتأثيره بالله، ونحو تصرفه بإذن الله، فتأثيره وتصرفه نحوٌ
من تأثيره وتصرفه تعالى، فلا سلطان في الوجود إلا سلطانه،
ولا قيوميّة إلا قيوميّته المطلقة عز سلطانه().
قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ
إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ}.
فالله عز وجل يعلم من عباده ما كان ويكون من خير وشر،
ويعلم الشافع والمشفوع له، ومن يستحق العفو والثواب أو
العذاب والعقاب.
وأما (الكرسي) فقد اختلف أهل التفسير والتأويل في معناه،
فقيل: هو أصل ملكه.
وقيل: هو كناية عن سلطته، وأنها أحاطت بجميع أجزاء الكون
فلا يشذّ عنه شيء.
وقيل هو العرش نفسه.
وقيل: هو علمه وهو الظاهر قويًا، فإنه من الواضح أن ما سبق
قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ} أفاد المالكية التكوينية {لَّهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}، والتشريعية
{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ}.
والشفاعة مطلقة تشمل الشفاعة التكوينية والتشريعية، فتشمل
شفاعة المعصومين
(عليهم السلام).
فينبِّه تعالى أن تمام التدبير وكماله هو له عز وجل، وبقية
الأسباب والعلل التي جعلها، وخاصة أولي العلم منها، وإن
كان لها تصرف وعلم، إلا أن ما عندهم من العلم وما لهم من
التصرف إنما هو من علمه تعالى وبمشيئته وإرادته. وقوله
تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}
صريح في تمجيده تعالى بالعلم، فله ظهور قوي في أن المراد
من الكرسي هو العلم.
قال السيد الطباطبائي (رحمه الله): وكيف كان فالجمل
السابقة على هذه الجملة -أعني قوله: {لَّهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} إلخ - تفيد
أن المراد بسعة الكرسي إحاطة مقام السلطنة الإلهية، فيتعين
للكرسي من المعنى: أنه المقام الربوبي الذي يقوم به ما في
السماوات والأرض من حيث إنها مملوكة مدبّرة معلومة، فهو من
مراتب العلم، ويتعين للسعة من المعنى: أنها حفظ كل شيء مما
في السماوات والأرض بذاته وآثاره، ولذلك ذيّله بقوله:
{وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} (أي يثقله)().
روى الشيخ الصدوق في التوحيد عن حفص بن غياث، قال: سألت
أبا عبد الله
(عليه السلام)
عن قول الله عز وجل: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ} قال: علمه().
وبإسناده إلى حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام)
عن العرش والكرسي، فقال: إن للعرش صفاتٍ كثيرةً مختلفةً
(...) فهما في العلم بابان مقرونان لأن ملك العرش سوى ملك
الكرسي، وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: {رَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} أي صفته أعظم من صفة الكرسي
وهما في ذلك مقرونان (إلخ)().
آية الكرسي أعظمُ الآيات وسيدتها
وإليك جملة من الأخبار:
عن النبي
(صلى الله عليه وآله)،
قال لرجل: أيةُ آيةٍ أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال
فأعاد القول فقلت: الله ورسوله أعلم! فأعاد فقلت: الله
ورسوله أعلم، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله):
أعظم آية، آية الكرسي().
وسئل
(صلى الله عليه وآله):
القرآن أفضل أم التوراة؟ فقال: إن في القرآن آية، هي أفضل
من جميع كتب الله، وهي آية الكرسي().
وعن جعفر بن محمد الصادق
(عليه السلام)،
عن أبيه، عن أمير المؤمنين
(عليه السلام)
قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
: لما نزلت آية الكرسي، نزلت آية من كنز العرش، ما من وثن
في المشرق والمغرب، إلا وسقط على وجهه، فخاف إبليس وقال
لقومه: حدثت في هذه الليلة حادثة عظيمة، فالزموا مكانكم،
حتى أجوب المشارق والمغارب، فأعرف الحادثة، فجاب حتى أتى
المدينة، فرأى رجلاً فقال: هل حدث البارحة حادثة؟ قال: قال
لنا رسول الله
(صلى الله عليه وآله):
نزلت عليَّ آية من كنوز العرش، سقطت لها أصنام العالم
لوجهها، فرجع إبليس إلى أصحابه وأخبرهم بذلك. إلى أن قال
(صلى الله عليه وآله):
يا علي تعلّم هذه الآية وعلّمها أولادك وجيرانك، فإنه لم
ينزل عليَّ آية أعظم من هذا().
وعن جماعة من الصحابة، أنهم كانوا جالسين في مسجد النبي
(صلى الله عليه وآله)،
ويذكرون فضائل القرآن، وأن أي آية أفضل فيها؟ قال بعضهم:
آخر براءة، وقال بعضهم: آخر بني إسرائيل وقال بعضهم:
كهيعص، وقال بعضهم: طه، قال أمير المؤمنين
(عليه السلام):
أين أنتم عن آية الكرسي؟ فاني سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
يقول: يا علي آدم سيد البشر، وأنا سيد العرب، ولا فخر،
(......) وآية الكرسي سيد سورة البقرة، فيها خمسون كلمة،
في كل كلمة بركة().
وعن أبي عبد الله
(عليه السلام)
قال: إن لكل شيء ذروة()،
وذروة القرآن آية الكرسي().
وفي رواية أن أبا ذر سأل النبي
(صلى الله عليه وآله):
أي آية أنزلها الله عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي. ثم قال:
يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في
أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك
الحلقة().
فضل قراءة آية الكرسي وكتابتها
ورد في جملة من الأخبار عظيم الفضل وجزيل الثواب لقارئ آية
الكرسي، وفي بعضها التصريح بما يترتب على قراءتها وكتابتها
من الآثار الوضعية.
والأخبار على طوائف:
الأولى: ما ورد من الندب إلى قراءتها مطلقًا:
منها:
الخبر المتقدم عن أمير المؤمنين
(عليه السلام)
قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله):
لما نزلت آية الكرسي، نزلت آية من كنز العرش، إلى أن قال
(صلى الله عليه وآله):
لا يقرأ هذه الآية في بيت، إلا ولا يحوم الشيطان حوله
ثلاثة أيام، إلى أن ذكر ثلاثين يومًا، ولا يعمل فيه السحر
أربعين يومًا، يا علي تعلّم هذه الآية وعلّمها أولادك
وجيرانك، فإنه لم ينزل عليَّ آية أعظم من هذا().
ومنها:
عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
قال: من قرأ آية الكرسي مرة، محي اسمه من ديوان الأشقياء
ومن قرأها ثلاث مرات، استغفرت له الملائكة، ومن قرأها أربع
مرات، شفع له الأنبياء، ومن قرأها خمس مرات، كتب الله اسمه
في ديوان الأبرار، واستغفرت له الحيتان في البحار ووقيَ شر
الشيطان، ومن قرأها سبع مرات أغلقت عنه أبواب النيران، ومن
قرأها ثماني مرات، فتحت له أبواب الجنان، ومن قرأها تسع
مرات، كفيَ همّ الدنيا والآخرة، ومن قرأها عشر مرات، نظر
الله إليه بالرحمة، ومن نظر الله إليه بالرحمة، فلا يعذبه().
ومنها:
عن أبي عبد الله
(عليه السلام)
قال: من قرأ آية الكرسي مرة صرف الله عنه ألف مكروه من
مكاره الدنيا، وألف مكروه من مكاره الآخرة، أيسر مكروه
الدنيا الفقر، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر، وإني
لأستعين بها على صعود الدرجة
().
ومنها:
عن علي
(عليه السلام)،
قال: قال النبي
(صلى الله عليه وآله)
من قرأ آية الكرسي مائة مرة كان كمن عبد الله طول حياته().
الثانية: قراءتها بعد صلاة الفريضة
منها:
عن الصادق عن أبيه
(صلى الله عليه وآله)
قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
لعلي
(عليه السلام)
يا علي عليك بتلاوة آية الكرسي في دبر صلاة المكتوبة فإنه
لا يحافظ عليها إلا نبي أو صدّيق أو شهيد().
ومنها:
عن النبي
(صلى الله عليه وآله)
قال: من قرأ آية الكرسي، في دبر كل صلاة مكتوبة، تُقبِّلت
صلاته، ويكون في أمان الله، ويعصمه الله().
ومنها:
عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
أنه قال: من قرأ آية الكرسي، عقيب كل فريضة تولى الله جل
جلاله قبض روحه، وكان كمن جاهد مع الأنبياء حتى استشهد()
.
ومنها:
عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله):
من قرأ هذه الآية -يعني آية الكرسي- إذا فرغ من صلاة
الفريضة، لم يكل الله قبض روحه إلى ملك الموت().
ومنها:
عن أمير المؤمنين
(عليه السلام)
أنه قال: رأيت رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
على أعواد هذا المنبر، وهو يقول: من قرأ آية الكرسي، عقيب
كل فريضة، ما يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب
عليه إلا صّديق أو عابد، ومن قرأها عند منامه، آمنه الله
في نفسه، وبيته، وبيوت من جواره()
.
الثالثة: قراءتها بعد الوضوء
عن الباقر
(عليه السلام)
من قرأ على إثر الوضوء آية الكرسي مرة أعطاه الله تعالى
ثواب أربعين عامًا ورفع له أربعين درجة وزوّجه الله تعالى
أربعين حوراء().
الرابعة: قراءتها لأهل القبور
منها:
عن علي
(عليه السلام)
: إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور
جعل الله تعالى له من كل حرف ملكًا يسبح له إلى يوم
القيامة().
ومنها:
عن النبي
(صلى الله عليه وآله)
في حديث في فضل آية الكرسي، قال
(صلى الله عليه وآله):
ومن قرأها وجعل ثوابها لأهل القبور، غفر الله ذنوبهم، إلا
أن يكون عشّارًا().
الخامسة: قراءتها لطلب الولد الذكر
عن أبي عبد الله
(عليه السلام)
قال: إذا كان بامرأة أحدكم حمل فأتى لها أربعة أشهر
فليستقبل بها القبلة وليقرأ آية الكرسي وليضرب على جنبها
وليقل: اللهم إني قد سميته محمدًا، فإنه يجعله غلامًا، فإن
وفى بالاسم بارك الله فيه، وإن رجع عن الاسم كان لله فيه
الخيار، إن شاء الله أخذه، وإن شاء تركه().
السادسة: إذا خاف هياج الدم عند الاحتجام
منها: عن محمد بن رياح قال: رأيت أبا إبراهيم
(عليه السلام)
يحتجم يوم الجمعة فقلت: تحتجم يوم الجمعة؟ فقال: أقرأ آية
الكرسي، فإذا هاج الدم ليلاً كان أو نهارًا فاقرأ آية
الكرسي واحتجم().
السابعة: قراءتها أو كتابتها للشفاء
منها:
عن أمير المؤمنين
(عليه السلام)
قال: إذا اشتكى أحدكم عينه فليقرأ عليها آية الكرسي وفي
قلبه أنه يبرأ ويعافى فإنه يعافى إن شاء الله تعالى().
ومنها:
عن إبراهيم بن مهزم عن رجل سمع أبا الحسن
(عليه السلام)
يقول من قرأ آية الكرسي عند منامه لم يخف الفالج إن شاء
الله، ومن قرأها في دبر كل فريضة لم يضره ذو حمة().
ومنها:
عن أمير المؤمنين
(عليه السلام)
في حديث إن رجلاً قال له إن في بطني ماء أصفر فهل من شفاء؟
فقال نعم بلا درهم ولا دينار ولكن اكتب على بطنك آية
الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ بإذن
الله().
ومنها:
عن أبي عبد الله
(عليه السلام)
قال: شكا رجل إليه من حمى قد تطاولت، فقال: اكتب آية
الكرسي في إناء ثم دفه()
بجرعة من ماء فاشربه().
الثامنة: أن تكتب لدفع الجن
عن أبي خديجة قال: رأيت مكتوبا في بيت أبي عبد الله
(عليه السلام)
آية الكرسي قد أديرت بالبيت، رأيت()
في قبلة مسجده مكتوبا آية الكرسي().
عن أبي عبد الله
(عليه السلام)
قال: شكا إليه رجل عبث أهل الأرض بأهل بيته وبعياله، فقال:
كم سقف بيتك؟ فقال: عشرة أذرع، فقال: إذرع ثمانية أذرع ثم
اكتب آية الكرسي فيما بين الثمانية إلى العشرة كما تدور،
فان كل بيت سمكه أكثر من ثمانية أذرع فهو محتضر تحضره الجن
تكون فيه تسكنه().
التاسعة: قراءتها لتهون من سكرات الموت
منها: عن النبي
(صلى الله عليه وآله):
من قرأ آية الكرسي يهوّن الله عليه سكرات الموت، وما مرّت
الملائكة في السماء بآية الكرسي إلا صعقوا().
العاشرة: قراءتها لقضاء الحوائج
قال النبي
(صلى الله عليه وآله)
لعلي
(عليه السلام):
يا علي: إذا خرجت من منزلك تريد حاجة فاقرأ آية الكرسي،
فإن حاجتك تقضى إن شاء الله().
الحادية عشر: قراءتها في السفر
عن الصادق
(عليه السلام)
قال: من قرأ "آية الكرسي" في السفر في كل ليلة سلم وسلم ما
معه ويقول: اللهم اجعل مسيري عبرًا وصمتي تفكرًا وكلامي
ذكرًا().
تحديد آية الكرسي
آية الكرسي أولها قوله تعالى {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وهذا مما لا ريب فيه،
ولكنها هل تنتهي بقوله {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
أو أن الآيتين بعدها جزء منها فيكون منتهاها قوله {هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ}؟
المنسوب إلى الجمهور وكثير من أصحابنا أنها آية واحدة
تنتهي بقوله تعالى {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
وهو المقرر عند القراء والمفسرين.
قال في مجمع البحرين: وآية الكرسي معروفة وهي إلى قوله
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
().
وفي كنز الدقائق: أن هذا هو المشهور().
ويعضده ويؤيده بعض الوجوه:
الأول:
إن تسميتها بآية الكرسي مرتبط بذكر كلمة (الكرسي) وقد وردت
في الآية الأولى فقط، فالمناسب عدّها آية واحدة، وقد اصطلح
على كثير من الآيات تسميتها بعنوان خاص (كآية النبأ مثلاً)
لوجود ذلك العنوان الخاص في تلك الآية وقد جرى ذلك في بعض
ألسنة الأخبار.
من جملة تلك الآيات:
آية الزكاة
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ
سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}().
آية المتعة
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم
مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم
مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم
بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ
الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}().
آية السخرة
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ
تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}().
وهكذا آيات (النفر، النبأ، السرقة، الملك، الميراث،
المباهلة، الحيض، التقصير، الرجم، الخمس، الوضوء، التطهير،
حرمة الكتمان) إلى غير ذلك من الآيات فراجع وتأمل.
الثاني:
ما رواه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان قال: وبإسناده عن
علي
(عليه السلام)
قال: سمعت نبيكم على أعواد المنبر وهو يقول: " من قرأ آية
الكرسي.. إلى أن قال
(صلى الله عليه وآله):
يا علي! إن فيها لخمسين كلمة، في كل كلمة خمسون بركة().
وعندما تعدّ كلمات هذه الآية إلى قوله {وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} تكون خمسين كلمة.
الثالث:
إن جميع الروايات التي أوردت فضيلة هذه الآية وعبرت عنها
بآية الكرسي مؤيدة للقول بأنها آية واحدة لا أكثر، وقد ورد
في جملة من التفاسير ذكر فضلها وثواب قراءتها كل ذلك عقيب
قوله {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
الرابع:
ما رواه الشيخ في الأمالي ضمن بيان فضيلة آية الكرسي:
بإسناده عن أبي أمامة الباهلي: أنه سمع علي بن أبي طالب
(عليه السلام)
يقول: ما أرى رجلاً أدرك عقله الإسلام وولد في الإسلام
يبيت ليلة سوادها، قلت: وما سوادها، يا أبا أمامة؟ قال:
جميعها، حتى يقرأ هذه الآية {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} فقرأ الآية إلى قوله:
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، ثم قال: فلو تعلمون
ما هي، أو قال: ما فيها، لما تركتموها على حال()،..
الخ.
الخامس:
ظاهر حديث الإمام زين العابدين
(عليه السلام)
المروي في الكافي عن عمرو بن جميع، رفعه إلى علي بن الحسين(صلى
الله عليه وآله)
قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله):
من قرأ أربع آيات من أول البقرة، وآية الكرسي وآيتين
بعدها، وثلاث آيات من آخرها، لم يرَ في نفسه وماله شيئًا
يكرهه، ولا يقربه شيطان، ولا ينسي القرآن().
ورواه الشيخ الصدوق أيضًا في ثواب الأعمال().
فعطفُ قولِه (وآيتين بعدها) على (آية الكرسي) يقتضي بظاهره
تغايرهما، وتماميّة آية الكرسي إلى قوله {وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، بل صرّح السيد الخوئي (قدس
سره) بكون الحديث دالاً على خروج الآيتين().
ومثله الحديث المروي في دعائم الإسلام عن الإمام جعفر
الصادق
(عليه السلام)
أنه قال: يستحب لمن حضر المُنازِع أن يقرأ عند رأسه آية
الكرسي وآيتين بعدها().
السادس:
ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) من أن كونها آية واحدة هو
المطابق للأصل لدى الدوران بين الأقل والأكثر().
رواية في روضة الكافي
وأما ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) عن إسماعيل بن
عباد عن أبي عبد الله
(عليه السلام)
وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاً بِما
شَاءَ}
وآخرها {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} والحمد لله
رب العالمين وآيتين بعدها().
فلا دلالة فيها على أن آخر آية الكرسي قوله {هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} وذلك لأنه لم يعلم وجه روايتها
والشيخ الكليني (رحمه الله) لم يدرجها في باب معنون، نعم
ذكرها في سياق ذكره لبعض الروايات الدالة على اختلاف بعض
الآيات لما هو الموجود بين أيدينا.
وقد أوردها صاحب البحار (قدس سره) ضمن باب ما جاء في كيفية
جمع القرآن وما يدل على تغييره()
وأشار (قدس سره) في آخر الباب المذكور إلى أن هذه الرواية
وأمثالها إنما هي من أخبار الآحاد التي لا نقطع على الله
بصحتها، فلذلك وقفنا عليها ولم نعدل عما في المصحف الظاهر،
وقد صح الخبر عن أئمتنا
(عليهم السلام)
أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا نتعداه، بلا
زيادة ولا نقصان ... (انتهى ما أردنا نقله عن البحار).
على أن الرواية المذكورة وردت بنصب آيتين ولا وجه للنصب
إلا بعامل مقدر، فلا يصلح قوله (وآيتين بعدها) أن يكون
خبرًا لقوله (وآخرها)
أراء بعض الأعلام:
الشهيد الثاني(رحمه الله) في روض الجنان قال:
والظاهر إن المراد بآية الكرسي الآية التي يذكر فيها
الكرسي أولها {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ} إلى {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
()
.
المحقق الأردبيلي (رحمه الله) في مجمع الفائدة الجزء
الثالث قال: والظاهر من آية الكرسي، أنها إلى قوله:
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، كما هو المقرر عند
القراء والمفسرين في غير هذا المحل (صلاة الغدير)،
وللتبادر، ولهذا لو أريد الزيادة احتيج إلى القيد، فلا
يبعد الاكتفاء به().
وأفاد السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك: ثم إن الظاهر
من آية الكرسي الآية المشتملة على لفظ الكرسي التي آخرها:
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، وقد قيل: إنه
المقرر عند القراء والمفسرين، ويظهر ذلك بأدنى ملاحظة
لكلماتهم. وفي بعض الأخبار المروية في مجمع البيان أنها
خمسون كلمة، ولا ينطبق إلا عليها. وعليه ففي كل مورد وردت
مطلقة حُملت على ذلك، إلا أن تقيّد بمثل: إلى قوله تعالى:
{هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فيلزم حينئذ قراءتها
إليه، كما ورد في موارد كثيرة().
وقريب منه ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) في كتاب الصلاة
()
.
صلاة ليلة الدفن وقفة تساؤل؟!
صلاة ليلة الدفن أو صلاة الهدية: ورد لها كيفيتان، وفي
إحداهما قراءة آية الكرسي.
ولم ينقل هاتين الكيفيتين سوى ابن فهد الحلي (رحمه الله)
()
والشيخ الكفعمي (رحمه الله)
()
في مصباحه ولم يذكر أي منهما تقييدها بأنها إلى قوله تعالى
{هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وتأييدًا لذلك لاحظ ما ذكره بعض علمائنا (قدس الله
أسرارهم):
قال السيد الجزائري (رحمه الله) في باب الهدية للميت:
يستحب الإهداء إليه ليلة الدفن بصلاة ركعتين، يقرأ في
الأولى بعد الحمد آية الكرسي، وفي الثانية بعد الحمد القدر
عشر مرات، فإذا سلّم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد
وابعث ثوابها إلى قبر فلان. نقلهما الكفعمي في مصباحه وابن
فهد في موجزه وأسندها في المفاتيح إلى الخبر. وفي القراءة
روايتان أخريان ولم أقف منها إلا على ما ورد عن النبي
(صلى الله عليه وآله)
مرسلاً، قال: لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة
فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصلِّ أحدكم
ركعتين يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد
مرتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرة وألهاكم التكاثر عشر
مرات، ويسلّم ويقول الدعاء. ونقل صاحب البحار عن بعض كتب
أصحابنا أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة آية الكرسي مرة
والتوحيد مرتين، وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشرًا.
ونقلها عن والده أيضًا مع التصريح بأنه ليس في شيء من هذه
الصلوات خبر يعتمد عليه من طرق أصحابنا، وأنه لو أتى بصلاة
على الهيئات المنقولة بالطرق المعتبرة ثم أهدى ثوابها إلى
الميت فهو أحسن().
وقال المحدث البحراني (قدس سره) في الحدائق:
صلاة هدية الميت ليلة الدفن، وهذه الصلاة لم نظفر بها في
كتب الأخبار مسندة عن أحد الأئمة الأبرار (صلوات الله
عليهم)، وإنما رواها الكفعمي في مصباحه (و) كتاب الموجز
لابن فهد، وهو نقلها عن النبي
(صلى الله عليه وآله)،
قال (قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله):
لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم
بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصلِّ أحدكم ركعتين: يقرأ في
الأولى الحمد وآية الكرسي، وفي الثانية الحمد والقدر
عشرًا، فإذا سلّم قال: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وابعث
ثوابهما إلى قبر فلان، فإنه تعالى يبعث من ساعته ألف ملك
إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلّة... الخبر).
قال: وفي رواية أخرى (يقرأ بعد الحمد التوحيد مرتين في
الأولى وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشرًا ثم الدعاء
المذكور)، ثم نقل الكفعمي عن والده رواية ثالثة مثل
الرواية الثانية لكن بزيادة آية الكرسي مرة في الركعة
الأولى. وروى هذه الصلاة السيد رضي الدين بن طاووس في كتاب
فلاح السائل عن حذيفة بن اليمان عن النبي
(صلى الله عليه وآله)
بالرواية الثانية().
وأما السيد الخوئي (قدس سره) في تعليقته على العروة، بعد
أن ذكر صاحب العروة (قدس سره) صلاة ليلة الدفن، وأنها
ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي إلى {هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ}.
فقد علّق (قدس سره) بما نصه : لم أعثر على نص معتبر
لهذا التحديد في المقام ولا بنطاق عام بالرغم من
اشتهاره وانتشاره، حتى أن جلّ المعلّقين على المتن ما خلا
السيد الطباطبائي امضوا ما فيه أو احتاطوا فيه، وإن كان
السيد الماتن بنفسه أيضًا احتاط فيه في كتاب الطهارة عند
تعرضه لهذه الصلاة في خاتمة أحكام الأموات.
وكيف ما كان فالذي يظهر من اللغة وجمع من المفسرين وبعض
النصوص خلافه، وهو المنسوب إلى الجمهور وكثير من
الأصحاب... إلى أن قال (رحمه الله): والمتحصّل: أن كل مورد
لم يصرح فيه بضم الآيتين -ومنه المقام- يجوز الاكتفاء
بالآية الأولى وإن كان الضمّ أحوط وأولى().
(انتهى كلامه (قدس سره))
وهنا نطرح السؤال التالي:
إذا لم يرد قراءة آية الكرسي في صلاة ليلة الدفن إلى قوله
تعالى {هم فيها خالدون} في أي نص ولو غير معتبر،
فما هو الوجه الذي لأجله احتاط السيد (قدس سره) في العروة
وتبعه أكثر المعلقين عليها بقراءتها بضم آيتين بعدها؟!.
نعم روى الشيخ الطوسي (قدس سره) في مصباح المتهجد مرسلاً:
عن الصادق عليه السلام أنه قال: من صلى في هذا اليوم (أي
يوم المباهلة) ركعتين قبل الزوال بنصف ساعة شكرا لله على
ما من به عليه وخصّه به، يقرأ في كل ركعة أم الكتاب مرة
واحدة، وعشر مرات قل هو الله أحد، وعشر مرات آية الكرسي
إلى قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وعشر مرات إنا
أنزلناه في ليلة القدر عدلت عند الله مائة ألف حجة ومائة
ألف عمرة، ولم يسأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا
والآخرة إلا قضاها له كائنة ما كانت إن شاء الله عز وجل.
وقال (قدس سره): وهذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير().
(انتهى)
إلا أن هذا مورد خاص لا بد من الاقتصار عليه وعدم التعدي
عنه إلى غيره، وبذا صَرّح السيد الخوئي (قدس سره) وقبله
الشهيد الثاني (قدس سره) في روض الجنان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
|