... وابن ملي هذا رجل تاريخي رائد، وإن أهمله الذين كتبوا
التاريخ، فتجاهلوه وكتموا دوره الريادي في لحظة من أدقّ
وأقسى ما يكون، اجتمع له من شرف الريادة وبعد الأثر وأسباب
العظمة ما يؤهّله لأن يكون في صفّ رجال التاريخ القادة.
إنه نجم الدين أحمد بن محسِّن بن الأنصاري البعلبكي
(617-699هـ) (1220-1299م)، فقيه شيعي إمامي أنجبته بعلبك،
وصفه في مرآة الجنان بأنه: : "أحد أذكياء الرجال وفضلائهم
في الفقه والأصول والطب والفلسفة والعربية والمناظرة"()،
كان متبحرًا في العلوم، كثير الفضائل، أسدًا في المناظرة،
فصيح العبارة، ذكيًا متيقظًا حاضر الحجة، حادّ القريحة،
مقدامًا().
ولا عجب فإنه وهو الرجل الكفؤ قد جنى معارفه من مختلف
مراكز العلم الإسلامية : دمشق وحلب وبغداد، متلقيًا
ومتعلّمًا ثم مدرسًا ومفتيًا ومناظرًا، بعد أن تتلمذ لمدة
طويلة على شيخه الأول عز الدين أحمد بن علي بن معقل
المهلبي الحمصي()
في بعلبك().
لقد كان ابن ملي فقيهًا بعلبكيًا شيعيًا في زمنٍ كانت فيه
السلطة في المنطقة الشامية، سلطة السياسة وسلطة الثقافة،
سنيّة خالصة . فلا بد من الإشارة إلى أن التسنّن كان
يومذاك (الأيديولوجيا) الرسمية للسياسة والثقافة معًا،
وكان قد نجح لتوّه في انتزاع هذا الموقع من التشيّع على
إثر معركة طويلة شارك فيها أهل الثقافة -وخصوصًا الفقهاء-
أهل السياسة، ولم يكن من سبيل لاختراق هذه البنية
المتماسكة الحذرة إلا في مناطق جبلية بعيدة عن متناول
السلطة منها (جبل عامل) وامتداده البقاعي الذي أفلح منذ
الشهيد الأول (أواسط القرن الثامن للهجرة-الرابع عشر
الميلادي) في بناء كيان ثقافي خاص به، وفريد ومتميّز في
المنطقة الشامية ولا يقلّ تماسكًا عن الكيان الثقافي
الرسمي ويفوقه مرونة بما لا يقاس .
تلك هي الأرضية التي تقف عليها سيرة ابن ملي، وما سيرته
إلا محصّلة معقدة للنجاح في التعامل مع تلك الأرضية
والتوازن مع عناصرها ثقافيًا واجتماعيًا ثم الفشل فشلاً
ذريعًا في التعامل معها سياسيًا().
إلا أن النقطة المضيئة في سيرة ابن ملي إلى حدّ السطوع
والتألّق أنه بما تحلّى به من صفات وخصوصًا الإقدام، كما
وصفه اليونيني، قد نجح أن يكون ضمير قومه بل أمّته في لحظة
من أشد اللحظات وأقساها يوم اجتاح التتار دار الإسلام من
مشرقها ذلك الاجتياح المهول، وشمل اجتياحهم المنطقة
الشامية ومنها وطن ابن ملي (بعلبك) سنة 658 هـ-1259م،
فنظّم وقاد حرب عصابات شعبية ناجحة في وجههم في بعلبك
وجبالها في وقت فيه تهاوت العروش ولم تثبت فيه الجيوش
النظامية من تركستان إلى أبواب مصر، وتلك مبادرة فريدة في
تلك الأيام السوداء، ذلك درس حقيق بأن يقرأ ويستعاد().
هذان الملمحان في شخصيته : مشاركته العلمية الواسعة، وما
تحلّى به من صفات قيادية أهّلته لأن يكون رجلاً تاريخيًا،
هما اللذان ذكّرانا بالشهيد الأول والمحقق الثاني، فكلا
هذين قد نهل من مختلف المشارب، وطوّف في مختلف الحواضر
العلمية الإسلامية طلبًا للقاء كبار الشيوخ !
لم تحُل بينه وبين بغيته حدود المذاهب . وكلاهما قد تكشّف
عن قائد تاريخي، الأول عبر قيادته الطموحة لمحاولة إقامة
الدولة المجسّدة لمفهوم الشرعية كما هو منظور في الثقافة .
والثاني عبر قيادة لمّ شعث الشعوب الإيرانية على أثر
النهضة الصفوية.
لكن سوء حظ ابن ملي البعلبكي فيما يبدو أنه لم يصادف
لحظته: رجل تاريخي دون تاريخ().
يقول اليونيني : "واشتغل ابن ملي في مذهب الشيعة وغير ذلك"().
وتقول عامة المصادر التي تحدّثت عن ابن ملّي أنه تمتع
بحضور قوي في دمشق وحلب ومصر وفي المدرسة النظامية في
بغداد()،
إن قوة هذا الحضور تعود بلا ريب إلى قوة نفس الرجل وشجاعته
الأدبية، ثم إلى تبحّره وسعة اطلاعه. وفي الدائرة السياسية
من سيرة ابن ملي نقف عند باب الجهاد يوم انفتح على دار
الإسلام باب التدمير التتري من مشرقه حتى أبواب مصر .
والجدير ذكره أننا لا نقرأ في تلك الأيام السوداء أيّ ذكر
لعمل دفاعي شعبي لوقف التتر الزاحفين أو عرقلة حركتهم،
وبما أنهم كانوا وثنيين وبوذيين، فإن ذلك قدّم خير أرضية
للعمل الجهادي ضدهم. ثم إن هناك الطبيعة المناسبة لممارسة
الغارات السريعة وما شاكلها من فنون حرب العصابات، وبعلبك
تمتد في حضن جبل كان يومذاك مكسوًّا بالغابات الكثيفة مما
كان يمنح المجاهدين تميّزًا (تكتيكيًا) هامًا، كما أن
الشخصية القيادية ذات التأثير والنفوذ كانت متوفرة وقادرة
على استقطاب الجمهور وتوجيهه في الاتجاه الجهادي المنشود .
يصف اليونيني ابن ملي بأنه كان "شجاعًا مقدامًا تام الشكل
حسن الخلقة جهوري الصوت"().
وقد وصفه أيضًا بأنه كان "إمامًا في مذهب الشيعة يُقتدى
به"، وبهذا الشرط الأخير تحققت الشروط الأساسية النظرية
لنهوض مقاومة شعبية مسلحة في وجه الغزاة التتر في بعلبك
ومنطقتها.
يقول اليونيني : "وفي سنة 658هـ عندما استولى التتار على
الشام كان ابن ملي بجبال بعلبك، وأنه جمع له عشرة آلاف
نفر، وأنه تسمّى بالملك الأقرع، وأنهم كانوا يتخطفون التتر
في الطرقات وخصوصًا في الليل لأن التتر ما يركبون في الليل().
فمن خلال العدد المذكور يتبين الانطباع الكبير الذي تركه
مجاهدو ابن ملي والصدى البالغ لعملياتهم ضد الغزاة بين
الناس . أما استعارة ابن ملي لنفسه لقب "الملك الأقرع"
فتأتي غرابته في عصريته بالنسبة إلينا اليوم، ولكنها تشهد
للرجل بالعبقرية والريادة فهو اسم مستعار بلا شك للحفاظ
على حياته وسلامته الشخصية في موقعه الجديد كقائد مقاتل
يبتغي إزاحة وستر شخصية الفقيه وما تعنيه وما ترمز إليه
لمصلحة استحضار شخصية جديدة عنوانها الملك.
وأما القسم الأخير من نص اليونيني "بأنهم كانوا يتخطفون
التتر في الطرقات وخصوصًا في الليل" .
تضعنا هذه العبارة في جو تلك الأيام المجيدة العابقة بنشر
الجهاد والثبات والمقاومة رغم التباين بين قوة العدو وقوة
المسلمين . حيث كان المجاهدون يغيرون متسللين على العدو
وضربه في المدينة ثم عودتهم إلى الجبال الوعرة . لقد أفاد
ابن ملي ومجاهدوه في أعمالهم الجهادية وأساليب حرب
العصابات بـ : استغلال الأماكن الطبيعية، واستغلال تحركات
العدو، ثم سرعة الحركة، وأخيرًا استغلال نقاط الضعف
التعبوي لديه، كل هذا يدل على المستوى المتقدم في التخطيط
والإعداد.
لقد نجح ابن ملي في نقل الشيعة في وطنه إلى موقع متقدم
بوضعهم على طريق الجهاد، ونجح أيضًا في تنظيم الشيعة بعد
اضطرابهم بسبب الغزو الصليبي وما تلاه والغزو المغولي وما
تمخّض عنه . ذلك هو المغزى التاريخي الكبير لأعماله، وبهذا
وبجهاده يستحق أن يدخل التاريخ.
ومما لا شك فيه أن النتائج غير المتوقعة التي تمخضت عنها
معركة (عين جالوت) رمضان 658 هـ أيلول 1259م التي أعادت
قلب موازين القوى في المنطقة قد قلبت أيضًا ما بناه ابن
ملي رأسًا على عقب، فكل شيء يدل على أنه قد بنى خططه على
أساس أنه يواجه الاحتلال التتري لفترة غير محدودة . وليس
أدلّ على هذا من ذلك الاسم المستعار الذي اتخذه لنفسه
"الملك الأقرع" في سياق الإعداد للمواجهة وعلى أي حال فإن
اندحار التتر وانكفاءهم عن المنطقة لم يكن في حسبان أحد().
بالنسبة لابن ملي فإن اندحار التتر كان يعني عودة السلطة
المحلية وربما يدور في الوهم أن هذا يعني انتهاء أيام
الشدة وعودة الأمن والأمان، ولكن لا شيء أبعد عن الصحة من
هذا الوهم، فقد انجلى مسلسل الأحداث الذي بدأ بدخول التتر
(الشام) وانتهى باندحارهم في عين جالوت عن قيام سلطة
جديدة يمثلها أولئك الذين عرفوا في تاريخنا باسم
(المماليك) , وكان هؤلاء قد كوّنوا طبقة عسكرية استولت على
السلطة بل على كل شيء ابتداءً من الفكر الذي حوّلته إلى
أداة سلطة، وانتهاء بمصادر الإنتاج.
انصرف أهل السلطة الجدد (بعد انكفاء التتر) ومعهم الحماسة
الشعبية المتدفقة إلى تصحيح ما وقع من خلل في قواعد الحكم
وإلى إعادة الأمور إلى نصابها، وفي هذا السياق جرت تصفية
حسابات قديمة أهرقت فيها دماء، فهل يمكن أن نتصور أن
السلطة المملوكية ستترك هذا الرجل وشأنه بعدما أظهر ذلك
المستوى من الطموح والمقدرة؟! لقد عرفنا ابن ملي رجلاً
يتحلّى بقدر كبير من الشجاعة وقوة النفس وسنعرفه كيف ترك
بلده نهائيًا ليمضي نصف عمره المديد في حال أشبه بالتشرّد
وليموت بعيدًا عن بلده متخفيًا عن أنظار السلطة .
... وفي أواخر سنة 658 هـ، 1259م بدأت فترة التخفي
والتطواف في حياة ابن ملي حيث غادر بعلبك متخفيًا، فقد جاء
في طبقات الشافعية للأسنوي ج2 ص462 : أنه دخل بلدة أسنا في
أقصى صعيد مصر يبغي أقصى درجات التخفي، ومن المثير للأسى
ما يضيفه الأسنوي أيضًا : "انتقل ابن ملي من أسنا إلى
أسوان واستقرّ فيها يدرّس في المدرسة الباباسية"، ومن مصر
انطلق إلى تطواف جديد، فالأسنوي يتابع قائلاً : "ثم عاد
منها -أي من أسوان -إلى الشام- ".
إن الغموض الذي اتسمت به تحركات ابن ملي في فترة تخفّيه
كان مفيدًا له حتمًا، فالمؤرخان السبكي والأسنوي يقولان :
إنه دخل بغداد حيث عمل معيدًا في (المدرسة النظامية)
الشهيرة، وهو منصب هام لا يتاح الفوز به إلا للمصطَفَين من
أهل العلم.
وعلى كل حال فإن من المؤكد أنه عاش مدة طويلة جدًا مما بقي
من عمره مطوّفًا متخفيًا دون أن نعلم متى وأين انتهى هذا
التشرّد إن كان قد انتهى بغير الموت.
ليس هناك أي إشارة يفهم منها أنه عاد إلى بعلبك، ولعله لم
يرها إطلاقًا منذ غادرها سنة 658هـ -1259م، وهذا يعني أنه
عاش إحدى وأربعين عامًا عدّا يطوّف في الآفاق، أي نصف عمره
المديد بالضبط .
إن الفترة التي تواجد فيها ابن ملي في بعلبك هي من أول
إفرازات الظواهر السكّانية والثقافية الجديدة التي كانت قد
بدأت تشكّل وجه مدينة بعلبك وتعيد تركيبها من الداخل، من
هنا فإن علينا أن ننظر إلى إنجاب بعلبك لهذا الفقيه الشيعي
منها كعلامة تشير إلى أمرين هامين يتصلان بدرجة وعي
الجماعة الشيعية فيها، وبالظروف التاريخية التي كانت
تجتازها.
أولهما : أن هذه الجماعة تدرك ذاتيتها، بل وخصوصيتها
وامتيازها.
ثانيهما : أنها تملك الفرصة لممارسة هذه الذاتية ضمن حد
مقبول من الشروط، وعلى رأسها قسط من الحرية والشعور بالأمن
()
.
لكن وفي كل حال فإنه ينبغي أن لا يغيب عن البال أنه في هذه
الفترة التاريخية كان التشيع في الشام تحت التأثير
المتمادي للضربة الصليبية الكاسحة التي أصابت أكثر من مقتل
سواء بفعلها المباشر أم غير المباشر، ونعني بهذا الأخير
دخول العناصر العسكرية في الصورة السياسية للمنطقة
واستيلائها على السلطة فيها، ومعلوم أن هذه قد قدّمت تحت
شعار الجهاد، وتحرير (دار الإسلام) من الاحتلال ولكنها
حملت عداءً صريحًا وخاصًا ضد التشيّع، لا لسبب إلا لأنها
تعرف أنه عصيّ على عمليات التطويع، يعني أن بنيته الفكرية
الصلبة لا تعطيه أن يمنحها الشرعية لتحكم من تحت غطائها .
... ولعل ابن ملي قد حظي بشيخوخة هادئة في قرية بخعون في
منطقة من شمال لبنان عرفت تاريخيًا باسم (جبال الظنيين)
حيث تقوم عدة قرى شيعية يقطنها أحفاد المهاجرين الشيعة
الأولين إلى جبال لبنان، فالمصادر تجمع على أنه توفي ودفن
في تلك القرية الجبلية الصغيرة في شهر جمادى الأولى سنة
699هـ - 1299م
().
ومن غرائب الأقدار أن يموت ابن ملي والتتر يعودون إلى
المنطقة في غزوتهم الثانية بقيادة (غازان)، فكان الزمان
يعدّ خاتمة مسرحية مناسبة لحياة هذا العالم والمجاهد
العظيم().
مات ابن ملي ولكن بعد أن حقق انجازًا تاريخيًا على مستوى
التشيّع في الشام لا يمكن فهمه إلا بالمقارنة بالوضع
الخامد والسلبي الذي كان يرزح تحته بسبب القمع القاسي الذي
كان يوجّه إليه من العناصر العسكرية الحاكمة ابتداءً من
أوليات القرن السادس للهجرة - الثاني عشر للميلاد.
لقد كان عمل ابن ملي أول مبادرة جماعية ذات معنى سياسي
اتخذها شيعة من أهل الشام منذ ما يقرب من قرن ونصف القرن،
وليحذو حذوها الشهيد الأول بعد نصف قرن من الزمان، ومع ذلك
فإن التجربة التي خاضها الشيعة في بعلبك وجوارها تحت
قيادته لا يمكن أن تكون قد ضاعت وضاع أثرها مثل نفخة ريح.
ملحق
إتمامًا للفائدة ارتأت هيئة التحرير إدراج هذا الملحق
ابن ملي في موسوعة طبقات الفقهاء للشيخ جعفر السبحاني
(14/1031-1032) :
ابن ملّي (617- 699 هـ) : أحمد بن محسّن بن ملّي بن حسن
الأنصاري، العلامة، الإمامي، المتفنّن، نجم
الدين
أبو العباس البعلبكي. قال الذهبي: كان أحد أذكياء الرجال
وفضلائهم في الفقه والأصول والطب والفلسفة والعربية
والمناظرة.
ولد المترجم له في بعلبك سنة سبع عشرة وستمائة، وتتلّمذ في
بلده وفي دمشق وحلب. سمع من: محمد بن
الحسين
بن عبد الله بن رواحة الحموي الشافعي (المتوفّى 642 هـ)،
وزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، وآخرين. وأخذ
النحو عن ابن الحاجب، وفقه الشافعية عن عبد العزيز بن عبد
السلام السلمي الدمشقي. ولازم الفقيه الإمامي أحمد بن علي
بن معقل الحمصي البعلبكي في الفقه وغيره. و تقدّم في
العلوم و اشتهر، حتى صار- كما يقول اليونيني- إماما في
مذهب الشافعي، وكذلك مذهب الشيعة، يقتدى به. وكان جريئًا،
مقدامًا. غادر بعد استيلاء التتر على الشام (658 هـ) مدينة
بعلبك، واتخذ من جبالها مقرًّا له ولأتباعه من المجاهدين،
وتسمّى بالملك الأقرع، وقاد حرب عصابات شعبية ضد التتر.
ولما دالت دولة التتر، اختفى
ابن
ملي خوفًا من اعتقاله، ثم ظهر في مدينة إسنا (بصعيد مصر)،
ثم انتقل منها إلى مدينة أسوان، فاستقرّ فيها مدة يدرس في
المدرسة الباباسيّة. وقد دخل مصر غير مرة، وأقام ببغداد
مدة معيدا بالمدرسة النظامية. وكان قويّ الحافظة، درّس،
وأفتى، وناظر ومات في قرية بخعون (بشمال لبنان) سنة تسع
وتسعين وستمائة.
ابن ملي في تكملة أمل الآمل (ص 99 ) :
الشيخ أحمد بن محسن ابن ملا الشيخ نجم الدين المعروف بابن
ملا البعلبكي، المولود في سنة سبع عشرة
وستمائة،
وتوفي في قرية بخعون من جبال صنين في جمادى الأولى سنة تسع
وتسعين وستمائة.
قال الأسنوي في طبقاته: وكان متهمًا في دينه بأمور كثيرة،
منها الرفض والطعن على الصحابة -ويريد
بدينه
الشافعية- لأنه كان يتستر بها.
وذكره التاج السبكي في طبقات الشافعية مفصلاً وأكثر في
الثناء عليه وقال: هو مشهور بحسن المناظرة والقادر على
إبداء الحجة المسرعة وإلجام الخصوم والذهن المتوقد كشعلة
نار والوثوب على النظر في مجالس النظر كأنه صاحب ثار. قال:
وأحكم الأصول والكلام والفلسفة وأفتى وناظر، ودخل مصر غير
مرة، وكان قوي الحافظة تقرأ عليه الأوراق مرة واحدة
فيعيدها بأكثر لفظها... إلى آخر ما قال.
ابن ملي في طبقات الشافعية للأسنوي ( ص256-257):
1145- ابن ملي : نجم الدين، أحمد بن محسّن، بفتح الحاء
المهملة وكسر السين المهملة المشددة، ابن ملي، باللام،
الأنصاري، البعلبكي. ولد في بعلبك في شهر رمضان، سنة سبع
عشرة وستمائة، وأخذ النحو عن ابن الحاجب، والفقه عن ابن
عبد السلام، والحديث عن الزكي المنذر، وكان فاضلاً في علوم
أخرى، منها: الأصول، والطب، والفلسفة، ومن أذكى الناس
وأقدرهم على المناظرة وإفحام الخصوم.
سمع الحديث من جماعة، ودخل بغداد، وأعاد بالمدرسة
النظامية، ودخل مصر إلى آخر الصعيد الأعلى، وحضر الدروس
ببلدنا "أسْنا"، عند مدرسها الشيخ بهاء الدين العقيلي،
السابق
ذكره.
ثم استقر بأسوان
مدة يدرّس بالمدرسة الباباسيّة، ثم عاد
منها إلى الشام، وكان متهمًا في دينه بأمور كثيرة منها:
الرفض والطعن.
توفي في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين (وستمائة)، بقرية
يقال لها نخعون من جبال الطنيبيين، بياء النسب بعد الطن،
وبعد الباء ياء ونون الجمع، وهو جبل بين طرابلس وبعلبك،
أهله رافضة، أرّخه في "العبر" ومدح علومه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
|