العدد الثاني / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

حوزة الإمام الرضا (عليه السلام) في الغبيري

حركة علمية وعلمائية واعدة

تحقيق: أحمد الموسوي

 

* سماحة العلامة الحجة الشيخ حسن رميتي: من اتّكل على الله وأخلص النيّة يصل بتوفيق ربّاني.

ميثاق الحوزات يحتاج إلى نظامٍ يحميه.

هدفنا تهيئة العلماء وتمكينهم من إعطاء الفتوى الصحيحة.

أدعو إلى وضع كتب جديدة في الدراسة الحوزوية.

نؤيد التوجّه إلى الدراسة التخصّيصة داخل الحوزات.

* مدير الحوزة الشيخ علي قبيسي: نهتم بالنوعيّة، والتبليغ الصحيح بالفهم الصحيح.

قبل مرحلة الخارج.. مراقبة وامتحانات شهرية وفصلية.

 

حوزة الإمام الرضا (عليه السلام) في منطقة الغبيري من الضاحية الجنوبية لبيروت، واحدة من تلك الحوزات العلمية التي منّ الله بها على هذه المنطقة وعلى طلبة العلوم الدينية في كل لبنان، لتضاف إلى تلك المراكز المباركة لصناعة الرجال العلماء وصقلهم بالعلوم الإسلامية بكل تفرّعاتها الإنسانية والدينية والشرعية والفكرية.

حركة علمية وعلمائية لافتة تتفاعل داخل الحوزة، على الرُّغم من أنه لم يمضِ زمن طويل على تأسيسها، حركة تُضمر وعدًا طموحًا بإغناء المذهب الجعفري، ورفده بنُخَبٍ واعدة تكرّس أصالة الدين الحنيف، وفاعلية العمل الحوزوي في مواكبته للقضايا التي تواجه حركة الإسلام في مساره التاريخي، كآخر الرسالات السماوية التي اكتملت بالقرآن الكريم مع الرسول الأمين وخاتم النبيّين محمد (صلى الله عليه وآله).

 تأسيس الحوزة ما بين عامي 2003 و 2004

أما مؤسّسها فهو سماحة العلامة الحجّة الشيخ حسن رميتي العاملي،الذي بدأ دراسته العلمية في خريف عام 1979م في حوزة السيد أحمد الواحدي في سوريا الذي  كان حينها وكيل السيد الخميني، وبعد سنة ونصف غادر سماحته إلى الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1981م حيث تابع دراسته، فدرس مرحلة السطوح على يد كوكبة من الأساتذة الأفاضل، ثم مرحلة بحث الخارج على يد ثلّة من العلماء المراجع، منهم آية الله الميرزا جواد التبريزي، ولازم درسه فترة مديدة في الفقه والأصول ، وآية الله الشيخ وحيد الخراساني، و آية الله الشيخ فاضل لانكراني، و آية الله السيد أبو القاسم الكوكبي.

وبعد إنهاء دراسته، عاد سماحته إلى لبنان عام 2002م، وبدأ فور وصوله بتزكيةِ ما منَّ به الله عليه من معرفة عالية وعلم غزير، فبدأ بتدريس بحث الخارج فقهًا وأصولاً في حوزة "أهل البيت (عليهم السلام)" في النبطية التي أسّسها حجة الإسلام سماحة الشيخ عبد الحسين صادق، لمدّة سنتين، تزايدت فيها أعداد طلابه باستمرار، فقرّر البحث عن مبنىً مستقلٍ يستوعب الطلبة الجدد، وبتوفيق ربّاني هيَّأ الله له المبنى بعد أسبوع واحد من البحث، إذ علمت حاجّة مؤمنة محبّة لعمل الخير، بما يسعى إليه سماحته، فقدّمت له شقّة تملكها في منطقة الغبيري مؤلّفة من أربع غرف، وصاحبة الخير تلك هي المرحومة الفاضلة الحاجة فَطَم العسيلي، ابنة العلامة المقدّس الشيخ محمد العسيلي، وكان يتبع تلك الشقة باحة واسعة، فجرى سقفها وأُلحقت بالشقّة، واستعمل الجزء الأكبر منها قاعةً للتدريس، وحين توفيّت الحاجة فَطَم انتقلت ملكية الشقة إلى ولدها الحاج رضا ركين الذي جعلها مع إخوته الأفاضل وقفًا للحوزة، وكان ذلك بمساعي العلامة الشيخ أحمد العسيلي وفقه الله لكلّ خير.

وصايا

والغاية من تأسيس الحوزة كما يقول سماحة الشيخ حسن رميتي، هي إعداد الطلاب وتهيئتهم لاستيعاب المسائل وتبيان الحدود الشرعية وإعطاء الفتوى الصحيحة للنّاس، وأيضًا ترغيب الطلاب في دراسة علوم أهل البيت (عليهم السلام) ليكونوا هداتهم إلى التمسك بعلومهم.

ولدى سماحته وصايا تُشبه الشروط، لكل طالب علم يريد الانتساب إلى أيّة حوزة وخاصة حوزة "الإمام الرضا(عليه السلام)" ومن هذه الوصايا:

1- لا بد أن يكون الطالب مهيّئًا للعلم متفرّغًا له، فلا ينشغل بالأمور الأخرى، وإذا ما تزاحمت عليه الأمور، كان من واجبه الاهتمام بالعلم وتقديمه على ما سواه.

2- على الطالب أن يفهم المسألة بشكل مفصّل، فإذا لم تتّضح أو بقي فيها أيّ إبهام، فعليه أن يسأل الأستاذ ويكرّر السؤال، لأنه حين يفهم الحكم بشكل صحيح، يستطيع تبليغه بشكل صحيح.

3- على كل طالب أن يكون على يقين بأنه إذا اتّجه إلى الله سبحانه وتعالى وتوكّل عليه، وكان همّه فهم الدرس، فإن الله يهيئ له باقي الأمور من حيث لا يحتسب، فإذا أخلص النيّة والعمل، يسّر الله له كلّ أمر، وتاريخ الحوزات حافل بأسماء العلماء الذين وصلوا إلى المراحل العليا ببركة التوكّل على الله وإخلاص النيّة.

الميثاق والنظام

وهنا نسأل سماحته:

* ما علاقة هذه الوصايا بميثاق الحوزات الدينية؟ وما مدى الالتزام به في حوزة "الإمام الرضا(عليه السلام)"؟

لا بأس بهذا الميثاق، وتطبيقه عمليًا يحتاج إلى عناية خاصّة، وفي تصوّري أنّ هذا الأمر يحدّ من بعض الفوضى السائدة في الحوزات، ولا يلغيها جميعًا، لأنه لا يوجد رقيب يراقب تطبيق بنود الميثاق، وهذا ما قد يُبقي الباب مفتوحًا لتسرّب طَلبة غير مؤهلين إلى الحوزات، ولا شك أن ضبط هذا الأمر من الصعوبة بمكان، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تطبيق هذا الميثاق لا يتحقّق بشكل جيد إلا إذا كان هناك نظام يحميه، وهذا غير متوفر في لبنان.

 * وما المقصود بالنظام هنا؟

الأمر يحتاج إلى نظام سياسي عادل يمكنه فرض الشرائط على المنتسبين إلى الحوزات، ويمكنه أن يحاسب من يتجاوز بنوده، فطالما لا يوجد المُحاسب ولا توجد القوّة التي تُحاسب فلا يمكن تطبيقه بشكل صحيح، وعلى العموم هذا الميثاق لا يخلو من فائدة.

 * وماذا عن المنهج الدراسي المتبّع في حوزة "الإمام الرضا(عليه السلام)"؟ وما موقف سماحتكم من الدعوة إلى التجديد والتطوّر في هذا الشأن؟

نعتقد أنه من المستحسن أن تُوضع للتدريس كتب جديدة، بحيث تكون الاستفادة منها أفضل وأسهل من الكتب السابقة، وينبغي أن تقوم مجموعة من العلماء بتهيئة كتب الدراسة الحوزوية ، إذ بعض الكتب التي تُدرّس اليوم لم توضع في الأساس للتدريس، لكن كتَبَها مؤلّفوها لتبيان المسائل ولطرح آرائهم فيها، مثل كتاب "الرسائل" للشيخ الأنصاري في الأصول، وكتاب "المكاسب" في الفقه، وغيرهما.

وينبغي أن يُعلم بأن تحصيل المطلب يتوقّف بشكل أساسي على الطالب الذي يدرس المادة، فعليه أن يُتعِب نفسه في تحصيل المسائل وفهم المطالب، ومن هنا لا توجد ضوابط لطلاب الخارج من حيث كيفية فهم المسائل، وإنما مرجعها إلى أنفسهم، فكلّما اشتغلوا أكثر استفادوا أكثر.

 التخصّص

* هل تؤيدون التوجّه نحو الاختصاص في الدراسة؟

نفضّل أن يكون هناك اختصاص، فيتخصّص كل طالب بفنٍّ من الفنون، فمن أراد أن يكون فقيهًا فعليه أن يختصّ بالفقه، ومن أراد أن يكون خطيبًا فعليه أن يعتني بشؤون الخطابة، ومن أراد الاختصاص بشؤون القرآن فعليه أن يعتني بعلومه، وهكذا، لتكون هناك منهجية واستفادة أكبر.

 * بالنسبة إلى التقليد، هل في الحوزة وجهة معيّنة؟

عادة أذكر آراء سماحة المرجع الديني شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي (شفاه الله وعافاه)، وأحيانًا أذكر آراء غيره أيضًا، وعلى العموم لا نُلجئ الطلاب في الحوزة إلى تقليد مرجعٍ معيّن، ولا نبحث في هذا الأمر، فالنّاس هم من يختارون، إلا إذا أرادوا أن يسترشدوا فنرشدهم إلى الأعلم ونحو ذلك.

 * أين يجب أن تقف الحوزة من العمل السياسي برأيكم؟

بطبيعة الحال لا ينبغي أن تكون الحوزة بعيدة عن الأجواء السياسية، كما لا ينبغي الانخراط في العمل السياسي بحيث يؤثر ذلك على طبيعة عمل الحوزة.

ونحن ندعو إلى أن يكون المشتغل بالسياسة متقنًا لها، فلا تَهْجُم عليه الفتن، ويميّز بشكل صحيح الأمور المتداخلة، ومن الغلط الشديد الاشتغال بالسياسة قبل أن ينهي الطالب دراسته.

وبعبارة أوضح: ينبغي أن يكون قائد الناس في السياسة العالم الذي وصل إلى المرتبة العليا، ليكون قادرًا على إعطاء الحكم الصحيح، وليكون مرتاح الضمير بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وإلا فإذا تصدّى لهذا الأمر غير الكفؤ فسيكون ضرره أكبر من نفعه.

 * وداخل حوزتكم؟

غير مسموح بالسياسة.

 متعدّدو الجنسيات

ويدرس في حوزة "الإمام الرضا (عليه السلام) طلبة من مختلف المناطق اللبنانية، بينهم  ستة وخمسون طالبًا في مرحلة بحث الخارج، وعدد غير قليل من الطلبة متعدّدي الجنسيات من أفريقيا والسعودية والعراق وإيران.

 وعن النظام الدراسي المتّبع والعلاقة مع الطلاب، تحدّث لـ"رسالة النجف"  مدير الحوزة سماحة الشيخ علي محمود قبيسي عبر الحوار التالي:

 * ما هي مراحل الدراسة في حوزة الإمام الرضا (عليه السلام) ؟

يُدرّس في الحوزة :

1- المقدّمات، وهي على قسمين : أولى وثانية.

2- السطوح: سطوح أولى وسطوح ثانية.

3- بحث الخارج .

 * ما هي مقاييس أو شروط الدراسة والاستمرار فيها في الحوزة؟

في مرحلة المقدّمات نؤكّد على النوعية وليس الكميّة، وعلى عدم كثرة إعطاء الدروس في اليوم الواحد، إفساحًا أمام التحصيل الذاتي الجيد، فليس مهمًّا عدد الدروس أو الكتب، وإنّما المهم التحصيل وإتقان الكتاب وفهم المطالب بشكل جيد.

ونحن في الحوزة حريصون على التدرّج بحيث لا ينتقل الطالب من كتاب إلى كتاب إلا بعد إكمال الكتاب السابق بإتقان، لأن الهدف إعداد الطالب وتهيئته لاستيعاب مرحلة "الخارج"، وبطبيعة الحال يختلف الأمر باختلاف الأشخاص، فبعضهم لديه قدرة فائقة على استيعاب المطالب وفهمها، وبعضهم متوسط القدرة.

 مراقبة ومساعدة

* هل يتمّ إجراء امتحانات؟

نعم هناك مراقبة دائمة، وامتحانات شهرية وفصلية لقسم ما قبل الخارج، ومن نجده مقصّرًا يُعطى دروسًا خاصة لتقويته، أما من يبقى على ضعفه فيُصرف من الحوزة.

 * وبالنسبة إلى مرحلة بحث الخارج؟

بالنسبة إلى هذه المرحلة، فالغاية الأولى من الدرس والتدريس فيها هي تدريب الطلاب وتهيئتهم على كيفية استخراج الأحكام من أدلّتها الخاصة، ومن هنا لا بدّ أن يكون للأستاذ إلمام كامل بالمطلب وبحيثيّاته من مراجعة أقوال العلماء والأخبار، وفي هذه الحالة على الطالب أن يشتغل بعد أخذ الدرس بشكل جيد، ويُراجع المطالب في مصادرها للتعمّق والتدقيق في المسألة، وهذا يتوقّف بدوره على فهم المسألة بأطرافها مع مراجعة أقوال الأعلام فيها، وعندئذ يَعرف الطالب كيف اختير الرأي.

 * هل من وقت محدّد في هذه المرحلة؟

لا وقت محدّد لها من حيث مدّة الحضور، وليست محدّدة من حيث الأبواب الخاصة، لكن يستطيع الأستاذ أن يبحث في الفقه مثلاً أيّ باب من أبوابه بشكل متدرّج من خلال الباب نفسه، وتختلف أيضًا الاستفادة باختلاف الأشخاص، مع الإشارة إلى أنه يبقى للأستاذ أثر كبير من جهة قدرته على بيان المطلب وكيفية تفهيم الطلاب.

 توسعة ونشاطات

ورفع المستوى العلمي في حوزة الإمام الرضا (عليه السلام) لا يقتصر على اختيار نُخبة من خيرة الأساتذة الأكفّاء الذين يتولّون التدريس، ولا يقتصر على ما تقوم به إدارتها من مراقبة وتدقيق وغربلة للطلبة المؤهلين لتأدية رسالة جليلة..

وإنما يتخطّى ذلك إلى تهيئة أفضل المناخات للتحصيل العلمي الذاتي بعد الدرس، كتأسيس مكتبة كبيرة - هي قيد الإنشاء -، وتنفيذ برامج ونشاطات تربوية وثقافية وفكرية يُنتظر أن تنطلق في العام المقبل بعد الانتهاء من أعمال التوسعة الجارية في الحوزة التي تستعدّ لاستقبال العشرات من التلامذة الجُدد على مقاعدها الدراسية، والذين يشكّلون طلاب اليوم وعلماء وقادة الغد.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية