العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = المواقيت والأهلة وتأثرها ..

 

انكسار الضوء

إذا سار شعاع من خلال وسط شفاف متجانس كالهواء، إلى وسط شفاف متجانس آخر أكثف منه كالماء، فإن الضوء ينعطف فجأة نحو خط التعامد بين الوسطين، وعلى العكس فإن انتقال الأشعة من وسط أكثر كثافة إلى وسط أقل كثافة يجعل الشعاع ينحرف بعيدًا عن خط التعامد.

وتُعرف عملية انحراف الأشعة الضوئية في الفيزياء بظاهرة انكسار الضوء، وسببه اختلاف سرعة الضوء في المادتين، وهذه الظاهرة من الممكن ملاحظتها عند النظر إلى قطعة معدنية في قعر حوض ماء، فإنها تبدو في غير مكانها.

أما في المعنى الفلكي الخاص، فإن الانكسار هو الانحناء الحادث داخل الغلاف الجوي في مسار الشعاع القادم من الجرم السماوي، فإذا ما مرَّ شعاع ضوئي خلال الحد الفاصل بين وسطين مختلفي الكثافة من الناحية الضوئية، فإن هذا الشعاع يعاني من الانكسار أي من تغيير في مساره، وقيمة الانكسار تزداد كلما زاد فرق الكثافة، وتزداد أيضًا كلما زادت زاوية السقوط، أما إذا كان السقوط عاموديًا على الحد الفاصل بين الوسطين فلا يحدث أي تغيير في المسار.

 

 أثر الانكسار على الموقع الظاهري للشمس

إن وجود الغلاف الجوي يضطرنا لدراسة انكسار الضوء، وأثر ذلك على موقع الشمس الظاهري عند الغروب والشروق، وكذا في دراسة ظاهرتي الشفق والغسق وزرقة السماء وحمرة الغروب.

ولنفرض أن الأرض مسطحة، وأن الغلاف الجوي متجانس التكوين ذو ارتفاع محدد، وأن المطلوب رصد قرص الشمس أو نجم ما عند طلوعه، فالشعاع الصادر ينتقل من الوسط الخارجي - وهو قليل الكثافة - إلى سطح الأرض حيث الهواء، وهو أكثر كثافة، لذا فإن الأشعة ستنحرف باتجاه التعامد، ويظهر الجسم في الاتجاه الذي وصلت منه الأشعة إلى عين الناظر، وهو ما يُسمى بالموقع الظاهري، وهو أعلى من موقعه الحقيقي.

ولو كان الهواء متجانسًا، لكان من السهل نسبيًا تحديد انحراف أية أشعة بصورة دقيقة، ولكن الهواء غير متجانس، وكثافته تزداد كلما اقتربنا من الأرض، لذلك فإن الأشعة الصادرة من أي جسم في الفضاء الخارجي يرصد من الأرض، ستتعرض لسلسلة انكسارات تبعًا لاختلاف كثافة طبقات الهواء التي قطعها، والتي تعطي لمسارها شكلاً منحنيًا بالنسبة إلى عين الناظر على الأرض، فتبدو الأشعة كأنها قادمة من اتجاه مماس للجزء الخارجي من ذلك المنحنى.

وبعبارة أخرى يمكن اعتبار الغلاف الجوي الأرضي الذي تقلّ فيه الكثافة بالارتفاع عن سطح الأرض كقشور مركزية مختلفة الكثافة، لذلك يعاني الشعاع القادم من الجرم السماوي عند مروره من قشرة إلى أخرى انحرافًا صغيرًا في مساره، وفي النهاية يكون هناك انحناء دائم في مسار الشعاع.

ويعتمد مقدار الانكسار على درجة حرارة الهواء والضغط الجوي، وبمقدار أكبر على البعد السمتي (وهو بعد الجسم المرصود عن سمت الرأس حيث يكون البعد السمتي للجرم صفرًا عند مروره على الزوال والبعد السمتي تسعين درجة عندما يكون على الأفق).

وكلما زاد الضغط زاد الانكسار، وكلما زادت الحرارة قلَّ الانكسار، وكلما زاد البعد السمتي ( أي صار الجرم قريبًا من الأفق ) زاد الانكسار، إذ أن الجسم المرصود فوق قمة الرأس يقطع طبقة محددة من الهواء، بينما الجسم المرصود في الأفق يمرّ عبر مسافات كبيرة من الهواء، حيث يعبر مسارا من الهواء أطول بمقدار أربعة وثلاثين مرة منه عندما يكون فوق الرأس.

وهذه المشكلة تنهض أيضًا عندما نتحرى رؤية الهلال في أول ليلة من الشهر، إذ علينا رصد هلال ضعيف النور وقليل الارتفاع عبر هذه الطبقة الكثيفة من الهواء مع ما تحمل من غبار ورطوبة وغيرها من الملوثات الضوئية كما سيأتي.

إن متوسط قيمة الانكسار هو أربعة وثلاثين دقيقة قوسية عندما تكون الشمس على الأفق وتكون صفرًا عند الزوال.

بمعنى أن الشمس تصبح مرئية عند الأفق عندما تكون حافتها العليا تحت الأفق بمقدار أربعة وثلاثين دقيقة قوسية، كما أنها تختفي عندما تكون حافتها العليا تحت الأفق بمقدار أربعة وثلاثين دقيقة قوسية.

تأثير ارتفاع المكان على رؤية ظاهرتي الشروق والغروب

تشير الدراسات إلى أن الشخص الواقف في مكان منبسط يستطيع أن يرى دائرة نصف قطرها حوالى ثلاثة كيلومترات ونصف من ارتفاع متر واحد، أما الشخص المتوسط القامة فيستطيع أن يرى دائرة نصف قطرها حوالى أربعة كيلومترات، وهو ما يسمى بالأفق الظاهري أو الأفق الترسي.

أما لماذا لا يرى أكثر من ذلك؟ فلأنه يعود إلى انحناء سطح الأرض ولكي يتمكن من رؤية رقعة أكبر عليه أن يرتقي مرتفعًا، وهذا ما يفسر رؤيتنا من بيروت أشباح البنايات العالية في صيدا وهي التي تبعد حوالي أربعين كيلومترًا، وبعبارة أخرى يزداد الأفق المرئي سعة كلما زاد الارتفاع، فعلى ارتفاع مائة متر نستطيع أن نرى أفقًا على امتداد دائرة نصف قطرها ستة وثلاثون كيلومترًا، أما على ارتفاع أربعمائة متر فنرى أفقًا على امتداد دائرة نصف قطرها ثمانية وسبعون كيلومترًا، وعلى ارتفاع ألف متر نرى أفقًا على امتداد دائرة نصف قطرها مائة واثنتا عشرة كيلومتر.

ومنه يتبين أن المُشاهِد الذي يكون على قمة جبل، سيرى شروق الشمس قبل المُشاهِد الذي يرصدها من على سطح البحر، علمًا بأن الأوقات المذكورة في التقويم محسوبة لمستوى سطح البحر.

وفي لبنان وحيث إن بعض المناطق الجبلية العالية مطلة على البحر مباشرة، فإنها تشاهد غروب الشمس متأخرًا، أما الشروق فيتأثر بسلاسل الجبال الحاجزة شرقًا، لذا سيتأخر شروق الشمس المرئي فيها، وهذه المسألة بحاجة إلى نظر فقهي، خصوصًا وأن القرى أو المدن الجبلية لا تقع على ارتفاع واحد بل إن القرية الواحدة قد تمتد على السفح باتجاه القمة.

وهذه المشكلة ليست موجودة في صنعاء مثلاً، التي تقع على هضبة واسعة، ولكن المشكلة تتضح في هذه المناطق عند أطرافها المطلة على السهول.

والمفهوم من الدراسات العلمية والعملية أن مراقبة الشروق أو الغروب، تتأثر برصدها في الارتفاعات العالية، إذا أمكن مشاهدة سقوط القرص في الأفق، كما يحدث في لبنان عند الغروب لمشاهدٍ على جبل يطل على الساحل ويرى منه الغروب.

أما ظاهرة الشفق والغسق (الفجر والعشاء) فلا يحصل لها تأثير يُذكر إذا كان الارتفاع أقل من ألفي قدم ( حوالى ستمائة متر ).

وغروب الشمس في بنت جبيل(ارتفاعها سبعمائة وسبعون متر) يزداد بمقدار خمسة دقائق طيلة العام عن غروب الشمس في بلدة الناقورة الساحلية القريبة منها، أما الشروق فلا يمكن التأكد منه لوجود الجبال شرقًا، ولكنه يبكر بمقدار خمس دقائق أيضًا.

أما في بعلبك (ارتفاعها ألف ومائة وثلاثة وسبعون مترًا) فالمشكلة أشد وطأة، إذ لا يمكن مراقبة الشروق أو الغروب نظرًا لوجود الجبال شرقًا وغربًا، ولكن الشروق يبكر بمقدار ست إلى سبع دقائق، والغروب يتأخر بمقدار ست إلى سبع دقائق وذلك تبعًا للفصل من السنة.

وفي تل معزول، أو جبل منفرد، أو من طائرة ترتفع عموديًا يمكن ملاحظة التبكير بالشروق والتأخير في الغروب بسبب سعة الأفق المرئي، وبالتالي زيادة الانحدار الذي لا يشاهده عادة الشخص الواقف على ساحل البحر.

ومما تقدم يتضح أن من يقطن في الطوابق العليا من ناطحات السحاب سيرى شروق الشمس أبكر من الساكن في الطابق الأرضي، كما وأنه يرى سقوط القرص متأخرًا، وقد تفحصنا هذا في الكويت من أحد الأبراج العالية ووجدناه واضحا.

ويدَّعي بعض الباحثين أنه قد اختبر كثيرًا فلاحظ أن الناظر إذا كان بعيدًا عن البحر بمقدار عدة كيلومترات، فإنه عند الغروب يرى القرص يسقط ويستتر، فإذا تحرك باتجاه البحر والغروب بسرعة بعد استتار القرص في البعد المزبور فإنه حين أخذه في الاقتراب إلى ساحل البحر سوف يرى وكأن قرص الشمس يرتفع فوق الأفق ويظهر مرة أخرى بعد استتاره حينما كان على ذلك البعد المفترض، وذلك بسبب كور الأرض (كروية الأرض)، فالواقف على شاطئ البحر يمكنه أن يرى السفينة التي على بعد ثمانية كيلومترات، إلا أنه يرى أعاليها لا غير، ثم بعد ذلك وعند الاقتراب أكثر فأكثر يراها بأكملها. (ولكن لم يتسنَّ لنا التحقّق من ذلك).

والخلاصة:

يتضح مما سبق أن ظاهرتي الشروق والغروب المرئيين تتأثران بالضغط الجوي ودرجة الحرارة والرطوبة والارتفاع عن سطح البحر، وهو ما يُفسِّر عدم مطابقة المواقيت المرصودة مع التقويم حتى لو كان الراصد واقفًا على سطح البحر، علمًا بأن المواقيت مصحَّحة بالنسبة للانكسار ومحسوبة للظروف القياسية من حرارة وضغط.

واللافت أن بعض المراكز الإسلامية في (ديترويت) توصي بالاحتياط بمقدار عشر دقائق بعد شروق الشمس المذكور في التقويم، وذلك لغرض أداء الصلاة فيها وعدم اعتبار الشمس قد طلعت بعد.

قد يتبع في العدد القادم إنشاء الله البحث عن: رصد ظاهرتي الشفق والغسق، ورصد الهلال، وآلية الإبصار، وتكيّف العين للرؤية ليلاً.

انتهى

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية