السنة السابعة / العدد العشرون/ كانون أول : 2011 - محرم : 1433هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

النيّة(*)

السيد علي السيد حسين مكي

 

النيّة في اللغة: القصد والعزم. يقال "نوى السفر" أي قصد السفر وعزم عليه.

والنيّة بالنسبة للعمل جوهره وأساسه، إذ بدونها لا يتحقق العمل ولا يتعيّن الهدف. ولذلك قيل: إنه من الصعب أن يكون عمل بلا نيّة، وإلا كان حاله حال الساهي والنائم.

والنيّة مما يستقل العقل بها وبضرورتها في كل الأعمال، لأن الإنسان ذو هدف وغاية.

والنيّة في العبادة أمر لازم وواجب، وهو الذي عليه الفقهاء عامة، وإلا فسدت العبادة، بمعنى أن النية في العبادة جزء من العمل، وهي توجب سقوط التكليف، ويخرج المكلف بها عن عهدته.

وقد حُدّد معنى النية شرعًا: أن يقصد المكلف الإتيان بالعمل امتثالاً لأمره تعالى.

ويدل على ذلك الإجماع المُحَصَّل والمنقول([1])، وحكمُ العقل بضرورتها. وأما الأدلة اللفظية من الآيات الكريمة والأخبار الشريفة، فدلالتها على ذلك محل كلام ومناقشات طويلة، ومحل البحث في هذا الموضوع "الفقه" و"الأصول"، فراجع ذلك في مبحث "التعبدي والتوصلي" في الأصول، وفي مبحث "النية في الوضوء" في الفقه.

النية جوهر الأعمال

والنية مقامها عظيم، وأثرها كبير، فهي روح العمل وثمرته، إذ هي التي تُبلور العمل وتظهره على حقيقته من حيث كونه عَمَلَ خيرٍ أو عمَلَ شرٍّ، ومن حيث كونه ذا هدف أو بلا هدف.

وقد أشارت لهذا الأمر الأخبار الشريفة:

ورد عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: [لا عمل إلا بنية]([2]).

وورد في الحديث: قال أبو عبد الله (عليه السلام): [إنما خُلّد أهل النار في النار، لأن نياتهم كانت في الدنيا أنْ لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدًا، وإنما خلّد أهل الجنة في الجنة لأنَّ نياتهم كانت في الدنيا أنْ لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدًا. فبالنيات خلّد هؤلاء وهؤلاء. ثم تلا قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}([3])] ([4]).

وبالنية يستحق الإنسان الثواب والعقاب، ويفوز بالسعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي، ويحصل له الخير الواسع أو الشرّ الجامع.

ورد في الحديث عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال:

[إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه، فيكون هو الذي يلي حسابه، فيُعْرَض عليه عمله، فينظر في صحيفته، فأول ما يرى سيئاته، فيتغير لذلك لونه، وترتعش فرائصه، وتفزع نفسه. ثم يرى حسناته فتقرّ عينه وتسرّ نفسه، وتفرح روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه. ثم يقول الله للملائكة: هلمّوا الصحف التي فيها الأعمال التي لم يعملوها. قال: فيقرؤونها فيقولون: وعزتك، إنك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئًا، فيقول: صدقتم، نويتموها فكتبناها لكم، ثم يثابون عليها] ([5]).

وفي حديث آخر، أن النبي (صلى الله عليه وآله)  لما خرج إلى غزوة تبوك قال:

[إن بالمدينة أقوامًا، ما قطعنا واديًا، ولا وطأنا موطئًا يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة، إلا شاركونا في ذلك وهم في المدينة. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله وليسوا معنا؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : حسبهم العذر، فشاركونا بحسن النية]([6]).

وأيضًا ورد في الحديث عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام):

[أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)  أغزى عليًا في سرية، وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته، فقال رجل من الأنصار لأخٍ له: اُغزُ بنا في سرية عليٍّ، لعلنا نصيب خادمًا أو دابة أو شيئًا نتبلّغ به. فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله)  قوله، فقال: إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله عز وجل فقد وقع أجره على الله عز وجل، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالاً لم يكن له إلا ما نوى]([7]).

والروايات بهذا المضمون متعددة.

وحيث اتضح أنه لا بدّ من النية، وأنها جوهر الأعمال، كان لا بدّ أن تكون النية والمقصد هو الله سبحانه وتعالى، فإنه منتهى الغايات والآمال، والمقصد التام.

كما ورد على لسان سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال:

[ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك]([8]).

وكذلك ما ورد عن سيد الساجدين وزين العابدين، الإمام علي بن الحسين (صلى الله عليه وآله) ، قال: [إني أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلا ثوابه، فأكون كالعبد الطَّمع المطمع، إن طمع عَمِلَ، وإلا لم يعمل، وأكره أن لا أعبده إلا لخوف عقابه، فأكون كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل. قيل: فَلِمَ تعبُدُه؟ قال: لما هو أهله، بأياديه عليّ وإنعامه]([9]).

وحصر النية بهذا الشكل -بأن يكون الله وحده في القلب والخاطر- يجعل الإنسان في مقام الطاعة المطلقة والعبودية المطلقة والمعرفة التامة، وبهذا يمتاز العبد في رحلته إلى الله عز وجل، فإن الشعور والإحساس بالعبودية لله سبحانه علامة التكامل في الإنسانية.

العبادة بقصد الثواب أو خوف العقاب

الناس في عبادتهم لله على ثلاثة أصناف، كما أشار الإمام الصادق (عليه السلام) لذلك، قال (عليه السلام): [إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحُرَصاء، وهو الطمع. وآخرون يعبدونه فَرَقًا من النار، فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكني أعبده حبًا له عز وجل، فتلك عبادة الكرام، وهو الأمن، لقوله عز وجل {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}([10])، ولقوله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}]([11])([12]).

فالقسم الثالث هو أرقى أنواع العبادة، وإن كانت الأقسام الأخرى ترتقي بالإنسان إلى مقام الطاعة والانقياد، وإلى القرب من الله سبحانه.

إن الإنسان في مسيرته الأخلاقية والعرفانية يمكن أن يسير إلى أبعد من آفاقه وحدوده، لأن الله سبحانه وتعالى جعل فيه القوى المتعددة والإمكانات الكثيرة التي يصل بها إلى آفاق المعرفة والكمال.

إن المطلوب من الإنسان أن يتحرك نحو المعرفة ويسير بكمالاتها ليتمكن من خدمة الله سبحانه ويوفّق إليها ، فيكون مهيّئًا دائمًا وأبدًا لدعوة الحق واستجابة الدعوة.

إن العيش في كنف الله وخدمة الله هو غاية ما يتأمله الإنسان ويتوقّعه -إنْ وفّق لذلك-، فهو غاية الغايات. ومعنى هذا هو أن لا يرى في الوجود شيئًا سوى الله سبحانه وتعالى، وعلى أساسه تتمحض علاقته بالله وتقوى وتتفرّد.

وأهم أنواع هذه الخدمة والعلاقة هو [العبادة ]. والعبادة أنواع متعددة، فالصلاة عبادة، والذكر عبادة، والتفكّر عبادة، وقراءة القرآن عبادة، والتسبيح والتهليل والصلاة على النبي وآله عبادة.

والمهم في كل هذا أن يستشعر العبد المؤمن أن وجوده لم يكن عبثًا، وإنما كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}([13]).

وهذه العبادة يمكن أن تكون في كل شأن من شؤون الإنسان، وفي كل حركة وسكنة يمكنه من خلالها أن يتقرّب إلى الله سبحانه ويكون متوجهًا إليه سبحانه وتعالى ويكون في خدمته دائمًا وأبدًا.

وقد يُسأل: إن العبد إذا عبد ربه خوفًا من ناره أو طمعًا في جنته هل يمكن أن يحصل على الثواب الذي أعده الله للعابدين والمتقربين أم لا؟

والجواب: أن هذا "القصد" إذا كان هو الدافع إلى عبادة الله سبحانه وتعالى مع الاعتقاد بأن الله هو الربّ الذي يُعبَد فلا يُخِلُّ هذا القصد بالإيمان، وإن كان لا يصل به إلى مرتبة الأوصياء والأولياء الخلّص، لأن مرتبة أولئك إنما هي لتمحُّضهم لله وانقطاعهم الكلي إليه سبحانه بحيث لا يوجد إلا الله في عقولهم ونفوسهم وقلوبهم. أما نحن فمرتبتنا دون ذلك بكثير، ولذلك فثوابنا على مقدار توجّهنا وانقطاعنا إلى الله سبحانه.

ويؤكّد هذا ما ورد في الصلاة من أن الثواب في الصلاة يكون على مقدار التوجّه بها والانقطاع بها إلى الله، وإلا فقد تُلفّ الصلاة كما يلفّ الثوب ويُضرب بها وجه المصلي، لأن قلبه منشغل بأمور أخرى([14]). نعم يسقط بها التكليف أي لا تجب إعادتها، لأن الثواب شيء متعلق بالتوجه والانقطاع بها إلى الله، والتكليف متعلق بالأداء، فإذا أدّاها وقلبه مشغول يسقط بها التكليف فقط، اللهم إلا أن يكون انشغال المصلي في أثناء صلاته بحيث لا يَعْرِفُ أولها من آخرها وكيف هي، فهذه تكون باطلة!

فحالنا غير حال الأوصياء والأولياء، إنهم دائمًا في خدمة الله، وإذا انقطعوا بشرب الماء مثلاً عن خدمة الله عَدُّوا ذلك ذنبًا واستغفروا منه، وعلى هذا المعنى يُحمل ما ورد في دعاء كميل الذي علّمه أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: (اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوْبَ الَّتِيْ تَهْتِكُ العِصَمَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوْبَ الَّتِيْ تُنْزِلُ النِّقَمَ.. إلخ). وإلا كيف يصح القول بالعصمة مع أنه يفعل الذنوب؟!

ومن هنا نقول للبعض الذي فسّر دعاء كميل بقوله: "ألا تشعر: أن عليا (ع) لا يزال خائفا، ولا سيما أن الذنوب والخطايا التي طلب من الله سبحانه وتعالى أن يغفرها له، هي من الذنوب الكبيرة التي يكفي ذنب واحد لينقصم الظهر منها" : يا ويلك من هذا القول، وساعد الله الإمام من أمثال هؤلاء الأشخاص الذين لا يفهمون واقع العصمة ولا الإمامة، وهل من المعقول القول بالعصمة للإمام ثم القول بأنه يفعل الذنوب؟!

والتوجيه الصحيح ما ذكرناه: من أنهم (عليهم السلام) لما كانوا دائمًا وأبدًا في خدمة الله، فإنهم يعتبرون انشغالهم بمثل الأكل والشرب من المباحات ذنبًا، لانقطاعهم في هذه اللحظات عن خدمة الله.

كما نقول للأشخاص الذين لم يفهموا ولم يعرفوا مقام علي (عليه السلام) ومكانته عند الله وعند رسوله (صلى الله عليه وآله) : إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يجعله الله سبحانه وتعالى نفسَ رسول الله (صلى الله عليه وآله)  حيث قال جلّ وعلا: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} ([15])، إلا لأن عليًا (عليه السلام) بلغ المنزلة الرفيعة في كل الأمور، وأعطاه الله كل ما للنبي (صلى الله عليه وآله)  ما عدا النبوة، كما قال الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله) :

>يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي<([16]).

فأنّى لهؤلاء وغيرهم أن يفهموا عليًا (عليه السلام)؟!([17]).

وأعود للقول: بأن العبادة لله هي الانقطاع الكامل لله سبحانه، والتوجه إليه توجّهًا ينفي من قلبه كل العلائق والأفكار المنافية، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن ينفي كل شيء فإن في المحاولة إلى أن يكون كذلك موجبًا للارتقاء إلى مراتب الكرامة والوصول إلى خدمة الله بما يليق بشأنه ومقامه.

ومن هنا كانت مراتب الأولياء والعُبّاد تختلف باختلاف السلوك والمجاهدات ، فإن المجاهدة للنفس تعني ترويضها على الالتزام بالطاعة وعلى الابتعاد عن الأهواء والشهوات على اختلاف أنواعها. لأن النفس عندما يطلق لها العنان في أهوائها وميولها ونوازعها تبتعد عن الحق وعن الواقع وتتكاسل في الطاعة والالتزام الذي يرتقي بها إلى الكمال والفضائل. لأن الكمالات أشبه ما تكون بالقيود والحواجز التي تقيّد النفس وتحجزها عن الانطلاق في مجالاتها التي كلُّها لهو وعبث وغفلة، ولذلك تصاب بالضيق والحزن إذا ابتعدت عما تميل إليه في سبيل كمالها ورقيّها وصفائها.

إن الكمال الإنساني وإن كانت له مقومات عديدة، من العقل، والعقلانيات، والمعرفة، والعلم، والالتزام بالأحكام والأخلاق والآداب، والعمل الدائم الدائب في مختلف الشؤون التي يتوصل بها الإنسان إلى سدّ الفراغ الذي يؤثّر عليه، إلا أن الواقع أن "الكمال" هدف أساسي ينبغي أن يُطلب ويُرتقى به إلى الإنسانية الحقة التي هي الغاية، وما فوقها غاية.

فمجاهدة الأولياء لأنفسهم ليست عن الأكل والشرب فقط، وإنما مجاهداتهم ترتقي إلى تكميل أنفسهم وتسخيرها دائمًا وأبدًا في خدمة الله سبحانه، فيبعدونها عن الأهواء؛ أما المحرمات فلا يقربونها أبدًا، وأما الأهواء المحلّّّلة فهذه أيضًا لا يتوسلون إليها إلا بالمقدار الذي يتوجب عليهم مراعاته لأنفسهم أو لغيرهم -وإن كانت عبادة وطاعة من جهة أخرى كما لا يخفى-، وما تبقّى فهم دائمًا في خدمة الله سبحانه بشكل مطلق.

فالمجاهدة عندهم: هي الارتقاء في تهذيب النفس وتكميلها والسير بها إلى آفاق الكرامة والعزّة التي تجعلهم دائمًا في قرب من الله سبحانه وتجعلهم دائمًا وأبدًا يستشعرون العبودية المطلقة لله. فإن أول الواجبات والأساس في عملية تقويم [النفس] وتهذيبها وإن كان هو أداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات.. إلا أن الارتقاء بها في مراتب الكمال يحتاج إلى ترويض عال للنفس، لا بترك المحرم وفعل الواجب فحسب، بل بمحاربة الهوى والإعراض عما يجعل نفسه أسيرةَ الرغبة وحبيسةَ الشهوة وقرينةَ الهوى، اللهم إلا ما يوصل إلى الله سبحانه من طرق الطاعات والمستحبات، وبذلك يكبح جماح "النفس" من أن تنخرط في عالم الأهواء والرغبات والشهوات.

إن هذه المعاني حين تملأ آفاق النفس والعقل والروح، يشعر المرء بأنه قد تجرّد عن عوالم المادة، وسار في طريق الهدى والإيمان بنحو لا يرى غير الله سبحانه.

هذا المعنى ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس من المستحيلات في عالم الإنسان.

فالحاصل: أنه بعد مرحلة العبادة، تأتي مرحلة ترويض النفس وتأديبها، وذلك يكون -كما أشرنا إليه- بجعل النفس مبتعدةً عن الأهواء والشهوات والميول التي تشغلها عن التوجّه إلى الله وذكره، ومنصرفةً إلى الطاعات وموجبات الخير والرحمة والأنس بالله سبحانه وبما عنده وبما يوجب القرب منه تعالى: من الدعاء، والذكر، والمناجاة، والاستغفار، والتسبيح، والتهليل، والتعظيم، وقراءة القرآن، والابتهال إليه، والتفرّغ لخدمته، والعيش في آفاق رحمته وإحسانه وعفوه وخدمته.

إن مجاهدة النفس عمليّة شاقّة، لأن النفس كلما منعتَها عن هواها وعن رغباتها تزداد تعلّقًا بما تهوى، وتزداد تعنتّا نحو ما تريده، بل قد توجد لها الأعذار والموجبات بترك ما ينفعها وما يصل بها إلى دار الكرامة والرضا والقبول من الله سبحانه.

إن كمال النية إنما يكون بإزاحة العلل والموجبات التي تؤثر فيها من الأهواء والشهوات والرغبات غير الراجحة، أو التي تزيد في التعلق بالأهواء وتوجب الانصراف عن الحق وخدمته وعن التوجه إلى الله سبحانه.

وقد ورد في دعاء كميل: [واجعلني من أوفر عبادك نصيبًا عندك]، أي أكثرهم.

فعلى الإنسان أن يكون دائمًا صحيح النية سليمها، يهذبها بالصفاء والنقاء وبالطاعات والمستحبات ودوام الذكر، والاستمرار على أن يكون دائمًا في خدمة الله سبحانه، ومتنبهًا لما يُخشى من تأثيرها على مسيرته الحقّة من المحرمات والشبهات، وما يحيط بالإنسان من عوامل داخليّة تنبع من داخل نفسه، وخارجيّة مما يراه ويشاهده من الأعمال غير اللائقة بالإنسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(*) هذا المقال انتخب من كتاب لسماحته معدّ للطبع [تأملات في شرح دعاء مكارم الأخلاق].

([1]) الإجماع المحصل : أن يطلع بنفسه على أقوال العلماء وفتاواهم فيثبت عنده إجماعهم . والمنقول : هو إخبار بعض الفقهاء عن ثبوت الإجماع عنده (التحرير).

([2]) الكافي ج2 ص84 ح1.

([3]) الإسراء: من الآية 84.

([4]) الكافي ج2 ص85 ؛ وعنه بحار الأنوار ج67 ص201 ح5.

([5]) بحار الأنوار ج67 ص204 ح12، رواه عن تفسير علي بن إبراهيم.

([6]) جامع السعادات ج3 ص89 ؛ وهو مروي في مسند أحمد ج3 ص160، عن أنس بن مالك: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد تركتم بالمدينة رجالاً ما سِرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه. قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ قال: حسبهم العذر).

([7]) بحار الأنوار ج67 ص212 ح38، رواه عن أمالي الشيخ الطوسي.

([8]) عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي ج2 ص11.

([9]) بحار الأنوار ج67 ص210 ح33، رواه عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام).

([10]) النمل: من الآية 89.

([11]) آل عمران: من الآية 31.

([12]) بحار الأنوار ج67 ص197-198، رواه عن الشيخ الصدوق.

([13]) الذاريات: 56.

([14]) انظر: بحار الأنوار ج81 ص260 ح59، عن النبي (ص): [إن من الصلاة لما يقبل نصفها، وثلثها، وربعها، وخمسها، إلى العشر، وإن منها لما يلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبهـا، وإنما لك من صلاتك ما أقبلت عليه بقلبك].

([15]) آل عمران: من الآية 61.

([16]) وهو مروي في كتب الفريقين، راجع: بحار الأنوار ج8 ص1. وصحيح البخاري، باب غزوة تبوك ج5 ص129؛ وصحيح مسلم ج7 ص120؛ ومسند أحمد بن حنبل ج3 ص32؛ وغيرها.

([17]) عقدنا بحثًا في كتابنا (تأملات في دعاء كميل) في أنه ماذا يعني إقرار المعصوم بالذنوب وطلبه المغفرة؟! الطبعة الأولى، ص23، فراجع.

 

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد العشرون