تمهيد
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول الكثير من وقائع نهضة
كربلاء مع اشتهارها وتناقلها، فأنكر البعض الكثير منها،
ووضعها في صف المجعولات التي لا أساس لها مع ما في ذلك من
اتّهام للناقلين لتلك الأحداث بالاختلاق والوضع دون مراعاة
لقواعد البحث العلمي في رفضه لها، وكان إنكاره ذلك مستندًا
إلى عدم وجدان ما يشير إليها في كتب التاريخ حسب ما بحثه
وحققه هو بنفسه ..
ونلاحظ على هذه الدعوى عدة أمور :
أولاً : إن العبرة عند هؤلاء البعض هو ما
قرأه بنفسه، مع أنه لا يمكن لأحد أن يدّعي الغوص في كتب
التاريخ والاطلاع على كل مضامينها وإشاراتها، فكأن هذا
البعض قد أسّس قاعدة تخالف بديهيات العقل مفادها أن عدم
الوجدان "منه" يدل على عدم الوجود، مع أن العقل يحكم بأن
عدم الوجدان منه أو من غيره لا يدل على عدم الوجود، إذ لعل
من نقلها قد وجدها في كتاب لم يصل إلينا، أو وصل ولكن لم
يقرأه ذلك المنكر، أو لم يلتفت إلى إشارة فيه تدل على ذلك،
فلرُبّ باحث عن عين ماء في مكان ولا يجدها مع أنه يقطع
بوجودها في ذلك المكان.
وثانيًا : إن الكثير من الكتب التاريخية قد
ضاعت علينا كما حدث في مكتبة بغداد أو مكتبة بعلبك أو
مكتبة بني عمار في طرابلس أو مكتبات العامليين التي نهبها
الجزار وغير ذلك من مكتبات كانت تضم نفائس الكتب، والتي
كانت تشتمل على الكثير من الأحداث التاريخية التي خفيت
علينا حتى صرنا نعتمد في نقلها على الكتب التي نقلت عنها.
ثالثًا: إن كثرة وجودها وتناقلها في كتب
المتأخرين والمقاتل قد يكون كاشفًا عن أخذها من مصادر
تاريخية معتمدة خفيت علينا، فهي أقرب ما تكون إلى القضايا
المقبولة (التي يٌعتقد بها نتيجة لأخذها من الغير الموثوق
بقوله، نتيجة لحسن الظن بهم من أفاضل السلف والعلماء حسب
تصنيف علماء المنطق)، وعليه فعلى من ينكر حادثة تاريخية
بضرس قاطع أن يكون لديه الدليل القاطع على إنكاره، ولا
يكفي عدم اقتناعه ما لم يستند إلى الدليل النافي .
ومن جملة هذه الوقائع والأحداث التي كثر الحديث عنها، قضية
حضور السيدة ليلى أمّ علي الأكبر (عليه السلام) في كربلاء،
فقد شكك بعضهم في ذلك مدعيًا أنها توفيت قبل حادثة كربلاء،
وبناء على هذه النتيجة طعن بكل من يذكر حضورها في كربلاء
بأنه إنما يذكر ذلك من أجل إثارة العاطفة عند الناس وإدرار
الدمعة على الحسين (عليه السلام) وعيالاته، لأنه يفتقد
لعامل التأثير، والناس قد كُررت عليها مصيبة علي الأكبر
ولم تعد تتأثر بها فيحتاج الأمر إلى شيء جديد.
وتنحل هذه الدعوى إلى ثلاث دعاوى، وهي :
الأولى: أن أمّ علي الأكبر لم تحضر كربلاء
ولا يوجد مصدر تاريخي يذكر ذلك.
الثانية: أنها توفيت قبل واقعة كربلاء.
الثالثة: أن قضية حضورها اخترعت من أساسها من
أجل إدرار الدمعة.
ونحن سنناقش الأمور الثلاثة من الثالث إلى الأول تباعًا.
أما الأمر الأول : دعوى أن قضية حضورها
في كربلاء مخترعة :
فيرد عليه:
أولاً: إن واقعة كربلاء لم تؤثر في النفوس
فقط لكونها حادثة مؤلمة ووقائعها محزنة، ويلاحظ ذلك من
خلال عرض وقائع أخرى تاريخية مؤلمة فنراها لا تأخذ المأخذ
الذي نراه لكربلاء.
فليست الفاجعة وحدها هي سبب الحزن والدمعة، ويلاحظ أيضًا
هذا المعنى في حال لو مات عزيز وكان الألم عليه كبيرًا
جدًا، فإنه يُذكر عامًا أو اثنين أو خمسة، ولكن لا يعود
ذلك الألم كما كان بل يصغر ليخفّ تدريجيًا.
فالسرّ في كربلاء هو سرّ إلهي لأننا نبكي على كلمة [يا
حسين] أو على حادثة ولادته (عليه السلام) كأننا نعيش
الأحداث في حاضرنا، فالسرّ هو تلك الحرارة التي أودعت فيها
[إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا]()
فهل نحتاج بعدها لاختراع ألم جديد مع هذه الحرارة؟!.
ثانيًا: نلاحظ أننا كلما كُررت علينا السيرة
الحسينية وما جرى في كربلاء كان لها أثر مغاير في النفس عن
باقي السنين، حتى أن الفرد منا يشعر وكأنه لم يسمع هذه
السيرة من قبل ويزداد الألم ولا يقلّ حتى نحتاج إلى
اختراعٍ لتأجيج العواطف.
ثالثًا: لو كانت هناك حاجة للاختراع لأن
الناس قد كُرر عليها ذكر الواقعة وحفظتها ونتيجة لذلك لم
تعد تتأثر بها، لاحتاج الأمر إلى اختراعات مرة بعد أخرى،
لأن الاختراع الجديد سوف يفقد تأثيره العاطفي بمرور الزمان
-حسب دعواه- .
رابعًا: هل خصوص مأساة علي الأكبر (عليه
السلام) تحتاج إلى اختراع؟
نلاحظ أن في واقعة علي الأكبر (عليه السلام) الكثير من
الأحداث والمواقف التي تملأ بطون كتب التاريخ، والتي يكفي
تصويرها لتتأثر النفس أكثر من الكثير من الوقائع
العاشورائية، نذكر بعض هذه الأحداث فقط لإلفات النظر:
1- موقف الاستئذان من أبيه الحسين (عليه السلام)، ونظر
الحسين (عليه السلام) له نظرة آيسٍ منه وإرخائه عينيه
وبكائه().
2- دعاء الحسين (عليه السلام) على عمر بن سعد [يا ابن سعد
قطع الله رحمك كما قطعت رحمي]().
3- لما برز علي الأكبر أرخى الحسين عينيه بالدموع وقال:
[اللهم كن أنت الشهيد عليهم ...]، فجعل يشدّ ويرجع ويقول:
[يا أبه العطش]، فيقول له الحسين (عليه السلام): [اصبر
حبيبي، فإنك لا تُمسي حتى يسقيك رسول الله بكأسه]().
4- طلبه الماء من الحسين (عليه السلام)().
5- اعتوار الناس له وتقطيعه بأسيافهم، وطعن مرة بن منقذ
العبدي له في ظهره()،
وسلامه على الحسين (عليه السلام) بعد ذلك().
6- رميه بسهم أصاب حلقه فخرقه().
7- لما رأى الحسين (عليه السلام) ولده الشهيد قال: [يا
ثمرة فؤاداه ويا قرة عيناه]().
8- رميه بنفسه على ولده ووضع خده على خدّ ولده().
9- أخذ الحسين له وضمه إليه، وهو يقول: [يا أبه، هذا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يقول لي: [عجل القدوم علينا]،
ولم يزل كذلك على صدره حتى مات، فلما نظر إليه (عليه
السلام) ميتًا قال: [ولدي علي على الدنيا بعدك العفا]().
10- نداء الحسين (عليه السلام): [قتل الله قومًا قتلوك يا
بني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول]، ثم قال
: [على الدنيا بعدك العفا]().
11- ما ورد من أن الحسين (عليه السلام) وضع ولده في حجره،
وجعل يمسح الدم عن ثناياه وجعل يلثمه ويقول: [يا ولدي أما
أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها...]().
12- عندما جاء إليه صاح (عليه السلام) بأعلى صوته بعدما
فرَّق القوم عنه فتصارخت النساء().
13- ... وأهملت عيناه (أي الحسين عند مقتل ولده علي)
(عليهما السلام) بالدموع وصرخن النساء، فسكتهن وقال لهن:
[اسكتن فإن البكاء أمامكن]().
14- خروج زينب (عليها السلام)، ورميها بجسدها على علي
الأكبر، وإرجاع الحسين (عليه السلام) لها().
ونكتفي بهذا العدد المبارك لأنه عدد المعصومين الأربعة عشر
(عليهم السلام).
إلى غيرها من المواقف التي يكفي تصويرها فقط وتقريب الحدث
للأذهان بلغة قريبة من الناس ومألوفة لديهم .. فأين الحاجة
والداعي للاختراع !!
الأمر الثاني: هل توفيت السيدة ليلى قبل
واقعة كربلاء؟
أولاً: لم نعثر على نصٍّ تأريخي واحد -لا نحن
ولا من أدعى- يشير إلى أنها توفيت قبل واقعة كربلاء.
وثانيًا: هناك نصّ تأريخي يثبت حياة السيدة
ليلى بعد واقعة كربلاء، وهو في كامل الزيارات لابن قولويه
المتوفى سنة 367هـ في باب نَوح الجن على الحسين (عليه
السلام) (ص192) يقول: [حدثني حكيم بن داود عن سلمة قال:
حدثني أيوب بن سليمان بن أيوب الفزاري عن علي بن الحزور،
قال: سمعت ليلى وهي تقول: سمعت نوح الجن على الحسين بن علي
(عليه السلام) وهي تقول:
يا عين جودي بالدموعِ فإنما
يا عين ألهاك الرقاد بطيبه
باتت ثلاثًا بالصعيد جسومهم
|
|
يبكي الحزينُ بحرقةٍ وتفجعِ
من ذكرِ آل محمد وتوجعِ
بين الوحوش وكلهم في مصرعِ
|
الأمر الثالث: هل حضرت السيدة ليلى
كربلاء؟ وهل يوجد نص تأريخي في ذلك؟
أولاً: هناك نصوص عامّة تشير إلى أن الحسين
(عليه السلام) عندما خرج من المدينة أو مكة أخرج معه جميع
عيالاته وأطفاله ونسائه، ولم يترك في المدينة إلا فردًا أو
فردين منهم، ولم يُذكر أنه ترك السيدة ليلى أُمّ علي
الأكبر (عليه السلام) في مكة أو المدينة، والمفروض بعد
القول بحياتها أنه لا داعي للتوقف في أنها خرجت معه أو لم
تخرج.
ثانيًا: ما ورد في مناقب آل أبي طالب لابن
شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ في معرض حديثه عن بروز علي
الأكبر [فطعنه مرّة بن منقذ العبدي على ظهره غدرًا فضربوه
بالسيوف فقال الحسين (عليه السلام): [على الدنيا بعدك
العفا] وضمّه على صدره، وأتى به إلى باب الفسطاط، فصارت
أمه شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلم]().
وقد توقف البعض عند هذا النص نظرًا إلى أنه يذكر أن اسم
أمه هي "شهربانويه" وأن هذا هو اسم أم الإمام زين العابدين
(عليه السلام). فذهب إلى أن الذي برز هو الإمام زين
العابدين (عليه السلام) وجرح في المعركة وهذه المرأة هي
أمه وليست ليلى.
ولنا عليه أمور:
أ- أن النص صريح في أن الخارج هو علي الأكبر، ويوافق
المشهور من أن (الأكبر) لقب للمقتول في كربلاء، ولا نريد
الخوض في تفاصيل اللقب هنا مراعاة للاختصار.
ب- أن مرّة بن منقذ هو الذي طعن عليًا المقتول بكربلاء
والناس قد احتوشته بالسيوف.
ج- نداء الحسين (عليه السلام) [على الدنيا بعدك العفا] هو
على ابنه علي المقتول يوم كربلاء.
د- وهو الأهم أنه من أعجب الأمور أن يقول القائل بموت
السيدة ليلى قبل كربلاء، ويتمسك بحياة أم الإمام زين
العابدين "شهربانويه" وحضورها في كربلاء، وذلك للنص على أن
"شهربانويه" قد توفيت وهي نفساء بالإمام زين العابدين
(عليه السلام)، أي قبل واقعة كربلاء بسنين، وقد ورد ذلك في
كتاب عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق (رحمه الله) المتوفى
سنة 381هـ، قال: حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد
البيهقي، قال حدثني محمد بن يحيى الصولي، قال حدثنا عون بن
الكندي، قال حدثنا سهل بن القاسم التوشجاني، قال : قال لي
الرضا(عليه السلام) بخراسان: أن بيننا وبينكم نسبًا. قلت:
وما هو أيها الأمير؟ قال: إن عبد الله بن عامر بن كريز لما
افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم
فبعث بهما إلى عثمان بن عفان فوهب إحداهما للحسن والأخرى
للحسين (عليهما السلام)، فماتتا عندهما نفساوين وكانت
صاحبة الحسين (عليه السلام) نفست بعلي بن الحسين (عليهما
السلام)، فكفل عليًا (عليه السلام) بعضُ أمهات ولد أبيه،
فنشأ وهو لا يعرف أمًا غيرها، ثم علم أنها كانت مولاته
فكان الناس إلخ...]().
وهذا نص صريح في أنها توفيت قبل كربلاء، فلا داعي لحمل
النص على أم الإمام زين العابدين (عليه السلام)، بل يتضح
أنه يوجد سهو قلم أو اشتباه من الراوي في ذكر هذا الاسم.
ثالثًا: ما ذكره صاحب كتاب نور العين في مشهد
الحسين (عليه السلام) للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني
المتوفى سنة 418هـ في معرض ذكر علي الأكبر (عليه السلام)
قال: [قال: -يعني الحسين (عليه السلام)- [يا بني يعزّ عليّ
فراقك]، وحمله عند القتلى، وصارت أمه سهرانة ولهانة، وهي
تنظر إليه وتبكي، وزينب (عليها السلام) تنادي: [واحبيباه
وابن أخاه]، ثم أخذهما الحسين (عليه السلام) وردهما إلى
الخيمة]().
وأعتقد أنه لا حاجة للتأمل فيه كثيرًا، بل هو نص تأريخي
قديم موجود بين أيدينا، ولا أعتقد أنه لو نقله الناقل
وتعرض إليه سوف يكون مخترعًا أو مؤلفًا لأمر غير موجود،
ولا يكون ذلك من باب الافتراء والكذب.
ونؤكد ذلك بسؤال وُجّه إلى السيد الخوئي (قدس سره): هل
يجوز للخطيب الحسيني أن ينقل القضايا التي لم يثبت وقوعها
بعنوان أنها واقعة، كزواج القاسم بن الحسن عليه السلام من
سكينة بنت الحسين عليهما السلام أم لا بد من التثبت في نقل
ما أثبته العلماء وطرح ما طرحوه ؟
فأجاب (قدس سره): لا يجوز النقل بعنوان الورود وأما بعنوان
الحكاية عن كتاب أو شخص فلا بأس به().
وعلى ضوء ذلك النص التاريخي المتقدم يمكن التوفيق بين نصوص
أخرى كانت محل تأمل عند الكثيرين في كيفية الجمع بينها،
مثل ما ذكر في كتب عديدة، منها مقتل الخوارزمي والبحار:
[قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها
الشمس الطالعة، تنادي بالويل والثبور وتقول: [يا حبيباه يا
ثمرة فؤاداه يا نور عيناه]().
وما ذكر في كتاب منتخب الطريحي المتوفى قبل صاحب البحار:
[قال من شهد الوقعة: كأني أنظر إلى امرأة خرجت من فسطاط
الحسين وهي كالشمس الزاهرة تنادي: [واولداه واقرّة عيناه]
فقلت: من هذه؟ قال: زينب بن علي] ().
مع ملاحظة أنه من القريب جدًا أن لا يكون المسؤول بأعرف من
السائل، إذ من الذي كان يعرف السيدة زينب (عليها السلام)
بشخصها قبل السبي حتى يُسأل فيجيب بأنها هي؟!، فاحتمال
وقوع الخطأ في كون هذه المرأة هي السيدة زينب (عليها
السلام) أو السيدة ليلى كبيرٌ جدًا.
ويوجد في النصين كلمات تحتاج إلى تأمل في نسبتها إلى
مولاتنا زينب (عليها السلام) [واثمرة فؤاداه، واقرّة
عيناه، واولداه، يا نور عيناه] فكيف يمكن الجمع بين هذين
النصين وأشباههما وبين النص الآتي وأشباهه.
ما ورد في مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى
سنة 356هـ [قال حميد بن مسلم: وكأني أنظر إلى امرأة خرجت
مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي: [يا حبيباه يا ابن
أخاه]، فسألت عنها فقالوا: هذه زينب بنت علي (عليهما
السلام) ثم جاءت حتى انكبت عليه فجاءها الحسين فأخذها
بيدها إلى الفسطاط، وأقبل إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه،
فقال: [احملوا أخاكم]، فحملوه من مصرعه ذلك، ثم جاء به حتى
وضعه بين يدي فسطاطه]().
فيمكن أن يقال في عملية الجمع بينهما أن التي خرجت ليست
امرأة واحدة بل امرأتان إحداهما زينب (عليها السلام)
والأخرى هي أمه، وكلٌّ منهما لها نداء خاص بها، وهذا يدل
على وجودها في كربلاء. وأيضًا ما ورد في نصّ نور العين من
كون الحسين (عليه السلام) ردّهما إلى الخيمة.
ويصلح هذا النص أيضًا ليكون ردًا على نسبة الافتراء التي
ألصقها البعض بالخطباء الذين يقولون [بأن ليلى احتضنت
ولدها في ساح الوغى]. حيث إن النص المتقدم دلّ على وجودها
بمكان قريب من ساح الوغى وعند القتلى، فهل نحتاج بعد ذلك
إلى نص يصرح بأنها رمت بنفسها عليه؟ (أم نكتفي بأنها نظرت
إليه وعادت وكأن شيئًا لم يكن؟!!!)، وقد يجد الباحث في كتب
التاريخ ما يدل عليه صريحًا.
ونلاحظ أيضًا أن النصوص هنا ذكرت بأن الحسين (عليه السلام)
نقل ولده عليًا عند فسطاطه، ويمكن الإلفات إلى الكثير من
الفوائد التي يمكن اكتسابها من هذه النصوص، منها: احتمال
كون علي الأكبر نُقل أولاً عند القتلى، ثم نُقل ثانيًا إلى
فسطاط الحسين (عليه السلام) لأجل أن تودعه أمه وزينب ونساء
الحسين.
وهذا أيضًا ما يستفاد من نص نور العين مع ما ذكره ابن كثير
في البداية والنهاية من أنه خرجت جارية تنادي يا أخياه ويا
ابن أخاه، فإذا هي زينب، يقول: [فجاء الحسين ((عليه
السلام)) فأخذ بيدها فأدخلها الفسطاط، وأمر به الحسين
فحوِّل من هناك إلى بين يديه عند فسطاطه]().
كلمة أخيرة: إن هذه المقالة إنما نتجت عن المطالعة التي
تمّت لنزر يسير من الكتب المطبوعة التي بين أيدينا، ولو
أردنا أن نستقصي جميع الكتب المطبوعة والمخطوطة التي تملأ
المكتبات فلربما نكتشف الكثير؟؟!!
وبناءً على كل ما تقدّم يمكن القول بأنه يصح للخطيب
الحسيني أن يعتمد على مثل هذه النصوص ولكن من دون الجزم
بحصول هذا الأمر، بل هو مجرد ناقل، ولا يجوز لأحد أن يعترض
عليه ويتهمه بالاختراع أو الوضع، وقد مرّ في طيات البحث
جوابُ استفتاء للسيد الخوئي (قدس سره) صريحٌ في جواز ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
()
مستدرك الوسائل، الميرزا النووي ج10 ص318 باب
استحباب البكاء على الحسين (ع) ح13.
()
اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس ص67.
()
اللهوف في قتلى الطفوف ص67. وفي بحار الأنوار ج45
ص43.
()
مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الأصفهاني (ت356هـ) ،
ص77
()
راجع مقاتل الطالبيين ص76، وغيره.
()
مقاتل الطالبيين، الأصفهاني ص77، قال: (حتى رمي
بسهم فوقع في حلقه وأقبل ينقلب في دمه ثم نادى :
يا أبتاه عليك السلام هذا جدي.. الخ).
()
مقاتل الطالبيين ص77 ، وشرح الأخبار ج3 (ت363هـ)
ج3 ص153 .
()
موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) ص558 عن
ناسخ
التواريخ ج2 ص355.
()
اللهوف في قتلى الطفوف ص68.
()
شرح
الأخبار للقاضي النعمان ج3 ص153.
()
موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) ص558 عن البهبهاني
عن أبي مخنف.
()
منتخب
الطريحي ج2 ص 213.
([15])
ينابيع المودة ج3 ص78، ناسخ التواريخ ج2 ص355،
ومنتخب الطريحي ج2 ص 213.
()
قال حميد بن مسلم: [وكأني أنظر إلى امرأة خرجت
مسرعة كأنها الشمس الطالعة، تنادي: يا حبيباه، يا
ابن أخاه، فسألت عنها فقالوا: هذه زينب بنت علي بن
أبي طالب]. راجع: مقاتل الطالبيين لأبي الفرج
الأصفهاني ص77، مثير الأحزان لابن نما الحلي ص 51،
واللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس ص68.
()
مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص257.
()
عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق (ره) ج1 ص136.
()
نور العين في مشهد الحسين (ع) لأبي إسحاق
الإسفراييني ص44.
()
صراط النجاة، فتاوى السيد الخوئي والميرزا جواد
التبريزي قدس سرهما، ج1 ص440 سؤال رقم 1211.
([21])
مقتل الحسين للخوارزمي ص35.
()
منتخب الطريحي ج2 ص213.
()
مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص77.
()
راجع البداية والنهاية لابن كثير ص201.
|