ب - الروايات الواردة في كتب السنّة:
1 - عن ابن عباس: {سَلامٌ
عَلَى إِلْ يَاسِينَ} وهم آل محمد (صلى الله عليه
وآله)
([34]).
2 - عن مجاهد عن ابن عباس:
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} قال: نحن آل محمد
(صلى الله عليه [وآله] وسلم) ([35]).
3 - وقال ابن عباس: (رض) في قوله تعالى:
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}
على آل محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ([36]).
4 - عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ:
سلام على آل ياسين قال:
على آل محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ([37]).
5 - عن مجاهد: عن عبد الله بن عباس في قول الله تعالى:
سلام على آل ياسين يعني على آل محمد، وياسين بالسريانية:
يا إنسان يا محمد([38]).
6 - عن أبي مالك الغفاري غزوان الكوفي في قوله:
سلام على آل ياسين قال:
هو محمد، وآله أهل بيته([39]).
7 - عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال:
ياسين محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ونحن آل ياسين،
فقالت العلماء الذين حوله:
ياسين محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لم يشك فيه واحد.
ثم قال الإمام: إن الله أعطى محمدًا (صلى الله عليه [وآله]
وسلم) فضلاً عظيمًا، وذلك أنه لم يسلم على آل أحد من
الأنبياء إلا آل محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فقال:
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}
([40]).
8 - قال فخر الدين محمد بن عمر الرازي:... جعل الله تعالى
أهل بيت النبي (ص) مساوين له في خمسة أشياء:
أحدها المحبة: قال الله تعالى
{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}([41]).
وقال: لأهل بيته: {قُل لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَى}([42]).
والثانية تحريم الصدقة: قال (صلى الله عليه [وآله] وسلم):
لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد إنما هي أوساخ الناس.
والثالثة الطهارة: قال الله:
{طَهَ * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}([43])
-أي يا طاهر- وقال لأهل بيته:
{وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}([44]).
والرابعة في السلام: قال: السلام عليكم أيها النبي، وقال:
لأهل بيته: سلام على آل ياسين.
والخامسة في الصلاة على النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)
وعلى الآل في التشهد.
وقال علي بن أبي طالب (رض): فينا في آل حم آية لا يحفظ
مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ:
{قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.
ملاحظة: إن من المهم الإشارة إلى أنه لا يجوز اعتماد أحد
من المفسرين وإن حسن مذهبه في تفسير آية إلا إذا كان قد
رواها عن الإمام المعصوم (عليه السلام)، فإن وردت رواية
جامعة لشرائط الحجية، كأن كان خبرًا صحيحًا مثلاً، فيجوز
الاعتماد عليه([45]).
هذا بالنسبة لروايات الإمامية.
أما بالنسبة للروايات الواردة في كتب السنة فتؤخذ من باب
الاحتجاج عليهم من مذهبهم.
إلى هنا انتهينا إلى أنه توجد روايات متعددة عند السنة
والشيعة، تبيِّن أن معنى (آل ياسين) هو آل محمد (عليهم
السلام)، وهذه الروايات يعضد بعضها بعضًا، إضافة إلى
اشتمالها على رواية معتبرة بينها، وهي رواية احتجاج الإمام
الرضا (عليه السلام).
وقفة مع تفسير الأمثل
والعجب أن صاحب تفسير الأمثل ادعى عدم وجود رواية صحيحة في
هذا المجال فقال: "النقطة التي ينبغي الالتفات إليها، أنّ
الكثير من التفاسير أوردت حديثًا بسند عن ابن عباس يصرح
بأن المراد من (آل ياسين) هم آل محمد (صلى الله عليه
وآله)، لأن أحد أسماء نبينا هو ياسين. روى الشيخ الصدوق في
كتاب (معاني الأخبار) في باب تفسير (آل ياسين) خمسة أحاديث
بهذا الشأن، كلها لا تنتهي من حيث السند إلى أهل البيت
(عليهم السلام) سوى واحدة، والراوي لهذا الحديث شخص يدعى
(كادح) أو (قادح) وهو مجهول ولا توجد ترجمته في كتب
الرجال.
وعلى فرض -وفقًا لهذه الأخبار- أن الآية الآنفة تقرأ بصورة
(سلام على آل ياسين) وبغض النظر عن عدم تناسب الآيات،
ورأينا أن إسناد هذه الروايات أيضًا قابلة للنقاش، فمن
الأفضل أن نتجنب القضاء بخصوص هذه الروايات ونترك الحكم
عليها لأهلها([46]).
أقول: إن ما ذكره بالنسبة لكتاب (معاني الأخبار) وإن كان
صحيحًا، إلا أن الشيخ الصدوق ذكر في كتاب الأمالي رواية
معتبرة السند وهي رواية احتجاج الإمام الرضا (عليه السلام)
والتي قدمنا ذكرها.
ثم لماذا نتجنب الحكم حول هذا المعنى وقد ورد بسند معتبر،
مع وجود ثلاث قراءات في هذه الصورة كما عرفت، ومع اعتراف
الفخر الرازي بأن هذا المعنى هو أحد المعاني الواردة في
الآية كما سيأتي، ومع ذكره واعترافه في موضع آخر بأن هذه
الآية فيها فضيلة لأهل البيت (عليهم السلام) كما سيمر في
الرقم الثامن من روايات المخالفين من أهل السنة، وكما
سيتبين تناسب السياق مع هذا المعنى، فانتظر.
الأمر الثالث: ذكر الآراء حول كلمة "إل ياسين" والمراد
منها.
إن المثبت في نسخ القرآن التي بين أيدي المسلمين
{آلِ ياسِين} على قراءة
نافع وابن عامر ويعقوب، وعلى قراءة الباقين:
{إِلْ يَاسِينَ} بهمزة
القطع وسكون اللام المفصولة عن (ياسين)، وللمفسرين في
معناها أقوال:
قال الفخر الرازي في تفسيره:
[{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (آلياسين) على إضافة لفظ آل إلى
لفظ ياسين، والباقون بكسر الألف وجزم اللام موصولة بياسين،
أما القراءة الأولى ففيها وجوه:
الأول: وهو الأقرب أنا ذكرنا([47])
في معنى إلياس أنه إلياس بن ياسين فكان إلياس آلياسين.
الثاني: (آلياسين) آل محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم).
الثالث: أن ياسين اسم القرآن، كأنه قيل: سلام الله على من
آمن بكتاب الله الذي هو ياسين، والوجه هو الأول لأنه أليق
بسياق الكلام.
وأما القراءة الثانية ففيها وجوه:
الأول: قال الزجاجي: ميكال وميكائيل وميكالين، فكذا ههنا
إلياس وإلياسين.
والثاني: قال الفراء: هو جمع وأراد به إلياس وأتباعه من
المؤمنين، كقولهم المهلبون والسعدون، قال: أنا ابن سعد
أكرم السعدينا ([48])].
فإذن ففي معنى الكلمة عدة آراء، ثلاثة منها على قراءة مد
الألف وكسر اللام، ورأيان آخران على كسر الألف وسكون
اللام:
1- القول الأول: في قراءتها ومعناها المرويين عن أهل البيت
[صلوات الله وسلامه عليهم]. فقد روي من طرق الخاصة أخبار
كثيرة بأن قراءة (آل ياسين) بفتح الألف ومده وكسر اللام،
وأن المراد بهم (آل محمد)، وقد ذكروا في محاججتهم على
علماء العامة هذه الآية بحيث لم يكونوا ينكرونها وكانوا
معترفين بصحة القراءة بذلك، وقد تقدمت الروايات الدالة على
ذلك.
2- القول الثاني: وذهب إليه الفخر الرازي أنه إلياس بن
ياسين فكان إلياس آلياسين.
3- القول الثالث: أن ياسين اسم القرآن، كأنه قيل: سلام
الله على من آمن بكتاب الله الذي هو ياسين.
4- القول الرابع: -وذهب إليه الزجاج-: إن إلياس وإلْياسين
هما لغتان، كما في: (ميكال) و (ميكائيل) إذ إنهما لغتان في
اسم واحد لأحد الملائكة، و (سيناء) و (سينين) حيث تطلقان
على مساحة من الأرض تقع بين مصر وفلسطين، و (إلياس) و
(إلياسين هما أيضا لغتان في اسم واحد لهذا النبي الكبير
عليه الصلاة والسلام.
5- القول الخامس: -ذهب إليه الفراء- أن (إلياسين) جمعٌ،
وبهذا الشكل: (إلياس) أضيفت إليها (ياء النسبة) فأصبحت
(إلياسي)، وبعد ذلك جمعت بإضافة الياء والنون إليها فأصبحت
(إلياسيين)، وبعد تخفيفها غدت (إلياسين)، وطبقا لهذا يفهم
منها أنها تخص كل الذين أطاعوا إلياس والتزموا بنهجه.
مناقشة الأقوال:
وعند الترجيح بين هذه الأقوال يمكننا أن نختار القول الأول
لمرجحات عدة:
أولاً: إن (إل ياسين) هما كلمتان وليستا كلمة واحدة، ومما
يدل على ذلك مجيئهما مفصولتين في المصحف الشريف، فالكلمة
الأولى (إل) والثانية (ياسين)، وكلمة ياسين يراد بها النبي
(صلى الله عليه وآله) -كما سيأتي- وكما أنها لم تذكر في
القرآن إلا في محلين:
الأول: في سورة ( يس): {يس*
وَالْقُرْآن ِالْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}([49]).
والثانية في سورة (الصافات):
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}.
وذكر أغلب المفسرين أن المراد بياسين في سورة (يس) هو
النبي (صلى الله عليه وآله) بدليل الخطاب:
{إنك لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
ثانيًا: قد وردت الروايات والأخبار عند الفريقين في هذا
اللفظ، ومنها رواية احتجاج الإمام الرضا (عليه السلام)
بهذه الآية في مجلس المأمون، وقد مرّ ذكر الرواية، وفيها
دلالة واضحة على المعنى المراد، ويؤكِّد دلالتها على ذلك
مجيئها في مقام الاحتجاج على المخالفين من أهل السنّة
وبيان أفضلية أهل البيت (عليهم السلام) بوجود علمائهم، ولم
يعترضوا على كلام الإمام (عليه السلام)، بل سلّموا له
قوله، وذلك قول المأمون في ختام كلام الإمام حول هذه
الآية: (قد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه).
هذا مع اعتراف الفخر الرازي بهذه الأفضلية حيث قال: جعل
الله تعالى أهل بيت النبي (صلى الله عليه [آله]) مساوين له
في خمسة أشياء... "والرابعة في السلام قال: السلام عليكم
أيها النبي، وقال: لأهل بيته: سلام على آل ياسين"، وإن كان
رجح عند ذكر الآراء غير هذا الرأي بدعوى السياق، وهذا ليس
ببعيد عنه، ففي كثير من الموارد يعترف بأفضلية أهل البيت
(عليهم السلام) إلا أن تعصبه يمنعه من الإقرار لهم،
وتفسيره زاخر بذلك،
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً
وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ}().
ثالثًا: قد قرأ القراء الثلاثة كما ذكرنا بهذه الطريقة
(آل) بمد الألف وكسر اللام.
رابعًا: أنه لا تنافي بين هذه القراءة (إل) وبين تفسيرها
بـ (آل محمد) عليهم أفضل الصلاة والسلام، لأن (إل ياسين)
و(آل ياسين) كانتا قبل تشكيل القرآن هكذا (ال ياسين)
فقرأها نافع وابن عامر ويعقوب ب (آل ياسين) والباقون بـ
(إل ياسين).
وقفة مع الفخر الرازي (صاحب القول الثاني)
إن الفخر الرازي قد بنى دليله على أمرين:
الأمر الأول: أن والد نبي الله "إلياس" هو "ياسين"، فيكون
"إلياس بن ياسين" أي من آل ياسين، فالله سبحانه وتعالى
سلّم على "آل ياسين" الذين منهم النبي إلياس.
الأمر الثاني: دليله على ما ذكر هو سياق الآيات، فالآيات
تتحدث عن نبي الله إلياس (عليه السلام) فيكون المقصود من
آل ياسين النبي إلياس.
الرد على ما ذكره الفخر الرازي
ما ذكره الفخر الرازي ضعيف لأمرين:
أما الأمر الأول ففيه نقطتان:
النقطة الأولى: ما الدليل على أن النبي "إلياس" (عليه
السلام) اسم والده "ياسين"؟ فهل ورد في ذلك خبر معتمد
عليه؟ بحثت عن ذلك فلم أجد خبرًا ضعيفًا فضلاً عن كونه
معتمدًا عليه، وقد ذكرنا في الأمر الثاني عدم جواز
الاعتماد على قول أحد من المفسرين إلا إذا أتى بخبر معتمد
عليه.
فهذا القول لا يعدو كونه قولاً لبعض المفسرين بلا دليل يدل
عليه، وعهدته على مدعيه.
النقطة الثانية: إنه وقع الخلاف بين المفسرين في اسم والد
النبي "إلياس" (عليه السلام).
قال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان: "روي عن ابن مسعود: أن
إلياس هو إدريس وهو جد نوح، وقال ابن إسحاق: إلياس وهو ابن
أخي موسى"([51]).
وقال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: "وقيل: هو إلياس بن
بستر بن فنحاس بن العيزار بن هارون بن عمران نبي الله"([52]).
هذا وقد اختلف في النبي إلياس (عليه السلام):
فقال ابن مسعود: هو إدريس([53]).
وقيل: إن إلياس هو ذو الكفل([54]).
وعن ابن عباس إنه الخضر([55]).
وأما الأمر الثاني:
فالذي دفع الفخر الرازي لهذا القول هو سياق الآيات، حيث
رجّح هذا القول من القراءة الأولى، فحكم أن النبي "إلياس"
(عليه السلام) والده ياسين لانسجام السياق مع هذا القول.
والذي يدل على ذلك ما أتى بعد هذه الآية من قوله تعالى:
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ} فالضمير في
{إِنَّهُ} راجع لـ "آل
ياسين".
الكلام في سياق الآيات
الرد على ما ذكره الفخر الرازي حول السياق:
يستفاد من كلام الفخر الرازي أن الله عندما سلّم على النبي
"إلياس" (عليه السلام) بقوله:
{سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} يكون قد سلّم على
والده وعلى أهله، إذ من البعيد أن يقصد السلام على إلياس
(عليه السلام) دون والده وأهله.
فنقول :
( أولا ) : إن السلام وارد في هذه السورة على بعض الأنبياء
لا على آبائهم، وفيهم من هو أفضل من النبي إلياس وآله،
كإبراهيم وآله عليهم الصلاة والسلام، كما أن السورة لم
تذكر السلام على بعض الأنبياء الذين ورد ذكرهم في السياق.
اللهم إلا أن يدعى -تجرؤاً كما هو رأي البعض- إيمان والد
إلياس (عليه السلام) دون غيره ممن ذكر من آباء الأنبياء
-والعياذ بالله-، ولاحظ معي سياق الآيات التالية من سورة
الصافات: {وَلَقَدْ نَادَانَا
نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ
وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْب ِالْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا
ذُرِّيَّتَهُ هُم ْالْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْه ِفِي
الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}
ولم يذكر أهله وذريته بما أن الذين نجاهم الله تعالى هم
المؤمنون.
وقال تعالى: {وَإِنَّ مِن
شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * ... فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ
حَلِيمٍ * ... سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}([56])،
ولم يذكر آله الذين اصطفاهم الله:
{إِنّ َاللّهَ اصْطَفَى آدَمَ
وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ}([57])،
والذين صلى عليهم كما في متواتر الأحاديث: [كما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ
مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا
وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَنَصَرْنَاهُم
ْفَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا
الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ
* سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ}([58]).
فترى أنه في الآية الأخيرة قد ثنَّى الضمير بخلاف ما ورد
في (إلياس) (عليه السلام)، فلو كان المقصود من السلام في
{آل ياسين} آله أو أهله
أو أبوه أو المؤمنون لقال: (إنهم من عبادنا المؤمنين) كما
لاحظت السياق، بينما قال:
{إِنّ َإِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ* أَتَدْعُونَ بَعْلاً
وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ
وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ
فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ *
سَلَامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ}.
( ثانيًا ): ثم لماذا يذكر والده ويسلّم على آله ولا نجد
في القرآن نبيًا ينسب إلى أبيه؟! فإن نسبة النبوة تغنيه عن
أية نسبة.
ولو سلمنا ورود ذلك، فالصحيح في النسبة أن يقال: (إلياس بن
ياسين) أو (ابن ياسين)، ويذكر أولاً بهذه النسبة بعد ذلك
يجمع (إلياسين).
( ثالثًا ): لو سلمنا أيضًا صحة هذا المعنى، ولكنه معارض
بالقول الثاني المنسوب لأهل البيت (عليهم السلام) برواية
معتبرة، فعلى الأقل لا يمكننا الوثوق بهكذا سياق يقع فيه
التعارض، إن سلم التعارض، إذ هذه الأقوال ما هي إلا
اجتهادات واستحسانات، أما الرأي الآخر فهو مبني على خبر
مسند إلى أحد الثقلين الذي قال عنهم رسول الله (صلى الله
عليه وآله): (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا
بعدي أبدًا كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض).
رابعًا: إن السياق الذي ادعيتموه -وهو أن "آل ياسين" تعني
النبي إلياس (عليه السلام) ووالده وأهله- غير صحيح، قال
تعالى: {إِنَّ إِلْيَاسَ
لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا
تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ
الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ
الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ *
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا
عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ *
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ
عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، فإن إفراد الضمير في
الآية: {إنه من ... }
في الظاهر لا يناسب الجمع "آل ياسين".
إن قيل: فإن الله قد سلّم عليه بعد ذكره فلما تنكر هذا؟
يمكن الإجابة: إن الله سبحانه وتعالى ليس كلَّما ذكر نبيًا
سلّم عليه، خصوصًا في سورة الصافات، فإنه ذكر لوطًا ويونس
ولم يخصهما بالسلام كما عرفت. قال تعالى في نفس السورة:
{وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ
الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ
أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ
دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ
عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ * وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}
... إلى آخر الآيات الكريمة، ولم يسلّم عليهما على انفراد،
بل جمعهم في قوله: {وَسَلَامٌ
عَلَى الْمُرْسَلِينَ}.
وإن قيل: إذا لم تكن الآية في مورد السلام على نبي الله
إلياس (عليه السلام) ووالده وأهله فما هي المناسبة من
ذكرها هنا؟
أمكن الجواب عن ذلك: بأن الآية قد تعني السلام على النبي
(إلياس) كما تعني (آل محمد) (صلى الله عليه وآله) ، فإن
الأنبياء كلهم على ملة واحدة وعلى دين واحد، ويمكن حينئذ
أن يقال: إن الضمير في قوله تعالى:
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ} راجع إلى (إلياس) فإنه من (آل
ياسين) أي (آل محمد) (صلى الله عليه وآله) ، كما يكون
راجعا إلى (ياسين) أي محمد (صلى الله عليه وآله) على
البدل، فالمرجع واحد على كل حال.
قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: "قال أبو علي: من قرأ
"آل ياسين" فحجته أنها -أي (آل)- في المصحف مفصولة عن
(ياسين)، وفي فصلها دلالة على أن (آل) هو الذي تصغيره أهيل"([59]).
وقال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان: "ولا خلاف بين
النحويين أن أصل (آل) أهل فقلبوا الهاء همزة وجعلوها مدة
لئلا يجتمع ساكنان، ألا ترى أنك إذا صغرت قلت أهيل ولا
يجوز أويل، لأنه رد إلى الأصل لا إلى اللفظ"([60]).
ولتوضيح مرام الشيخ الطوسي ننقل ما ذكره ابن منظور
الأنصاري، قال في لسان العرب: "وآل
الرجل: أهله. وآل
الله
وآل
رسوله: أولياؤه،
أصلها
أهل
ثم أبدلت
الهاء
همزة
فصارت
في
التقدير
أأل،
فلما
توالت
الهمزتان
أبدلوا الثانية
ألفا
كما
قالوا
آدم
وآخر،
وفي
الفعل
آمن
وآزر،
فإن
قيل: ولم زعمت
أنهم
قلبوا
الهاء
همزة
ثم
قلبوها
فيما
بعد،
وما
أنكرت
من أن
يكون
قلبوا
الهاء
ألفا
في
أول
الحال؟
فالجواب
أن
الهاء
لم
تقلب ألفا
في
غير
هذا
الموضع
فيقاس
هذا
عليه،
فعلى
هذا
أبدلت
الهاء
همزة ثم
أبدلت
الهمزة
ألفا،
وأيضا
فإن
الألف
لو
كانت
منقلبة
عن
غير الهمزة
المنقلبة
عن
الهاء
كما
قدمناه
لجاز
أن
يستعمل
آل
في
كل
موضع
يستعمل فيه
أهل،
ولو
كانت
ألف
آل
بدلا
من
أهل
لقيل
انصرف
إلى
آلك،
كما يقال
انصرف
إلى
أهلك،
وآلك
والليل
كما
يقال
أهلك
والليل،
فلما كانوا
يخصون
بالآل
الأشرف
الأخص
دون
الشائع
الأعم
حتى
لا
يقال إلا
في
نحو
قولهم: القراء
آل
الله،
وقولهم: اللهم
صل
على
محمد
وعلى آل
محمد،
وقال
رجل
مؤمن
من
آل
فرعون"([61]).
فعلى كلام ابن منظور عندما يقولون آل فلان لا بد أن يقصدوا
أشرف القوم.
هذا وقد ذكر القرطبي في تفسيره: "قال عبد العزيز بن أبي
رواد: إن إلياس والخضر (صلى الله عليه وآله) يصومان شهر
رمضان في كل عام ببيت المقدس يوافيان الموسم...، وذكر ابن
أبي الدنيا... من طريق مكحول عن أنس قال: [غزونا مع رسول
الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم)، حتى إذا كنا بفج الناقة
عند الحجر، إذا نحن بصوت يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد
(صلى الله عليه (وآله) وسلم) المرحومة، المغفور لها،
المتوب عليها، المستجاب لها، فقال رسول الله صلى الله عليه
(وآله) وسلم: يا أنس انظر ما هذا الصوت، فدخلت الجبل فإذا
أنا برجل أبيض اللحية والرأس عليه ثياب بيض... فلما نظر
إلي قال: أنت رسول رسول الله؟ قلت نعم، قال: ارجع إليه
فأقرئه مني السلام وقل له: هذا أخوك إلياس يريد لقاءك،
فجاء النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وأنا معه.."([62]).
ويمكن أن يقال أيضًا: إنه قد اقتضت الحكمة الإلهية حفظ
القرآن من التحريف، وذلك بأسباب عدة، منها غيبية ومنها
أسباب طبيعية، كالسبك الخاص للقرآن، وتركيب آياته بنحو
يفهم أهل الذكر منه معنى معينًا، من خلاله يبين أفراده
ومصاديقه، يصعب فهم ذلك لغيرهم، وحينئذ: فمن الأسباب
الطبيعية جمعه بهذا القالب المعين كموضع آية التطهير،
وآيات إطعام الطعام، وآية إكمال الدين وغيرها. وقد بينوا
سلام الله عليهم هذا المعنى في رواياتهم.
منها: ما ورد من احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على
أحد الزنادقة في حديث طويل: "... وكذلك قوله:
{سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}،
لأن الله سمَّى به النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)
حيث قال: {يَس * وَالقرآنِ
الحكيمِ * إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلين}، لعلمه بأنهم
يسقطون قول الله: [سلام على آل محمد] كما أسقطوا غيره([63]).
أقول: المراد أسقطوا عبارات الوحي التفسيرية والتأويلية لا
عبارات من نص القرآن المصون من التحريف، وقد بيَّن هذا
المعنى في الرواية، ولم أنقلها لطولها، فراجع.
وفي هذا الصدد يقول سلطان محمد الجنابذي في تفسيره "بيان
السعادة في مقامات العبادة" في ذيل تفسير هذه الآية:
[وكأن المنظور كان من الإتيان ب (آل محمد) بهذا اللفظ في
ذيل "إلياس" أن لا يسقطوه لو قال: (سلام على آل محمد)،
ولما كان محمد وأهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم شرف
كل ذي شرف، وفخر كل ذي فخر، ومقام كل ذي مقام، كان السلام
على آل محمد (صلى الله عليه وآله) سلامًا على كل ذي سلام،
وشرفًا لكل ذي شرف، ولسان صدق لكل صادق، فصح أن يقال:
تركنا على إلياس في الآخرين لسان صدق هو: سلام على آل
محمد]([64]).
إن قيل: إذا كانت (آل) في الآية بالمد، والنسخ المتواترة
من القرآن دون مد، فهل هذا إلا تحريف في الذكر الحكيم؟
أمكن الجواب: إن قراءة المد مروية عن القرّاء الثلاثة، وهي
من قراءة آل البيت (عليهم السلام) كما مر، واختلاف القراءة
لا توجب التحريف، كما هو مسلَّم عند الفريقين.
إن قيل: كيف يسلّم في سورة الصافات على (آل ياسين) ولم
يذكر (ياسين) (صلى الله عليه وآله) بنفسه وهو الأصل؟
أمكن الجواب: لأنه لا يردف (ياسين) هنا بهؤلاء الأنبياء
الذين مرَّ ذكرهم في السورة صلوات الله عليهم أجمعين لأنه
سيدهم، وله صلوات فوق السلام في سورة الأحزاب:
{إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّون َعَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً}()،
وهذه الآية: {سَلاَمٌ عَلَى
ءَالِ يَاسِين}()
خاصة لآله (عليهم السلام)، على أنها قد تعني في ضمنها
النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ، فإنها ليست في مقام
الحصر، فلا يختص السلام بهم (عليهم السلام)، بل يشمل النبي
الأكرم (صلى الله عليه وآله) لوحدة المناط، فإنهم إنما
استحقوا ذلك لانتسابهم إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه
وآله) نسبًا وحسبًا ودينًا وطاعة، فالنبي الأكرم (صلى
الله عليه وآله) أولى بالسلام، ويكون شموله للنبي (صلى
الله عليه وآله) حقيقة، وقد روى الحسكاني في شواهد
التنزيل بإسناده عن أبي أنس في قوله:
{سَلامٌ على آلِ ياسين}
قال: (هو محمد، وآله أهل بيته).
ولا يخفى أنه (صلى الله عليه وآله) الأصل في السلام
المخبر به، وآله تبع له فيها، فدل ذكر المتبوع "آل ياسين"
على التابع واندراجه تحته، وأغنى عن ذكره، ولأنه داخل في
آله، فيكون ذكر "آل ياسين" مغنيًا عن ذكره (صلى الله عليه
وآله) من باب التقحيم.
ولهذا نظائر في القرآن الكريم، كقوله تعالى:
{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ
وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ}()،
لأن المقصود من "آل إبراهيم" بما فيهم "إبراهيم" عليه
الصلاة والسلام، فإنه يقال: "آل فلان" للأعم منه ومن آله،
قال تعالى: {إِنَّا
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ
نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}().
ومنه قوله (صلى الله عليه وآله): [اللهم صل على آل أبي
أوفى].
وهو باب واسع في اللغة، سواء كان في المدح أو الذم، كقوله
تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}()
أي: (بما فيهم فرعون)، فإذا كان هذا مصير عائلته وأنصاره
ومن سار على خطِّه، ترى ماذا يكون مصير نفس فرعون؟!، من
المؤكد أنه في طليعتهم.
وكما في زيارة عاشوراء: (وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل
مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليه)، فإذا كان آل زياد
وآل مروان في فرح شديد بقتل الحسين عليه الصلاة والسلام
فكيف يكون فرح زياد ومروان!!، وفيها أيضًا (ولعن الله آل
زياد وآل مروان)، فإن اللعن كما هو موجه إلى آليهما، فمن
باب أولى يوجه إليهما وهما في مقدمة ارتكاب تلك الجرائم،
وغير هذه من الموارد، وهو باب واسع كما ذكرنا.
وقفة مع الزجاج (صاحب القول الرابع)
قال: إن إلياس وإلياسين هما لغتان لاسم واحد لهذا النبي
كـ (ميكال) و (ميكائيل) .
الجواب:
أولاً: لم يرد النقل بهذا، بخلاف ميكال وميكائيل، فَلِكَي
يعتمد على هذه اللغة لا بد من ورود النقل والسماع بها.
ثانيًا: لو سلمنا ورود النقل في ذلك، إلا أن هذا الكلام
يصح على القراءة الثانية وهي "إلياسين" بكسر الألف وسكون
اللام، ولا يصح على القراءة الأولى وهي "آل ياسين" بمد
الألف وفتحها مع كسر اللام.
وقفة مع الفراء (صاحب القول الخامس):
يمكن تلخيص القول الخامس ودليله بما يلي: إنّ (إلياسين)
جمع (إلياس)، وحينئذ: فالمراد بالجمع النبي إلياس وأمته
والمؤمنون، وكذلك يجمع ما ينسب إلى الشيء بلفظ الشيء تقول:
رأيت المسامعة والمهالبة تريد بني المسمع وبني المهلب.
الرد: إن جمع إلياس ليس "إلياسين" بل جمعها "الإلياسين"
بتعريف الجمع كما قال علماء النحو كقولهم "الإلهيين" في
حالتي النصب والجر، قال القندوزي الحنفي في ينابيع المودة:
"إن قيل إنه -تعالى- سلَّم على جمع (إلياس) فقلنا: إن
إلياس واحد لا متعدد، ومع أنه لو كان إلياس ثلاثة أو أكثر
لقال سلام على آل إلياسين -بالمعرف باللام- لأن قاعدة
الجمع بالتعريف باللام([70]).
لا تقل: إن (إلياس) مع لام التعريف ولكنه حذفت الهمزة ثم
خففت اللام.
لأنه يقال: لا يجوز حذف الألف من (إلياس) عند الجمع، لأنها
همزة قطع من أصل الكلمة.
أضف إلى ذلك أنه يلزم من قولهم إن "إلياسين" جمع إلياس أن
يكون في حالة الرفع "الإلياسون" ولم يسمع ذلك.
وأما القول الثالث:
فحيث أنه لا دليل يساعد عليه، كما أنه لم يعتمد عليه أحد
من المفسرين والمحققين من الفريقين فلا نتكلف الرد عليه.
الأمر الرابع: كلام موجز حول كلمة ياسين.
"من المناسب في المقام ذكر معنى كلمة
{ياسين} الوارد في
الآية الكريمة، والذي يعني نبينا محمد (صلى الله عليه
وآله) كما هو المعروف لدى المفسرين والعلماء في قوله
تعالى: {يَس * وَالقرآنِ
الحكيمِ * إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلين}()،
وإنما كتبت {يس} دون
(ياسين) لأنها من الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور،
أي لا بد أن تقرأ حروفًا بأسمائها، وقد ذكر لها معان عدة:
1– منها: أن هذه الكلمة (يس) تتكون من (يا) حرف النداء و
(سين) أي شخص النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ،
ومعناها: يا إنسان، أو يا أيها الإنسان. روي عن الكلبي: أن
(يس) معناه: "يا إنسان" بلغة طي.
2- ومنها: أن (يس) ليس مركبًا من كلمتين: (يا) و (سين)، بل
هو كلمة واحدة تكون اسمًا للنبي (صلى الله عليه وآله) ،
وحرف النداء مقدر في الآية التي في سورة "يس"، وهو مطّرد
في القرآن وكلام العرب، قال تعالى:
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ
هَـذَا} ()،
وقال تعالى: {طَهَ * مَا
أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}. وفي
تفسير القمي: عنه (عليه السلام): (يس) اسم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ، والدليل على ذلك قوله تعالى:
{إِنَّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ}().
3-المعنى الثاني ل: "يس" سامع الوحي، فقد روي الشيخ
الصدوق
(قده)
عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أن معنى "يس": يا
أيها السامع الوحي().
وبناءً على ذلك نجد اختلافًا في معنى هذه الكلمة، ولكنها
على أكثر المعاني الواردة ترجع إلى أن المراد منها هو
النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ، ولعله لهذا نرى أكثر
المفسرين ذهبوا إلى أن المراد منها هو النبي (صلى الله
عليه وآله) "().
وهناك تفاصيل ونقاشات حول هذه المعاني يرجع بها للمطولات
إذ لم ينعقد البحث لها.
خاتمة الكلام:
إنه بعد ثبوت بعض الروايات سندًا ودلالة على المعنى
المطلوب إثباته، وبعدما تبين من حال القراءات وحكم القراءة
بها، وبعدما تم ترجيح هذه القراءة مع كون المراد منها أهل
البيت (عليهم السلام)، وعدم معارضة السياق لهذا المراد:
يمكننا أن نقرأ الآية (آل) بمد الألف وكسر اللام بلا أدنى
شبهة أو ريب، وليست قراءة كسر الألف وسكون اللام بأولى
منها.
وإليكَ أيها القارئ الكريم ما وعدناكَ به من إيراد صورة
الآية الكريمة من سورة الصافات -محل البحث- في المصحف
المغربي برواية ورش عن نافع، وصورة الصفحة الأولى من هذا
المصحف والتي هي بمثابة شهادة وإقرار بصحته من قِبَل مجمع
البحوث الإسلامية بالأزهر، ونفيدكَ أيضًا أنَّ هذه الكتابة
بالخط المغربي تتميّز عن كتابة مصحف المدينة المنورة ببعض
الفروق في رسم الحروف، من قبيل أنَّ حرف الفاء بنقطة واحدة
تحتانية، وحرف القاف بنقطة واحدة فوقانية، وحرفَي النون
والقاف في آخر الكلمة بدون نقطة.
يتبع =
ـــــــــــــــــــــــــ
([34])
راجع: شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج2 ص109 ح791
و 792 و 793 و 794 و 795 و 796 و 797/ نظم درر
السمطين للزرندي الحنفي ص94/ تفسير القرطبي ج15
ص119/ تفسير ابن كثير ج4 ص20/ الدر المنثور
للسيوطي ج5 ص286/ فتح القدير للشوكاني ج4 ص412/
تفسير الألوسي ج23 ص141/ الكامل لعبد الله بن عدي
ج6 ص350/ البداية والنهاية لابن كثير ج1 ص396.
([35])
المعجم الكبير، الطبراني، ج11 ص56 .
([36])
نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، ص94 .
([37])
الحاكم الحسكاني،
شواهد التنزيل، ج2 ص168.
([38])
الحاكم الحسكاني،
شواهد التنزيل،ج2 ص169
([39])
الحاكم الحسكاني،
شواهد التنزيل، ج2 ص169.
([40])
القندوزي،
ينابيع المودة، ج1 ص38.
([41])
آل عمران من الآية 31.
([44])
الأحزاب من الآية 33.
([45])
راجع البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص397،
مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي (قده) ط3- 2007.
(
([46]تفسير
الأمثل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج14 ص288 الطبعة
الأولى دار إحياء التراث العربي.
([47])ج26
ص 161 من تفسيره .
([48])
تفسيرالرازي - الرازي - ج 26 - ص 162.
([53])
تفسير البيان ج4 ص 94.
([54])
تفسير الكشاف للزمخشري ج2 ص 581.
([55])
التجلي الاعظم للسيد فاخر الموسوي.
([59])
مجمع البيان للطبرسي ج8 ص328.
([60])
التبيان -الشيخ الطوسي ج8 ص526.
([61])
لسان العرب، ابن منظور، ج11 ص30 - 31، تحقيق عامر
أحمد حيدر، ط1- 2003 دار الكتب العالمية.
([62])
تفسير القرطبي ج15 ص166.
([64])
التجلي الأعظم للسيد فاخر الموسوي ص 151.
([66])
سنورد في آخر المقال صورة الصفحة التي تشتمل على
هذه الآية من مصحف ورش بالخط المغربي، والذي أقرّ
بصحته مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر.
([70])
المودة لذوي القربى،القندوزي ج1 ص38 - 39.
([71])
سورة يس 1 / 2 / 3.
([73])
تفسير القمي ج2 ص211.
([74])
معاني الأخبار ص22 ح1.
([75])
راجع : التجلي الأعظم السيد فاخر الموسوي ص 154.
|