السنة العاشرة/ العدد الخامس والعشرون /  حزيران 2014م / رمضان  1435هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

حُجْر بن عَدِيّ الكندي

(حُجر الخير)

الشيخ محمد صالح الفقيه

 

حُجْر بن عَدِيّ الكندي، المعروف بحجر الخير، ويُكنى بأبي عبد الرحمن، ابن الحرث بن عمرو بن حجر، الملقب بآكل المرار ملك كِندة، صحابي من أعيان أصحاب علي (عليه السلام) وابنه الحسن (عليه السلام)، وسيد من سادات المسلمين في الكوفة ومن أبدالها، وفَدَ هو وأخوه هانئ بن عدي على النبي (صلى لله عليه وآله)([1]).

فضله

قال في الاستيعاب : (وكان حجر من فضلاء الصحابة، وصَغُر سنّه عن كبارهم)([2]).

وقال في وسائل الشيعة: (كان من الأبدال، من خاصة أصحاب علي (عليه السلام))([3]).

عن البيهقي، وعن يعقوب بن سفيان عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول: (يا أهل العراق سيُقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مَثلُهم كمَثَل أصحاب الأخدود)([4]).

بلغ من عبادته أنه ما أحدث إلا توضأ، وما توضأ إلاّ صلّى، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكان ظاهر الزهد، مجاب الدعوة.

قال في الإصابة : (أصابته جنابة وهو أسير، فقال للمتوكل به: أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدًا شيئًا، فقال: أخاف أن تموت عطشًا فيقتلني معاوية، قال: فدعا الله، فانسكبت له سحابة بالماء، فأخذ منها الذي احتاج إليه، فقال له أصحابه: ادع الله أن يخلصنا! فقال: اللهم خِرْ لنا)([5]).

كان في الجيش الذي فتح الشام، وفي الجيش الذي فتح القادسية، وشهد الجمل مع علي (عليه السلام)، وكان أمير كندة يوم صفين، وأمير الميسرة يوم النهروان، وهو الشجاع المطرق الذي قهر الضحاك بن قيس في غربيّ تدمر.

قال المسعودي: (وهو أول من قتل صبرًا في الإسلام)([6]). أي رُمِيَ في السجن حتى القتل.

السبب في قتله

كان حُجر يَرُدّ على واليَي الكوفة (المغيرة وزياد) حين يشتمان عليًا، ويقول: أنا أشهد أنّ من تذمّون أحق بالفضل، ومن تزكّون أولى بالذم) وكان إذا جهر بكلمته هذه وافقه أكثر من ثلثي الناس، وقالوا: (صدق حُجر).

لكن المغيرة كان يتمهّل في أمر حجر، لأنه يعرف فضله عند الناس كصحابي جليل، وكرأس من رجالات علي بالكوفة، وكأمير عربي يرث تاج الكنديين من أقرباء الجدود. وكان المغيرة يعتذر لمن حوله من الأعوان الذي يحضّونه على التنكيل به بقوله: (إني قتلته)، قالوا: وكيف؟ قال : إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي، فيصنع به شبيهًا بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شرّ قتلة([7]).

وبعد هلاك المغيرة تولى الكوفة ابن سمية زياد -لعنه الله تعالى- (سنة 50 أو51هـ)، فخطب زياد يوم الجمعة، حتى ضاق وقت الصلاة (صلاة الجمعة)، فقال حجر، وكان لا يفارق جمعتهم ولا جماعتهم: الصلاة.. فمضى زياد في خطبته، فقال ثانيًا: الصلاة، فمضى في خطبته، وخشيَ حجر فوت الفريضة، فضرب بيده إلى كف من الحصى وثار إلى الصلاة وثار الناس معه، وحصب أهل الكوفة زيادًا([8]).

وكان ذلك هو ميراثه الشرعي من أمه سمية (وللعاهر الحجر). فهاتان هما جريمة حجر : ردّه السب عن علي (عليه السلام)، ومطالبته بالصلاة بوقتها.

فبعث ابن زياد إلى معاوية كتابًا أملاه على ابن أبي موسى الأشعري:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين، شهد أن حُجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة، ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء ([9]).

فقال زياد: على مثل هذه الشهادةُ، أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق.

فشهد رؤوس الأرباع على مثل شهادته، وكانوا أربعة ثم إن زيادًا دعا الناس فقال: اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الأرباع. فشهد على الصحيفة سبعون من أشراف الكوفة، مثل عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وإسماعيل وإسحاق ابنَي طلحة، وشبث بن ربعي، وحجار بن أبجر. فكتب إليه معاوية: شّده في الحديد واحمله إليّ([10]).

وكتب زياد اسم شريح بن الحارث القاضي في جملة الشهود، فأنكر شريح ذلك وكتب إلى معاوية: (أما بعد، فإنه بلغني أن زيادًا كتب إليك بشهادتي على حجر بن عدي، وإن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال، فإن شئت فاقتله (فاقبله) وإن شئت فدعه) ([11]).

فكان شريح يقول: ما شهدت ولقد بلغني أن قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته([12]).

طلب زياد حجرًا، لكن جماعة من أصحابه اشتبكت بشرطة زياد عند أبواب كندة، وجماعة أخرى التحمت بهم عند باب داره قرب جبانة كندة، وكان من أبطال هاتين الموقعتين عبد الله بن خليفة الطائي وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم.

وخرج قيس بن فهدان الكندي على حمار له يسير في مجالس كندة يحرّضهم على الحرب.

وتخفّى حجر ولم تستطع عيون زياد الذين كانوا يلاحقونه العثور عليه، لأن الناس كلهم أو أكثر من ثلثيهم كانوا يمنعون حُجرًا من هذه العيون، فهدد زياد أهل الكوفة ثم قال لأشرافه: (فليدعو كل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه، وهدد محمد ابن الأشعث، وقال له: لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ولا دارًا إلا هدمتها، ثم لا تسلم حتى أقطعك إربًا إربًا. فقال له: أمهلني حتى أطلبه، فقال: أمهلتك ثلاثًا، فإن جئتني به وإلا عُدّ نفسك في الهلكى.

فحاول زياد أن يقتل الكنديين بعضهم ببعض بما أمر به ابن الأشعث الكندي، فعلم حجر ما أراده زياد في الكنديين وأصحابهم، فقال: ولكن سمع وطاعة. فسلّم نفسه، فحمل إلى معاوية وسجن([13])، ودارت الشرطة للقبض على الأسماء البارزة من مؤازريه فجمعوا تسعة من أهل الكوفة وأربعة من غيرها -كما يقول المسعودي([14])-. ومكث حجر في سجن الكوفة عشرة أيام حتى جمعوا إليه أصحابه، ثم أُمر بهم فسيقوا إلى الشام، وأمر زياد بإخراجهم عشيّة ليتستر بالظلام حتى لا تقع فتنة بالكوفة.

ونظر قبيسة بن ربيعة أحد أصحاب حُجر فإذا هم يمرون على داره في جبانة عرزم وإذا بناته مشرفات يبكينه، فكلمهنّ ووعظهن، وكذلك مرّوا في طريقهم على دار حجر، وصعدت ابنته إلى سطح دارهم تنظر الركب يساقون للموت، فلما صار على أميال من الكوفة يراد به دمشق، أنشأت ابنته تقول -ولا عقب له من غيرها، فابنه همام قتل معه- ([15]):

ترفّع أيها القمر المنير
يسير إلى معاوية بن حرب
ويصلبه على بابَي دمشق
تجبّرت الجبابر بعد حجر
ألا يا حُجر حُجر بن عدي

 

 

لعلك أن ترى حجرًا يسير
ليقتله كذا زعم الأمير
وتأكل من محاسنه النسور
وطاب لها الخورنق والسدير
تلقتك السلامة والسرور

 

مقتل حجر

وصلوا بحجر وأصحابه إلى مرج عذراء بغوطة دمشق وهي على بعد اثني عشر ميلاً من دمشق، فحُبسوا هناك، ودار البريد بين معاوية وزياد، فما زادهم التأخير إلا عذابًا.

وجاءهم رجل من قِبَل معاوية في زمرة يحملون أمر معاوية بقتلهم ويحملون الأكفان. وقال لحُجر: إن (معاوية) أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان، والمتولي لأبي تراب، وقتل أصحابك، إلا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه.

فقال له حجر وأصحابه: إن الصبر على حدّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه، ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النار.

وحُفرت القبور، وقام حُجر وأصحابه يصلّون عامة الليل، فلما كان الغد قدّموهم ليقتلوهم، فقال لهم حجر: (اتركوني أتوضأ وأصلي، فإني ما توضأت إلا صليت، فتركوه، ثم انصرف وقال: والله ما صليت صلاة أخفّ منها، ولولا أن تظنوا فيّ جزعًا من الموت لاستكثرت منها([16]).

وقال المسعودي : فلما قُدِّمَ حجر ليُقْتل قال: دعوني أصلي ركعتين، فجعل يطوّل في صلاته، فقيل له: أجَزَعًا من الموت؟ فقال: لا، ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت، وما صليت قط أخَفَّ من هذه، وكيف لا أجزع، وإني لأرى قبرًا محفورًا، وسيفًا مشهورًا وكَفَنًا منشورًا، ثم تقدم فنحر([17]).

ثم قال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. ثم مشى إليه هدبة بن فياض بالسيف، فارتعد فقالوا له: زعمت أنك لا تجزع من الموت، فابرأ من صاحبك وندعك!! فقال: ومالي لا أجزع وأرى قبرًا محفورا وكفنًا منشورًا وسيفًا مشهورًا، وإني والله (إن) جزعت من القتل لا أقول ما يسخط الرب([18]).

وقال حجر آخر ما قال: لا تطلقوا عني حديدًا، ولا تغسلوا عني دمًا، فإني ألاقي معاوية غدًا على الجادة([19]).

وذكر معاوية كلمة حجر هذه، فغصّ بها ساعة هلك، فجعل يغرغر بالصوت ويقول  يومي منك يا حجر يوم طويل!!! ([20])

وروى اليعقوبي في تاريخه عن أبي الأسود قال: (دخل معاوية على عائشة فعاتبته في قتل حجر وأصحابه وقالت سمعت رسول الله (صلى لله عليه وآله) يقول: يقتل بعدي أناس يغضب الله لهم وأهل السماء)([21])؛ وفي كنز العمال: (سيُقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء)([22]).

روي أنهم لما اُنطُلِق بحجر بن عدي كان (عبد الله) ابن عمر يتخبّر عنه فأخبر بقتله وهو في السوق فأطلق حبوته وولى وهو يبكي([23]).

قال الحسن البصري: أربع خصال كنّ في معاوية، لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة منها لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها (يعني الخلافة) بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرًا خميرًا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادًا وقد قال رسول الله (صلى لله عليه وآله) الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجرًا، ويلاً له من حجر وأصحاب حجر (مرتين) ([24]).

وكانت شهادته مع أصحابه رحمهم الله صيف سنة 51 هـ.

والسائرون على سنة معاوية في هذا العصر نبشوا قبر حجر بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنًا ، وكما قال الشاعر :

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

 

 

في قتله فتتبعوه رميما

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

([1]) انظر: إكمال الكمال، ابن ماكولا (475هـ)، ج1 ص، 52، دار إحياء التراث العربي.

([2]) الاستيعاب، ابن عبد البر (463هـ)، ج1ص329، دار الجيل، بيروت، ط1، 1412.

([3]) وسائل الشيعة (آل البيت)، ج30 ص338.

([4]) البداية والنهاية، ابن كثير، ج6 ص252 ؛ ورواه عن البيهقي: إمتاع الأسماع، المقريزي (845 هـ)، ج12 ص219، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1999.

([5]) الإصابة، ابن حجر (852هـ) ج2 ص33، دار الكتب العلمية، ط1 سنة1415.

([6]) أعيان الشيعة، الأمين ج4 ص577، دار التعارف، بيروت، ط1983م؛ رواه عن مروج الذهب.

وفي صحاح الجوهري، مادة صبر، يقال: (قتل فلان صبرًا وحلف صبرًا، إذا حُبِسَ على القتل حتى يقتل أو على اليمن حتى يحلف. وكذلك أصبرت الرجل بالألف).

([7]) انظر : تاريخ الطبري، الطبري (310هـ)، ج4 ص189-191، مؤسسة الأعلمي، بيروت؛ والكامل في التاريخ، ابن الأثير (630هـ)، ج3 ص472 -478، دار صادر، بيروت، ط1966م.

([8]) تاريخ الطبري، مصدر سابق، ج4 ص190.

([9]) قال عبد الرحمن بن جندب: يعني بذلك كفرة علي بن أبي طالب، لأنه كان أصلع.

([10]) تاريخ الطبري ج4 ص200 -201.

([11]) انظر: تاريخ مدية دمشق، ابن عساكر (571هـ)، ج8 ص23، دار الفكر، بيروت، ط1415؛ الكامل في التاريخ ج3 ص484.

([12]) تاريخ الطبري ج4 ص200 -201.

([13]) تاريخ الطبري، ج4 ص190.

([14]) صلح الحسن، السيد شرف الدين، ص334، قائلاً: (برواية المسعودي).

([15]) أعيان الشيعة، ج4 ص586.

([16]) انظر: تاريخ اليعقوبي ج2 ص231، دار صادر، بيروت؛ الثقات، ابن حبان ج4 ص176؛ الكامل في التاريخ ج3 ص485.

([17]) مروج الذهب، المسعودي (نسخة الكترونية).

([18]) تاريخ الطبري، ج4 ص205؛ الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج3 ص486.

([19]) تاريخ الطبري، مصدر سابق، ج4 ص191.

([20]) تاريخ الطبري، مصدر سابق، ج4 ص191.

([21]) الإصابة، ابن حجر، ج2 ص33.

([22]) كنز العمال، المتقي الهندي، ج11 ص126، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1989م.

([23]) الإصابة، ابن حجر، ج2 ص33.

([24]) تاريخ الطبري، ج4 ص208.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الخامس والعشرون