السنة العاشرة/ العدد السادس والعشرون /  كانون أول 2014م / ربيع أول 1436هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

بـدايــــة التـشـيّـع([1])

سماحة الحجة الشيخ مفيد الفقيه

 

 

مقدمة

الشيعة في اللغة: الأتباع والأنصار([1]).

قال تعالى: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}([2])، {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}([3]).

وفي الاصطلاح: أصبح اسمًا للمذهب المخصوص الذي امتاز بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأولاده الأحد عشر (عليهم السلام) من بعده، والقول بأحقيّتهم بالخلافة بالنَّص، على خلاف بين الشيعة أنفسهم في ذلك، بسبب اختلاف الفِرَق المسمّاة بالشيعة، ونحن عندما نطلق لفظ [الشيعة]، وننسب إليهم شيئًا فإنّنا نعني الإمامية الاثني عشرية.

آراء حول بداية التشيع

قال الأشعري: [وإنما قيل لهم شيعة لأنهم شايعوا عليًا رضوان الله عليه، ويقدِّمونه على سائر أصحاب رسول الله (ص)]([4]).

قال الشهرستاني: [الشيعة هم الذين شايعوا عليًا (عليه السلام) على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نَصًّا ووصيّةً.. ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأئمة..]([5])، وذكر ابن حزم نحو ذلك([6]).

قال الشيخ المفيد (ره) بعد بيان المعنى اللغوي: [.. فأما ما دخل فيه علامة التعريف فهو على التخصيص لا محالة لأتْباع أمير المؤمنين (عليه السلام) على سبيل الولاء، والاعتقاد بإمامته بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) بلا فصل، ونفي الإمامة عمّن تقدمه في مقام الخلافة..]([7]).

هذا هو معنى الشيعة بغض النظر عن الفِرَق المتعددة والباقية من الشيعة.

وأما وقت بدء إطلاق الاسم فهو بطبيعة الحال لا يرتبط ببداية المذهب وتاريخ تكوّنه، لأن المضمون شيء والاصطلاح شيء آخر، وإن كانت الشهرة والانصراف إليه بدون تقييد بحيث صار عَلَمًا، فإنّها جاءت متأخّرة عن بداية نشوء المذهب.

وأما وقت تأسيس المذهب فالشيعة أصحاب المذهب لهم في ذلك رأي، ولسائر الناس من غير الشيعة آراء أخرى وإن كان بعضها يرجع إلى ما تقوله الشيعة.

فالشيعة يقولون بأن بداية مذهب التشيع كانت في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث نَصّ على خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) بنظرهم، وأُطلِق عليهم هذا الاسم في زمانه لا على النحو الذي يكون به عَلَمًا.

وهناك من يرى بأنه ابتدأ بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مباشرة باجتماع السقيفة، وتخلُّف علي وجماعة آخرين عن البيعة([8])، وهذا يؤكّد القول الأول، لأنّه ما كانت لتنشأ الفكرة عشوائيـًا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) لولا أن عليًا (عليه السلام) ومن تخلّف عن البيعة كانوا يرون أنها حقٌ لعلي (عليه السلام).

ومنهم من يرى أن المذهب ابتدأ في عهد عثمان وبلغ ذروته بمقتله، وأن سبب الفتن التي أدّت إلى ذلك كله هو "عبد الله بن سبأ".

ومنهم من يرى أنه ابتدأ في وقعة صفين بعد التحكيم.

ومنهم من يرى أنه: [كان تكتلاً إسلاميًا ظهرت نزعته أيام النبي (صلى الله عليه وآله)، وتبلور اتجاهه السياسي بعد قتل عثمان، واستقل الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين]([9]).

ومنهم من يرى أنه ابتدأ بحركة التوابين بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ([10]).

ومنهم من يرى أنه ابتدأ في القرن الأول الهجري لأحد الأسباب الآنفة أو غيرها.

مناقشة الآراء

أما القائلون بأنه بدأ في عهد عثمان فمنهم ابن حزم وغيره من المؤرخين([11])، والشهرستاني الذي قال عن عبد الله بن سبأ: [السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه‏:‏ أنت أنت يعني‏:‏ أنت الإله فنفاه إلى المدائن.. وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصيِّ موسى مثلَ ما قال في علي، وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه، ومنه انشعبت أصناف الغلاة..]([12]).

وذكر البغدادي([13]) نحو ذلك في ابن السوداء وابن سبأ ما يظهر منه أنهما شخصان، بينما يظهر من بقية المؤرخين أنهما اسم لشخص واحد، وذكروا غلوَّه وقوله بألوهية علي (عليه السلام)، وتبعه جماعة، وأن عليًا (عليه السلام) أحرق جماعة منهم، ثم نفى هذين الرجلين إلى المدائن لمّا خاف الفتنة من قتلهما بإرشاد ابن عباس، فافتتن الناس بهما.

ونكتفي في ردّ روايات الشهرستاني والبغدادي بما ذكره بعضهم([14])، قال:

[ونودّ أن نشير إلى أن روايات الشهرستاني عن مقالات المعتزلة إنما هي متحاملة.. والشبه بين ما يقوله البغدادي والشهرستاني وبين ما يقوله ابن الراوندي مما يدعو إلى الشك في قيمة روايتهما.. كما يقول الفخر الرازي عن الملل والنحل وصاحبه أنّه: كتاب حكى فيه مذاهب أهل العلم بزعمه، إلا أنه غير مُعتمَد عليه، لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى بـ[الفَرْقُ بين الفِرَق] من تأليف الأستاذ أبي منصور البغدادي، وهذا الأستاذ كان شديد التعصب على المخالفين]([15]).

وقال ابن حزم بعد الحديث عن الكيسانية: [وقالت السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي مثل ذلك في علي بن أبي طالب، وزادوا أنه في السحاب]، ثم قال: [فصار هؤلاء في سبيل اليهود القائلين..]([16]).

وابن حزم هذا أسوأ حالاً من البغدادي والشهرستاني من هذه الجهة، وهو أشهر من أن يُعرّف في التشنيع عليه من فقهاء عصره وغيرهم، ومن الحُكْم بضلاله وعدم الاقتراب منه، لاختلاقه الأحاديث وكذبه على العلماء، وتهجّمه على الناس حتى وُصف لسانه بأنه شقيق سيف الحجاج، فحكموا بإحراق تآليفه([17])، مضافًا إلى أنه صوّب ما فعله عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- من ضَرْبه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالسيف أثناء صلاته، بحجة أنه اجتهد فيكون بذلك -والعياذ بالله- مُثابًا، قال([18]): [إنّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليًا -رضي اللّه عنه- إلاّ متأوّلاً مجتهدًا مقدِّرًا أنّه على صواب، وفي ذلك يقول "عمران بن حطان" شاعر الصفرية:

يـا ضربــةً مـن تقيّ مـا أرادَ بهــا

 

 

إلاّ ليبلغَ من ذي العرشِ رضوانًا

 

وقد كان محبًّا لبني أمية، معتقدًا بصحة خلافتهم، وله من الخرافات ما لا يُحصى]([19]).

ويقول بعض الكتّاب المعاصرين: [إنّ الخلاف السياسي الذي صاحبَ مشكلة الخلافة قد أخذ ينقلب إلى صورة دينية عقائدية، وانتهز هذه الفرصة رجالٌ من أمثال سلمان الفارسي وعبد الله بن سبأ، لكي يتفرق المسلمون في اتجاه خطير وجد فيه الغلاة مآربهم في المروق عن الإسلام..]([20]).

وهذا الكاتب لم يُحسن الاجترار لأقوال السلف، لأنه لم يَطْعَنْ أحدٌ منهم في سلمان فيما نعلم، ومع أنه لا يستحق الردّ فيظهر الردّ عليه بعد نَقْل بقية أقواله.

ومثله في ذلك ما قاله الآخر([21])، حيث لخّص شرور عبد الله بن سبأ في أنه أول من أحدث القول في رجْعة علي إلى الدنيا بعد موته، وبأن عليًا لم يُقتل، وذكر أن من تعاليمه تفرّعتْ آراء كثير من الفِرَق التي منها قول الإمامية بأن الإمامة محصورة في الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

ويقول آخر: [وتكاد تُجمِِع كتبُ العقائد الإسلامية على أن عبد الله بن سبأ هو أول من دعا إلى فكرة القداسة التي نُسِبت إلى علي، وكان يهوديًا قبل الإسلام..]([22]).

ولو سلمنا صحة هذه الدعوى، نقول: إنه نسي إجماعهم على شِرْك كثير من الصحابة قبل الإسلام، غافلاً عن أنّ إسلامه ويهوديته لا علاقة لها بالشيعة، وأما قداسة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأوّل من دعا إليها هو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، لا عبد الله بن سبأ الموهوم.

ومثله في هذه الأقوال مؤلِّف كتاب المذاهب الإسلامية، وأحمد أمين أحد مؤسسي هذه البدع في هذا العصر، ولا يخفى بأن أقوالهم هذه لا تخرج عن كونها اجتهادًا ووجهات نظر في تخريج بعض الحوادث المنقولة وتفسيرها، وهذا النوع من الاجتهاد في خصوص هذه المسألة لا مسرح له، وذلك لعدة أسباب، نجملها بالقول:

إن عقائد المذهب ينبغي أن تؤخذ من أصحابه في جميع شؤونه، حتى الناحية التاريخية، لا لأنّ التاريخ وقْفٌ على فئة مخصوصة في تفسير حوادثه كما تريد حسبما يظهر من أقوالهم الجزافية، بل لأن البداية التاريخية للمذهب ترتبط بمضمون العقيدة وجوهرها، وفرْق واضح بين شيعي أخذ مذهبه من سلسلة تنتهي إلى عبد الله بن سبأ، وبين شيعي أخذه من سلسلة تنتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يوجد في حلقاتها عبد الله بن سبأ، أو غيره من الأشخاص الذين لا وجود لهم إلا في مخيلة الكتّاب المذكورين -إذا أحْسَنّا الظنّ بهم-، وإلا فلا وجود له حتى في تصورهم، ولم يكن ذلك مجرد فرضية ساقوها على نحو القضية الحقيقية التي يصح الحكم عليها بمجرد افتراض الموضوع، ظنًا منهم بأن هذا يوجب الشك في البداية الحقيقية للمذهب، وبالتالي إنكاره لمجرّد أنهم لا يعتنقون هذا المذهب، أو لا يحبون أهل البيت (عليهم السلام).

عبد الله بن سبأ وهم أم حقيقة؟

والواقع أنه لا وجود لشخص اسمه عبد الله بن سبأ كما حققه جملة من الشيعة والسّنة([23])، ولو وُجد فلا يصح أن يكون هو البداية تاريخيـًا وفكريـًا.

قال الدكتور طه حسين: [والغريب أن هؤلاء المؤرخين قد نسوا ابن سبأ والسبئية نسيانًا تامًّا، أو أهملوها إهمالاً كاملاً، حين روَوْا حرب صفين، فابن السوداء لم يَخْرُجْ مع الإمام علي إلى الشام، وأصحاب ابن السوداء خرجوا معه، ولكنّهم كانوا أنْصَحَ له، وأوْفى الناس بعهده، وأطْوَع الناس لأمْرِه، لم يأتمروا ولم يسعَوْا إلى الفساد بين الخصمَيْن، وإنما سمعوا وأطاعوا، وأخلصوا الإخلاص كلَّه، حتى إذا رُفِعَت المصاحف خرج بعضهم مع الحَكَمَة الذين أنكروا الصحيفة وما فيها، كحرقوص بن زهير، وأقام بعضهم على طاعة الإمام علي، وإن أنكر الصحيفة وكره الحكومة كالأشتر.

وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية، وعن ابن السوداء في حرب صفين، أنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء، إنما كان مُتكلَّفًا منحولاً قد اخْتُرِع بالأحرى حين كان الجدل بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يُدخِلوا في أصول هذا المذهب عنصرًا يهوديـًا، إمعانـًا في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستندًا إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح، لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت في صفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب الإمام علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه، ويكَفِّر من مال إليه، أو شارك فيه.

ولكنّنا لا نرى لابن السوداء ذكرًا في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين، وعن نشأة حزب المحكمة] ، ثم يقول:

[أمّا أنا فلا أعلّل الأمرَيْن إلا بِعِلّة واحدة، وهي أنّ ابن السوداء لم يكن إلا وَهْمًا.. إنّ عبد الله بن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة، ولا وجود له في الخارج]([24]).

ويضيف صاحب كتاب نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية سببًا آخر لمبالغة المؤرخين في ابن سبأ، وهو أنه حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان وحرب الجمل شارك فيها كبار الصحابة، الذين حاربوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله) وشاركوا معه في وضع أسس الإسلام، وشاركت زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها، وهذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، فكان لا بد من إلقاء مسؤولية هذه الأحداث الجِسام على كاهل أحد.. فكان هذا عبد الله بن سبأ، الذي أثار الفتن من الناحية السياسية، ومن الناحية الفكرية بظهور الشيعة.

ثم قال: [ولكن أليس عجبًا أيضًا أن يعبث دخيل في الإسلام كل هذا العبث، فيحرك تاريخ الإسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تمّ عليه، وكبار الصحابة شهود]([25])

ثم ذكر أن موقف الذين أَرْجعوا كل فِرَق الشيعة إلى آراء ابن سبأ يدعو إلى بعض الشك في حيادهم في الرأي، فمعظمهم إما من كتّاب الفرق الذين أخرجوا فرق الشيعة برمتها عن حدود الإسلام.. أو أنهم من السلفيين الذي يقفون من الشيعة على طرفَي نقيض؛ من أمثال ابن تيمية قديمًا، وعبد الله القصيمي الذي يعتبر ابن سبأ أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه([26]).

والمصدر الرئيسي لقصة [عبد الله بن سبأ] هو ابن جرير الطبري في تاريخه، حيث أورد روايتين:

قال في الأولى: [.. فأسلم ابن سبأ زمن عثمان، ثم تنقّل في بلاد المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمد فيهم..]([27]).

ويقول في الرواية الثانية أنّ عبد الله بن عامر والي البصرة علم بعد مضي ثلاث سنوات من إمارته بوجود رجل حكيم اسمه ابن جبلة، كان يسكن البصرة ويترأس عصابة من اللصوص، كانت تُغير في المناسبات على أطراف بلاد فارس، فكتب في أمره إلى عثمان، فأمر الخليفة بحجزه، وجماعته في البصرة، فكان حكيم بن جبلة لا يستطيع أن يخرج منها، فلما قدم ابن السوداء نزل على البصرة سنة 29هـ([28]).

وقد حبس حكيم بعد ثلاث سنين من بدايتها، فيكون قدوم ابن السوداء للبصرة بين سنة 32 إلى 33 هـ، بينما الرواية الأولى يظهر منها أنه في السنوات الأخيرة من حكم عثمان.

ويروي الطبري رواية أخرى في لقاء ابن سبأ مع أبي ذر([29])، مع العلم بأنّ أبا ذر توفي بعد ذلك في الربذة بين سنة (31-32هـ).

وبالإضافة إلى هذه التناقضات فإن المصدر الوحيد لقصته هو الطبري، ولم يذكر المصادر المهمة التي روت بقية الحوادث المهمة كما أشير إليه سابقًا.

ومصدر الطبري هو [سيف بن عمر التميمي] المتوفى سنة170هـ، المعروف بتزوير التاريخ واختلاق الحوادث، ووَضْع الأحاديث والضعف والزندقة، وقد اتّفق أهل الجرح والتعديل على أنّه من أكذب الناس([30]).

وعلى كل حال، فأكثر المتأخرين من الكتّاب العرب وغيرهم([31])عندما يمرون بأسطورة ابن سبأ ينكرون هذه الشخصية بعد تقديم تحقيق وتمحيص للنصوص، وبعضهم يضع حولها علامات الاستفهام مُشكِّكًا([32]).

ويرى بعضهم أن ابن سبأ هو الصحابي الجليل عمار بن ياسر، لأنه كان يُسمَّى ابن السوداء([33]) أيضًا الذي كانت تشتمه قريش سرًّا أيام عثمان، وعندما يسمع الرواة بـ[ابن السوداء] يظنون أنه غير عمار، فتراكمت حوله الأساطير بالتدرج، وكما سمّوا ابن سبأ بابن السوداء -كما رأيْتَ- فكذلك كانوا يكنّون عمار بـ[ابن السوداء]، وكانت هذه طريقتهم فيمن يريدون تحقيره، حتى أطلقوا على سيد الرسل (صلى الله عليه وآله) في بدء الدعوة [ابن أبي كبشة]، وسموا عمارًا أيضًا [ابن سميّة]، وحيث إنه كان يمانيّ الأصل فهو من سبأ، وكان شديد الحب لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان يقول بالرجعة، ويحرّض الناس على عثمان بمصر -كما قيل-، تمامًا كما ينسبون لابن سبأ غير ذلك مما يشهد له تاريخ عمّار.

ويؤيد ذلك عداوة عثمان لعمار، حيث يروي أكثر المؤرخين والمفسرين في تفسير قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}([34]): [أنّ المسلمين عندما بنوا المسجد كان عمار يجهد نفسه أكثر من غيره، وقد مرّ عثمان وأثار الغبار في وجهه، فوضع كمّه على أنفه، فاعترضه عمار برجز قال فيه:

لا يستوي من يبتني المساجدا
ومنْ يُـرى عن الغبار حـائــدا

 

 

يظل فيها راكعًـا وساجـدا
يُعرض عنها جاحدًا معاندا

 

فقال له عثمان: يا ابن السوداء، إياي تعني؟

ثم أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال له: لم ندخل معك لسبِّ أعراضنا.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): قد أقَلْتُك إسلامَك، فاذْهَبْ.

وبعدها قال النبي (صلى الله عليه وآله): "ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار!؟"]([35]).

بالإضافة إلى أقواله (صلى الله عليه وآله) المعروفة في حقه.

التشيع ليس إرثًا يهوديًا

وإذا كان كُتّاب الفِرَق ينسبون التشيعَ إلى عبد الله بن سبأ ليَحْكموا عليه بالأصل اليهودي على طريقة اللف والدوران، فإنّ بعض كُتّاب التفريق ينفي دَوْرَ عبد الله بن سبأ في ظهور التشيع ليُثْبِت الأصل اليهودي مباشرة، فإنّه بعدما افترض أن التشيّع تأخّر عن صدر الإسلام وظهر في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، يذكر دليلاً آخر يتمثل على حدّ تعبيره في احتواء عقيدة الشيعة على تأثيرات ومواريث إسرائيلية ومانوية([36]) وفارسية، قد خلا منها الفكر الإسلامي البسيط في عصر صدر الإسلام، حيث لم يكن قد تَمَّ التفاعل بعدُ بين الفكر القرآني والنبوي وبين فكر الفرس، ولم تكن قد قامَتْ أبنية وعقائد نظرية تتيح فرص التفاعل والامتزاج وبعض مواريث الإسرائيليين.

ثم نقل عن المسعودي في كتاب "إثبات الوصية" قَوْلَ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين دنا أجَلُه بعد كلام: [إنّ الله أحب أن يجعل فيَّ سُنّة نبيّه يعقوب (عليه السلام) إذ جمع بَنِيه وهم اثنا عشر ذكرًا وقال: إني أوصي إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره.. وإنّي أوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما..]، ثم عقَّب الكاتب المذكور: [وهذا ميراث إسرائيلي دخل إلى عقائدهم السياسية].

وقد نسي أو تناسى أنّه {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}([37])، والنبي يعقوب (عليه السلام) من أولاد خليل الله إبراهيم (عليه السلام) وذريته هم الذين وعد الله -تعالى- بأن ينالهم عهده إلا الظالمين منهم: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([38]).

ثم يذكر ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حين سئل: (بِمَ تحكمون إذا حُكّمْتُم؟ فقال (عليه السلام): بحكم الله وحكم داوود..).

ثم يقول الكاتب: [إنّ الرسول (ص) قد قطع بأنّ الحكم من بعده غير الحكم في تاريخ بني إسرائيل.. ولكنّنا نطالع هذا الميراث الإسرائيلي في عقيدة الشيعة عن الوصية والحكم].

ونقول: ماذا عن بقية الأحكام الإلهية العامة -التي لا تخلو منها شريعة سماوية- لو وُجِدَتْ في شريعتنا؟ فهل يكون المسلمون كلهم يهودًا؟!!

وليس الاستشهاد بقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أو بقول صادق أهل البيت (عليه السلام) -إذا صحت الروايات المذكورة- عَيْبًا في عقيدة الإسلام، فإن العقيدة لا تؤخذ من الله-تعالى- مباشرة، ولا بواسطة الأصنام؛ التي كان جملة من الصحابة يتقربون بها إلى الله-تعالى- زُلْفى قبل الإسلام، بل تؤخذ العقيدة من العقل في ظل الوحي والسنّة الصحيحة الثابتة عن الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وآله)، وأشرفُ الحلقات وأوثقُها في سلسلة الرواة بين جميع المسلمين هي هذه الحلقة -التي يُشَنَّع بها على الشيعة- التي تتضمن الإمام الصادق (عليه السلام)، وتنتهي إلى الإمام علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي علّمه ألف باب من العلم، ينفتح من كل باب ألفُ باب.

ثم يذكر عقيدة الرجعة وأن الشيعة يعترفون بأخْذِها من اليهود، ناسبًا ذلك إلى بعض علماء الشيعة المعاصرين([39])في رده على أحمد أمين يقول الشيخ المظفر (ره):

[والحقيقة أنّه لابد أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والأحكام الإسلامية لأنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاء مصدِّقًا لما بين يديه من الشرائع السماوية، وإنْ نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الإسلامية ليس عَـيـْـبًا في الإسلام على تقدير أنّ الرجْعة من الآراء اليهودية].

ثم قال الكاتب عمارة:

[وهم ينسون في ردّهم هذا أنّ الإسلام قد جاء مُصَدِّقًا لما بين يديه فيما يتعلّق بالألوهية والتوحيد والرسالات، لا مُصَدِّقًا للعقائد الدخيلة على الفكر الإلهي في صورته النقيّة التي نزل بها].

ولنا هنا ملاحظات:

الملاحظة الأولى: يظهر وكأنّ الصورة النقيّة في نظر هذا الكاتب هي اتبّاع الأهواء، وإبعاد أهل البيت (عليهم السلام)، والإعراض عما جاء في حقهم في القرآن والسّنة!

ثم إن مفروض كلام الكاتب المذكور أنه حين الأمر بالتصديق في الآية الشريفة، كان هناك عقائد أصيلة وأخرى دخيلة، فما هو الميزان بين الدخيل والأصيل؟!

وهل كانت الإمامة -التي يقول السنة والشيعة بوجوبها واستمرارها- من العقائد اليهودية الدخيلة!؟ أم أن سيد الموحدين عليًا (عليه السلام) وحدَه هو الدخيل واليهودي-حاشاه-؟! أم أنّ المسلمين كلَّهم يهود؟! أم الكاتب؟ أم القائلون بالجبر والقدر الذي يقول به اليهود -ومنهم كعب الأحبار الذي يستقي منه البخاري العديد من أحاديثه!؟

إلى غير ذلك من التساؤلات الكثيرة التي ينبغي الإجابة عليها من صاحب الفكرة.

الملاحظة الثانية: أن بداية التصنيف والاحتجاج لا تُعيّن بداية المذهب، وقد تبلورت عقائد الشيعة واتّخذت الصورة الواضحة في الأصول والتشريع في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) لأجل ما امتاز به ذلك العصر وعلماؤه من علم ودراية تامّة بالكلام، بل مما امتاز به العصر بأكمله، عصر سقوط الدولة الأموية الطاغية -التي استعبدت الناس وكادت أن تمسخ الدين لولا الإمام الحسين (عليه السلام)-، واعتلاء الدولة العباسية، فلا يصح الخلْط بين هذه المنهجية وبين بداية العقيدة في خطوطها الرئيسية.

وعلى أي حال فالشيعة لا يقولون بشيء مما نسب إلى عبد الله بن سبأ أو غيره، سواء أكان له وجود أم لم يكن، بل يقولون بالنص على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة.

الملاحظة الثالثة: أن الرجعة التي نقلوها عن اليهود لا نعرفها من اليهود قبل ردّهم علينا بها، ولكنّها على أي حال تختلف عن الرَّجْعة التي يقول بها الشيعة، والتي تتمثّل بظهور الإمام المهدي (عج)  في آخر الزمان بعد غيبته الكبرى، كَقَدْر مُتَيَقَّن من رجوع الأئمة (عليهم السلام)، أي رجوع مبادئهم على أقل التقادير.

يتبع =


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(*) هذه المقالة مأخوذة من كتاب (العقل في أصول الدين) لسماحة الحجة آية الله الشيخ مفيد الفقيه حفظه الله، الطبعة الأولى، الدار العالمية، بيروت 1412هـ -1992م، مع بعض التصرف بما يقتضيه نشرها كمقالة.

([1]) صحاح الجوهري: 3/156؛ وتاج العروس ولسان الميزان مادة شيع.

([2]) القصص: من الآية 15.

([3]) الصافات: 83.

([4]) مقالات إسلامية: ص65.

([5]) الملل والنحل: 1/234 و235.

([6]) الفصل في الملل والنحل: 2/113.

([7]) أوائل المقالات: ص35

([8]) الأشعري: مقالات إسلامية ص39؛ البغدادي: الفَرْقُ بين الفِرَق ص15؛ ابن هشام: السيرة النبوية4/306 وما بعدها؛ الشهرستاني: الملل والنحل 1/22؛ تاريخ ابن خلدون 1/162.

([9]) د. مصطفى كامل الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع: ص23.

([10]) الصلة بين التصوف والتشيع: ص23.

([11]) يحيى هاشم فرغل، عوامل وأهداف نشأة علم الكلام: 1/105.

([12]) الملل والنحل1/290.

([13]) الفَرْقُ بين الفِرَق ص235 وتعرض لابن سبأ في أكثر من موضع.

([14]) د. محمد عمارة، رسائل العدل والتوحيد: 1/66.

([15]) وكنموذج من تعصب أبي منصور البغدادي (المتوفّى عام 429 هـ)، يكفي أن ترجع إلى كتابه «الفَرقُ بين الفِرَق»، (ص232 طبع دار المعرفة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد)، لتلمس منه التعصّب في بيان عقائد الفِرَق عند بيانه أصناف فرق السنّة والجماعة، فإنه قال: [ولم يكن بحمد اللّه ومنّه في الروافض و... إمام في الفقه ولا إمام في رواية الحديث ولا إمام في اللغة والنحو، ولا موثوق به في نقل المغازي والسير والتواريخ ولا إمام في الوعظ والتذكير ولا إمام في التأويل والتفسير، وإنّما كان أئمّة هذه العلوم على الخصوص والعموم من أهل السنّة والجماعة].

هذا مع أن البغدادي كان معاصرًا للشيخ المفيد (ره) الذي قال في حقه اليافعي في كتابه "مرآة الجنان وعبرة اليقظان": [كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضًا، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية]. (انظر: الغدير، الأميني ج3 ص277).

وقال فيه ابن كثير في تاريخه: 12/15: كان مجلسه يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف. (انظر: الغدير، الأميني، ج3 ص278).

ومع أن البغدادي أيضًا كان معاصرًا للشريف المرتضى الذي كان مقيمًا في بغداد، والذي قال في ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان 3/313: [كان إمامًا في علم الكلام والأدب والشعر] (انظر: كتاب الغدير ج4 ص267).

هذا مضافًا إلى أنه نسب إلى الشيعة القولَ بالتناسخ والحلول والتشبيه وغير ذلك، محاوِلاً إبطال عقائد الشيعة بذلك! (انظر: الملل والنحل:1/166،1/ 184و 185).

([16]) الفصل بين الملل والنحل 4/181.

([17]) راجع في تفصيل أحواله ما ينقله الأميني في كتاب الغدير: 1/323 ط 38، بيروت.

([18]) المحلى: 10/484.

([19]) راجع ما كُتب عنه في: وفيات الأعيان: 1/369؛ شذرات الذهب: 3/299.

([20]) تاريخ الفكر الإسلامي ص126.

([21]) محمد محيي الدين عبد الحميد في تعليقه على مقالات الأشعري ص11.

([22]) د. علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي، ويُرجع في ذلك إلى كتاب نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية للدكتور أحمد محمد صبحي.

([23]) راجع الأقوال في كتاب عبد الله بن سبأ، السيد مرتضى العسكري: 1/74.

([24]) نظرية الإمامة لدى الشيعة، الفتنة الكبرى: فصل ابن سبأ تحت عنوان: ابن السوداء: 1/13، علي وبنوه- القاهرة 1982 ص90-91، والمجلد الرابع من المجموعة الكاملة ص518.

([25]) أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، القاهرة 1969، ص 39-40.

([26]) نقلاً عن كتاب نظرية الإمامة (الفتنة الكبرى-طه حسين) الذي نقله بدوره عن كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية.

([27]) تاريخ الطبري: 3/378.

([28]) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 368، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت- لبنان.

([29]) تاريخ الطبري: 4/283 ط4، دار التعارف؛ الكنى والألقاب للقمي: 1/75.

([30]) راجع الأقوال في كتاب: عبد الله بن سبأ: 1/74-75؛ خمسون ومائة صحابي مُختلَق: الأول والثاني ط بيروت للسيد مرتضى العسكري؛ الذهبي: ميزان الاعتدال 2/255؛ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي المتوفى 597 ه‍ـ؛ آفة أصحاب الحديث: ص85 و89 و91؛ تهذيب التهذيب لابن حجر 4/259، والغدير للأميني 8/84.

([31]) أمثال: د. برنارد لويس، فلهوزن، فريد ليندر، كايتاني.

([32]) راجع آراء غير الكتّاب العرب في نظرية الإمامة لأحمد محمود صبحي ص37.

([33]) راجع: وعّاظ السلاطين د. علي الوردي: ص273؛ الإمامية وأسلافهم: ص98؛ ويقول علي سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام: 2/28: [من المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة، أو أنها رمزت إلى شخصية ابن ياسر كما فعل الأمويون بكلمة أبي تراب والترابيين، ومن المحتمل أن يكون عبد الله بن سبأ هو مجرد تغليف لاسم عمار بن ياسر].

([34]) الحجرات: 17.

([35]) بحار الأنوار ج31 ص196.

([36]) قال في الملل والنحل2/72 و74: [المانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمن شابور بن أزدشير، وقتله بهرام.. وذلك بعد نبي الله عيسى (عليه السلام) أخَذ دِينًا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة عيسى (عليه السلام) ولا يقول بنبوة موسى (عليه السلام).. إلخ].

وقال ابن النديم في الفهرست: ص397 عن المانوية: [لما ارتفع ماني إلى جنان النور، أقام قبل ارتفاعه سيس الإمام بعده... وكانت الأئمة يتناولون الدين واحدًا عن واحد ولا اختلاف بينهم..إلخ]، والسيساء: منتظم فقار الظهر.

([37]) آل عمران: 67.

([38]) البقرة: من الآية 124.

([39]) وهو الشيخ المظفر في كتابه "عقائد الإمامية".

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس والعشرون