السنة الثانية عشرة / العدد التاسع والعشرون / كانون ثاني  2017م / ربيع ثاني  1438هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الشيخ مفيد الفقيه.. من النجفِ وإلى النجف(*)

بقلم نادر المتروك

 

المكوِّن الجوهري في شخصية الراحل الشيخ مفيد الفقيه (1937-2016)، هي النجف الأشرف، بوصفها مكاناً ومنهجاً ورؤية للدين والعقيدة. وُلد فيها، ودرسَ عند كبار مراجعها، ولم يغادرها إلا في العام 1990 قسراً، وبعد أن فقدَ فيها اثنين من أبنائه مع أحداث الانتفاضة الشعبانية.

حملَ الفقيه النجفَ معه في لبنان

نشأته الدينية في كبرى حوزات العراق ظلَّت مقاسه ومقياسه. عصارةُ عقله، وقلبه، تظلّ هناك، ولكن قهْر الأوضاع حمله على الرجوع إلى مسقط أهله والبقاء هنا، فيما وجدَ التصبُّر على البُعد في صُنْعِ وهجِ النجف في (صور) جنوب لبنان، وبعدها في حاريص، حيث شيّد حوزته التي اختار اسم "النجف" لها، تأكيداً على تمسُّكه بالمكان والمنهج وبالرعيل الأبرز من الفقهاء والمراجع الذين حضرَ درْسهم، وكتبَ تقريرات بحوثهم، وليكون الأبرزَ من الطلبةِ الذين لم يقطعوا درساً، إلا ليكملوه بدورة أخرى، وطيلة 30 عاماً.

السيد الخوئي هو الأكثر حضورًا في الشيخ الفقيه

ملازمةُ العقود الثلاثة كانت كافيةً لأن يكون اللبناني الأكثرَ إيماناً بمنهجِ أستاذ الفقهاء، وليحافظ على سيرته وأثره، ولو اضطرّه ذلك لأن ينحني انحناءَ المتواضع الذي لا يريد لاسمه أن يكون في الواجهة، وعلى قاعدةِ "سعيدٌ منْ اكتفى بغيره". وعلى منوال هذا التعلق بإرثِ النجف/الخوئي، كان ترويجه لمرجعية السيد السيستاني، وسعيه المُبكر، لأن الأخيرَ هو امتدادُ النموذج المرجعيّ الذي تربّى عليه وآمن. كان وفاءً للنجفِ، وللمنهج، وليس تمسُّكاً بالأسماء والرموز.

تطويرُ المناهج لم يشغله

وفْرةُ النجفِ كانت كافية بالنسبةِ إليه. يرى في ولايةِ الفقيه ما يراه في الدين من فائدةٍ كاملةٍ ووافيةٍ للحياة، دون انشغالٍ بالمصطلح أو انهماكٍ في دهاليزِ السياسة. المفاهيمُ عنده لم تتغير. ومنظارُه لإدارةِ الإنسان والكون، هو ذاته الذي جعله يؤمنُ بالسيرةِ الأولى لفقهاء النجف. إيمانٌ لم يتحول إلى متراسٍ أو ثكنة أو منصّةٍ للمواجهةِ وصناعة الاحتراب. نافحَ عن رؤيته في الفقهِ والعقيدةِ والمنهج التقليدي، ولكنه حرّم على نفسِه وغيره الانجرارَ في لعبةِ الطعن بالأشخاص، والدخولَ في معارك الطواحين. درْسٌ تعلمه من النجفِ نفسِها حين كان يأخذ من السيد الخوئي، والسيد الحكيم، كما أخذ من السيد محمد باقر الصدر وتعلّم..

زاملَ السيد فضل الله، والشيخ شمس الدّين، ولكنّه لم يتشابه معهما. لم يُصبح في قلْب صراعِ الأفكار وزلزلةِ الأحداث. لم يكن حاضراً في المؤسّسةِ وفي المناصبِ الرّسميّة.

هو إخلاصٌ كاملٌ للنّجفِ، وعلى نحوٍ يكاد يكون المثال الأخير له، وكما تُخبرنا سيرته التي انتهت، كما ابتدأت، بالنجفِ..

حين ارتحلَ إلى ابنيه الفقيدين، وبعد فقْد الثالثِ في غربةِ أفريقيا. حلّ الفقيه، كما كان دائماً، في بقعةِ الفقهاء التي أحبَّ، وكأنّها إرث الأنبياء الأعظم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نشرت في مجلة النور الجديد بتاريخ ٠٧/٠٤/٢٠١٦. 

أعلى الصفحة     محتويات العدد التاسع والعشرون