العدد الثالث / 2005م  / 1426هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

قواعد الكتابة وأصولها

 د. حسن جعفر نور الدين*

  

كيف نُعِدُّ لكتابةِ بحثٍ منهجي:

كيف نكتب بحثًا، أو مقالة، أو موضوعًا ما؟

ما الطرق الكفيلة بتقديم مقالة ناجحة مكتملة الشروط والخصائص والأصول؟

شتّان ما بين الكتابة العشوائية المرتبكة المهتزّة، والكتابة المنهجيّة الواعية المدروسة المركّزة.

أن يَعرِف الكاتب من أين يبدأ، وكيف يسير، وأين ينتهي، وما هي أسلحته في رحلة الكتابة، وكيف يتجاوز الصعوبات والعَقَبَات، تلك هي المسألة.

قبل البدء بالكتابة، تبدأ رحلة التفتيش عن الموضوع، عمَّ أو عمَّن تريد أن تكتب، وعمَّ تبحث؟

هذا السؤال يجول في الخاطر أولاً، والأغلب أن جملة من المؤثّرات الخارجية والداخلية ربما تكون قد دخلت حرم الوعي الداخلي والعقل والقلب، ومنها صَدَرَ الميل الباطني إلى الرغبة في كتابةٍ ما.

تلك أول خطوات الكتابة إذن، أن تقرّر ما الذي يجول بخاطرك ويشغل بالك، ويحثُّك على الكتابة.

بعد أن يستقرّ في الذهن الموضوع المستهدف، يبدأ العمل لتحضير لوازمه، كما يحضر البنّاءُ لوازم البناء ويمسك بخريطة المبنى لتنفيذه، هكذا يحضر الكاتب لوازم الكتابة، وفي طليعتها المصادر والمراجع والمتكآت التي تخدم الموضوع، ومن المستحسن للكاتب أن يضع تصميمًا بسيطًا للبحث أو المقالة يتضمّن مراحل دراسة الموضوع من مقدّمة، وعرض لتفاصيل الأفكار، وخاتمة تُجمِل ما سبق، وهذا التصميم هو هيكلية أوليّة للنصّ، كما يضع المهندس رسمًا أوليًا للبناء، هكذا يضع الكاتب التصميم.

أما المصادر والمراجع فهي الكتب المختلفة ذات الصلة بالموضوع ومفاصله.

ونعني بالمصادر: الكتب الأساسية التي كتبت حول موضوع معيّن أو جزء من موضوع، والموثوق بها، ولذا، يجب الاعتماد عليها والرجوع إليها في نزع المعلومات التي تتفق مع حيثيات الموضوع وآفاقه، وتزداد أهمية الموضوع إذا كان الكاتب هو أول من رجع إلى هذا المصدر أو ذاك، ونال مكانة السبق في ذلك.

من المصادر مثلاً: لسان العرب لابن منظور، تاريخ الملوك لابن جرير الطبري، معجم العين للفراهيدي، الكامل في التاريخ لابن الأثير، ومروج الذهب للمسعودي.

أما المراجع: فهي الكتب والأبحاث والدراسات التي تُعنى بموضوع معيّن، وتتناول معلوماته وموادّه من المصادر الأساسية، أي إنها كل ما يكتب حول موضوعٍ ما بالاتكّال والاستناد إلى المعلومات المثبتة في المصادر الأصلية، وجدير بالذكر أن كل مصدر مرجع، وليس كل مرجع مصدر.

من المراجع مثلاً: تاريخ الأدب العربي للدكتور طه حسين - تاريخ التمدّن الإسلامي لجرجي زيدان.

ويَنصح العمل الأكاديمي والمنطقي الكاتبَ بأن يعود إلى المصادر الأصلية لتحقيق المعلومات التي يمكن أن يكون قد استفادها من المراجع، خاصّة في حالة الاقتباس، إذ ربما تكون هذه المعلومات المأخوذة من المراجع منقوصة أو محرَّفة، أو أُنقِص منها، أو زِيدَ عليها.

وبناء عليه، فإن المراجع التي لا تذكر مصادرها الأصلية لا يُعتدّ بها من حيث مرتبتها العلمية وأمانتها التاريخية.

الجِدّة في الاختيار:

يفضّل في الحالات جميعها أن يكون الموضوع قيد الدراسة جديدًا، أو فيه بعض الجدّة، وإن كان قد بحث مسبقًا، فيستحسن تناوله بطريقة مختلفة بعض الشيء أو إثارة حياة جديدة فيه، تجعله مستساغًا وجذّابًا ومفيدًا.

عنوان الموضوع:

أما عنوان البحث أو الدراسة، فاختياره في غاية الأهمية، إذ العنوان أشبه ما يكون باللافتات التي توجِّه السائقين والمواطنين إلى الأماكن التي يقصدونها في المدن، وبدونها يقع المواطن في حيرة من أمره، كذلك العنوان، فإنه المفتاح السويّ الذي يفضي إلى كنوز البحث ومفاصله المختلفة.

لذلك على الباحث أن يحسن اختيار العنوان لموضوعه، ليكون جذابًا ومعبّرًا عن الأفكار العامة التي تجول في ذهن الباحث، وأن يكون مختصرًا، ومبتكرًا يثير اهتمام القارئ ويدفعه إلى تصفّح ما فيه من معارف.

أما العناوين المبهمة والملتبسة فغير مقبولة ولا مستساغة عند العامّة من جمهور القرّاء.

ولا يقتصر الاختيار على العنوان العام للموضوع، بل يتعدّاه إلى عناوين الفصول والأبواب إذا كانت الدراسة بحثًا أكاديميًا طويلاً، فلا بد من وضع عنوان لكل باب ولكل فصل.

مخطّط الموضوع أو تصميمه:

من الضروري لكل باحث أن يضع لموضوعه تصميمًا أو مخططًا شاملاً مختصرًا، يلخّص طريقة العمل وفصول الدراسة والأفكار التي ينبغي معالجتها والتطرّق إليها على ضوء المراجع والمصادر التي تكون قد أعدّت، فتصميم الموضوع ضروري، وبدونه يضيع الكاتب ويتوه في طرق متشعّبة غير واضحة المعالم، فهو للكاتب كتصميم المنزل أو القصر بالنسبة للمهندس المعماري، فهو ينفّذ تصميمه خطوة خطوة، تُفضي إلى منزل جميل متناسق، كذلك الكاتب، فإنه يقدّم في آخر المطاف، عبر التصميم الذي يلتزم به ويمرّر عليه لمساته الجمالية، يقدّم موضوعًا متسلسلاً متناسق الأفكار والأجزاء والفصول.

ويشتمل التصميم أو المخطّط على عناصر عدّة، هي:

- عنوان الدراسة، وقد جرت الإشارة إليه آنفًا.

- المقدمة.

- فصول الموضوع وأبوابه.

- الخاتمة.

- أسماء المصادر والمراجع المعتمدة([1]).

- المقدّمة:

هي إطلالة على الموضوع المُزمع دراسته، وتعريف بسيط به، ثم عرض تاريخي مقتضب له، وبيان أهميته قياسًا إلى الموضوعات الأخرى، والأسباب التي دَعَت إلى تبنّيه واعتماده، كقلّة الدراسات حوله، أو قصورها عن تأدية المطلوب، أو عدم دقّتها، والصعوبات التي مرّت في وجه الباحث والنتائج التي توصّل إليها، علاوة على ذكر المصادر والمراجع والدوريّات والمخطوطات والوثائق التي استفاد منها، والأبواب والفصول التي تشكّل العمود الفقري للموضوع.

هذا إذا كان الموضوع بحثًا أكاديميًا جامعيًا، أما إذا كان دراسة مبسّطة لموضوع ما، فيُشار في المقدّمة إلى الفكرة الإجمالية، ويستحسن أن تكون مقدّمة بسيطة واضحة، ومثيرة في آن معًا، بغية تشويق القارئ ودفعه إلى متابعة القراءة حتى النهاية، وهذا يتحقّق إذا كانت المقدمة قصيرة، لها علاقة حيوية ومباشرة بالموضوع، تمهّد له وتُعدّه لما سيجد من معلومات.

تفصيل الموضوع، أو جسم البحث وصلبه:

هو العمود الفقري وبيت القصيد في الموضوع، ويشتمل على مجموعة الأفكار والمعاني والقضايا التي تفصّل ما أجملته المقدمة، وهي الركن الأساس في دراسة الموضوع، وفيه يعرض الكاتب المعلومات المتيسّرة لديه، ويناقشها إذا أراد، ويبدي رأيه فيها، ويعرض المواقف التي تناولته وأثيرت حوله، كما يمكن أن يكون صلب الموضوع قائمًا على فكرة رئيسة ثم تتوسّع إلى مجموعة أفكار.

ويجب أن تكون جمل الموضوع مترابطة فيما بينها، متواصلة متسلسلة، بحيث يفضي الأول للثاني أو يمهّد له، بصورة منطقية سليمة، ويقود صلب الموضوع دائما إلى الخاتمة والاستنتاج.

الخاتمة:

هي نهاية المطاف، واستذكار ما كان، وإجمال المعاني بخاتمة شاملة يؤكّد فيها الكاتب على الأفكار التي طرحها، إنها الكلمة الأخيرة التي تقفل الموضوع.

إذن، هي عرض مختصر للنتائج المستخلصة من الدراسة، وإشارة إلى الملاحظات التي ارتآها الباحث، والتي يمكن أن تضيف شيئًا جديدًا على ميدان البحث، علاوة على التوصيات التي يقترحها لتطبيق مقترحاته وأفكاره.

وقد يصرف الكاتب النظر عن الخاتمة، إذا وجد أن الموضوع لا يحتاج بطبيعته إلى ذلك، أو لعدم الوقوع في التكرار إذا كان الموضوع بحثًا أكاديمياً ذا فصول وأبواب متفرقة مقرونة بخواتم.

المصادر والمراجع:

هي كناية عن أسماء مجموعة من المصادر والمراجع التي سيعتمد عليها الباحث في دراسته الأكاديمية، أو الكتب التي يرجع إليها كاتب موضوعٍ ما، كي ترجع كل معلومة واردةٍ إلى أصحابها الحقيقيين، فالأمانة العلمية تقتضي مراعاة هذا الأمر مراعاة جيدة.

أما إذا كان الموضوع وأفكاره من ثقافة الكاتب نفسه، فلا يُذكر شيء في خاتمة المصادر، لأن المصدر هو الكاتب نفسه([2]).

التقميش:

التقميش لغةً: هو جمع القماش لصناعة الثوب منه، وفي الدراسات والبحوث هو جمع المعلومات والمعارف ومواد البحث من بطون الكتب واستخلاصها من ينابيعها، ثم وضع كل جنس ونوع في مكان على حدة، وهذا المكان قد يكون بطاقة أو ورقة أو دفتر خاص، بغية المقارنة بين هذه المعلومات واستخلاص الزبدة منها.

ثم بعد الانتهاء من التقميش واستنفاد جميع المعلومات  المطلوبة تبدأ عملية الكتابة.

ويجب عند تقميش كل معلومة وضع اسم المؤلف واسم كتابه ومكان الطباعة وتاريخها، ثم رقم الصفحة، من أجل توثيق المعلومات وإرجاعها إلى مظانّها الأساسية، وحرصًا على الأمانة العلمية والأخلاقية.

ومعنى ما ذكر، أنه يجب قراءة المصادر والمراجع المعيّنة، وأخذ الأفكار اللازمة منها حرفيًا، وهذا هو الاقتباس، أو تلخيص المعلومة المقروءة، لتكون جاهزة عندما تنطلق عملية الكتابة.

ويفضّل أن تكون القراءة متعمّقة كي يستطيع الكاتب تحليل ونقد ما يقرأ، وألا يلجأ إلى القراءة في حالتي المرض والإجهاد، لأن العقل لا يكون عندئذ قادرًا على الإحاطة بكل التفاصيل.

بعد الانتهاء من جمع المعلومات ونقلها إلى بطاقات أو أوراق، تأتي عملية فرز البطاقات تبعًا للموضوعات التي تتناولها، ووضع كل منها على حدة، أي تصنيف المعلومات التي تشكّل هيكلية البحث وقوام الدراسة.

هذا إذا كانت الدراسة بحثًا أكاديميًا، أما في الموضوعات الصغيرة كالمقالات وغيرها، والتي لا تتجاوز صفحة أو صفحتين أو بضع صفحات، فَيُكتفى أحيانًا بقراءة بعض المصادر والمراجع والإشارة في ورقة خاصة إلى الأفكار المطلوبة واللافتة فيها، أو الاكتفاء بالتحليل الذاتي والعرض الشخصي القائم على ثقافة مختزنة في نفس الكاتب.

تلك عملية التهيئة والإعداد للكتابة، وهي عملية شاقّة في وجهها الأكاديمي، لكنها ممتعة وخلابة، وهي جميلة ورائعة في وجهها الخاص الذي يتناول موضوعات قصيرة ودراسات محدّدة أو مقالات هادفة وفي أي ميدان من ميادين الحياة.

والأديب المعني، أو كاتب البحث المعمّق أو المقالة القصيرة أو أيّ عمل أدبي آخر، يجب أن يكون متمكّنًا من اللغة وقاموسها، وقواعدها وأساليبها، كي يستطيع التحليق في ميدان عمله، متفنّنًا في تقديمه، هذا ما يفتح المجال لبحث آخر يتناول قواعد وطرائق الأسلوب الناجح والكتابة الراقية، والتي يمكن للكاتب من خلالها خدمة الأدب واللغة وإثرائها([3]).

ـــــــــــــــــ

* أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية في صيدا.

[1] - د. فضل الله: أصول كتابة البحث ص53 ؛ د. رياض قاسم - تقنيات التعبير العربي ص 182.

[2] - د. فضل الله: أصول كتابة البحث ص53 و 54 ؛ د. رياض قاسم - تقنيات التعبير العربي ص183.

[3] - د. فضل الله: أصول كتابة البحث ص 69 إلى ص71.

المصادر والمراجع

د. رياض قاسم: تقنيات التعبير العربي - دار المعرفة - بيروت - ط1 /2000م

د. فضل الله: أصول كتابة البحث - دار الطليعة - بيروت. ط1 /1998م

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثالث    أرشيف المجلة     الرئيسية