العدد الثالث / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات هذا العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = البعد التربوي للصوم

4- الصفح عن الآخرين وعدم التعدّي عليهم:

ومن جملة ما يتعلّمه المؤمن في شهر رمضان، هو أن يعفو عمن ظلمه، ويحلم إذا جُهل عليه، ويصفح عمّن تعرّض إليه بالسبّ والشتم، ويصبر على تعسّف بعض العباد، فلا يعاملهم بالمثل، ويغضي عنهم رجاء ثواب الله تبارك وتعالى، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ما من عبد صالح يُشتم فيقول إني صائم، سلامٌ عليك لا أشتمك كما شتمتني، إلا قال الربّ تبارك وتعالى: استجار عبدي بالصوم من شرّ عبدي، فقد أجرته من النار)([1]).

وحتى لا يكون الكلام موجّهًا فقط للذي يُشتَم، فإن بعض الأحاديث نهت أن يبادر الصائم للقيام بأي عمل فيه تعدٍّ على الآخرين، منها: ما عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (.. فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابّوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا، ولا تنادوا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا، ولا تضاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله، وعن الصلاة، والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق، ومجانبة أهل الشرّ، واجتنبوا قول الزور والكذب والفري والخصومة وظن السوء..)([2]).

وعنه (عليه السلام) أنه قال: (سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرأة تسابُّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطعام فقال لها: كلي، فقالت: أنا صائمة يا رسول الله!، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك!! إن الصوم ليس من الطعام والشراب، وإنما جعل الله ذلك حجابًا عن سواهما من الفواحش، من الفعل والقول، يفطر الصائم، ما أقلّ الصوّام وأكثر الجوّاع)([3]).

5- الصوم يذكّر بيوم القيامة:

إن يوم القيامة هو أعظم الأيام التي تمرّ على الإنسان في جميع أدوار ومراحل حياته، وأكثرها أهوالاً، وأطولها زمانًا، وأحرجها موقفًا، وأشدّها خطورة، وذلك لعدم معرفة الإنسان مصيره مباشرة إلا مَن رحم الله، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}([4])، {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }([5])، ومن الطبيعي أن ذلك اليوم الطويل والرهيب بأحداثه سترافقه أجواء تمرّ على الإنسان يشعر فيها بخوف وجوع وحرّ وعطش ، كل ذلك بحسب أعمال الناس ومستوياتهم في الدين والتقوى.

من هنا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يربط المؤمن الصائم الذي يشعر بالجوع والعطش بأهوال يوم القيامة وجوعه وعطشه، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال في خطبة استقبال شهر رمضان: (.. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه..)([6]).

فمن خلال جوع وعطش الصائم في الدنيا يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ينتقل المؤمن بكل شعوره وأحاسيسه إلى تلك الأهوال يوم القيامة ليعيش واقعها قبل أن يواجهها، ولا يخفى على أولي الألباب كم لهذا الربط من دور تربوي على سلوك الصائم وحياته بشكل عام.

6 - أهمية الدعاء ودوره:

الدعاء لغة: معناه الرغبة إلى الله تبارك وتعالى، والطلب منه، ومع أن الله جعل لكل أمر سببًا وأمرنا أن نسلك تلك الأسباب، فقد رغّب بالدعاء والتضرّع في السرّ والعلانية، بل جُعل الدعاء من جملة الأسباب التي أُمرنا بسلوكها، حتى جُعل أحبّ الأعمال، وأفضل العبادة، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (أحبّ الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء..)([7])، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (..وأفضل العبادة الدعاء..)([8])، وبلغ الأمر إلى حدّ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدَّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء([9])، وورد الحثّ على الدعاء في جميع الأمور صغيرها وكبيرها، وكافة الحالات، رخائها وشدتها، وكل الأوقات ليلها ونهارها، خفية وعلانية، كل ذلك مع مراعاة الشروط والآداب، وملاحظة موانع الإجابة، وتفصيل ذلك يطلب من مظانّه.

ولكن يبقى لشهر رمضان خصوصية في الدعاء، وليس من باب الصدفة أن ترد آية الدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}([10])، أن ترد في وسط آيات الصوم، بل هذا للتأكيد على أهمية الدعاء للصائم في شهر رمضان، ومن خلال الكمّ الكبير لعدد الأدعية الواردة في أيام وليالي شهر رمضان بحيث لو وزِّع ذلك على ساعات النهار لما استوعبه، يتبين أهمية دوره في تربية الإنسان وعلاقته بخالقه.

ومن هنا ندرك اهتمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحثّ على الدعاء في خطبته المشار إليها آنفًا حيث قال: (.. دعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.. وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه .. أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطّها عليكم..)([11]).

انتهى المقال

ـــــــــــــــــــــــ

[1] - الكافي 4/88 كتاب الصوم ب11 ح5 ؛ ومن لا يحضره الفقيه 2/109 ح1860 ؛ والمحاسن للبرقي ص72 كتاب ثواب الأعمال ب122 ح151.

[2] - كتاب النوادر للأشعري القمي : ص21-22 ح10 .

[3] - المصدر السابق ص22 ح10.

[4] - الحج الآية 2.

[5] - النبأ الآية 38.

[6] - عيون أخبار الرضا(ع) ب28 ح53 .

[7] - الكافي 2/467 كتاب الدعاء ب1 ح8 .

[8] - المصدر السابق ح1.

[9] - أمالي الشيخ الطوسي ص89  المجلس الثالث ح45.

[10] - البقرة الآية 186.

[11] - عيون أخبار الرضا (ع) باب28 ح53.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثالث    أرشيف المجلة     الرئيسية