العدد الخامس/ 2006م  /1427هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الافتتاحية

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى في محكم كتابه العزيز مخاطبًا النبيّ محمّدًا (صلى الله عليه وآله): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وقال تبارك اسمه {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وتتوالى الآيات ناطقة بشهادات ربّ العباد لهذا النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) ولرسالته المباركة، وهي شهادات قد صدّقتها سيرته الشريفة، ولَمَس حقيقتها كلّ من خَبره عن قُرب، أو تتبّع تاريخ دعوته في الأزمان اللاحقة وكان من الأحرار المنصفين.

وليس في المقام متّسع لاستعراض جملة من أقوال أعلام الدين أو جهابذة الفكر في حقّه (صلى الله عليه وآله)، لذا نكتفي بسرد مثالين فقط ونُوكل الباقي إلى موضعه من المصادر والمطوّلات:

يقول إمام المتّقين عليّ (عليه السلام) واصفًا النبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله): (مستقره خير مستقر، ومَنبته أشرف منبت، في معادن الكرامة، ومماهد السلامة، قد صُرفت نحوه أفئدة الأبرار، وثُنيت إليه أزمّة الأبصار، دفن الله به الضغائن، وأطفأ به الثوائر، ألّف به إخوانًا، وفرّق به أقرانًا، أعزّ به الذلّة، وأذلّ به العزّة، كلامه بيان وصمته لسان).

ويقول الكاتب الإنكليزي الشهير "برنارد شو" - كما ورد في كتاب "محمد عند علماء الغرب"-: (إذا أراد العالم النجاة من شروره، فعليه بهذا الدين، إنه دين السلام والتعاون والعدالة، في ظلّ شريعةٍ متمدينة محكمة، لم تنسَ أمرًا من أمور الدنيا إلا رسمته ووزنته بميزان لا يخطئ أبدًا، وقد أَلّفتُ كتابًا في محمّد ولكنه صودر لخروجه عن تقاليد الإنكليز).

هذا هو واقع محمّد (صلى الله عليه وآله)، يُدركه كل من توخّى الحقّ ورام الإنصاف، ولكن يبقى هنالك نفوس خبيثة - وهي لا تقتصر على بيئة واحدة ولا تنتمي إلى دين بعينه - تعمى عن الحقيقة وتحقد على الحقّ، لا يردعها عن ذلك دين ولا ضمير، حتى بلغ بها الانحطاط الخلقي إلى مرتبة جعلها لا تبالي بالإساءة لنبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) أو بالاعتداء على مقامات آل بيته الأطهار والذين قال فيهم تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.

فهنالك تنشر صحيفة دانماركية صورًا مسيئة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ويُقرّها على ذلك العديدون من أبناء الغرب ومؤسّساته، وهنا يعتدي بعض من يدّعي الإسلام على مقامات آل بيت النبوّة بالهدم، ويشوّه صورة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ويزيّف دعوته بذبح الأبرياء وهتك الحرمات، وهو يجهر بالشعار المقدس "الله أكبر"!

نعم، الله أكبر، ولكن الله سبحانه بريء من فعل هؤلاء ومن معتقدهم وإن انتموا إلى العنصر العربي وتسمّوا باسم الإسلام.

الله أكبر، وهو عدو لأولئك الغربيين الذين اختلفوا عن هذه الثلة موطنًا وفارقوها بحسب الظاهر معتقدًا، ولكنّهم شاركوها في التوجّه وعاضدوها في الغاية والمقصد، فهؤلاء جميعًا ينهلون من المشرب عينه، حيث يُمثّل الباطل دينًا واحدًا وإن افترقت طُرقه وتشعّبت دروبه.

اللهم إنّا نبرأ إليك منهم جميعًا، فأعذنا من حبائل الشيطان وخلّصنا من شروره.

ومن هنا وجدت (رسالة النجف) أن من واجبها تخصيص ملف هذا العدد لنبي الرحمة (صلى الله عليه وآله).

هذا وقد كانت المجلة في أعدادها السابقة قد قامت بنشر تحقيقات حول بعض الحوزات الدينية المعاصرة وتناولت جانبًا من شؤون عملها وطرق سيرها ومرامي سعيها حتى رأت أنها قد استوفت ما رمت إليه في تلك الجهة، وصار من المناسب أن تنعطف الآن إلى إلقاء الضوء في تحقيقاتها على بعض المقامات الدينية في لبنان، وذلك بُغية إحياء شعائر الله وتعظيمِ من تنتمي إليه هذه المقامات من أولياء الله الصالحين.

كما يشتمل هذا العدد على مقالات أخرى متنوّعة، فقهية وعقائدية وعلمية، نأمل أن تحصل منها الفائدة المبتغاة، راجين من الله سبحانه القبول.

مصطفى يحفوفي

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الخامس    أرشيف المجلة     الرئيسية