بسم الله
الرحمن الرحيم
يتوافق صدور هذا العدد من مجلة [رسالة النجف] مع مناسبة
جليلة هي ذكرى ولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه
السلام)، وقد حقّ لنا أن ننعت هذه المناسبة بالجليلة، لأن
ولادة علي (عليه السلام) كانت هي البرعم الذي انبثقت من
تفتح وريقاته أبهى آيات الجمال وأسمى حقائق الكمال مما أذن
الله تعالى في تجليّه لدى أحد من الناس، فكان الإمام علي
(عليه السلام) هو الحقيقة الجامعة لذلك التجلي بكل أبعاده
وبأرفع صُوَره:
ليس على الله بمستنكر
|
|
أن يجمع العالم في واحد
|
ولسنا الآن في صدد استقراء فضائل أمير المؤمنين، ولا
مطالعة خصائص شخصيته الفذّة، وهي الشخصية التي حيّرت
العقلاء فاستفاضت المدوّنات بذكر مواهبها، وكان للشرقيين
والغربيين، كما للنصارى والمسلمين، مدائح وأقوال في حقها
مما ندر أن يتسنّى مثلها لإنسان.
ويكفينا هنا أن نورد نماذج قليلة مما سطّره بعض العباقرة
والمفكرين في هذا المجال.
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في إحدى قصائده التي يمدح
فيها أمير المؤمنين (عليه السلام):
يا قالع الباب التي عن هزّها
لولا حدوثك قلتُ إنك جاعل ا
|
|
عجزت أكفٌّ أربعون وأربعُ
لأرواح في الأشباح والمستنزع
|
أنا في مديحك ألكنٌ لا أهتدي
|
|
وأنا الخطيب الهَّبزريُّ المصقعُ
|
والله لولا حيدر ما كانت ال
|
|
دنيا ولا جمع البرية مجمعُ
|
وإليه في يوم المعاد حسابنا
|
|
وهو الملاذ لنا غدا والمفزعُ
|
ورأيت دين الاعتزال وإنني
|
|
أهوى لأجلك كل من يتشيّعُ
|
وله أيضًا قصائد وكلمات أخرى قيّمة تبين مدى العظمة التي
يراها
في
شخصية الإمام علي (عليه السلام).
ويقول المفكّر والأديب جبران خليل جبران:
[في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أول عربي لازم الروح
الكلية وجاورها وسامرها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى
أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل، فتاهوا بين
مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن أُعجب بها كان إعجابه
موثوقًا بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية].
إلى أن يقول: [مات شأن جميع الأنبياء الباصرين الذي يأتون
إلى بلد ليس ببلدهم، والى قوم ليس بقومهم، في زمن ليس
بزمنهم، ولكن لربك شأنًا في ذلك وهو أعلم].
وإن المجال ليضيق لو حاولنا فقط تتبّع أسماء المفكرين الذي
بهرت أبصارهم الشمس العلوية، فكيف يكون الحال لو أردنا
الإفاضة في نقل النصوص والكلمات؟!
ولكننا لسنا في صدد ذلك كله، وإنما أردنا أن نغتنم الفرصة
لنشير إلى مدى تقصيرنا في حق هذه الشخصية الفريدة، بل في
حقّ أنفسنا، وفي حق الإنسانية جمعاء، إذ إننا لم نحسن
الإفادة كما هو المرجوّ من الإرث العلوي الشامخ، وهو إرث
عالمي النزعة، لا يحدّه مكان ولا زمان، وإنما هو وكما يقول
الأستاذ جورج جرداق معبّرًا عن تصور الأديب اللبناني
الكبير ميخائيل نعيمة للإمام علي (عليه السلام): [ليس لفكر
ابن أبي طالب ولروحه وبيانه حدود في زمان ومكان، فهي من
العمق بحيث تتحد بحقائق ثابتة، وأصول قائمة ، في بناء
الخير والجمال الفنّي الممتع، وهي من الأصالة بحيث تتّصل
بأركان الوجود الفكري والروحي والجمالي اتصالاً لا شك
فيه].
وهذا كله هو ما حَدَا بنا في أسرة تحرير [رسالة النجف] لأن
نخصّص ملف هذا العدد لأبحاث ومقالات تتناول لمحات من تراث
أمير المؤمنين (عليه السلام)، علّ التظلُّلَ بأفيائه يوحي
لبعض أهل البحث بالتوغّل أكثر، للاستيحاء من ذلك الفكر
الخالد أنوارًا جديدة تعيننا في مواجهة التحدّيات المعاصرة
وما يفرضه علينا زماننا من مشكلات.
وإضافة إلى الملف يجد القارئ الكريم تحقيقًا مقرونًا
بالصور لمقام السيدة خولة في مدينة بعلبك، وهو يمثّل حلقة
في سلسلةِ تحقيقات تتناول جملة من المقامات الدينية في
لبنان.
والى جانب ذلك، فقد ساهم في إغناء هذا العدد مقالات قيّمة
تناولت مواضيع متنوّعة. وهي ثمرة جهود علماء وباحثين أفاضل
تفضّلوا بها علينا, فاقتضى منا الواجب أن نبادل كرمَهم
بالشكر الجزيل.
التحرير |