العدد السادس / 2006م  /1427هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

تتمة مقال =الرسالة النبوية الخاتمة

الحقيقة الثانية:

عالمية الرسالة النبوية الخاتمة

وأقصد بعالميتها دخولها في حيز المسؤولية على كل عاقل، ولا أقصد أهليتها وصلاحيتها لقيادة الإنسانية في كل زمان ومكان، فإنه من القضايا المسلمة.

والذي يؤكّد عالميتها - بالمعنى الذي بيّناه- أن العاقل قد قامت عليه الحجة بعقله أن يطلب الأمن من الخوف والطمأنينة من المخيف، فمن تناهى إليه من العقلاء خبر الرسالة والرسول فبحث عن الخبر، فلا محالة يتنجز عليه الإيمان بها والعمل بأحكامها.

وإذا ترك البحث عن الخبر فقد ترك ما وجب، لأن البحث عنها ناجز بالخبر لا محالة، أما من كان من العقلاء ولم يتناه إليه الخبر، ولم يسمع برسول ولا رسالة ولا خطر يوم القيامة، فقد تنجز عليه من أحكامها ما توفر على شرطه، وهو ما يرجع إلى مدركات عقله، فشرط وجوبه إدراك حسنه وشرط حرمته إدراك قبحه.

والباقي الذي لم ينجّز من أحكامها وبقية شؤونها فلفقد شرطه، لأن العاقل الذي لا علم له المعذور في عدم علمه، هو كالعاجز في عدم التنجز في حقه.

إذن هي عامة البلوى لجميع البشر في أي من ظروف مكانهم أو زمانهم، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}([1])، وقال {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}([2])، وقال {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([3]).

الحقيقة الثالثة:

إنّ هذه الرسالة العالمية الجامعة قد عرضت لبيان مفاهيمها والإعراب عن مضامينها بطريقتين ومستويين من الإفهام والتبيين:

المستوى الأول الإجمال والمستوى الثاني هو التفصيل.

كما أن المستوى الأول والثاني تأدّى كل منهما بأسلوبين، وهذا رسم بياني توضيحي:

البيان

مجمل     مفصل

محدود   واسع          تفسير    تأويل

إيضاح المقصود من ألفاظ هذا الرسم البياني:

البيان الرسالي: نقصد به طريقة الإفهام والتفهيم عند الرسالة.

المجمل: مقابل المفصّل على طريقة المتون المضغوطة، المحتاجة إلى الشرح والتفصيل ليتضح المراد منها.

المفصّل: ظهر معناه مما سبق في المجمل.

المجمل المحدود: هو الكلام أو البيان الذي حدّد فيه العنوان المراد بيانه على مستوى المبدأ دون الدخول في التفاصيل، ومن أمثلة ذلك بعض الآيات المحكمات.

المجمل الواسع: هو المجمل من ناحية التفاصيل والعنوان معًا، فهو في الغالب غير واضح حتى في تحديد العنوان، فضلاً عن التفاصيل والتفريعات، ومثاله المتشابهات.

التفسير: هو كشف النقاب عن معنى اللفظ، على مستوى العناوين وعلى مستوى التفاصيل والتفريعات، بما للّفظ من دلالة مباشرة عليها.

التأويل: هو انطباق اللفظ على المعاني على مستوى العناوين والتفاصيل والتفريعات، بمعونة المشابهة والقرب مع التفسير، وأكثر ما نلحظ التأويل في غير الأحكام، ونلحظه بوضوح كبير في عالم الأحداث.

وسيتضح المراد من هذا الرسم البياني لأسلوب عرض الرسالة لمعانيها في طي هذه النظرة إلى الحقيقة الثالثة.

يتبع =

____________________

[1] - سـبأ: 28.

 

[2] - آل عمران:19.

 

[3] - آل عمران:85.

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس