العدد السادس / 2006م  /1427هـ

     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال - أهمية العمل في الإسلام

إن الإنسان في هذا الكون جزء من المجموعة الكونية التي أوجدها الله سبحانه، ونظام هذا الكون قائم على الحركة المنتظمة المستمرة، ولا يمكن للانسان أن يكون على خلاف المجموعة هذه، فالعمل والسعي والحركة من قوامها، وأهم اعتباراتها، وما القوى الكامنة فيه والطاقات المودعة فيه، والامكانات المزدحمة في داخله إلا ليتمكن من التعامل والتفاعل مع القوى الطبيعية الموجودة في هذا الوجود، وفي هذه الأرض، والتي هي لصالح الإنسان، ويستفيد منها، والآيات الكريمة تشير إلى هذه الحقيقة،

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}([1]).

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ}([2]).

وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}([3]).

وقال تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}([4]).

فالإنسان من خلال هذه الآيات الكريمة جزء من هذا الوجود، وهو بجملته لصالحه وخيره وخدمته، ينتفع منه في حاجاته وشؤونه، والتي لا يمكن الاستفادة منها إلا من خلال استعمال تلك القوى الكامنة فيه والطاقات المودعة لديه، فلا بد من أن تتفاعل تلك القوى مع ما هو موجود في هذا الوجود واستغلالها بالجهد المباشر لتصبح شيئًا محسوسًَا وملموسًا يشعر بفائدته.

فالمطر الذي ينزل من السماء ويكون أنهارًا وينابيع، على الإنسان أن يستفيد منه ويأخذه لحاجته من شرب وسقي وغير ذلك، والأشجار الموجودة في الغابات وغيرها يمكن أن يستفيد منها خشبًا لحوائجه، ويمكن أن يكيّف هذه الأشياء الموجودة في الأرض إلى مواد يستفيد منها أكثر وأكثر.

كل هذا تأكيد على ضرورة العمل والسعي والحركة، ولا بد للإنسان أن يعمل، ولا يمكن أن يكون خاملاً متقاعسًا كسولاً عن ضرورياته وحاجاته، وإلا يَفَسد أمره وتصبح حياته عديمة الجدوى والنفع والفائدة والأثر، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الأشياء لما ازدوجت، ازدوج الكسل والعجز، فنتجا بينهما الفقر)([5]).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (عدو العمل الكسل)([6]).

وفي الحديث عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): (إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تعمل، وإن ضجرت لم تعطِ الحق) ([7]).

بل الكسول مبغوض، فقد ورد في الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (إني لأبغض الرجل -أو أبغض للرجل - أن يكون كسلانًا عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل)([8]).

وفي حديث آخر عن أبي جعفر (عليه السلام): (إني أجدني أمقت الرجل متعذّر المكاسب، فيستلقي على قفاه ويقول اللهم ارزقني، ويدع أن ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل الله، فالذَرَّة - وهي أصغر النمل - تخرج من جحرها تلتمس رزقها) ([9]).

إن الأهمية في هذه الأحاديث التي وردت بتعابير متعددة للنهي عن الكسل وترك العمل أنها تشير إلى أن الكسول لا يمكن أن يُقيَّم بالقِيَم والاعتبارات الإنسانية - مثل العقل والإيمان والهدى والعلم -، بل إن هذه الأمور من دون جهد ومن دون عمل لا تعطي ثمارها ولا تؤكّد نفسها.

وعلى هذا الأساس تجد الأحاديث أبعدت الكسول والمتواني عن العمل والمتهاون فيه عن قبول الدعاء واستجابته، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن أصنافًا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم، رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بماله فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله عز وجل تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في بيته ويقول يا رب ارزقني، ولا يخرج، ولا يطلب الرزق، فيقول الله عز وجل له: ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والتصرف في الأرض بجوارح صحيحة، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري، ولكيلا تكون كلاً على أهلك... الحديث)([10]).

وورد في الحديث: (أن قومًا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت - هذه الآية - {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}([11])، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا قد كُفينا، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم وقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: يا رسول الله تكفّل - الله - لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة، فقال (صلى الله عليه وآله): إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب)([12]).

والله سبحانه يقول {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}([13]).

ويقول تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}([14]).

فقد قسّم الله سبحانه الرزق بين عباده وأمرهم بطلبه، وليس من المعقول أن يأمر الله بالسعي والطلب ثم يُخلف وعده وهو أصدق القائلين وأصدق من وعد.

أن العمل من ضروريات الحياة وبدونه لا قيمة للحياة، وهو عماد الإنسان في صلاح أمره وانتظام حياته، ولا مفرّ منه ولا خلاص، لأنه الشيء الوحيد الذي يجسّد المبادئ الإنسانية والإيمانية والمفاهيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية.

إنه كلّ شيء في الحياة، وعلى هذا الأساس، ولقيمته وأهميته وشرفه، لم يفسح المجال أمام الإنسان بالتهاون به إطلاقًا.

انتهى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] - سورة البقرة: من الآية29

[2] - سورة يّـس:71-72-73

[3] - سورة إبراهيم، من الآية 32 إلى الآية 34

[4] - سورة الحجر:19الى الآية 21

[5] - الكافي، الكليني، دار الكتب الإسلامية، ط3: 5/86، باب كراهية الكسل، حديث 8. وفي بعض المصادر "نتج بينهما"، (والنِتَاج بالكسر: اسم يشمل وضع البهائم من الغنم وغيرها، وإذا ولي الإنسان ناقة أو شاة ماخضًا حتى تضع قيل نتجها نتجًا - مجمع البحرين مادة نتج)

[6] - الكافي، الكليني: 5/85، باب كراهية الكسل، حديث1.

[7] - نفسه: 5/85، باب كراهية الكسل، حديث5.

[8] - نفسه: حديث4.

[9] - وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت: 17/30، باب استحباب الاستعانة بالدنيا على الآخرة، حديث 4.

[10] - وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت: 17/27، باب 5، كراهية ترك طلب الرزق وتحريمه مع الضرورة، حديث 6.

[11] - سورة الطلاق، من الآية 2 والآية 3.

[12] - وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت: 17/27، باب 5، كراهية ترك طلب الرزق وتحريمه مع الضرورة، حديث 7.

[13] - سورة الزخرف: من الآية32.

[14] - سورة الملك:15.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السادس    أرشيف المجلة     الرئيسية