العددان السابع والثامن / 2006م - 2007م /1427هـ - 1428هـ

     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

الفلك ببن عصري الجاهلية والإسلام ... وأثر المدارس عليه

د. محمد علي الصايغ[1]

موضوع هذه الدراسة، هو محاولة تتبّع المعارف الفلكية لدى عرب الجاهلية، وموقف الإسلام منها، ثم موقع علم الفلك في الحضارة الإسلامية، وتطوره عند المسلمين، مع محاولة تتبّع دور المجتمع في تطوير كافة العلوم من خلال المسجد إلى نهاية العصر البويهي، ثم دور المدارس الرسمية، وهي المدارس التي أنشأتها السلطة أيام السلاجقة، في تطوير وتنمية العلوم، مع عقد مقارنة في تطور العلوم في عصر المدارس والعصر الذي قبله، والذي يوصف بالعصر الذهبي، إذ إن الثابت تاريخيًا أن المدارس الرسمية لم تنتشر في الدولة الإسلامية إلا في العصر السلجوقي، وذلك عندما أنشأ نظام الملك السلجوقي المدارس المعروفة باسمه (المدارس النظامية)، والتي قامت بتخريج أجيال من الدعاة الدينيين لخدمة الدولة، إذ ضمنت هذه المدارس لأساتذتها وطلبتها الأرزاق بشكل منتظم، ولخرّيجها العمل في دوائر الدولة.

ومن المفيد الإشارة إلى أنه وبينما كان التصدّر في المساجد يعتمد على الكفاءة التامة، صار التصدّر في هذه المدارس يعتمد على أمور عدة، منها حسن العلاقة مع رجال الدولة، الأمر الذي لم يمنع من تعيين المفضول بوجود الفاضل.

وهكذا صار العلماء والمدرسون في عداد موظفي الدولة وحواشيها، وكانت لدى البعض هواجس من أن تفرض السلطة على هذه المدارس الأدعياء والدخلاء فيفسد العلم بذلك، ومن المحتمل أن تدخّل السلطة بالتعليم كان أحد الأسباب التي حدّت من تطور العلوم.

لقد أدّت هذه المدارس دورها المرسوم، فاستمرت المسيرة الفكرية في انطلاقها، وشهدت بروز علماء أكفاء في مجال الفقه، إذ أن السّمة العامة لها كان تدريس الفقه، وهو الاختصاص الرئيسي فيها.

وبهذا صارت معاهد التعليم نوعين:

حلقات حرة في المساجد يرعاها المجتمع، وأخرى في المدارس الرسمية تموّلها الدولة، وبذلك صارت مهمة المسجد التعليمية منحصرة في الدراسات الفقيهة الحرة وإعداد الفقهاء الذين يريدون الاقتداء بالسلف الصالح دون الالتزام بالسلطة، وكان التطوّر في المنهج العلمي في هذه المدارس أو الحوزات المسجدية مُسايراً لشقيقه في المدارس، ولكنه كان اختصاص واحد وهو الفقه.

وهنا يجدر الإشارة إلى أنه لم يكن هناك تخصص بالمعنى الذي نعرفه اليوم، فكان العلماء البارزون موسوعيين ولكنهم يتميزون بالنبوغ باختصاص واحد، لقد كان دور المسجد هو تخريج الفقهاء المستقلين، أما المدارس فمع أنها كانت مختصة بالتدريس في مجال الفقه بشكل أساسي وطبقًا لرغبة الواقف أو المؤسس، ومع أنها كانت تلتزم بالتدريس وفقًا لرأي فقهي محدد، إلا أنه توجد إشارات إلى وجود تدريس للطب النظري وغيره في هذه المدارس، إلا أن الدراسات الفلكية العميقة كانت تتم بالمراصد، وهي قليلة بل ونادرة، إذ كان يدرّس في بعض المراصد الفلك والرياضيات.

والسؤال ما هو دور المسجد في إعداد التخصصات غير الفقهية قبل ظهور المدارس؟

في الحقيقة يوجد لدينا من المصادر ما يشير إلى أن تدريس العلوم الدنيوية كان يعتمد على العلاقة بين الأستاذ والطالب، أي أنها كانت دروسًا خصوصية، كما وأن اهتمام السلاطين والحكّام بتقريب العلماء البارزين في كافّة المجالات كان له دوره في تطوّر العلوم.

ولكنه بضعف الحكومات وسقوط الدول، ضعفت المؤسسات التابعة لها، وبقي المسجد يؤدي دوره في الدراسات الحرة، وباختصاص واحد.

وللباحث المنصف أن يقارن التطور في علم الفقه والعلوم المساندة له التي التزم بها، وهي المجالات التي تبنّاها المجتمع، والعلوم الأخرى التي تُركت للمدارس الرسمية على الأقل، وصارت من مسؤولية الدولة خلال مسيرة التاريخ الطويلة، فالملاحظ أن الفقه بصورته المعاصرة يعتبر من العلوم المزدهرة للغاية، وكذلك العلوم المرتبطة به كاللغة العربية والتفسير والحديث... بينما العلوم الأخرى توقّفت مسيرتها بتوقّف الاهتمام بالمدرسة، وهي مؤسسة التعليم العالي في الإسلام، وهي التي أسهمت إلى حدّ ما في تأسيس جامعات العصر الوسيط في أوروبا... ومن هذه النقطة انطلقت أوربا إلى وضعها المعاصر، لقد كان في نظام المدارس مشكلة حقيقية أدّت إلى عدم تطوّر التدريس فيها، وهذه المشكلة جديرة بالبحث، إذ أنها في أوروبا صارت جامعات عظيمة بينما كانت عندنا شيئًا آخر.

إن الرياضيات من العلوم المساندة للفقه، إذ يحتاج إليها الفقيه في موضوعات شتى، مثل حساب المساحات والأحجام والمقادير والأوزان، والحسابات المتعلقة بالخمس والزكاة والإرث، وإن كان لا يحتاج إلى رياضيات معقدة، ولكن الفلسفة في أحد جوانبها تحتاج إلى رياضيات عالية، والفلسفة تخصّص تكميلي مفيد جداً لجميع التخصصات.

والفلك يحتاج إليه الفقيه، بل إن تطور الفلك في الحضارة الإسلامية يعود السبب الرئيسي فيه إلى الحاجة لحساب المواقيت وولادة الهلال والخسوف والكسوف غيره.

وليس واضحًا السبب الذي من أجله تُرك تدريس هذه العلوم في الحوزات في العصور الأخيرة، مع أهميتها البالغة، ولماذا لم يتم تبنيها في الأساس في المدارس أسوة باللغة العربية والمنطق مثلا؟

علمًا بأنه مرّ في التاريخ علماء فلك محلّ اعتزاز وافتخار، كالخواجة نصير الدين الطوسي، والشيخ البهائي - وهما من علماء الدين الأعلام -، فضلاً عن ابن الشاطر رئيس المؤذنين في الجامع الأموي. ومما يجدر الإشارة له: أن كل دارس فلك في الجامعات ، عليه أن يدرس نظريات وابتكارات الخواجة نصير الدين الطوسي، ولكن - وللأسف - دون أن يعرف أنه هو الذي ابتكرها.

ودراسة علم الفلك تستدعي معرفةً بالهندسة والرياضيات والفيزياء، وهي تطبيقات برع بها المسلمون، وهنا يجدر الإشارة إلى أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان يحث على المنهج التجريبي، وتلميذه جابر ين حيان شاهد صدق على ذلك كما سيأتي لاحقًا، وبذلك يتبين أن المسلمين تبنّوا في تطوير العلوم الجانبين النظري والعملي معًا.

إننا لا ندّعي أن هذه الدراسة تستطيع الإجابة على السؤال الُمحيّر: لماذا توقف تطور العلوم عند المسلمين وانطلق في الغرب من نقطة وقوفه في الشرق؟

إن الإجابة على هذا السؤال هو من اختصاص الفلاسفة والمنظرّين، وما زال الباحثون مختلفين في السبب، علمًا بأن بعض العلوم لا تحتاج إلى مختبرات كالفلك مثلاً، الذي يتطلّب فكراً رياضياً وفلسفياً، مع أرصاد، وهي أمور مهيأة للجميع ولا تحتاج إلا إلى مراصد.

وهنا لنا وقفة، فالمراصد كانت ذات عمر قصير في عالمنا الإسلامي، وربما صدر الأمر بهدم البعض منها، وتحقق ذلك فعلاً في مرصدين!!

إن تطوّر علم الفلك يستدعي تطوّرًا في العلوم المساندة له، كالرياضيات والهندسة والفيزياء، حتى يتمكّن الفلك بالانطلاق في عمله، ومن المفيد الإشارة إلى أن اكتشاف المنظار - التلسكوب - كان له دور عظيم في سبر أغوار السماء وتغير نظريات الإنسان عن الكون.

ربما يعود السبب في نسيان هذا العلم إلى صعوبة فهمه نسبياً وقلة المتعمّقين بالمثلثات الكروية والربع المجيَّب([1]) والإسطرلاب، وربما يعود السبب إلى اكتفاء الفقهاء بالحدّ الأدنى من العلوم عن ظل الشاخص وغيره في تحديد المواقيت...

وربما نوفّق للتعرّض إلى هذه الموضوعات تباعًا وبمزيد بيان على شكل موضوعات مستقلة في هذه المجلة إنشاء الله تعالى.

والذي ينبغي أن يُعرف من هذه الدراسة أن المدرسة تطوّر حضاري اقتضته ظروف المرحلة، وكان مقدمةً لظهور الجامعات، ولكن الدراسات التي تبنّتها السلطة بفرض مناهج معيّنة هي التي يقع عليها النقد في عدم التطوّر، وربما يكون هذا التشخيص خطأً، والله هو العاصم.

والآن ندخل في موضوع العنوان:

المعارف الفلكية الأولية

توجّه الإنسان القديم نحو الزراعة وتربية الحيوان في الألف الخامس قبل الميلاد، فنشأت القرى الزراعية، وصاحب ذلك اهتمامٌ بالظواهر السنوية المتكررة، فربطها من خلال التجربة والملاحظة بالمواسم الزراعية وولادة الحيوانات،واستنتج العلاقة بين هذه المواسم وحركة النجوم في السماء، وطول الليل والنهار، وكانت هذه هي البداية للتقويم السنوي، والذي تشير الدراسات إلى أنه كان قمرياً، ويسمّي المؤرخّون هذه الفترة بالعصر الحجري الحديث ( 5000 - 3000 قبل الميلاد ).

وفي العصر البرونزي (3000 - 1200 قبل الميلاد): وهو عصر نشوء الدول والامبراطوريات، واكتشاف الكتابة والعربة وصناعة أسلحة الصيد والحرب، تمّ اكتشاف التقويم الشمسي، والذي اثبت صلاحيته في تحديد مواسم الزراعة والفيضان.

نشوء علم الفلك

إذاً يرتبط نشوء علم الفلك - بأحد أوجهه - ارتباطاً وثيقاً بالحاجة القصوى إلى تنظيم الزمن، ومعرفة الفصول، وعلاقة ذلك بموعد الفيضان والمواسم الزراعية، ومواسم ولادة الحيوانات المستأنسة، وحركة القوافل براً وبحراً.

كما ويوجد عامل آخر أدّى إلى تطوّر المعارف الفلكية، وهو المعتقدات الدينية، فقد كان التقويم ضروريًا لتحديد الأعياد الدينية، لذلك ارتبطت دراسة الفلك بالدين منذ البداية، وصارت من اختصاص الكهنة، وحيث إن مجال علم الفلك هو السماء، فتصوّرها البابليون خيمةً رباعية كبيرة، تتدلّى منها النجوم. وبعد اختراع العجلة الدائرية في بابل، ظهرت فكرة دوران السماء حول محورها القطبي.

نشوء التنجيم

ولقد أدّت فكرة الحركة المنتظمة للسماء إلى اهتمام كبير بحركة الأجسام السماوية، فإذا كانت حركة الأجرام تؤثّر في الطبيعة وتحدّد الفصول، فلا شك أنها تؤثّر في الإنسان وتحدّد مصيره، وعلى هذا الأساس حاول الإنسان أن يتنبّأ بالفيضانات والأمراض والحروب والمجاعات.

غير أن هذا الامتياز - أي حقّ الاتصال بالسماء - كان وقفاً على الملوك والكهنة ولم يتيسّر للأفراد العاديين. هذا هو الأساس في التنجيم([2]).

وازداد حرص الأجداد إلى معرفة الأمور الفلكية اعتقاداً منهم أن لحركة الأجرام السماوية ارتباطاً بالحوادث الدنيوية، وأنها من أركان التنبّوء بالمستقبل.

أوَليس ظهور نجم الشّعرى فجراً وقبل طلوع الفجر في مصر علامة على قرب فيضان النيل؟!

أَوَليس وجود القمر مقارنا لمجموعة نجوم الثريا له دلالة على حالة المناخ!

والتنجيم بهذه الصورة نشأ في عصر نشوء الدول، وكان هدفه التنبّوء أو التحذير من أحداث تتعلّق بمصالح البلاد، كالفيضانات وغيرها، ولا تتعلّق بمصير الأفراد العاديين، بل هو تطبيق عملي للملاحظات الناتجة عن الرصد المتكرّر.

التنجيم المذموم

أما التنجيم بشكله المعاصر، فالثابت تاريخياً أنه كان نتاجاً للعلم في الإسكندرية، ولم يكن معروفاً قبل أن يحكم اليونانيون المقدونيون البلاد([3])، وبالتالي فهذه الخرافات لم تكن معروفة عند شعوب المنطقة قبل مجيء اليونانيين، وهذا هو التنجيم المذموم، وقد لاقى قبولاً لدى الناس لأنه يتنبّأ بما تُخبِّئه الأيام.

فالنزوع إلى معرفة المستقبل أمرٌ فطري رافق المجتمعات منذ أقدم العصور.

سألت منجمها عن وليدها في مهده كم عائش من دهره

فأجابها مائة ليقبض درهما فأتاه الحمام في شهره([4]).

وقال آخر:

تُدَبِّر بالنجومِ ولستَ تدري  * * *  ورَبُّ النجمِ يفعلُ ما يريدُ([5])

ويقول مسكويه: الإنسان متطلّع إلى الوقوف على كائنات الأمور ومستقبلاتها ومُغيباتها، فهو بالطبع يتشوّقها ويروم معرفتها على قدر استطاعته وبحسب حاجته.

وقال ميرلي كودفيج، وهو يقدم لكتابه نبوءات نوسترداموس: إن ثمة رغبة وجموحًا كامنًا في أعماق كل واحد منا تحدوه إلى محاولة الكشف عن المستقبل والعمل على هتك ذلك الحجاب الصفيق الذي يغلّف بالأسرار حياتنا البشرية([6]).

إذن فالحاجة البشرية للاستفادة من الظواهر الطبيعية والتنبّوء بالأحداث المستقبلية والاهتداء بحركة النجوم المنتظمة في ظلمات الليل لركوب البحار وقطع القفار كانت هي مصادر علم الفلك.

المعارف الفلكية

كانت هذه المعارف منتشرة لدى الفراعنة والبابليين والفرس وغيرهم، ومنها أخذها عرب الجاهلية بحكم الجوار، والمقصود بعرب الجاهلية هم سكان نجد والحجاز والذين نبغ بينهم شعراء عظماء، وفي هذه المنطقة بزغ فجر الإسلام.

ومن هذه المعارف ما تمسّك به الفلكيون لفترة طويلة، فقد كان تصوّر قدماء البابليين أنّ السماء كأنها سبع طبقات منضّدة، وجعلوا في كل طبقة الكواكب الخمسة والنيرين: القمر، عطار، الزهرة، الشمس، المريخ، المشتري، زحل، وهو أعلاها وبه ضُرب المثل بالهمة العالية.

هذه المعارف وغيرها تلقّفها عرب الجاهلية، فكانت لديهم معرفة بأسماء الكواكب الثابتة (النجوم)، والكواكب السيارة، ومنازل القمر، وانفردوا عن سائر الشعوب في استعمالها للاستدلال على حالة المناخ، فكانت تقويمًا بامتياز، ولكن لعدم معرفتهم بالرياضيات، ولعدم الاعتناء بالعلوم الأخرى لم يتوصّلوا إلى تعيين السنين بحساب دقيق، فاقتصروا على ما يُدرك بالعيان.

والمعلومات المتوفرة لدينا عن عصر الجاهلية نُقلت عن طريق الشِّعر والنثر والقصص، وبعضها عنه طريق القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة،

فمن الثابت تاريخيًا أن بعض العرب كانوا يعبدون الأجرام السماوية وقد نطق القرآن بهذا، كما وأن عرب الجاهلية، ونظراً لطبيعة حياتهم القاسية، فالصحراء شاسعة وتضاريسها متشابهة، مما اضطرهم لأن يهتدوا بالنجوم لمعرفة اتجاه حركتهم، وساعدهم على ذلك السماء الصافية:

قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}([7]).

وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}([8]).

والخلاصة

كان لدى عرب الجاهلية معارف فلكية، انتقلت إليهم بحكم الجوار أو بالإبداع نتيجة الملاحظة، إلا أنها لم تكن ضمن إطار علمي منهجي، وإنما كانت تعتمد على الفطرة والحاجة، وبالتالي لا يمكن تصنيف الفلك لدى عرب الجاهلية علمًا، بل معارف توارثها الأبناء ـ حتى عصر التدوين والترجمة أيام المنصور العباسي، وما سُجّل في حينه ثبت على أنه تراث.

هذا ولا يمكن القول أن جميع المعارف الفلكية في الجاهلية قد وصلت إلينا مباشرة، فبعض منها وصل ودخل ضمن الفلك العربي الإسلامي، وقسم منها اختفى بغياب أربابه.

ولكن هذا الكم من المعلومات في أساسه معلومات مفكّكة لا يربط بينها رابط علمي، فليس هناك قوانين ولا نظريات ولا أفكار علمية منتظمة، وتاريخ العلوم يفيدنا أن العلم لا يتطور بسبب الحاجة، بل يتطور ويرتقي بسرعة إذا تخصّص أناس بدراسته لذاته دون النظر إلى الاستفادة المباشرة، وهذا ما لم يتوفّر في العصر الجاهلي ولا في العصر الأموي وإنما تحقق في مطلع العصر العباسي الأول.

 ومن المفيد الإشارة إلى أن الاعتقاد استمر لفترة طويلة لدى البعض أن الكواكب ذات حياة، وبهذا يكون لها تأثيرات مباشرة على الحياة على وجه الأرض.

وكان العرب قد نسبوا إلى الأنواء عدة تأثيرات كالمطر والبرد والرياح، فكانوا ينسبون المطر إلى تأثير المنزلة الساقطة فجراً (وهي مجموعة من النجوم التي تغرب فجراً)، فيقولون "مُطرنا بنوء كذا" اعتقاداً بأن المطر من فعل الكواكب، فجاء الإسلام وحارب هذه الأفكار بشدة، فجاء في الحديث الشريف: ( ثلاث من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة، والأنواء)([9]).

بل واعتبرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفراً فقال: (إن الذين يقولون نستقي بنجم كذا وكذا، فقد كفر بالله وآمن بذلك النجم، والذين يقولون سقانا الله فقد آمن بالله وكفر بذلك النجم)([10]).

وسيأتي في موضع آخر: بحث المعارف الفلكية في عصر النبوة والخلفاء الراشدين والعصر الأموي.

ختاماً

وقبل الانتهاء من هذه المقالة نجد أنه من المفيد الإشارة إلى أن علم الفلك أو الهيئة سمي بأسماء مختلفة، منها علم النجوم، وصناعة النجوم، وعلم التنجيم، وصناعة التنجيم، وهذه الألفاظ انحصر اصطلاحها بالاستخدام المذموم لعلم الهيئة الذي غرضه الاستدلال على الحوادث الدنيوية المستقبلية برصد حركات الأجرام السماوية وامتزاجاتها، وكان يطلق لفظ "المنجّم" على المُشتغل بعلم الهيئة أو على أحكام النجوم، وكلاهما بنفس المعنى في ذلك الوقت.

فإذا أراد القدماء تمييز المنجم عن الفلكي بمعناه الحديث قالوا: الأحكاميون، أو أصحاب أحكام النجوم، أو الأحكاميون من المنجمين.

واسم المنجم بمعناه المذموم ما زال للأسف ملازمًا لأفكار البعض حتى الآن، ولعل هذا هو أحد الأسباب التي صار علم الهيئة من الدراسات غير المحبوبة في الحوزات والمدارس الدينية. أما علم الهيئة المعاصر فهو علم يبحث عن ظواهر الأجرام السماوية ونواميس حركاتها الظاهرية والحقيقية وأبعادها الطبيعية.

* * *

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] - باحث في الهيئة والمواقيت والأهلة

 

[1] - المجيب: مأخوذ من جيب.

[2] - العلم والحضارة، د. عبد العظيم أنيس.

[3] - العلم والحضارة، د. عبد العظيم أنيس.

[4] - تاريخ التنجيم عند العرب، د. يحيى شامي

[5] - المسعودي.

[6] - نقلا عن تاريخ التنجيم عند العرب، د. يحيى شامي.

[7] - سورة النحل، الآية 16.

[8] - سورة الأنعام: من الآية97.

[9] - غريب الحديث ، ابن سلام (242هـ)، ط1، بيروت: ص320 ، وبمضمونه : بحار الأنوار،العلامة المجلسي: 70/290.

[10] -  انظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 55/329 .  الدر المنثور، جلال الدين السيوطي (911هـ) ، ط1: 6 /164.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السابع والثامن      أرشيف المجلة     الرئيسية