العددان السابع والثامن / 2006م - 2007م /1427هـ - 1428هـ

     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال - دعاء الفرج (الحيدري)

وأما ما ورد بهذه اللفظة ومشتقاتها بنفس السياق في أحاديث أهل البيت أو أدعيتهم سلام الله عليهم، فمنها:

ما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة التي رواها الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج2 ص277، ورواها غيره كذلك عن الإمام الهادي عليه السلام بقوله (..... وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم تبع ونصرتي لكم مُعدّة، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردّكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في أرضه، فمعكم معكم لا مَعَ عدوّكم، آمنت بكم، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم، وبرئت إلى الله عز وجل من أعدائكم..... الخ).

وفي المقنعة للمفيد ص329 باب شرح الصلاة على النبي والأئمة (عليهم السلام)، الواردة في كل يوم من شهر رمضان، يقول:

ويتبع هذا التسبيح بالصلاة على محمد وآله، على ما جاءت به الآثار، فتقول: (إن الله وملائكته يصلّون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، لبيك يا رب وسعديك، اللهم صل على محمد وآل محمد - إلى أن يقول في آخر الصلاة - اللهم صل على الخيرة من ذرية نبيك, أللهم اخلف نبيك في أهله، اللهم مكّن لهم في الأرض, اللهم اجعلنا من عددهم ومددهم، وأنصارهم على الحق في السرّ والعلانية..... الخ).

وروى الشيخ الطوسي هذه الصلاة في مصباح المتهجد ص620, ورواها في التهذيب ج3 ص119, ونقلها السيد ابن طاووس في الإقبال ج1 ص212.

وأيضا ما أورده السيد في الإقبال ج2 ص117 من دعاء الإمام الصادق عليه السلام يوم عرفة, وهو دعاء طويل حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في نهاية ثلثه الأول تقريبًا: (... اللهم صل على محمد وآل محمد الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا, اللهم افتح لهم فتحًا يسيرًا، وانصرهم نصرًا عزيزًا، واجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا, اللهم مكّن لهم في الأرض واجعلهم أئمة واجعلهم الوارثين..... الخ).

وقد وردت هذه الصيغة أو أحد مشتقاتها في أدعية أخرى لم نذكرها اختصارًا..

وأما الصيغة الثانية وهي (وتمتعه فيها طويلا)، فقد أشرنا في بداية البحث إلى الظن بل الاعتقاد بعدم كونها من الدعاء، لما أشرنا إليه من عدم ورود مثل هذه الصيغة في نحو هذا الاستعمال وهذا السياق، بل إن ما ورد لهذه الصيغة ومشتقاتها من استعمالات، لا يخرج عن إحدى هذه المعاني الست وهي:

 

( المعنى الأول ): والمراد به التمتع الدنيوي الذي يلائم الكفار والمنافقين والفاسقين، الغافلين عن الآخرة ونعيمها أو جحيمها، وهذا المعنى هو الأكثر في استعمالات القرآن الكريم مثل:

قوله تعالى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا}([1]).

وقوله تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}([2]).

وقوله تعالى: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا}([3]).

وقوله تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}([4]).

وقوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}([5]).

وقوله تعالى: {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ}([6]).

وقوله تعالى: {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}([7]).

وقوله تعالى: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ}([8]).

وقوله تعالى {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}([9]).

وقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}([10]).

وقوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}([11]).

وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ}([12]).

وقوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}([13]).

وقوله تعالى : {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ}([14]).

وقوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}([15]).

وقوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ}([16]).

وقوله تعالى: {وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}([17]).

وقوله تعالى: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}([18]).

وقوله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}([19]).

وقوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}([20]).

وغيرها من الآيات الشريفة التي لم نذكرها اختصاراً.

 

وأما ( المعنى الثاني ) : المستعمل فيه هذه الصيغة ومشتقاتها، فهو بمعنى الحاجة والغرض الشخصي، والتي يُعبر عنها بالأمتعة ونحوها:

كما في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ}([21]).

وقوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب}([22]).

وقوله تعالى: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ}([23]).

وقوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ}([24]).

ولعلّ منه قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}([25]).

وكذلك قوله تعالى: {وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}([26]).  

 

وأما ( المعنى الثالث ): فهو المراد منه إعطاء شيءٍ من المال للزوجة المطلّقة قبل أن يُسمَّ مهرها وقبل الدخول بها .

كما في قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ}([27]).

وقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}([28]).

وقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً}([29]).

وقوله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً}([30]).

 

وأما ( المعنى الرابع ): فهو ما أريد به أحد أقسام الحج، والمعبّر عنه بحجّ التمتع، كما جاء في قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}([31]).

 

وأما ( المعنى الخامس ): فهو أحد قسمي النكاح، أو ما يُعبّر عنه بالعقد المنقطع في مقابل العقد الدائم، كما ورد في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}([32]).

ولا يخفى ما في هذه الاشتقاقات من تداخل وتقارب في معانيها، حيث إن الأصل في كل هذه الصيغ هي مادة واحدة ومصدر واحد، وهو الاستمتاع أو التمتع بالشيء، ولكنّ الاختلاف من جهة الاستعمال أو بالإضافة إلى المستمتِع أو المستمتَع به أو فيه - وقد يتخلف الأمر نوعًا ما، كما في المعنى الثاني بل والرابع حيث صار مصطلحًا فيه مع غض النظر عن تحقق التمتع في الخارج وإن كان الشيء بطبيعته مما يكون فيه الاستمتاع خارجًا - .

وعليه فلا فرق بين المعنى الأول مثلاً وبين المعنى السادس الذي سأذكره إلاّ من جهة الاستعمال وعدمه، أو لنقل - مراعاة للدقة العلمية - من جهة كثرة الاستعمال وندرته، ولذلك فإنّ:

 

( المعنى السادس ): هو التمتع المجرّد، وقد ورد هذا الاستعمال بهذا المعنى في القرآن الكريم في آية واحدة كما أظن، وهي قوله تعالى : {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}([33]).

وفي هذا الاستعمال لا نجد إضافة الاستمتاع إلى الكافرين أو المنافقين أو الفاسقين، وكذلك لم يرد في ضمن الآية الشريفة ذكرٌ لهم، وإن كان خطاب الآية بل والسياق فيها هو لغير المؤمنين كما لا يخفى، حيث ابتدأت الآية بطلب الاستغفار والتوبة، ونتيجة ذلك أنّ الله سوف يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمىً ووقت محدود، ويؤتِ كلّ ذي فضل فضله، وأما إذا لم تستغفروا ولم تتوبوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير...

وأنت ترى أن هذا الاستعمال لم يبتعد كثيرًا عن المعنى الأول الذي ذكرناه، فهو وإن كان حسنًا ولكنه ضمن شروط وقيود ووقت محدود، بل هو أيضًا في سياق الحديث عن غير المؤمنين..

ولذلك كله فنحن لا نجد واحدًا من هذه المعاني الستّ المتقدمة يصلح لأن يكون ضمن دعاء الفرج الشريف للإمام الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه وسهّل مخرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه وخدّامه والمستشهدين بين يديه.

وإن كلمة (وتمتعه فيها طويلا) لا تناسب أبدًا أن تكون دعاءً منّا لله سبحانه وتعالى من أجل أن يكون وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلاً وعينًا للإمام المهدي سلام الله عليه حتى يمتعه في هذه الأرض طويلاً، بعد أن اتضح بأنّ هذه الصيغة لا تستعمل في هذا السياق..

وعليه فإن عبارة (وتمكنه فيها طويلا) بعد أن عرفنا بأنها المذكورة في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي أعلى الله مقامه عند إيراده لنفس رواية الدعاء الشريف هذا، وبعدما اتضح جليًا بأن هذا التعبير هو المستعمل كتابًا وسنة في مثل هذا السياق، وإن كلمة (وتمتعه) لا تناسب المقام بل ولم تستعمل في مثل السياق، ظهر بأن التعبير الصحيح والذي يجب أن يكون هو المستعمل عند قراءَتنا لهذا الدعاء الشريف هي عبارة (وتمكنه فيها طويلا) بلا شك إن شاء الله تعالى..

هذا مضافًا إلى ما أشرنا إليه من احتمال التصحيف لما بين (تمكنه) و(تمتعه) من التشابه والتقارب في خطوط ذلك الزمان خاصة قبل التنقيط كما لا يخفى..

وقد كان هناك نقاط أخرى مرتبطة ببعض جهات الموضوع أعرضنا عنها اختصارًا..

ــــــــــــــــــ

[1] - سورة الأنعام: من الآية128.

[2] - سورة التوبة: من الآية69.

[3] - سورة الفرقان: من الآية18.

[4] - سورة القصص: من الآية61.

[5] - سورة الشعراء: :204- 207.

[6] - سورة البقرة: من الآية126.

[7] - سورة هود: من الآية48.

[8] - سورة لقمان:24.

[9] - سورة الأحزاب:16.

[10] - سورة الحجر:3.

[11] - سورة العنكبوت:66.

[12] - سورة محمد: من الآية12.

[13] - سورة هود:65.

[14] - سورة إبراهيم: من الآية30.

[15] - سورة النحل:55.

[16] - سورة الذاريات:43.

[17] - سورة الأحقاف: من الآية20.

[18] - سورة آل عمران: من الآية14.

[19] - سورة النساء: من الآية77.

[20] - سورة الحديد: من الآية20.

[21] - سورة النور: من الآية29.

[22] - سورة الأحزاب 53.

[23] - سورة يوسف: من الآية17.

[24] - سورة يوسف: من الآية79.

[25] - سورة المائدة: من الآية96.

[26] - سورة عبس: 30 - 32.

[27] - سورة البقرة: من الآية236.

[28] - سورة البقرة:241.

[29] - سورة الأحزاب: من الآية28.

[30] - سورة الأحزاب: من الآية49.

[31] - سورة البقرة: من الآية196.

[32] - سورة النساء: من الآية24.

[33] - سورة هود:3.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد السابع والثامن      أرشيف المجلة     الرئيسية