العدد التاسع / 2007م  / 1428هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = اللهجات العامية

مصادر اللغة العامية، المجلات والمعاجم

ولعل أهم مصدر لتصيّد اللهجات العامية هو مجلة (مجمع اللغة العربية بدمشق)، وقد اعتنت معاجم كثيرة بهذا اللون، فصدر معجم عطيه في العامّي والدخيل لصاحبه رشيد عطيه،في 523 صفحة من القطع الكبير،وقد طبعه عطيه في البرازيل (سان باولو)، سنة 1944م، ومن نماذج معجمه شرح لما يعرف بالعامي (أبو الرُّكَب).

يقول عطيه : أبو الركب هو مرض من الأمراض الوافدة،يسبب آلاما شديدة في الرأس والأعضاء، وتتخاذل معه الركب، فسموه كذلك من باب تسمية الشيء باسم ما ينشأ عنه، وقد عرّبه بعضهم بحمى الدَّنْك، بفتح الدال مشددة، وسكون النون، متوهمًا أن هذه اللفظة عربية، في حين أنها إنكليزية، وصورتها (Dengue)، أو اسبانية (دانجو)، مأخوذة على الأرجح من أصل هندي أو عربي وهو الضَنْك بفتح فسكون، فيسمى هذا المرض بالإنكليزية (Break-bone) أي المرض الذي يكسر العظم، وقد عرّب عطيه هذه الكلمة بـ(الرَّبخ)، بالراء المهملة المفتوحة، وهو الدوار، وربخه أضعفه، ورُنخ عليه : بالبناء للمجهول: اعتراه وهَن في عظامه، ولعل العرب أخذوا الرنخ من اللفظة الهندية (دنك)[3].

ونحن نقول في العامية : رنّخوا، ورنّختُ الشيء : وضعت الماء عليه مدة لتخفّ قساوته ويصبح رخوًا، وهذا قريب من معنى (الوهن)، وكما يقولون في (أبو الرُّكب) يقولون كذلك في أنفلونزا (Influense)، والمعلوم أنه في تتبّع الألفاظ التي تناولها العامة وشوّهوا كثيرًا منها حتى ضاعت أصولها الفصيحة، يجب العمل على كشف النقاب عن أصلها الفصيح، وقد وضع اللغوي أنيس فريحة معجم الألفاظ العامية في اللهجة اللبنانية، وقد جمعها من شوارد الألفاظ العامية، ثم سعى إلى تفسيرها وتحليلها، فتبين ان تلك الألفاظ تعود إلى اللغات السامية، وقد استعان فريحة بالقاموس المحيط للفيروز آبادي.

وقد حاول فريحة في معجمه ذكر الأصل الذي أُخذ منه إن كانت أعجمية، وإذا كان الفعل رباعيًا كان يرجعه إلى أصله الثلاثي أو إلى أصله الثنائي إذا وجد.

ومن شواهد فريحة ، في حرف (الزاي)، زقزق الأمتعة : نقلها من مكان إلى آخر، وزقّ الأمتعة كذلك ؛ وزَقَّت الرِّجل : زلقت ؛ والزقّ :الوقوع إلى الأرض بسبب الانزلاق ؛ وزقل الأمتعة : نقلها من مكان إلى آخر[4].

ونقول بالعامية : (وأع زِق) أي وقع زقًا، والمعلوم أن فريحة في معجمه اقتصر على سكان قريته "رأس المتن".

وقد وضع اللغوي جبران جبور قاموس الجيب، الفصحى في العامية، وهو يحوي نقدا لغويًّا بحث فيه المؤلف أخطاء الأدباء اللغوية التي وردت في بعض الكتب المقرّرة للتدريس من قِبل وزارة التربية، وتمّ إنجاز هذا الكتاب في 31 آب 1943م، وقد رتّبه ترتيبًا هجائيًا، ومما ورد في هذا القاموس قوله : (بَتكه) : قبض عليه فجذبه، والعامة تقول : (بتّك فيه) ؛ (البجم ) الجماعة الكثيرة، والعامة تستعملها لتحقير البشر[5].

الشعر الشعبي

ولعل أكبر مصدر للألفاظ العامية والدخيلة، وللهجات الشعبية، هو ديوان الشعر الزجلي الذي يسمى الشعر الشعبي، كما يمكننا أن نوضّب قاموسًأ بالألفاظ العامية والشعبية والدخيلة من بطون دواوين شعراء الزجل في لبنان عامة، وجبل عامل خاصة، فليس في الشعر الزجلي محرمات لغوية في التصريف والاشتقاق، ويعطي الشاعر لنفسه الحق في استعمالات عامية مختلفة تشكّل جزءا محترمًا من ألفاظ الدواوين.

ومثالاً على ذلك : يجمع الشاعر عبد المنعم فقيه ابن عين قانا في قصيدة واحدة عنوانها (سوق الوُقيّة) مجموعة كبيرة من الألفاظ الدخيلة والعامية، ومما جاء في هذه القصيدة :

يا أَلِف رِزْقَ الله عالوقية
ونَوَّاصة لِبْطَاقِة الدّاخُون
وفستان يِتْنَهّد على الصابون
وجِلد الغَنم مَفروش عَالرَّمعون
والنار شعلانة وثلج كانون
ونْعَارة السَّمنة لِبْغَيْر دهون
وشَلْعِة جَدايا ومَعصرة زيتون
وطَحنة ثمَنْ تِمْدَاد عالطَّاحون
وعَا مصطبة جِدي وعالغليون
مع جنب رَبعَهْ نشَعِّل الطّيون
وبالمسكَبة في نَعنع وكَمّون
والمِيجَانا وكلّ العيون عيون
وسلّة ومَعقلية وكرم مضمون
وعن هالدَّوالي نْكَحْكِش الحَسُّون
 

 

وعا كَستك الساعة وصِدريه
ويِلْتِم الدِّخان عَينَيّ
ذِيَالو من البِلان مِهريّه
ومَسند ذُرى وقَعده طبيعيه
لَحَّن عالمزراب غِنيّه
بالسقف مشنوقة بكَفيّه
مع جنب هَاكِ الجَلْ مِقْفيه
وعا كل مد ونصّ، تمنيه
وعِليّة وقداّحة وصاكِيّه
ونشوي الذُّرى والعيش حُريه
تمَشِّطْهُن الغَيمة السّماوية
التنور شمَلن سويه
ومِسطاح تين يِلْم نُصِّيه
وبالكرم جَرْزِة دِبِق مِصليه[6]
 

هذه القصيدة نموذج جلي وواضح للدلالة على مدى احتفاء الزجل بالألفاظ الدخيلة والعامية، أو هو صورة عن قاموس العامة ولهجاتها المحلية، فكلمات (الوقية، كستك، نواصة، البلان، الرمعون، كحكش، نعارة، شَلعة، مِد، تمنية، القصعة، الطيون) وسواها شائعة متداولة على ألسنة العامة، خاصة في جنوب لبنان، ولم يصدف أن استعمل أحدها في الشعر الفصيح لأنها لا تصلح لميادينه الإيقاعية وبحوره.

والواقع أن معظم قصائد "فقيه" الزجلية مزدحمة بالألفاظ العامية وبلهجات الضيعة اللبنانية، وهذا الذي دفعني إلى اختيار نماذج منها:

حَدّي وشُوفي يا عَيني
ومسعودي بِتْلِمّ قِصَاص
 

 

عِطر وياقوت وزِيني
وجْليَبِيني وِقْرَيّني

 

 

مَحْلا غَيمِ الصّبح يطُم
ومَحْلا الجِدْيِهْ ومَْحَلا الأم
ومَحلا مقَصّ الدَّالي يجم
وابن أختي يسرح ويلم
 

 

المرج ويِكْشَح للراعي
تمعّي ومفهوم الداعي
بإيد الكَرَّام الواعي
سكوكع ويشك جنيني
[7]
 

القصيدة العامية تشير إلى نفسها هنا.

هذا دأب جميع شعراء الزجل، ولذلك سمي شعرهم (الشعر الشعبي)، فلنستمع إلى الشاعر الكبير زين شعيب في بعض الأبيات تأكيدًا على المفهوم الذي أشرت إليه وذلك من قصيدة عنوانها (كيس طحين):

بَيْ خمس ولاد بالضيعه فقير
نادى على شريكة حياتو وقلّها
تنهّد ونزلت دمعتو وقال
جمّع تيابو، بَوّس ولادو ومشي
 

 

شَغِلْتُو طرّاش معمرجي صغير
بعد عنّا طحين قالت مش كثير
يا ربي افرجها على بَيْ العيال
تيابو بيمينو والمهدَّي بالشمال[8]
 

في كل ما ورد، إنك بمجرد أن تحوّل اللفظة الفصيحة إلى شكل جديد تكون قد عمّمته، أي أدخلته نطاق العامة.

يقول عبد المنعم فقيه:

بُكرا وَرْدَات الْبِدّار
 

 

عا غيابو بيلوموني
 

فلو حولنا هذا البيت من الشعر العامي إلى الفصيح نستطيع أن نقول :

غدًا الوردات التي في الدار
 

 

على غيابه يلمنني
 

ومن المصادر الأساسية للشعر العامي، الأغنيات الشعبية التي تكاثرت هذه الأيام، ودخلت صميم اللغات العامية، قال الشاعر مارون كرم من قصيدة مكاتيب:

كانوا بجارور خزانتك ضمي
ولما عليك يطول غيابي
 

 

فيهن حكي من تِمّك وتِمّي
تاخذي ورقة من كتابي
 

وفيها تصيري عالهدا تشمي[9]

ثم لاحظ هذا التصغير العامي في هذه الأبيات للشاعر نفسه:

يا بيتي يا بويتاتي
فيك خلقت وفيك ربيت
 

 

يا مسَتّر لي عويباتي
وفيك بربي وليداتي
 

وهذا السيل من الألفاظ العامية في الأغنية نفسها:

وجدّي يعبِّي الكْوَارة
ويا عيني هاك الغلّي
 

 

من الغلّة البالدوّارة
وحكاية أم بشارة
 

ست البيت الختيارة[10]

الأمثال الشعبية:

ونضيف إلى ما سبق مصدرًا آخر يعبّر تعبيرًا واضحًا عن قاموس العامة اللغوي، وهو (الأمثال الشعبية العامية)، علمًا أن كثيرًا من هذه الأمثال يعود إلى أصل فصيح، إن لم يكن معظمها، وإليك بعضَا منها:

صوفتو حمرا : صوفته حمراء.

طب الجرة عاتما بتطلع البنت لأمّا.

إجِرْ لورا وإجر لقدام.

لا تقول فول تيصير بالمكيول.

انهزي بتنعزّي.

مثل الفواخرة لا دنيا ولا آخره.

كرمال عين تكرم مرجعيون.

المنحوس منحوس، ولو علقولو على بابو فانوس.

الحبل عالجرار

صاروا خوش بوش

قَدْ بساطك مد جريك.

بالسياسة صاحبك لا تسألو
رزق العطايل للأصايل، والحمار
 

 

كل واحد عندنا إيدو إلو
اللي طَيْلَعو  عَ الميذنة بينزلو[11]
 

هذه نماذج قليلة مما في جعبة الزمن وقاموس الشعب من أمثال عامية متداولة.

إنها اللغة العامية، التي يرجع معظم مفرداتها إلى اللغة الفصحى، كما يظهر من النصوص التي وردت، وسنتبين ذلك أكثر إنشاء الله مما سيرد تباعًا في المعجم الذي سأعمل على إنجازه، راجيًا من الله العون والتسديد، كما أتمنى أن تكون صفحات هذه المجلة المباركة راعية لهذا العمل اللغوي.

____________

هوامش

[3] - رشيد عطيه، معجم عطيه في العامي والدخيل، ص 17، دار الطباعة والنشر العربية، سان باولو،البرازيل، 1944م. عبد المجيد الحر، المعاجم والمعجمات العربية، دار الفكرالعربي، ط1، 1994م، ص141-142.

[4] - عبد القادر المغربي، معجم الألفاظ العامية في اللهجة اللبنانية، مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، ك2 1940م،ج1، م23، ص120.

[5] - عبد المجيد الحر، المعاجم والمعجمات العربية، ص149.

[6] - عبد المنعم فقيه، الديوان، مخبا القمر، ص67و68،ج2، ط1، 1996م بيروت.

[7] - المصدر نفسه، ص168.

[8] - ديوان زين شعيب، ص359، لبنان، بيروت، ط1، نيسان 1996م.

[9] - مارون كرم، مروج الأغاني، ص111، مطبعة عزيز، جونيه، ط1 1998م.

[10] - المصدر نفسه، ص94.

[11] - سلام الراسي، اقعد أعوج إحكي جالس، ص54، مؤسسة نوفل، بيروت، لبنان.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد التاسع