العدد الثالث / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات هذا العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

تحقيق مصوّر

تتمة مقال = حوزة الإمام المنتظر (عج) - بعلبك

 

صمّام الأمان:

□ النجف الأشرف واقعة اليوم تحت الاحتلال، كيف تنظرون إلى دور المرجعية في مواجهة هذا الاحتلال؟

الحوزة العلمية في النجف هي صمّام أمان في الأمّة الإسلامية، وخاصة في العراق، فهذه الحوزة في النجف الأشرف بقيادة المرجعية وسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، حفظت العراق من فتنة مذهبية، يريدها ويخطّط لها الاحتلال الأميركي، وقوى أخرى تريد العبث بالعراق من خلال ما تقوم به  من أعمال وحشية بهدف إحداث الفتن، فالذي يقف سدًّا منيعًا بوجه هؤلاء كلّهم هو تلك المرجعية، ومن هنا نفهم عظمة تلك المرجعية..

□ ما ردّكم على بعض الانتقادات التي تصدر من هنا وهناك للدّور الذي تقوم به تلك المرجعية في العراق؟

 هذه الانتقادات يجب أن نتروّى في إطلاقها، وفي توزيعها، لأن من ينتقد يجب أن يعيش الواقع ويفهم الواقع بكل أبعاده، لا أن ينتقد من بعيد بدون أن يكون لديه خبرة، والمرجعية في النجف لم تفرّط بوحدة العراق وشعبه ولم توافق حتى اليوم على استقبال أحد من المحتّلين رغم كل الضغوطات الممارسة وكل محاولات التضييق عليها من قبل أولئك المحتّلين، هذه المرجعية تعمل بتعقّل وصبر ضدّ الاحتلال كما صرّحت في أكثر من مرّة، لكن كيف نواجه المحتلّ؟ فالأساليب تختلف، وليس هناك تراجع، ففي الواقع الذي نعيشه اليوم، والذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية فيه تفتيت شعوب المنطقة وخلق الفتن المذهبية فيها، مَن الذي يردّ ؟

الذي يردّ الحوزة والمرجعية فيها، وخاصة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الذي يُعتبر صمّام أمان في الأمّة وفي العراق، وهو الصورة المضيئة والمشعّة، وما سمعناه نحن من المرجعية والقيادة عندنا أن السيد السيستاني هو "نعمة من الله في هذا الزمن".

□ تحدّثت عن الثورة الإسلامية التي قادها السيد الخميني، وكان من أبرز شعاراتها الوحدة الإسلامية، فهل ما نشهده اليوم من أحداث ودعوات تكفيرية يجعل مثل هذا الطرح أمرًا قابلاً للتحقيق؟

نحن نعمل بكل ما أوتينا من قوّة وقدرة لتحقيق الوحدة الإسلامية، لكن قد تقوم أنت بكل وسيلة ممكنة ولا تنجح في تحقيق هذا الأمر، فالإمام الخميني دعا إلى الوحدة الإسلامية، لكن اجتمعوا عليه لمحاربته، ومع ذلك استمر بالدعوة لتحقيق هذه الوحدة واستمر يقول: "مصلحة المسلمين في وحدتهم"، ونحن نقول اليوم الكلام نفسه، ونعمل بالمنهجية نفسها من أجل هذه الوحدة الإسلامية، لكن تحقّق هذا الأمر يتطلب تعاونًا من الجميع، لأن هناك طرفًا آخر، ويجب أن يكون حاضرًا لأن يعترف بوجودك ويعترف بك لإنجاز هذه الوحدة، أما إذا كان هذا الطرف يحكم عليك بالكفر أو بالإعدام، ومهما فعلت أنت هو لا يتقبّل ولا يقبل، فكيف تتحقّق الوحدة؟!

فالوحدة لا تقوم من طرف واحد، ويجب أن تتهيّأ الأجواء لها، فالحوزة العلمية حتى في النجف رغم كل ما يحصل من قتل ومجازر تدعو إلى الوحدة الإسلامية وتبذل كل جهد لنزع فتيل الفتنة المذهبية لأن هناك إيمانًا عميقًا بأن هذه الأمة لا خلاص لها إلا بوحدتها.

مزايا ومرونة:

علماء الدين هم الذين يمثّلون الإسلام وثقافته، وعليه فإن الأنظار إليهم تتّخذ دائمًا منهم أشكالاً مثالية لما يجب أن يكونوا عليه من علم ومعرفة من جهة، ومن سيرة حسنة في الخُلق الكريم وروح أخلاقية عالية تُجسّد بشكل صحيح الإسلام وقِيَمَهُ، ومن هنا كان التركيز الشديد في حوزة الإمام المنتظر على التربية الأخلاقية واعتبارها بالمستوى نفسه لتحصيل العلوم، فمن كان بارعًا ومبدعًا في الدراسة، ليس له استمرار في الحوزة ما لم تكن أخلاقه حسنة، تمامًا مثل الطالب الذي يتمتّع بأحسن المزايا الأخلاقية وليس مجتهدًا أو قادرًا على التحصيل العلمي المطلوب.

ولذلك فهي أدخلت إلى منهجها حصّة مادة التربية الأخلاقية، يتولّى تدريسها أستاذ مختص يواكب الطلبة أيام الدراسة، يرعى شؤونهم ويعالج مشاكلهم على هَدي تعاليم القرآن الكريم وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وأستاذ هذه المادة هو الشيخ الناصري وهو من المبدعين في هذا المجال.

المناهج والدراسة:

وحول موضوع المناهج المعتمدة والشروط الموضوعة للدراسة وقبول انتساب الطلاب إلى الحوزة تحدّث لـ"رسالة النجف" المدير الداخلي فيها سماحة الشيخ بلال عواضة عبر الحوار التالي:

□ هل وصلت الدعوات إلى إعادة النظر بالمناهج وأساليب التدريس إلى حوزتكم؟

حوزة الإمام المنتظر ككل الحوزات تسعى لتطوير المنهج الدراسي لكن بشرط عدم الإخلال بالمضمون، وهناك بعض المحاولات التي نقوم بها وهي في طور الاختبار وبحدود الأخذ بكل ما يسهّل على الطالب الفهم وإمكانية التحصيل.

□ على سبيل المثال ؟

اعتماد أسلوبٍ لدرس الفلسفة كما هو الحال في الجامعات، فمثلاً بدأنا بتدريس الفلسفة الغربية ومقارنتها مع علومنا الفلسفية، وندرّس اللغة الإنكليزية، وإلى جانبها الفارسية.

وفيما يخصّ بعض الدعوات أو الكلام عن توأمة بين الحوزة والجامعة أي إدخال بعض المواد الجامعية إلى الدراسة الحوزوية، فهذا لم نأخذ به وفي الوقت الذي حرصنا فيه على أن تبقى الحوزة حوزة، سمحنا بالمقابل بالذهاب إلى الجامعة، إتاحةً في المجال لمزاوجة غير مباشرة بين العلوم الدينية والعلوم الحديثة للراغبين في ذلك.

□ مسموح للطلبة في الحوزة أن يدرسوا في الوقت نفسه في الجامعات؟

يحقّ للطالب عندنا ومسموح له متابعة دراسته الجامعية إذا أراد، بشرط أن يكون الحضور عندنا إلزاميًا، إلا في حال تزاحم أوقات الامتحانات في المكانين، عندها فقط يمكن تأجيل امتحانات الحوزة.

□ وما هي الشروط لمن يريد الانتساب للحوزة من الطلاب؟

للحوزة شروط انتساب ربما يصحّ وصفها بأنها صارمة، فهي أولاً تشترط أن يكون عمر الطالب ما بين ثمانية عشر عامًا واثنين وعشرين، وأن يكون حاصلاً على الشهادة الثانوية، وألا يكون متزوجًا، وأن يكون في القسم الداخلي فلا يخرج من الحوزة إلا يومين كل أسبوعين، وإذا توفّرت هذه الشروط يخضع الطالب لامتحان دخول خطي ومن ثمَّ لمقابلة شخصية يُستوضح فيها عن شخصيته ووضعه الاجتماعي وطُموحاته وهدفه من الدراسة، وبعد ذلك يخضع لتجربة مدّة ثلاثة أشهر، ومن ثمَّ إذا مرّ في كل تلك المراحل، عليه أن ينجح في امتحانات الفصل الأول، فإن نجح يكمل في الحوزة، وإلا يتمّ الاعتذار منه.

□ ما هو عدد طلاب الحوزة حاليًا؟

الدراسة في الحوزة حافظت على طابعها النجفي وهي تشتمل على ثلاث مراحل: مرحلة المقدّمات، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات، ومرحلة السطوح، ومدة درستها خمس سنوات، ومرحلة ما بعد السطوح وهي بدون مدّة محدّدة، والأمر فيها يعود إلى نشاط الطالب والمدرّس.

أما عدد الطلبة في الحوزة حاليًا فهو ستون طالبًا لمرحلة المقدّمات والسطوح، واثنان وثلاثون في مرحلة ما بعد السطوح.

□ هل هناك اشتراط على الطلاب في تقليد مرجع محدّد؟

أبدًا، ففيما يتعلّق بالتقليد فالحرّية متروكة للطالب، ولكن على الأعم الأغلب نلاحظ أن الطلاب من مقلدي سماحة السيد علي الخامنئي.

□ وبالنسبة إلى الموارد، من أين تحصل عليها الحوزة؟

الحوزات الشيعية عامّة تعتمد في مواردها المالية على الحقوق الشرعية، وفيما يخصّ حوزتنا فكل مواردها من الحقوق الشرعية، كما أن هناك الهديّة السنوية التي تصل إلى جميع طلبة العلوم الدينية من السيد السيستاني والهدية الشهرية من السيد القائد الخامنئي.

أُنس:

داخل حوزة الإمام المنتظر في مدينة بعلبك تشدّك رغبة سحرية للبقاء فيها، نشاط المشرفين والقيّمين عليها من أساتذة وإداريين يوقظ فيك طموحات بعيدة، بينما حركة الطلاب في صلواتهم وأدعيتهم واجتماعهم على أعلى مراتب الأخلاق والتصميم على التحصيل العلمي والتعاون فيما بينهم يشعرك بالأمان والطمأنينة إلى أن الإسلام بخير طالما الحوزات الدينية بخير، أو كما يقول الشيخ بلال عواضة: أشعر بأن لحوزتنا، وربما لكل حوزة، أُنسًا خاصًا مع صاحب العصر والزمان يحفظها ويرعاها لتؤدي دورها في رعاية وحفظ الإسلام العظيم.


 

اعتكاف وخطابة وصلاة جماعة

من النشاطات التي تقوم بها حوزة الإمام المنتظر، الاعتكاف ثلاثة أيام في المسجد في شهر رجب، وثلاثة أيام أخرى في ليالي القدر في شهر رمضان المبارك.

وتفرض الحوزة على طلابها وحسب التسلسل الأبجدي لأسمائهم أن يقوم كل طالب بين صلاتي الظهر من كل يوم، بشرح مسألتين فقهيتين وإلقاء حديثٍ أخلاقيٍّ، والمراد من ذلك تعويد الطالب على القيام بدور إمام الجماعة.

كما على الطلاب كل يوم أن يؤدّوا داخل الحوزة صلاة الجماعة في أوقاتها.

وهناك أيضًا الندوة الأسبوعية التي أسّسها السيد عباس الموسوي واستمرّت بعد استشهاده، وهدفها تعويد الطلاب على الخطابة، وتُعقد هذه الندوة كل يوم اثنين، ويقوم طالبان بإلقاء خطبة تتناول موضوعًا عامًا أو موضوعًا في مناسبةٍ ما، وهناك أستاذ مُشرف ذو اختصاص بهذا الشأن، يتولّى تسجيل الملاحظات وتوجيه الطلبة لناحية الكتابة والإلقاء.

طريق إلى الله:

على مقاعد الدراسة في حوزة الإمام المنتظر عدد كبير من الطلبة غير اللبنانيين، وهم من جنسيات عدّة، عربية وإسلامية، ومن ضمنهم عدد من الطلاب الفرنسيين والبريطانيين وبعض الأفارقة.

وفي دردشة سريعة مع الطالب محمد باقر حرب، وهو حائز على إجازة في الفلسفة من  الجامعة اللبنانية، ومن طلاب صف السنة الأولى في مرحلة السطوح في الحوزة:

"أعتبر أن حوزة الإمام المنتظر بالإضافة إلى تميّزها بالمستوى العلمي الجيد، وكفاءة أساتذتها وعطاء المشرفين عليها، فإنها تمتاز أيضًا بالأجواء التربوية فيها، وبالعلاقة الإنسانية العميقة التي تنشأ نتيجة لتلك الأجواء بين الأستاذ والتلميذ، مما يوفّر الطمأنينة للطالب ويحفّزه  على التحصيل".

وعن هدفه من الدراسة الحوزوية يقول الطالب حرب: "أولاً طلب العلم واجب كفائي للقيام بأمر الدين، وأنا لديّ رغبة شخصية للقيام بهذا الدور، يضاف إلى ذلك واجب التمهيد لخروج الإمام المنتظر وهذا طريق إلى الله".

تبليغ:

التبليغ من أهمّ النشاطات التي يقوم بها طلبة حوزة الإمام المنتظر، ويتمّ هذا النشاط في شهر رمضان المبارك حسب برنامج خاص تضعه إدارة الحوزة لطلاب مرحلة السطوح، وهو يُلزم طلاب هذه المرحلة بذهاب كل منهم إلى بلدة للتبليغ فيها طيلة الشهر الكريم.

انتهى التحقيق

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثالث    أرشيف المجلة     الرئيسية