العدد صفر :  2005م / 1425هـ

     رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال - الإنسان والموت (الشيخ علي ياغي)

النقطة الأخيرة: علم الإنسان بالأجل:

المعروف أننا نحن الآدميين قد ستر عنا العلم بآجالنا: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}([1])، فإنّ الأجل غيب محجوب علمه عن الأنفس، فهي تعيش مترقّبة له متوقّعة عدوه عليها بسبب أو بآخر، بين لحظة وأخرى، ذلك أنّ الآلة التي يبلغ بها إلى الأنفس لموافاتها، هي أيضا كالأجل نفسه ليست معلومة، فقد يأتي عبر سبب اعتدنا القيام به كل يوم في حياتنا، كمن يموت في شرقة الماء، أو غصّة الطعام، وما أشبه ذلك، بل لا حسبان يمكن أن يحمي من الأجل، فكل ما يمكن في ظرف ما أن يكون سببا للحياة يمكن أن يكون في ظرف آخر سببا للموت.

فالأجل مستور عنا بنفسه وسببه البتّة وفي ذلك بالغ الحكمة، وغاية الرفق والرحمة، فالآدميون بشكل عام لا يطيقون العلم بآجالهم ولا بأسبابها، فلو علم فلان ساعة أجله وسببه، لأمضى حياته وقفًا على تلك الساعة دون أي أمر آخر، ولتنغّص عليه كل ما يكون سبب أنس عند غير العالم بالأجل، وهذا يفضي إلى تعطيل الحياة وتقطيع سبلها، ويحوّل حياة الإنسان إلى هم وغم وتكدّر...

هكذا نتصوّر فعل العلم بالأجل عند كثير من الناس، مع أن الجميع يعلمون أنهم مطلوبون لسلطان الأجل، فلا نتصوّر إنسانا لا يعيش فكرة الموت وموافاة الأجل، غاية ما في الأمر أنه يدفع عن نفسه محذور الموافاة باللحظة أو المكان بقوّة خياله ووهمه، فيرى في الشيء الفلاني الوجه الآخر الذي لا تذهب به الحياة، وهكذا يتعايش مع الموت المعلوم مبدأ، المجهول في تفاصيله زمانا ومكانا وسببا، هذا الكلام كلّه يجري بحقّ معظم الناس.

وإذا كان العلم بالأجل عندهم يفضي إلى ما ذكرناه من النتائج، فإنّ الحكمة قاضية بستر العلم به، ولزوم تغييبه عن أفق النفس، وما دمنا نرى في العلم بالأجل كل تلك المحاذير، وربّما نتصوّر غيرها أيضا، مما يؤكّد أنّ ستره حكمة وتغييبه رحمة، لنا أن نقول: بأن الحكمة تدور مدار ما تجري بحقّه، فليس من الحكمة التعميم على مساحة العنوان إذا كانت أفراده مختلفة الحيثيّات، وكان مجرى الحكم ليس العنوان، بل بما هو عاكس في مرآته لأفراده، فإذا كان الأفراد لهم حيثيّات مختلفة، وكان الحكم على العنوان بما له من معنونات وأفراد مختلفة، سقطت مقولة التعميم عن الاستقامة في التدليل، وتنافت في أمانة البيان والتبيين، وجرت حينئذ في غير موردها مما يقلب الغاية إلى ضدّها.

ونحن قاطعون البتة بأن ملاك ستر العلم عن معظم الناس ليس ببشريّتهم، ولا آدميّتهم، ولا إنسانيّتهم التي قد يشترك في عنوانها جميع الأفراد، بل الذي قضى بستر العلم بالأجل فكان تجلّيا من تجلّيات حكمته ورحمته ولطفه بعباده، إنّما هو خصوصيّة الفرد الفلاني الذي يجري بحقّه القول بأن علمه بالأجل تعطيل للحياة.. الخ.

وأما إذا كان العلم بالأجل لا يفضي إلى شيء من هذه المحاذير، ولا يلزم منه نقض الأغراض من خلق الموت والحياة، ولم يكن لتغييب العلم به أيّ فائدة ترجى وأية غاية تطلب، فهل تبقى الحكمة واجدة لظرف جريانها؟

لا أعتقد أن عاقلا يقول بهذه المقالة، أو سالمًا في وعيه يرضى هذه الهزالة...

وربّما يلتفت ملتفت فيقول: وهل يوجد في الآدميين من يرى الموت والعلم به على غير الوصف الذي ذكر، فإنّ جميع الناس ينظرون إلى الموت ومحذور العلم بالأجل بنفس العين وبعين الروح التي ذكرت، مما يعني أن القضيّة افتراضيّة فحسب، ولا واقع ميداني لها، مما يؤكّد أن هذه النظرة للعلم بالأجل متعلّقة بالطبع البشري والفطرة الآدمية ليس إلا؟

والردّ على ذلك: أن كل حبيب راغب في لقاء محبوبه لا محالة، وكل موعود بالسرور محبّ متشوّق لملاقاة سروره، وكلّ تَعِبٍ مهموم محبّ للراحة وخلع ثوب الهموم عن نفسه إلى غير ذلك، وكلّما اقترب موعد اللقاء مع الحبيب أو ملاقاة السرور، أو خلع ثوب الهموم، كلّما كانت اشراقة الوجه وأنس النفس أشدّ وأعظم، لاقتراب البشرى ولقاء الحبيب، فنحن إذن بين أن نقول بأنّ جميع الناس كارهون للموت ولقاء ربّهم، ومواجهة اليوم الآخر في غدهم وبين التبعيض...

فبعض الناس يحبّون وبعضهم لا يحبّون، ولا مصير إلى التعميم أبدًا، لأن ذلك يعني أنه لا يوجد في الآدميين من عاش حبّ الله، وحبّ ما يحبُ الله ورضا ما يُرضى الله وبغض ما يبغضه الله، وقد ادّعى بعض الناس حبّ الله وأنّهم أولياؤه، فبيّن الله لنا علامة كذبهم وادّعائهم الباطل بأن قال لهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}([2])، فجعل علامة الحبّ تمنّي اللقاء والشّرف بالحلول في دار الكريم عزّ اسمه، مما يعني أن المحبّ يرغب في لقاء حبيبه ويتشوّق إليه، ثمّ إنّ الآية أرجعت عدم حبّ اللقاء إلى الظلم، وبما أنّ الظلم يمكن تركه، دلّ ذلك على إمكان أن يحصّل الإنسان درجة الحبّ لله أيّ إنسان كان، بل بما أنّ ترك الظلم واجب وجب تحصيل الحب لله، فمن لا يتمنّى الموت إنّما يكون ذلك لا لاقتضاء في الطبع وإنّما للجناية المحرّمة التي أنشأت بين الإنسان وبين الموت، بين الإنسان وبين الله الفرقة والبعد وربّما المعاداة والتباغض، وعليه فهل لذي معرفة أن يدّعي أنّ أحدا من العالمين لم يعش حب الله وحب لقائه والشوق إليه والوله به عزّ اسمه؟

صحيح أنّ للحب مراتب وللشوق مراتب وليست كلّ‍ها بالمرغّب في اللقاء، ولكن حيازة بعض الآدميين للحب الناشئة عن معرفتهم وتركهم للظلّم وفعلهم الخيرات والمبرّات الصالحات الجاذبة لكيانهم نحو ساحة قدسه، والمشوّقة نفوسهم إلى سناء ضيائه كانت بأعلى درجات الحب وأسمى غاياته حتى غلب هذا الحبّ على جميع وجودهم فصرفهم عن جميع ما عداه عزّ اسمه، ولقد وصف عليّ (عليه السلام) لهمام (رض) هؤلاء، فقال(عليه السلام): (ولولا الأجل الذي كتب لهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون)([3]).

فمن تكن هذه حاله في حبّه لله وشوقه إليه وولهه فيه ورغبته في لقائه، هل يبقى من الحكمة أن تستر السماء العلم بالأجل عنه، وعلمُه بالأجل يزيد من جهده فيما يرضي محبوبه ويقرِّبه منه أكثر ويدفعه للاستزادة من الصالحات والمبرّات؟..

لا أعتقد أنه يصير إلى هذا المذهب متأمّل متفهم طلب المعرفة على أصول الطلب، وجرى مع ناموسها وفق شرعة الأدب.

وإن كان لله محبّ في سمائه أو أرضه فيمن سبق أو لحق قد حاز من الحب أعلى مراتبه وتناهى في العشق إلى أسمى معارجه وغاب في الوله حتى ذهل عن نفسه، إنما هم أكمل بريته وخيرته من خلقه الذين سبق في علمه أنهم العباد المكرمون الذين يفعلون ما يؤمرون ولا يعصون الله طرفة عين، هم محمد وآله الأطهار المعصومون الأبرار، فهؤلاء طليعة من يقع بحقهم الاستثناء في العلم بالأجل زمانًا ومكانًا وكيفًا مفصلاً، يتلوهم في ذلك غيرهم من الأنبياء والأولياء ومن يجوز بحقّهم الاستثناء، على أن من راجع التاريخ لا مفرّ له عن الإيمان بتواتر الاستثناء المتشخص، إخبارًا لفلان وفلان.

نعم ربما يثير البعض نقاشًا حول ما يلزم من العلم بالأجل، ولا سيما بشأن الحوادث التي يمكن دفعها والتفصي عنها بسبب أو بآخر، فربما يقال بأن مَنْ يعلم أن أجله بضربة سيف محدّد فاعله وزمانه ومكانه، لا يصح له أن يسعى إلى حتفه برجله، ويلزمه أن يحتاط للمحذور الذي يطلبه وإلا يكون ممن ألقى بيده إلى التهلكة وسلك بنفسه سبيل الهلكة.

مثال ذلك ما يرويه لنا المؤرخون في السير عن شهادة سيد الأولياء علي (عليه السلام)، وما يروونه عن شهادة المجتبى أبي محمد الحسن بن علي ‘، أو شهادة السبط المظلوم أبي عبد الله (عليه السلام) في كربلاء، بل يجري النقاش بحق جميع الأئمة (عليهم السلام) لعين ما ذكر في الأمثلة.

فإذا كان علي(عليه السلام)يعلم بأجله علمًا تفصيليًا في الزمان والمكان والفاعل وغير ذلك من التفاصيل، ثم سعى باختياره إلى المكان في الزمان المعلوم المحدّد ووجد العازم على قتله وفق ما يعلم من أمره، ومع ذلك لم يتخذ أيّ تدبير، وترك الأمر يسير وكأنه مسلوب الإرادة لا حول له ولا طول، أفلا يكون علي(عليه السلام) قد سعى إلى حتفه برجله واستسلم للقدر الممكن دفعه، أليس يكون (عليه السلام) قد ألقى بيده إلى التهلكة؟..

ربما يثار مثل هذا النقاش حول هذا الأمر وما يشابهه:

الرد على ذلك:  بأن الأمثلة المذكورة وسواها ليست من مورد القاعدة أصلاً، فإن الفرق بين علي(عليه السلام) وغير العالم بالأجل أمر واحد إذا ما نسبناهما للموت الذي يشتركان فيه، فإنه لا بد أن كل نفس ذائقة الموت، فإذا كان الموت هلكة فهو الفرد القضاء الذي لا بد لكل نفس من موافاته والوقوع في أحضانه، فهل رأيت أن من يموت من أيٍ كان من الناس يلام على موته بأنه ألقى بيده إلى التهلكة، هذا لا يصير إليه أحد.

وعلي (عليه السلام) من الناس، فلا بد أنه ميت مفارق هذه الحياة علم بأجله أم  لم يعلم بأجله، فالعلم وعدمه لا يُخرج الموت عن كونه قضاءً لا بد من موافاته والوقوع فيه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}الزمر30، فإذا كان الموت قضاء محتومًا لكل نفس فإن عليًا (عليه السلام) سيلاقي الموت حتمًا، وعلمه وعدم علمه بذلك لا يقدّم ولا يؤخر البتّة، فإن القضاء المبرم واقع علمنا به أو لم نعلم.

فيجب حينئذٍ أن نحمل (العلم ) العلم بالأجل عند علي(عليه السلام)بمعنىً آخر غير الإلقاء في التهلكة، فإن التهلكة مرتبطة بالقضاء على الأنفس بالموت، وهذا المعنى الآخر هو إبراز فضيلة عريضة عظيمة لعليّ (عليه السلام)، وهي تصبّره وتحمّله بإرادته واختياره ومشيئته لقضاء الله.

على عكس معظم الناس الذين لو علموا من الموت ما علم عليّ(عليه السلام) منه لأخلوا وحاولوا أن يهربوا من القضاء فأوقعهم ذلك في مخالفة ما يريده الله وما قضى به من قضاء في آجال الأنفس.

على أن من قضاء الله عز وجل أن يصيّر كل نفس إلى جهتها المستحقّة لها في آخرها، فهو يسير الصالحين كلا بدرجة صلاحه إلى أعلى عليين أو إلى جنة النعيم أو إلى ظلّ رحمته في جنة عدن أو جنة المأوى أو أن يجعله على الأعراف أو سيد شبابها أو الآمنون يوم الفزع الأكبر وما إلى ذلك.

وأن يصيّر الكفار كلا بحسب مرتبة سوئه إلى سقر، والمنافقين إلى لظى، والقاتلين إلى جهنم وما إلى ذلك.

ولكن لا يصيّر أهل الجنة إلى مقاماتهم إلا بفعل وسبب ولا يصيّر أهل النار إلى دركاتهم إلا بفعل وسبب، فإذا كانت درجة علي(عليه السلام) ومقامه السامي في العالم الآخر مرتبطًا بسبب، وكان من سببه أن يقتل بهذه القتلة وأن يتصبر على هذا القضاء، وإذا كانت دركة ابن ملجم من جهنم بتلك المثابة لخبث سريرته وسوء اختياره وعظم جنايته، وكان ابن ملجم مستحقّا لها، ألا يكون صبر علي(عليه السلام) حينئذٍ على وقع السيف على هامته من باب فداء الآخرة بالدنيا وشراء المقام العالي في رضا الربّ استقبال الشهادة وتبليغ ابن ملجم إلى دركته لمكان أنه مستحق لذلك الكون وفق قانون الجزاء.

فيكون علي(عليه السلام) بذلك مجرى قضاء الله وسبب أمر الله اختاره الله لكونه الأليق باستحقاق الكرامة والأجدر من بين الخلق لعزّ القيامة.

وبهذا التوجيه يخرج الفرض عن كونه من باب إلقاء النفس إلى التهلكة ورميها في طريق الهلكة، فبعد غفران القضاء بالموت الذي لا بد منه علمنا بسببه أم لم نعلم لم يبق المورد من الهلكة المنهيّ عن ارتكابها أصلاً.

 وإذا كان الأمر كذلك فلا بدّ للمناقشين من قبول الروايات التي أسقطوها عن حجيتها تحت ذريعة المعارضة مع ما يعقلونه من لزوم دفع المحذورات وعدم جواز ارتكاب المهلكات وقياسًا للنبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)على شخصية هؤلاء المناقشين تحت شعار قاعدة الاشتراك في الأحكام.

مع أن المطّلع على الأحكام ببصيرة وإحكام يجد الفوارق الجسام بين أولياء الله وبقية الأنام، فما رأي المناقشين في هذا الأمر بقضية يوسف بن يعقوب أليس يعلم يعقوب بأن أولاده سيلقون أخاهم يوسف في غيابة الجبّ أم أن إلقاءه في الجبّ ليست من الهلكة، أليس يعلم يعقوب بأن ولده الحبيب المحبّب سيمكث في السجن أم أن السجن ليس من الحذورات، أم أن هذه القضية غفرتها المزاحمة، فكان الأهم ما آلت إليه الأمور من وصول يوسف إلى ملك مصر.

وهل ملك مصر أهمّ أم الجنّة أهم ‍‍‍!!!...

وما رأي المناقشين في هذا الأمر بقضية إبراهيم(عليه السلام)مع زوجته هاجر،فهل تقبل عقول المناقشين أن يترك أحد امرأة وطفلاً بأرض غير ذي زرع (لا أدري لو كانوا مع إبراهيم(عليه السلام) ماذا كانوا يقولون له؟!).

ربما أمروه بالمعروف ونهوه عن المنكر، أو علّموه ما لم يكن يعلم من علم الأصول ولفتوا انتباهه لقاعدة اشتراك الأحكام.

ما رأي هؤلاء بقضية ذبح إبراهيم (عليه السلام)لولده (النبي إسماعيل(عليه السلام)) من غير مزاحمة مع شيء البتّة سوى أنه رأى في المنام، وهل يجوز أن يرتب الأثر الفادح لذبح ولدٍ نبيّ لمجرد منام، ومثل هذه القضايا كثيرة في الكتاب العزيز وسيرة الأنبياء (عليهم السلام) وقضايا كثيرة تخصّ النبي(صلى الله عليه وآله) و أهل البيت(عليهم السلام).

وإني أعتقد أن هؤلاء المناقشين يجب أن يلتزموا رفض كل هذه القضايا التزامًا بمبناهم الذي أسلفنا ذكره، فإن عقولهم الجبّارة هي الميزان الذي سلم عن الخسران، فما قبلته تلك العقول فهو مقبول وإلا فيجب أن يعيد الله النظر في كتابه وأن يوحي إلى أنبيائه غير ما أمرهم به ودعاهم إليه، كيف لا والعقل لا يقبل تلك المشاهد ولا يرغّب بالوقوع في تلك الشدائد، عجبًا كأن الله عز وجل بعث أنبياءه (عليهم السلام) وأفرغ عملهم من الحكمة وباعدهم عن الصواب، حتى يتبصر هؤلاء المناقشين ما سقط به الأولياء، فيحذرون ويحذّرون الناس مغبة السير وراء الأولياء على غير هدى أو كتاب منير.

وبعد فإن الروايات التي قصّت علينا شهادة علي(عليه السلام) وشهادة الحسن (عليه السلام) وبقية الأئمة(عليهم السلام)فضلا عن كونها مطابقة جدًا مع روح المعنى المذكور في أمثلة الكتاب العزيز السابقة الذكر عن يوسف ويعقوب وإبراهيم وإسماعيل (عليهم السلام) وما لم نذكره من عشرات الأمثلة فضلاً عن المطابقة مع روح المعنى هي ذاتها متواترة أبدًا.

فإذا كانت هذه الرواية على حدة ضعيفة وتلك كذلك وثالثة مثلها، فما رأيك؟ وإذا كانت هذه الروايات تدور على نفس المعنى وتحكي عين الدعوى، تبلغ إلى حد المئات، فهل كلها موضوعة ومقولة من غير دراية، على أن التعامل مع روايات الأحكام الشرعية يختلف عن التعامل مع هذا النوع من الروايات وقد عرفنا نحو تطابقها مع الكتاب العزيز والصافي الصريح من معقول مبناها وواضح معناها ومسرّح جهتها ومغزاها.

وأخيرًا ما كنت لأبحث في النقطة الأخيرة لولا أن رجالا لها مآربها وغاياتها المتّهمة عليها قد أكثرت من الخبط والتزييف، واتخذت من هذه الإثارات سببًا لذيوع صيتها وانتشار ذكرها وأعانهم على ذلك زمانهم المصحّر الأيدي الفارغ من المعرفة المستمرئ للمغالطة المستقرب لضعفه ضعيف النظرة المستبعد لجهله قويّ العبرة، هذا والله المستعان وإليه المشتكى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) لقمان34.

([2]) الجمعة6-7.

([3]) نهج البلاغة ج2 ص161 طبعة دار المعرفة.

أعلى الصفحة     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية