(ولاية
الفقيه)
موضوع علمي يحتاج إلى البحث الفقهي الاستدلالي، لأنه موضوع
اجتهادي فيه آراء متعددة متفاوتة ومتكافئة من حيث نسبتها
إلى مذهب أهل البيت(عليهم
السلام).
وحيث إننا نقول بولاية الفقيه في الجملة -بالنص أو بدليل
الحسبة-، فإن هناك مواضيع كثيرة يجب أن تبحث على ضوء هذه
الولاية، ونقتصر في هذا البحث على موضوع واحدٍ أخذناه عن
كتابنا [ولاية الفقيه في مذهب أهل البيت(عليهم السلام)]
الذي صدر حديثًا، وهو [صلاحيات الفقيه]:
ولا
بدَّ لأجل التوصل إلى معرفة صلاحيات الفقيه مِن أن نعرف
(أولاً)
صلاحيات النبي الأعظم والأئمة المعصومين
صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين في ولايتهم،
(ثم)
ننطلق إلى بيان ما نستفيده من جَعْـلهم الولايةَ للفقيه.
صلاحيات المعصومين(عليه السلام)
فنقول: لا
إشكال ولا خلاف عند جميع المسلمين أن من جملة الأدلة على
الحكم الشرعي بعد القرآن هي السُّـنَّة الشريفة.
والسنة عند
الشيعة: منحصرة في قَوْل المعصوم وفِعْله وتقريره.
والمعصومون
هم
حَمَلة الشريعة ومبلِّغوها وحُماتها إلى قيام الساعة،
حيث
أودع الله تعالى أحكامه عند رسوله الأكرم(صلى
الله عليه وآله)وعندهم
لعصمتهم(عليهم
السلام)،
ومعرفته تعالى بأهليَّتهم الكاملة، وبلوغهم منتهى الكمال
البشري الذي لا يناله غيرهم .
فالولاية
على الأفراد والمجتمعات والشؤون العامة ثابتة لهم من قِبل
الله تعالى، كما كانت ثابتة لرسول الله(صلى
الله عليه وآله)،
لأن إمامتهم مستمرة إلى نهاية الدنيا.
ولاية المعصومين (عليهم السلام)
وهذه
الولاية من الأحكام الشرعية الأولية العقائدية، بمعنى أنه
يجب على المؤمنين أن يعتقدوا بذلك، أي بإمامتهم، ويجب
عليهم من الناحية العملية أن ينقادوا لأوامرهم في التشريع،
وفي التطبيق.
والمقصود
بالتطبيق الذي أُمِر الناس به،
هو تنفيذ الأحكام وإقامة الفرائض، ونَشْر الشريعة التي
كملت في عهد رسول الله(صلى
الله عليه وآله)،
وتمَّ التشريع فيها بانقطاع الوحي بعد رحيله(صلى
الله عليه وآله).
ونعني
بالاكتمال والكمال: أن أصل التشريع الذي أراده الله تعالى
للبشرية في خاتمة النبوات، قد أودعه الله سبحانه عند رسوله
الأعظم(صلى
الله عليه وآله)،
وأمره بتبليغ الشريعة بعد اكتمالها إلى جميع الناس، بنَصْب
أول حافظ ومبلِّغ ومفصِّل لهذه الشريعة، وهو أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب(عليه
السلام)،
ولو لم يفعل
لم يبلغ الرسالة، ولكنه فعل، ويستحيل أن لا يفعل بعدما
أمره الله عزّ وجلَّ، لأنه لا ينطق عن الهوى،
لذلك
بادر إلى تنصيبه، ثم التركيز على أهل البيت من ذريته(عليهم
السلام)،
لأجل أن يعلِّموا هذه الشريعة للأجيال وللعالمين على مرِّ
العصور، ويفصِّلوها ويوضحوا غوامضها على النحو الذي أذن
الله تعالى لهم به وأودعه عندهم رسول الله(صلى
الله عليه وآله).
فالولاية
التي جعلها الله تعالى لهم هي حكم شرعي أوليّ، فكما هي حكم
شرعي في تبليغ الأحكام، فهي حكم شرعي في تطبيق الأحكام،
لأنهم أول الناس وأولى الناس بتطبيق هذا الحكم الشرعي الذي
يُشرِف على كل الأحكام الشرعية والفرائض، وهو الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بالطريقة التي لا تحيد عن واقع
الأمر ورضى الله سبحانه قَيْد شعرة.
خضوع الولاية لسقف الأحكام الشرعية والدليل عليه
ليس بإمكان
هذا الوليِّ من خلال ولايته أن ينسخ حُكْمًا موجودًا، أو
يحدِث حُكْمًا غير موجود في الشريعة.
فإذا حصل ما
يُوهِم ذلك عند من لم يطَّلع على الشريعة، وعلى كيفية
استكشاف الشريعة، فهو تشريع من قِبلهم، من الذي أودعه الله
تعالى عند رسوله(صلى
الله عليه وآله)وعندهم،
إلى أن يحين وقت الحاجة إليه، أو أنه حدث في موضوع ذلك
الحكم عنوان، يجعل هذا الموضوع موضوعًا لحكم آخر، وليس كل
عنوان مما يستوجب ذلك.
ويدلّنا على
هذا
-بالإضافة
إلى ما ذكرنا-،
قوله تعالى:
{وَلَوْ
تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا
مِنْهُ بِالْيَمِينِ
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}([i]).
وقد خاطب
الله تعالى رسوله الأكرم وأفضلَ الخلق بهذا الخطاب، حتى لا
يتجرأ أحد، أو يخطر بباله، أن يجتهد بجَعْل الأحكام التي
توافق أذواق الناس وأهواءهم، بحجة المصلحة والاقتناع
بإسلام مزيَّف، ومبادئ هدامة.
فالولاية
لرسول الله(صلى
الله عليه وآله)والأئمة(عليهم
السلام)،
المجعولة في القرآن الكريم، ولاية مطلقة، فلهم الحكم
والحكومة والتصرف في شؤون المؤمنين وغيرهم، حتى في شؤونهم
الخاصة.
ولا إشكال
في أن هذه الولاية والحكومة، محكومة وخاضعة لسقف الأحكام
الشرعية التي حملوها وبلَّغوها، وبذلوا دماءهم الزكية في
سبيلها، فهم الذين صنّفوها وفصّلوها،
وبـيَّنوا الغامض منها على النحو الذي أذن الله تعالى به.
وقد وردت
على لسانهم الروايات العديدة الدالة على ذلك، وأنهم لا
يقولون بغير قول الله سبحانه، وما خالف قول ربِّنا لم
نَقُـلْه، أو هو زخرف، أو باطل، أو اضربوه عرض الحائط.
يتبع=
|