العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = الاستنساخ

يوجد احتمالات أربعة في قضية استنساخ الأعضاء تظهر من كلماتهم:

الأول: أن يستنسخ نفس العضو بزرع خلية من العضو المراد استنساخه حتى ينمو ويصير عضوا تامًّا.

وهذا على فرض إمكانه فلا شبهة فيه عند فقهائنا، بل ينبغي التشجيع عليه لما فيه من الفوائد الجليلة التي تعود على البشرية.

الثاني: أن تزرع الخلية في جسم حيوان لتنمو وتصبح عضوًا كاملاً، وقيل إن العلماء توصلوا إلى تحقيق الاختراق في كل من الهندسة الوراثية والاستنساخ الذي يُعتبر فرعًا من فروع هذا العلم.. فأصبحوا قادرين على التحكم بالمواصفات الجينية لعدد من المخلوقات وأدخلوا عليها تعديلات أدّت إلى نتائج غريبة مثل (فرّوج بصوت وبطعم فرّي) أو (فأرة معدلة جينياً تحمل على ظهرها أذناً بشرية قابلة للزرع في طفل فقد أذنه مثلاً).

وهذا لا إشكال فيه عند الفقهاء أيضًا لعدم تأديته إلى قتل نفس محترمة.

الثالث: أن يزرع خلية العضو في جنين حتى ينمو ذلك العضو كخلية الكبد مثلاً ثم يقطع منه ذلك العضو.

وهذا لا يجوز أن أدّى إلى قتل جنين محترم النفس أو قطع عضو منه.

لكن الكلام في إمكان هذا النوع من الاستنساخ فقد شكك فيه من قبل أهل الاختصاص.

فإن بعض العلماء يرى استبعاد حدوث مثل هذا النوع من الاستنساخ، لما يكتنفه من صعوبات عدة، لعل من أبرزها طبيعة الأعضاء البشرية المعقدة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور (هاري جريفن): إن استنساخ الأعضاء البشرية غير ممكن حاليًا، لأن بنية الأعضاء معقدة، وتحوي نسيجًا كاملاً من الأعصاب والعضلات والألياف، واستبعدت الدكتورة (صديقة العوضي) حدوث هذا النوع من الاستنساخ، وعلّلت ذلك بأن تكوين الأعضاء داخل الجنين تخضع لعوامل وراثية، هي المسؤولة عن تكوين هذه الأعضاء ما دامت داخل الجنين، وعلى هذا الأساس، فإنه لو زرعت نواة الخلية الكبدية في بويضة فارغة، فإنها ستنتج جنينًا، ولن تنتج كبدًا فقط، أما إذا زرعت خلية كبدية، فإنها ستنتج نسخة مكوّنة من صنف واحد من الخلايا الكبدية، وليس كبدًا كاملاً، بكل أوصافه وأشكاله ووظائفه المختلفة([1]).

الرابع: إن يستنسخ أجنة ثم يؤخذ منها العضو بعد أربعة عشر يومًا كما قيل، وتؤدي هذه العملية إلى تلف الجنين أيضًا.

وهذا محرم أيضًا بلا شبهة إن أدى إلى قتل جنين ذي نفس محترمة.

فروع تحتاج إلى حل :

تتفرع على مسألة الاستنساخ عدة فروع:

منها: أن تكون الخلية من الزوج والبويضة من الزوجة.

ومنها: أن تكونا من أجنبيين.

ومنها: أن تكون الخلية من أقارب صاحبة البويضة ومحارمها كأبيها وابنها وأخيها وغيرهم.

ومنها: أن تكون الخلية من امرأة أخرى غير صاحبة البويضة.

ومنها: أن تكون الخلية من نفس صاحبة البويضة.

فروع ينبغي أن ُيعطى أجوبة لها من حيث الجواز وعدمه، ومن حيث ثبوت الأحكام المترتبة على النسب والقرابة من المواريث والنكاح والنظر والنفقة، وهل إن المستنسخ يتبع صاحب الخلية في كونه هاشميًا إن كان الأصل هاشميًا؟ وهل يكون مملوكًا لو كان صاحب الخلية مملوكًا؟ وهل يكون بحكم ابن الزنا إن كان صاحب الخلية متولدًا من الزنا والعياذ بالله؟ وهل يكون المتولد قبل بلوغه تابعًا لدين صاحب الخلية؟ وغيرها من الأمور المترتبة على النسب، فهناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجوبة.

أما الحيثية الأولى : أي حكم الاستنساخ في هذه الصور:

فلا كلام في الحرمة عند من حرم الاستنساخ، وإنما الكلام عند المجوزين لأصل الاستنساخ.

أما الصورة الأولى: فلا إشكال فيها إن جوّزنا الاستنساخ بحدّ ذاته، فإنها القدر المتيقن من الاستنساخ الجائز.

وأما بقية الصور: فيظهر ممن جوّز أصل الاستنساخ من العلماء تجويزها وأن المحرم أو المشكل هو تلقيح البويضة بنطفة أجنبي وأن هذه المسألة ليست هي نفس مسألة تلقيح البويضة حتى يستشكل فيها.

بل إن بعض المراجع جوّز تلقيح البويضة بنطفة أجنبي خارج الرحم، ولا يضر إرسالها إلى الرحم بعد التلقيح في الخارج([2]).

لكن المسألة لا تخلو من كلام، فيمكن أن يدّعى دلالة بعض الأخبار على لزوم الاحتياط في المقام مثل صحيحة([3]) شعيب بن أعين الحداد عن الصادق عليه السلام، وهي:

محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن شعيب الحداد قال: (قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلّقها على غير السنّة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوجها.

ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد مثله([4]).

فإن الرواية وإن وردت بخصوص السؤال عن الزواج ممن طلّقت على غير السنة، إلا أن مقتضى عموم العلّة في قوله(عليه السلام)(ومنه يكون الولد أن كل ما يكون مبدأً لتكوّن الولد يجب الاحتياط فيه، والاستنساخ في هذه الصور التي تدمج فيها البويضة مع غير خلية الزوج لاستنساخ الولد يجب الاحتياط فيها للشك في حرمتها فلا تجري فيها البراءة لدلالة عموم العلة على الاحتياط مع الشك، فلا فرق حينئذ بين تلقيح البويضة بنطفة غير الزوج أو بخليته، لأن كلاً منها مبدء لتكون الولد.

وأما الحيثية الثانية:

فقد اختلف العلماء فيها:

فالسيد السيستاني -وبعض الفقهاء غيره- رجّح كون صاحب الخلية (الزوج) أبًا له، والزوجة صاحبة البويضة أمًّا له، بعد أن استشكل في البداية، وبالتالي فإن تلك الأحكام المرتبطة بالنسب تثبت بحق المستنسخ.

قال دام ظله في جواب السؤال:

الإستنساخ البشري إذا تم بين خلايا جسم الزوج والزوجة وتمّ تولّد الطفل المستنسخ، في هذه الحالة هل يلحق الطفل بالزوجين شرعًا أو أنه يلحق بالأب فقط؟ وهل يرث هذا الطفل من الزوجين اللذين تولد منهما؟

الجواب: في عدّهما أبًا وأُمًّا للمولود شوب إشكال، وان كان هو الأرجح وتترتب على ذلك مسألة الإرث أيضاً([5]).

وأما السيد محمد سعيد الحكيم: فقد حكم بعدم تبعيته للأب لأنه يعتبر أن النسبة للأب تابعة لتكوّن الكائن الحي من حيمنه بعد اتحاده بالبويضة، واستشكل في تبعيته للأم.

جاء في كتابه عن الاستنساخ بشأن المسألة:

السؤال: إذا كان من خلق بهذه الطريقة إنسانًا، فما هو نسبته للشخص الذي انتزعت منه الخلية امرأة كان أو رجلاً…؟

الجواب: إذا كان إنتاجه بالوجه السابق (بالاستنساخ) فليس له أب قطعًا، لأن النسبة للأب تابعة عرفًا لتكوّن الكائن الحي من حيمنه بعد اتحاده مع البويضة، كما يشير إليه قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ}([6])، ولا دخل للحيمن هنا بل للخلية المأخوذة من الجسد، وخصوصًا إذا كانت الخلية مأخوذة من جسد المرأة، حيث لا معنى لكونها أبًا للإنسان المذكور.

وقد ورد في نصوص كثيرة: إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم، وبغض النظر عن صحة النصوص المذكورة والبناء على مضمونها فإنه لم يتوهم أحد أن مقتضى هذه النصوص كون حواء بنتًا لآدم، وذلك يكشف عن أن معيار بنوّة شخص لآخر ليس هو خلقته من جزء منه، بل خلقته من مَنِيِّه كما ذكرنا.

وأما النسبة للاُم فهي تابعة لتكون الكائن الحي من بويضتها، وهو هنا لا يتكون من تمام بويضتها بل من بعضها بعد تفريغها من نواتها، ومن ثم يشكل نسبته لها. نعم يصعب الجزم بعدمه.

كما لا مجال للبناء على أنه أخ لصاحب الخلية أو البويضة بعد أن كان الأخ هو الذي يشارك أخاه في أحد الأبوين، وليس المعيار حمل الخصائص الحياتية والوراثية لعدم دخله في الانتساب عرفًا.

والمرجع في ضابط الانتساب هو العرف لا غير، وعليه عوّل الشارع الأقدس في ترتيب الأحكام حسبما نستفيده من الأدلة الشرعية، ولنفترض أن توصّل العلم الحديث إلى اكتشاف ناموس يتيسر به تحويل خلية حيوانية أو نباتية ببعض التعديلات إلى إنسان مشابه لإنسان مخلوق بالطريق الاعتيادي في الخصائص الحياتية والوراثية، فهل يمكن أن نحكم بحصول علاقة نسبية بينهما بمجرد ذلك، من دون تحقق الضوابط النسبية العرفية المعهودة؟!

لا ريب في عدم جواز ذلك، بل نحن ملزمون بتخطي التشابه المذكور وتجاهله، والحكم بأنهما أجنبيان، وهكذا الحال في المقام حيث يتعين كون الإنسان المذكور أجنبيًا عن صاحب الخلية، وليس بينهما أي ارتباط أو عنوان نسبي. انتهى كلامه دام ظله([7]).

هذا.. والمسألة مشكلة تحتاج إلى مزيد تفصيل وبسط لا تفي به هذه العجالة , فالاحتياط طريق النجاة بترك ما يحرم على الأجنبي وفعل الواجبات المترتبة على الأقارب والأرحام.

انتهى

_______________

([1]) مجلة الوعي الإسلامي نقلا كتاب الاستنساخ بين العلم والدين ص55 .

([2]) السيد السيستاني في استفتاء صادر في قم بتاريخ 2-8-2004.

([3]) فإن إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد في أحد طرقه الثلاثة إليه صحيح، وهو الذي يرويه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد.

وأما النضر بن سويد الصيرفي: فقد وثقه النجاشي.

ومحمد بن أبي حمزة ثابت بن صفية الثمالي: ثقة لما نقله الكشي عن حمدويه بن نصير من أنه ثقة فاضل.

وشعيب بن أعين الحداد: ثقة عند النجاشي أيضًا.

([4]) وسائل الشيعة باب 157 مقدمات النكاح وآدابه حديث1.

([5]) السيد السيستاني استفتاء صادر في قم بتاريخ 13-1-2002.

([6]) السجدة: الآية 8.

([7]) كتاب فقه الاستنساخ البشري للسيد محمد سعيد الحكيم .

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية