العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = التقويم العبري

وأخيرًا.. علاقة التقاويم بالقمر:

ومع أن الاستعمال الشائع حاليًا هو للتقويم الجريجوري (الميلادي)، فإن أهم المناسبات الدينية لدى المسيحيين واليهود تتبع التقويم القمري، والدليل على ذلك أن عيد الفصح المسيحي ليس ثابتًا في مكان واحد من التقويم ويحدد وفقًا لظهور الهلال.

وحيث إن التقويم العبري هو تقويم توفيقي (قمري - شمسي)، فإن عيد الفصح اليهودي يصادف دائمًا اليوم الخامس عشر من أول ظهور للهلال بعد الاعتدال الربيعي، ويصادف دائمًا 15 نيسان، وهو نفسه 15 الشهر القمري العربي أو قريبًا منه.

أما صوم يوم عاشوراء اليهودي، فموعده اليوم العاشر من ظهور هلال شهر تشري (الشهر الأول في التقويم العبري)، وهو يوم الصوم الإلزامي الوحيد في الديانة اليهودية، ويبدأ قبل غروب الشمس بنصف ساعة ويستمر 25 ساعة.

أما عيد الفصح المسيحي، فإنه يحلّ في أول أحد بعد اكتمال البدر بعد الاعتدال الربيعي، وقد تعمّد النصارى هذا الإجراء لئلا يتطابق عيد الفصح اليهودي مع عيد الفصح المسيحي، وبذلك فإن عيد الفصح المسيحي لا يحلّ في منتصف الشهر العربي بل بعده.

يتعلق بعيد الفصح: الصوم الكبير، وهو يسبقه بفترة 46 يومًا (ويسمى أوله أربعاء الرماد)، وأول أحد في الصوم الكبير (وهو خامس أيام الصيام)، والشعانين الكبرى، وهو الأحد السابق لعيد الفصح مباشرة، والجمعة الحزينة، وهو الجمعة السابقة مباشرة لعيد الفصح، وفيها حوكم المسيح عليه السلام، وخميس الصعود موعده بعد عيد الفصح بـ 39 يومًا.

أما في الإسلام فالأعياد والمناسبات الدينية كلها مرتبطة بظهور الهلال، لذلك كان تحديد أول الشهر القمري مرتبطًا بضوابط شرعية، وثبوته مرتبط بفتاوى الفقهاء.

إن شعوب العالم تتعامل مع السنة ذات الاثني عشر شهرًا، ويبدو أن ذلك مأخوذ من تراث قديم، ألا وهو ظهور الهلال 12 مرة خلال تعاقب الفصول الأربعة، وحتى عندما تكون السنة ذات 13 شهرًا، فإن هذا خاضع لرؤية الهلال 13 مرة في السنة الكبيسة في الدورة التوفيقية، سواء كان ذلك في السنة البابلية، أو اليونانية، أو الصينية، أو العبرية، أو الرومانية في أول عهدها، أو غيرها، وهذا يدل على أهمية الحساب وفقًا لرؤية الهلال لدى الجميع.

الخلاصة:

تعتبر السنة ظاهرة شمسية بصورة أساسية، وعلى الرغم من أن السنة القمرية عبارة عن اثنتي عشرة دورة قمرية، فهذا يشكل بصورة أساسية نهاية الدورة الشمسية إلى أقرب رقم للأشهر القمرية، ولذلك فإن الكثير من التقاويم القمرية تحوّلت إلى تشكيل قمري شمسي لجعل السنة فصلية تتماشى مع الشمس.

السنة الشمسية هي المدة التي تقطعها الأرض في سيرها على دائرة البروج 360 درجة، أي إتمام سيرها اثني عشر برجًا أو اثني عشر شهرًا، والسنة القمرية اثنا عشر شهرًا قمريًا، فأيام السنة الشمسية هي 365.242216 وأيام السنة القمرية من أيامنا الشمسية هي 354.367068 يوم.

إن السنة الشمسية لا تحتوي على عدد صحيح من الأيام، فهي تزيد على 365 يومًا، وتنقص عن 366 يومًا، وفي حياتنا المدنية لا يصح أن تنتهي سنة بعد مضي جزء من اليوم، ولا أن تبدأ سنة أخرى، ولهذا تستعمل سنة مدنية أو اصطلاحية، طولها 365 يومًا أو 366 يومًا.

واستعمال سنة مدنية بأحد هذين الطولين يجعل فارقًا بينها وبين السنة الشمسية، ويزداد الفرق بمرور الزمن فتختلف اختلافًا بيّـنًا عن الفصول، فالاعتدال الربيعي الذي يقع في 21 آذار/مارس، إذا امتد استعمال السنة بإحدى الفترتين جيلاً بعد جيل، أصبحت شهور الصيف في الشتاء وبالعكس.

ولهذا السبب ينبغي التوفيق بين السنة المدنية ذات العدد الصحيح من الأيام والسنة الشمسية، فتكون المدنية في بعض السنين 365 يومًا وفي بعضها 366 يومًا.

وما يقال عن السنة الشمسية، يقال عن الشهر القمري الذي يزيد طوله عن 29 يومًا، وأحيانا أخرى يكون 30 يومًا (29.531يوم)، لذا يستعمل شهر مدني طوله أحيانا 29 يومًا وأحيانا أخرى 30 يومًا، ويوضع نظام يتحقق به التوفيق بين السنة المدنية القمرية والسنة القمرية الحقيقية.

كما أن معدل دوران الأرض حول محورها مستقلاً تمامًا عن دورتها في الفضاء ككوكب من كواكب المجموعة الشمسية، وإن كلتا الدورتين مستقلتان تمامًا عن دورة القمر كتابع للأرض (عدد الشهور القمرية في السنة الشمسية هو (12.36827) وهذه القيم العددية تمثل صعوبات في تخطيط التقويم.

إن الأرصاد التي قامت بها الشعوب ذات الحضارات قد طورت التقويم الشمسي وجعلته دقيقًا للغاية، أما ما يتعلق بالتقويم القمري فإن محاولات التنبؤ بثبوت الهلال حسابيًا، بحيث تكون مطابقة للرؤية، لم يحالفها التوفيق، بمعنى أن الحسابات المتعلقة بالشهور القمرية تفيد للتخمين فقط، ولا بد من إجراء حسابات لكل شهر على حدة، للتنبؤ بإمكانية رؤية الهلال.. ولذلك فإن التقويم العبري والذي استفاد من دورة ميتون التوفيقية بين السنة الشمسية والشهور القمرية تتقدّم شهوره على الهلال المرئي، وقد تطابق بداية الشهر العبري ولادة الهلال في اليوم الأول، ولكن ليس لكل الآفاق نظرًا لاختلاف التوقيت.

ضرورة وجود تقويم دقيق:

لقد صار قيام التقاويم المصمّمة بعناية ضرورة لازمة مع نمو وارتقاء الحضارات المركبة، ومع الوقت الذي تقدّمت فيه هذه الحضارات، تابع علماء الفلك اكتشافاتهم، وأثبتوا أن دورة اليوم والشهر القمري والسنة الشمسية مستقلة تمامًا بعضها عن بعض، وأنه ما من تقويم واحد يستطيع أن يضم كل هذه الوحدات أو الدورات الزمنية للطبيعة في خطة واحدة بسيطة، وأن أي محاولة لوضع خطة تقويم تحتوي ولو على وحدتين من هذه الوحدات الزمنية الثلاث، تكون عرضة للانزلاق والوقوع في مشكلات وصعوبات كبيرة، ولولا هذه الصعوبات لأمكن وضع تقويم شمسي دائم وبدون الحاجة إلى الكبس، ولولاها لأمكن وضع تقويم يتنبأ بأول الشهر القمري بدقة وليس تخمينًا.

والتقويم الشمسي الذي نستخدمه حاليًا ليس تقويمًا مثاليًا، واختيار (بداية عدّ السنين) أمر تمّ لأسباب دينية، وتقسيم العام إلى شهور مختلفة الأيام بهذا الشكل ليس مناسبًا تمامًا، ثم إن بدء السنة بهذا التاريخ من السنة ليس هو الأمثل، بل اختيار أوائل الفصول كان هو الأنسب.

إلا أن اتفاق الجميع على تاريخ موحّد لقياس الفترات الزمنية أمر مهم في الحياة العملية.

إن شعوب العالم بأسرها تفتخر وتتشرف بانتمائها إلى أنبيائها، والنصارى في شتى أنحاء العالم يتخذون ميلاد السيد المسيح تاريخًا لهم، وكل الأمم تتمنى وتحاول أن تجعل تقويمها مرتبطًا بالحوادث العظيمة التي مرت بها، وقد مرّ علينا أن الامم أرّخت بتولي الملوك، وكان آخرهم كورش.

وبالنسبة لنا: لماذا لا يكون تاريخنا نابعًا من تراثنا، خصوصًا وأن التزاماتنا الدينية كلها مرتبطة بالتقويم الهجري، ونحن نعتقد أن ديننا لا يفترق عن حياتنا، بل هو صانع لنظامنا الاجتماعي المميز، فلماذا هذه الازدواجية؟

ألا يمكن أن يكون التقويم الهجري منظمًا لحياتنا ويكون هو الأساس، وتبقى الأمور الزراعية تدار بتقويم شمسي ثانوي آخر بدلاً من العكس؟

إن أمورنا الدينية تدار الآن بتقويم ثانوي، وبالتالي فقدنا الصلة بتراثنا العريق، وصرنا لا نتصور البعد الزمني للأحداث المسجلة بالتاريخ الهجري، إلا إذا حولناها إلى التاريخ الميلادي، وبخصوص شهورنا العبادية، فلا نعرفها إلا في موسم الحج وأول شهر رمضان وعند إحياء مراسم عاشوراء.

وبالأمس القريب نشأت الحركة البهائية وأنشأت تقويمًا خاصًا لها.

فهل صار مبدأ تاريخنا متخلفًا ونظامه غير مناسب حتى نأبى الانتماء له؟

وأخيرًا:

 لاحظنا من الجولة بين بعض التقاويم كيف أنها تتعرض بين وقت وآخر للكبس (نسيء)، وكيف أنها في تاريخها الطويل كانت عرضة للتلاعب بإضافة شهر أو شهور، بينما التقويم القمري الشرعي هو الوحيد الذي لم يتعرض للكبس.

إن الأحداث المسجلة بالتاريخ الهجري هي الوحيدة التي تعبر عن دورات متكاملة لم تتعرض للتعديل أو التغيير أو النسيء.

انتهى

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية