معاني ودلالات كلمة إرهاب
لا بد في بداية البحث عن صور الإرهاب الصهيوني، من أن
نحدّد معنى كلمة إرهاب في معاجم اللغة، والمعاني التي لحقت
بها فيما بعد، وتوسّع دلالاتها ومراميها، إذ لعبت السياسة
الدولية دورًا كبيرًا في إنتاج معانٍ جديدة لهذه الكلمة
التي لفّت العالم من أقصاه إلى أقصاه.
لقد خرج معنى كلمة [إرهاب] عن مؤدّاه اللغوي كما يرد في
معاجم اللغة إلى دلالات أخرى كثيرة، فلو استطلعنا معنى هذه
الكلمة لوجدنا أنها تقتصر على التخويف، فمعنى كلمة [رهب]
هو خاف، ورهب الشيء رهبَهُ أي خافه، والاسم الرُّهب،
والرُّهبى، ورجل رهبوت خير من رحموت، وترّهب غيره إذا
توعّده، وفي حديث الدعاء: رهبة ورغبةً إليك، وترَّهب
الرجل: إذا صار راهبًا يخشى الله().
تلك هي المعاني الدالة على رهب ومشتقاتها، ومنها [إرهاب]
الذي هو على وزن إفعال، وهو من صيغ المبالغة، ويدل على
الإمعان في التخويف والإفزاع وزيادتهما، والإصرار عليهما.
إلا أن معنى هذه الكلمة كما ورد، أخذ يتسع ويشتمل على
أبعاد أخرى في العصر الحديث، فالإرهاب الذي يدل أساسًا على
التنكيل والتخويف، تحوّل في زمن العولمة إلى دلالات عنيفة
وخطرة، ومعانٍ أقحمت فيه إقحامًا، فالإرهاب كما تتناوله
الأقلام والمواقف والإسقاطات اليوم، هو صور القتل والتدمير
والاغتيال، وتقييد الحريات وفتح السجون والتفنّن في وسائل
التعذيب، ليقترن الإرهاب الجسدي مع الإرهاب الفكري في أبشع
صور القهر البشري، وأمثلة هذا الإرهاب بمعانيه هذه كثيرة
ومتنوعة في هذا العالم اليوم، ولم تسلم شعوب الأرض في كل
حقبها وعصورها من الإرهاب الذي تقترفه نظم استبدادية ودول
متسلطة، أو أشخاص معتوهون لا يقيمون حسابًا للحرية والحق
اللذين وهبهما الله لعباده في الأرض ، ومن هذه الشعوب التي
عانت وما زالت تعاني، الشعب الفلسطيني الشقيق، الذي يعاني
ويواجه أبشع أنواع القهر والإرهاب في التاريخ البشري، في
ظل ضعف عربي وسكوت دولي، إن لم يكن مشاركة من بعض الدول في
هذا العدوان الدائم الذي تمارسه الصهيونية منذ إقامتها على
أرض فلسطين المغتصبة.
وقد تناول الشعراء الفلسطينيون عامة مفهوم الإرهاب في
قصائدهم، وعالجوه وأشاروا إلى أسبابه وألوانه وفاعليه
ومعانيه وصوره المختلفة، والداعمين له والحاضّين عليه، كما
أنهم تحدثوا عن مواقفهم الشخصية، ومواقف الشعب الفلسطيني
خاصة والعرب عامة من هذا الإرهاب وحددوا سبل المواجهة
وتأثير الإرهاب على حياة الفلسطينين النفسية والحياتية،
وسأتناول مفهوم هذا الإرهاب في الشعر الفلسطيني وفقًا لما
تشير إليه مصادر اللغة، ومقتضيات العصر الحديث، من دلالات
وتفسيرات وإسقاطات شتى.
��
صور الإرهاب في الشعر الفلسطيني المعاصر (نظرة عامة)
لا نبعد عن الحقيقة إذا قلنا إن صور الإرهاب الصهيوني لا
تغيب عن معظم نتاج الشعراء الفلسطينيين، وهذا أمر طبيعي،
إذ يتحدث هؤلاء عن الإرهاب كمفهوم عام، وعنه كعبء ثقيل
ومأساة حقيقية تُثقل كواهلهم وكواهل أبناء شعبهم الفلسطيني
المظلوم، وعمَّ يتحدّث الشعراء إن لم يتحسسوا آلام شعبهم
ومعاناته، علمًا أن معظمهم -وأعني الشعراء- عانوا ويعانون
من هذا الإرهاب، فهم تعرضوا ويتعرضون للسجن والنفي
والتنكيل والتعذيب والتشريد، وحتى حدود القتل، وهذا ما
نجده مصورًا في أشعارهم، معبرًا عن هواجسهم وعواطفهم نحو
أبناء شعبهم الفلسطيني، وقد أدى هذا الشعر دوره في خدمة
القضية الفلسطينية، فحملها إلى كل أنحاء العالم كما هي،
فكان بذلك الصوت الصادق والمعبر والعالي، والذي لعب دوره
إلى جانب المقاومة في فضح أساليب العدو الهمجية ومواجهة
عدوانه الغاشم.
��
أنواع الإرهاب في الشعر الفلسطيني
- أنواعه في السجن
تُعدّد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان بعض صور
الإرهاب الصهيوني في السجون الإسرائيلية بلغة واضحة جلية
فيها إصرار على نيل الحرية بأي ثمن، جاء ذلك عبر قصيدة
عنوانها (حريتي) من ديوان الليل والفرسان:
حريتي حريتي، صوت أردده بملء فم الغضب
تحت الرصاص، وفي اللهب
وأظل رغم القيد أعدو خلفها
في السجن في زنزانة التعذيب في عود المشانق
رغم السلاسل رغم نسف الدور رغم لظى الحرائق
ساظلّ أحفر اسمها حتى أرى الحرية الحمراء تفتح كل باب
والليل يهرب والضياء يدكّ أعمدة الضباب().
هنا تتجمع صور إرهابية كثيرة تشكل جزءًا من معجم الإرهاب،
منها: الرصاص - اللهب - القيد - السجن والزنزانة - التعذيب
- السلاسل- أعواد المشانق - نسف الدور - الحرائق - الضباب
- الليل.
والملاحظ غِنى هذا النص الصغير بالألفاظ الدالة على
الإرهاب، وقد اعتمدت الشاعرة -كما نرى- شعر التفعيلة
القائم هنا على (مستفعلن مستفعلن)، بأسلوب واضح جلي فيه
عنفوان وإصرار على الصمود، والفوز بالحرية آخر المطاف.
وفي قصيدة أخرى عنوانها (إليهم وراء السجون) تقول
الشاعرة فدوى طوقان في تقديم قصيدتها: (إلى بناتنا
وأبنائنا الذين التهمتهم السجون في إسرائيل وفي كل مكان)،
وفي تعبيرها (التهمتهم) صورة صارخة عن الوحشية الإرهابية
التي تنتهجها الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وفي الأغنية الوصية، صورة صغيرة معبرة صارخة، عن
همجية الإرهاب الصهيوني ووحشيته عندما تبتلع السجون الصغار
، وتلتهمهم أقباؤها الموحشة:
وشرَّعت جهنم أبوابها
وابتلعت براعم الصبي الطري في أقبائها()
والسجن الذي نعدد فيه صور التعذيب والإرهاب الصهيوني يشتمل
على غرف التحقيق أيضًا، لأنها جزء منه، وهكذا لم يقتصر
الإرهاب على التنكيل بالرجال والأطفال، إنما شمل النسوة
والفتيات الصغار.
ومن مذكرات فدوى طوقان أقصوصة عن (رندة) عبر
قصيدة عنوانها (مفكرة رندة)، ماذا جرى لرندة
الفلسطينية على أيدي الجلاوزة:
في نصف هذا الليل آهْ
حذاؤه يدق في الدهليزِ مبتدع التعذيب
آتٍ وتدنيني خطاه
في غرفة التحقيق آهْ
من زمن الكابوس والجحيم والصراخْ
حذاؤه يدق في الدهليزْ
دمي يدق، عروقي والنخاعْ()
هنا تعداد لصور الإرهاب في السجون وآثارها على المظلومين،
ومن الواضح أن القصيدة على نمط الشعر الحديث الذي يخرج
أحيانًا حتى على التفعيلة ناهيك عن القافية.
إلا أن الشاعرة أحسنت التعبير عما تريد ووفّقت في تصوير
المشهد الدرامي هذا، بلغة واضحة بعيدة عن الغلو والتعقيد.
على كل حال، جميل ومؤلم هذا التعبير الذي يوصل إلى الهدف
بأقصر الطرق، أقول جميل ولكنه واقعي وصريح.
أما لماذا كل هذا التعذيب، فمن أجل الحصول على جواب أو
معلومة ... ولكنها الصلابة والعنفوان التي تسكن كل
فلسطيني:
توحشّي ما شئت يا شراسةَ الأوجاعْ
فلن ينزف من دمي جوابْ([5])
وكم من السجناء المخطوفين لا يُعرف مكان إقامتهم، ولا يدري
ذووهم شيئًا عنهم، إنه التفنّن في وسائل الإرهاب التي سبقت
كل ألوان الإرهاب التي استعملت في العالم.
هكذا تُصوّر فدوى طوقان في قصيدتها (من مفكرة
سجين مجهول مكان السجن) ألوان الإرهاب كافة:
من الفجاج يطفح الظلامُ عابسًا صموتْ
والليلُ ناصبٌ هنا شراعَهُ الكبيرْ
لا زحفُ النجم واجدٌ طريقه، ولا تسللُ الشروق بلا شروقْ
يضيع فيه الصدى والصدى يموتْ
الوقت فاقدٌ هاهنا نعليه، واقف تختلطُ الأيام والفصولْ
ويقف السجانُ وجهه هجر وعينُه حجرْ
يسلبُ منا الشمسَ يسلب القمرْ()
انظر إلى هذا النص: سيل من الألفاظ المؤلمة القاسية الدالة
على صور الإرهاب تتزاحم خلف بعضها، لتعطي صورة واضحة عن
نوايا العدو البغيضة وتصرفاته المشينة، ليس الإنسان فقط
يتعرّض للتنكيل، إنما الأشياء والأوقات، والشمس والقمر.
إن لمرارة السجون وإرهابها قصصًا وروايات تحكى وهذه
إحداها، تحكي عن تفنن السجانين في ممارسة الإرهاب، وتلذذهم
في استخدامه، وابتداعهم أعمالاً يندى لها الجبين، والشعر
هنا يقع بين فكيْ التفعيلة والتحرر النهائي من عقدة الوزن
التي يراها كثير من المحدثين حجر عثرة أمام إبداعهم، علمًا
أن النص مفعم بالصور الجميلة والدامية في آن معًا، وهو
مليء بالاستعارات والتشابيه، إلا أن النثرية تسود بعض
مقاطعه.
ومن سجن محمود درويش تطلع قصيدة يتحدّث فيها عن
معاناته في السجن، معددًا وسائل الإرهاب الصهيوني، إنها
الوسيلة التي لا يعرف غيرها الاستعمار البغيض:
كمُّ الأفواه، السوط والاسطبل، والقيد وعنف السلاسل، هي هي
نفسها تمارس ضد كل فلسطيني، هكذا يواجه محمود درويش
تحدّيه للإرهاب الصهيوني، وهو يعرض قصيدته بطريقة عكسية،
فيُظهر بطريقة لولبية استدارية ما يفعله الصهاينة في أداء
يرمز إلى تحدي العنجهية الصهيونية:
شدوا وثاقي، وامنعوا عني الدفاتر
والسجائر
وضعوا التراب على فمي
فالشعر دم القلب، ملح الخبز
ماء العين يكتب بالأظافرِ
والمحاجرِ والخناجرْ
سأقولها في غرفة التوقيفِ
في الحمام في الاسطبلِ
تحت السوط تحت القيدِ
في عنف السلاسلْ
مليون عصفور على أغصان قلبي
يخلق اللحن المقاتلْ()
هنا صور متعددة للمواطن الفلسطيني المعذب المضطهد، الذي
يواجه شتى أنواع التنكيل في السجن، كالتعذيب والعسف والسلب
والقتل والتخريب وعنف السلاسل والسياط والقيود، والإذلال
في الاسطبل، وغرف التوقيف، زد على هذه الصور الإرهابية
صورًا أخرى، كشدّ الوثاق ووضع التراب على الفم.
إلا أن هذا كله لا يخلق إلا المقاومة والإصرار على مواجهة
القهر والاستبداد، وأسلوب درويش عذب، سهل ممتنع،
واضح جلي، يحاول أن يحشد كل الدلائل على همجية العدو
الصهيوني، الذي لن يفلح في وقف مد الثورة والتوق إلى
الخلاص.
وهذا الموقف نفسه يقفه الشاعر الفلسطيني حنا أبو حنا
عندما اعتقل في سجن الرملة سنة 1958م، في عرض شعريّ خلاب،
يدل على أن الشعر الفلسطيني مقاوم من الطراز الأول، وقد
أرسل الشاعر من سجنه بطاقة إلى رفاقه يؤكد فيها تصميمه على
متابعة الكفاح، وأنه حوّل السجن والسلاسل إلى منابر يدوي
صوته فيها ويزرع الرعب في قلوب ساجنيه:
خسئوا فما حبسوا نشيدي
بل ألهبوا نار القصيدِ نار تأجّج
لا تكبل بالسلاسل والقيودِ
نار جحيم للطغاة ْ
شرفٌ لشعري أن يقضّ مضاجعَ
الخصم اللدودِ
فاعجب لشعر يستثير الرعب في مهج الحديدِ
أقوى من السجن المزنّر
بالعساكر والسدودِ
أقوى وأصلب من حشود علوجهم
أبدًا نشيدي()
دائمًا نكهة الصمود والعنفوان تطبع الشعر الفلسطيني، حتى
لو كان الفلسطيني أسيرَ السجون، فصوت الثورة والتصدي لن
يخمد، رغم صور الإرهاب التي يمارسها العدو الصهيوني،
وتتجلي في هذا المقطع باللهب والنار المتأججة والجحيم
والطغاة وقضّ المضاجع والسجن المزنّر والعساكر والسدود
والحشود، وما الذي لم يستعمله العدو بعد من فصول الإرهاب
المنظّم.
والقصيدة هنا على وزن التفعيلة (متفاعلن متفاعلن)، تتسم
بالوضوح والقوة والواقعية.
ولعل أكثر القصائد شمولية وحِدّة في هذا الباب، قصيدة
سميح القاسم (الذي قتل في المنفى كان أبي)،
وتحتشد في هذه القصيدة معظم الألفاظ الدالة على الإرهاب،
جاء ذلك بشكل قصة صغيرة مؤثرة وناقمة:
ذات يوم فاجؤوني
دفعوا أمي وأختي جانبًا
واعتقلوني
ومع العتمة في بعض السجونْ
ضفروا لي الشوكْ
وعلى الأوحال والأسلاك جرّوني
طوال الليلْ
فركوا بالرمل والملح جراحي
وإلى ركن كريهٍ ركلوني
قتلوني ذات يومٍ ولكن...
ظل مرفوعًا إلى الغرب... جبيني()
فتأمل هذه الأعمالَ الإرهابيةَ التي ترافق السجين في سجنه،
والتي تدل على سياسة الاستبداد والهمجية والغيّ، التي ما
فتئ العدو الصهيوني يمارسها ضد الشعب الفلسطيني المكافح،
ودائمًا لغة الإصرار والصمود تكون ملح القصيدة، والقصيدة
جميلة موحية، تفيض بالألفاظ القاسية كتدليل على بربرية
الصهاينة، وقد جاءت مفعّلة على وزن الرمل (فاعلاتن فاعلاتن...)
وبأسلوب واضح وصور جميلة موحية معبّرة.
وانظر إلى هذا المقطع الموحي والخلاب عند محمود درويش،
وهو يخاطب السجّان، رمز الإرهاب والوحشية:
سجّان يا سجانْ
لي وجه يحاول أن يراني
سجان سجانْ
لي وجه أحاول أن أراه
والسجن يتسع، البحار تضيق
يخلع السجان ألواني ويعطيني زماني كي أفكر فيك أو بكْ
لي زنزانة تمتد من سنةٍ إلى لغةٍ
ومن ليلٍ إلى خيلْ
ومن جرحٍ إلى قمحٍ
ولي زنزانةٌ جنسية كالبحرْ()
زنزانة تجمع كل معاني الإرهاب وعسفه، تتسع وتمتد، جنسية
شبقية ذات شهوة للتنكيل والتعذيب.
والمقطع هذا جزء من قصيدة (تلك صورتها وانتحار العاشق)،
وفيها يرسم محمود درويش صورة وطنه المعذّب السجين،
حيث يعيش أنواع الإرهاب كلها، وهو يرمز في حديثه عن نفسه
إلى الوطن ككل، إلى كل ما في فلسطين.
ولا غرو، فالقصيدة موحية جذابة تتسم بالعمق والقوة، وهي
على شعر التفعيلة من بحر الكامل (مستفعلن متفاعلن).
ويصرخ توفيق زياد من وراء السجون متحديًا جبروت
العدو الصهيوني وإرهابه، في شعر ثوري صارخ يتسم بالقوة
والعنفوان، من ضمن قصيدة عنوانها (من وراء القضبان)
محافظًا على القافية في كل مقطع من المقاطع:
ألقوا القيود على القيودِ
فالقيد أوهى من زنودي
لي من هوى شعبي ومن
حب الكفاح ومن صمودي
عزم تسعر في دمي
نار على الحطب الشديد
يا طغمة أسقيتها
مرغتها بالوحل حتى
وبصقت ملء عيونها
يا طغمة المسخ الجبان
لا تحسبي زرد الحديد
|
|
كأس المذلة من قصيدي
جيدها ونصبت جيدي
حقدي على عيش العبيد
يضج موتور الوعيد
ينال من همم الأسود() |
هذا التنويع للأبيات وللأشكال القائم على نظام المقاطع،
فذلكة من الشاعر وتقسيم يهب القصيدة أنغامًا متوازية
ومتشابهة، وهي ذات توجّه ثوري حماسي ولكن عادي وغير معقد،
واضح سلس جلي ينساب بخفّة وجمالية.
والملاحظ أن الشاعر لا يسكت على ضيم، فهو يواجه صور
الإرهاب برد موجع على العدو، وصور الإرهاب قاسية عنيفة
ولكنها ليست أعنف وأقسى من عزيمة الشاعر، التي هي عزيمة
الشعب الفلسطيني.
ثم يتابع في قصيدة أخرى تحدّيه للزنزانات الوحشية، لآلات
التعذيب، لآلهة البطش، وجميعها صور إرهابية قائمة ضمن
قصيدة (الحرية أو الموت):
هذي أغنية للأيدي المسحوقة بالأغلال الدمويةْ
تتحدّى الأغلال الدموية
لعيون تتوقد خلف القضبانْ
للقامات المنتصبة في قلب الزنزانات الوحشية
تتحدى الزنزانات الوحشية
هذي أغنية
للعشرة آلاف سجين في قلوب سجونكْ
يا إسرائيل الكبرى والصغرى
هذي أغنيةٌ
للعشرة آلاف جبينْ
مرتفع في وجه الموتِ
وآلات التعذيب الهمجيةْ
تتحدى آلهة البطشِ
لتبقى الأرض العربيةْ
عربيةْ..
()
والقصيدة من أنماط الشعر الحديث، معظمها على وزن (فَعْلن
فعلن)، حتى أننا لا نجدها دائمًا ضمن سياق النص.
شعراء الأرض المحتلة تحرروا من الوزن، حتى من وحدة القصيدة
تقريبًا، ولم يقفوا عند حد الجوازات لكل تفعيلة، بل
تعدّوها إلى حد أنك تشعر بأن بعض قصائدهم لا تلتزم بالوزن
ولا بالتفعيلة، كقصيدة زياد هذه، رغم أهميتها ونجاح شاعرها
في الإفصاح وتعداد صور الإرهاب الصهيوني كما هي ماثلة في
كلمات القصيدة، ورغم الموسيقى الرقراقة فيها والمعاني
الجميلة.
ومثل زياد فعل معين بسيسو، عندما تحرر من الوزن
والتفعيلة، حتى أنه لا يتقيد كثيرًا بوحدة التفعيلة ولا
بجوازاتها، جاء ذلك في قصيدة يعلن فيها نهاية عهد السجون
والأغلال والإيمان بأمل القضاء على الإرهابيين الصهاينة:
استمعوا لي. اسمعني يا وطني
اسمعني يا وطني
فالآن خريف الأغلال يولي
والآن سأحرق ظلّي
صمتًا صمتًا، يا حملة أبواق الخفاش الخشبيْ
يا أكلة قربان (العجل الذهبي)
صمتًا ولترفع بيرقها العاصفة السريةْ
والبرق السري
ولتغرد أجنحة صليبكَ
يا قلبي
عندما تتفتح أبوابُ السجون ينطلق طائر الحرية بجناحيهْ()
ويتحدّى الشاعر محمود دسوقي من سجنه الصهاينة،
مؤكدًا أن السجن لن يرهب من سُلبتْ أملاكُه وبيتُه:
لن يرهب السجن مَن أملاكه
سلبت
أضحى يهيم فلا أرض ولا ولد
|
|
وبيته درست آثاره القللُ
ولا بيوت ولا مال ولا
عملُ()
|
هذا غيض من فيض، من صور الإرهاب الصهيوني (عبر السجون) في
الشعر الفلسطيني المعاصر، وبالتالي هذا هو السجن الذي
تمارس فيه شتى ألوان الإرهاب والديكتاتورية، وهو لا يعدو
شيئًا أمام إرهاب أشد وأمضى، وهو سلب المنزل والأملاك
والثروات، سلب اللقمة من أفواه الجياع، حتى أضحوا مشردين
مسلوبي العيال والأولاد، مصادري العمل باب الرزق والحياة،
صور إرهابية قاتمة يعرضها الشاعر بأسلوب واقعي عادي بعيد
عن العمق والجمالية، وهذان البيتان جزء من قصيدة لامية على
البحر البسيط.
يتبع==
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|