صور الإرهاب الصهيوني في رثائيات محمد الدره
لم يخل نتاج شاعر فلسطيني أو عربي حتى من الحديث عن
استشهاد محمد الدره، الطفل الفلسطيني الذي استشهد وهو في
حضن أبيه، في مشهد إرهابي لم يرتكب مثله إلا النازيون، بل
إن معظم هذا الشعر اتخذ هذا الحدث منطلقًا للحديث عن صور
الإرهاب المماثلة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق
الفلسطينيين الأبرياء، وكان حافزًا لهم ودافعا على تفجير
النقمة والحقد على هؤلاء البرابرة.
أما المصدر الأساس الذي رجعتُ إليه في هذا القسم، فهو
مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري -مقرها
الكويت- وقد جمعت هذه المؤسسة معظم القصائد التي قيلت في
استشهاد الطفل محمد الدره، في ثلاث مجلدات من القطع
الكبير.
والحقيقة، أن باستطاعة أيّ باحث تأليف كتاب عن صور الإرهاب
الصهيوني في الشعر العربي عامة والفلسطيني خاصة من خلال
هذه الموسوعة.
لكن الآن، ماذا أوحى استشهاد هذا الطفل للشعراء
الفلسطينيين، وما الصور الإرهابية التي التقطوها عبر
رحلتهم في هذا الحدث الذي أثار من دون شك كوامن شتى ومشاهد
مختلفة.
يقول الشاعر الفلسطيني عصام ترشحاني من قصيدة قالها بلسان
محمد الدره في حفل تأبينه، يشير في معاناته -ضمنًا- إلى
صور الإرهاب التي واجهته:
في ساعة سرقت غدي
والحلم يهرب بالدفاتر والقلمْ،
قلبي تضوّر في يدي، قلبي تكاثر بالفجيعة والألمْ
فرميت أعدائي بهِ
كانوا على كابوس رشاشين من رأسي يعدون الكفنْ()
يتحدّث الطفل محمد الدره عن الإرهاب الذي واجهه، ويقصّ
علينا صورة مقتله الدامي، بأسلوب حرص الشاعر على أن يكون
موحيًا جذابًا داميا، ولم يخرج ترشحاني على موسيقى الشعر
فاختار تفعيلة البحر لنصه (متفاعلن أو مستفعلن).
ويستوحي الشاعر الفلسطيني عمر خليل عمر من خلال ما
حصل لمحمد الدره، صور الإرهاب الصهيوني وأشكاله، والتي
تقترف كل يوم بحق الشعب الفلسطيني، والقصيدة عمودية على
بحر الكامل، تفيض بالتحدي والغضب والإصرار على الصمود رغم
قساوة المعاناة وعنف المآسي، وقد صيغت بأسلوب حماسي واقعي
عذب الجرس والموسيقى ملون ببعض الصور البلاغية:
أطلق رصاصك أيها السفاحُ
أطلق رصاصك إننا فرسانها
يا قاتل الأطفال هذا عهدكم
هذا الرصاص وثيقة عنوانها
|
|
فصدورنا مأوى له ومراحُ
وجراحنا
ورد لها وأقاحُ
عهد اليهود
خديعة
ونباحُ
وشم على هاماتنا ووشاح()
|
أما الشاعر الفلسطيني عبد الحليم أبو عليا، فإنه
يربط بين الإرهاب الصهيوني والإرهاب الأميركي في قصيدة هي
خليط من الشعر العامودي وشعر التفعيلة، وهنا يتحدّث الشاعر
على لسان الشهيد محمد الدره وهو يخاطب أباه:
أبي قل لي، وما معنى العروبةْ
قلْ وها دمنا على الطرقاتِ
يهطل والرصاص الحيْ
أبي، قل لي:
لماذا لم تقل شِدمي
يُذبح كيفما يهوى
ومن بالأمس قد قتلوا
وإن جميعهم شِدمي
لماذا لم
تقل لي أنّ
ورأس الحية الرقطا
|
|
يمثل روح هذا العصرْ
ويغتصب الشذى والخيرْ
النبوءة يقتلون الزهرْ
وفي دمهم يسير الغدرْ
أمريكا أساسُ الشرْ
ءِ أمريكا البلاءُ القهرْ
|
لماذا لم تعلمني
بأن العالم المحشوّ في أعقاب أمريكا
يغضّ الطرفْ
وهي تدوس بالدبابة العصفور والأطفال والأزهار
والأشجارَ
تزرعُ في الربوع الخوف
بحقك يا أبي قل لي
لماذا كل هذا العهر()
انظر إلى صور الإرهاب التي يفيض بها هذا النص، والملاحظ أن
الشاعر يحمّل المسؤولية عن هذا الإرهاب لكلٍّ من إسرائيل
وأمريكا التي يعتبرها أساس الإرهاب ومُصدِّرته:
الدم على الطرقات، والرصاص الحي يحصد الأبرياء، والذبح
والاغتصاب، والقتل ودوس البراءة، والبلاء والشر، كل هذا
يمارس في حق الشعب الفلسطيني المناضل في ظل صمت عربي غريب.
والشاعر هنا يقدّم لنا عرضًا لسياسة الاستعمار، بأسلوب
واضح جلي وبلسان الشهيد الطفل: ليكون ما يقوله حجة عليهم
ودليلاً ساطعًا على إرهابهم.
وقد استخدم الشاعر في القسمين العامودي والحديث التفعيلة
نفسها (مفاعيلن مفاعيلن) وتزخر القصيدة ببعض الصور
الواقعية التي تهدف إلى نقل صورة الواقع الفلسطيني إلى
العالم.
ونستطيع أن نلمح في قصيدة الشاعر محمود البكر
قسمين، أحدهما يشير إلى الإرهاب الصهيوني من خلال حديث
محمد الدره نفسه، وثانيهما من خلال الأطفال والناس بشكل
عام، لتتشكل من أحاديثهم جميعها معجم المفردات الإرهابية
في القصيدة.
والنص بعنوان (نشيد على صدر أمي) بلسان الطفل محمد
الدره:
يفاجئني الآن وحشٌ
يعضّ الدروب أمام خطاي
وينشر في كل أرض خرابًا مريعًا
أهذا هو الموت، ما زلتُ غِرًّا
وهذا قميصي رهيف كزغب اليمامْ
وجسمي شبيه بنايْ
فمن أي طين تخلق وحشٌ
بلمسة يهوا
وأيّ ظلام غذّاه، وأية ريح رمته إلينا
فصار قطيع ذئاب بوجه بشرْ
يمارس قتل الطفولة فرض صلاةٍ
ويسفك سيل دماء ليعجن خبز الفطيرْ
ليكمل طقس العبادهْ
ويلهو بقلع العيونْ
ويسكب زيت جراري قرابين فوق الدمارِ
ويسلب كلَّ العذارى
ويخطف من عين طفلٍ ضياء القمرْ()
والقصيدة من شعر التفيعلة، دارت جميعها على وزن (فعولن
فعولن) واتسمت بالواقعية والأسلوب الإخباري القصصي، ومحور
القصيدة الشهيد محمد الدره، وهو أكبر شاهد على همجية
العدو، وأكثر معرفة بصور الإرهاب التي عاناها وعايشها رغم
صغر سنه، فالعدو لا يفرق بين طفل وشيخ، أو رجل وامرأة، ولو
استطلعنا مفردات القصيدة، لوجدنا أنها جميعها تدل دلالة
قاطعة على ما نتوخّاه، المعالم الإرهابية تدل على نفسها
بنفسها، الوحش والموت والخراب والريح والذئاب والقتل
المتعمد وسفك الدماء وقلع العيون والدماء وإطفاء ضوء القمر
من عيون الأطفال... الخ.
وليست هذه الصور الإرهابية من قبيل التخيّل، إنها الحقيقة
الدامغة التي يدفعها الفلسطيني ثمنًا لتمسّكه بأرضه
ومقاومته.
وفي قصيدة (دمنا الذي يمشي بنا) للشاعر الفلسطيني
محمود حامد، حديث لمحمد الدره نفسه عن استشهاده
وعنفوانه، وهي صورة الفلسطيني المناضل دائمًا، والقصيدة
طويلة وهي من شعر التفعيلة (مستفعلن متفاعلن).
بعد مقدمة عن النضال والصمود ونقد الأمة العربية، ودعوة
إلى النضال والانتفاضة وخلع ثوب القعود والانكفاء
والاحتفاء بدم الشهيد، يخاطب الشاعرُ الجلادَ الصهيوني
معددا أعماله الإرهابية بلغة واضحة سهلة ليس فيها عمق
وغلو، وتلوح من بين السطور بعض الصور البلاغية الجميلة:
هذا الرصاص لغيرنا يا أيها الجلادُ
أقرأتَ عن طير الأبابيل التي تأتي
أتينا أيها الأوغادُ
هي شهقة البرق التي قد صاغها دمنا
ألا فاسمع غدًا ما يصنع الأولادُ
هنا يمزج الشاعر بين الحديث عن صور الإرهاب وعن مواجهتها
بالقوة:
نحن الذين هنا سنبقى
ذلك الشجر المقاوم والغزاة رمادُ()
والقصيدة بشكلِ قصة يروي فيها دره ما حصل له، وفيها خطاب
طويل لأبيه، وأنك لتلمح من بين الكلمات تصرّفات وإرهاب
الصهاينة المجرمين:
خطفوك مني يا أبي، قتلوا طيور الحلم في صدري
وردوني إليك بلا يدينْ
لم يدركوا أني حفظتك يا أبي في المقلتينْ
قدرًا وإني زينب الأخرى،
وأنت تبعث فـيَّ الحسينْ()
والملاحظ أن الشاعر ظلّ على نفس النسق التفعيلي واعتمد
الموسيقى نفسها في القصيدة كلها معتمدًا قافية الدال
والنون، مستخدمًا بعض التعابير التاريخية النضالية
الدينية، ليؤكد إسقاط الماضي على الحاضر، وأن كل نضال في
سبيل الحق والحرية هو نضال حسيني ضد يزيديي العصر الحديث
المتمثلين هنا في القصيدة بالصهاينة الإرهابيين وأمثالهم.
ويعدد الشاعر ماهر رجا في ديوانه (هواجس الفتى
الغافي) فصول قصة محمد الدره.
وله قصيدة طويلة مفعّلة عنوانها (مطر يقود محمد)
تحكي هذا الواقع بأسلوب فيه مسحة من خيال ومحطات جمالية
موحية، وهو يستعمل تفعيلة بحر الرجز الراقص (فعولن فعولن)
مما يضفي على القصيدة جوًا موسيقيًا مؤثرًا.
والذي يهمنا في القصيدة مقطع يتناول الإرهاب الصهيوني،
ومحمد فيها هو الذي يراهم ويعيش معاناة إرهابهم، التي
تحكيها كل عبارة وكلمة مما سيأتي من فصول القصيدة:
يراهم محمد = البنادق أسماؤهم،
وإن قتلوه فهم عادةً
ينحرون الظلال الصغيرة
وهم يولدون لكي يقتلوا
وهم يقتلون لكي يولدوا
ثم يحكي محمد نفسه: وأنا هويت بلا حجر عندما قتلوني
وكنت بلا أصدقاء ولكنهم قتلوني
وقلب أبي: سيقتنصون يديه اللتين تحكّان بي
لكي تمحواني قليلاً أمام الرصاص
فيسقط وشم ذراع أبي
على جلد صدري مصابا
سيقتلعون الطريق الصغيرة باللعناتْ
ويقتلون وقوف الشجر
لئلا يحاول أن ينهمر فوق شوك السياج
وأخيرًا يقول الشاعر:
قل ما تريد لنا لنموت هنا
لن تموت المدائن بالقبح يا أيها الغرباء
لن تموت ظلال الذين مضوا
فهم يتركون على الدرب أسماءهم
ولا يأخذون على فرس الحزن أحمالهمْ
حنطةً ووجوهًا، بكاءً، وماءْ()
هذا غيض من فيض، مما في الشعر الفلسطيني من صور الإرهاب
الصهيوني وهو يشكل دون شك جزءًا محترمًا وكبيرًا، مما يحفل
به هذا الشعر من معانٍ وتصورات لمختلف جوانب القضية
الفلسطينية وأحوالها.
فهرس بأسماء الشعراء حسب تسلسل ورود كل منهم في البحث:
- فدوى طوقان:
شاعرة فلسطينية ولدت في مدينة نابلس سنة 1919م، حُرمت من
إتمام دراستها بسبب التقاليد الصارمة، وهي شقيقة الشاعر
الفلسطيني إبراهيم طوقان.
من دواوينها: وحدي مع الأيام 1962م، وجدتها 1974م، أعطنا
حبّا 1965، أمام الباب المغلق 1967م، الليل والفرسان
1969م.
- محمود درويش: شاعر فلسطيني ولد في 17 آذار سنة
1941م، في قرية البروة، وهو الآن من كبار الشعراء العرب،
استقر أخيرًا في رام الله ، شاعر غزير الإنتاج شعرًا
ونثرًا.
من دواوينه: "أوراق الزيتون"، "عاشق من فلسطين"، "يوميات
جرح فلسطيني"، "وأخيرًا".
- سميح القاسم: شاعر فلسطيني ولد في الأردن في
مدينة الزرقاء عام 1939م، انتقل إلى فلسطين وأنهى دراسته
الابتدائية في بلدة (الرامة) والثانوية في الناصرة، سجن
عدة مرات منها عام 1967م.
من دواوينه: أغاني الدروب (في فلسطين 1964)، دمي على كفّي
(فلسطين 1965)، دخان البراكين طبع في فلسطين أيضًا عام
1967م.
- حنا أبو حنا: شاعر فلسطيني ولد عام 1928م، في
قرية الرامة ضواحي الناصرة، ويعيش في حيفا، له ديوان نداء
الجرح 1970م.
- معين بسيسو: شاعر فلسطيني من مواليد غزة سنة
1930م.
من دواوينه: المعركة 1951م، فلسطين في القلب 1963م،
الأشجار تموت واقفة 1965م، القتلى والمقاتلون والسكارى
1970م.
- محمود دسوقي: شاعر فلسطيني، ولد في قرية الطيبة
الفلسطينية.
من دواوينه: مع الأحرار 1959م، "موكب الأحرار" الذي صودر
ومنع بيعه واعتقل الشاعر في إثرها حيث نظم قصيدة "السجن
والكفاح".
- توفيق زياد: شاعر فلسطيني، من مواليد كفركنّه،
إلا أنه انتقل إلى الناصرة وعاش فيها، مثقف ثقافة واسعة ،
تعرض للسجن والإقامة الجبرية كثيرًا، بدأ نظم الشعر مع
بداية النكبة عام 1948م.
من دواوينه: أشدّ على أياديكم (دون تاريخ)، ادفنوا أمواتكم
وانهضوا 1970م، تهليلة الموت والشهادة 1972م، أغنيات
الثورة والغضب (دون تاريخ).
- يوسف الخطيب: شاعر فلسطيني من مواليد قرية دورة
الخليل عام 1931م، نزح إلى الضفة أيام النكبة، وأتمّ
تعليمه في كلية (بير زيت) القريبة من رام الله.
من دواوينه: العيون الظماء للنور (دمشق 1955م)، عائدون
(بيروت 1959م)، واحة الجحيم (بيروت 1964م)، وله في النثر
مذبحة كفر قاسم (دمشق 1972م).
- عصام ترشحاني: شاعر فلسطيني من مواليد 1944م،
مقيم في سوريا، له دواوين كثيرة ، منها: قراءة في دفتر
الرعد 1975م.
- عمر خليل عمر: شاعر فلسطيني من مواليد سنة 1936م.
من دواوينه: لن أركع 1965م، أغاني للوطن 1998م.
- عبد الحليم أبو عليا: شاعر فلسطيني من مواليد سنة
1957م ليس له ديوان مطبوع.
- محمود البكر: محمود مفلح البكر، شاعر فلسطيني من
مواليد 1947م، من دواوينه أغنيات للأطفال 2000م.
- محمود حامد: محمود رضا حامد، شاعر فلسطيني من
مواليد سنة 1941م، له أربعة دواوين في آخرها "شهقة
الأرجوان" سنة 2000م.
- ماهر رجا: شاعر فلسطيني من مواليد درعا في سوريا
سنة 1961م، له أكثر من ديوان أولها "هواجس الفتى الغاني"
1991م.
انتهى المقال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|