الجماعة هم العيسويون
إن أصل كلمة الأسينيين هي يونانية معربة من كلمة إسينوس [essenos]
أو إسيوس [essaios]،
ومن المعلوم أن اللغة اليونانية غير قادرة على النطق
بالحروف الحلقية أو الحنجرية، كما أنها لا تميز الحروف
الصافرة في اللغات السامية، ومن هنا تعددت الاقتراحات في
ترجمة التسمية إلى العربية، حيث ترجمت بـ[الصامتون]،
و[الممارسون]، و[الأتقياء] و[الراؤون]، و[المتشيعون]،
وكانوا يصفون أنفسهم في النصوص التي اتخذت عنهم وعن نظامهم
بـ [الورعين]، و[القديسين]، و[الكاملين]().
وبملاحظة أنهم كانوا من اليهود ولم يكونوا من اليونانيين،
فإن تسميتهم اليونانية مأخوذة عن تسمية عبرية أو آرامية
بلا ريب، وعليه يبدو أن أصل كلمة إسيوس [essaios]
هو [العيسيون]، أي أتباع عيسى (عليه السلام) ، وذلك
بملاحظة أن حرف [العين] من الحروف الحلقية، وليس له رديف
في اللغة اليونانية أو غيرها من اللغات التي لا تنتسب إلى
السامية.
ويؤيد هذا الاقتراح أو الاستنتاج، هو أن الاسم عيسى هو
الاسم العربي، الذي ذكره القرآن الكريم للسيد المسيح (عليه
السلام) ، والعربية والعبرية ساميتان، متقاربتا الحروف
والاشتقاقات كما هو معلوم.
كما أن اسم [يسوع] هو الترجمة الحرفية للإسم [jessus]
في اللغات اللاتينية، ويقابله في اللغة العبرية اسم [يشوع]()،
وهو اسم لم يطلق على السيد المسيح (عليه السلام) أبدًا.
وبهذا تصبح الإشكالية التي أوردها موسى ديب الخوري حول
علاقة السيد المسيح (عليه السلام) بالأسينيين، واحتمال
كونه أسينيًا في البداية ثم انفصل عنهم()،
واضحة المعالم، إذ يكون حق التساؤل هو انتساب الأسينيين
للسيد المسيح (عليه السلام) وعلاقتهم به، وليس العكس.
يضاف إلى ما تقدم أن أعظم المعجزات التي جاء بها السيد
المسيحٍ، عبارة عن شفاء المرضى وإحياء الموتى، فقد [كان
يسوع يطوف المدن كلها والقرى يعلّم في مجامعها ويكرز
ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب]()،
وهي نفس المهمة التي أوكل بها تلاميذه، حين أرسلهم للوعظ
في مدن بني إسرائيل، فقد: [أوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا
تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا... اشفوا مرضى،
طهّروا برصًا، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين]()،
وهذا هو ما كان يقوم به أصحاب المخطوطات، كما هو ظاهر من
تسميتهم ومن سيرة حياتهم التي تحدث عنها الباحثون.
كما أن أصحاب المخطوطات يرون أنهم قد عرفوا أسرار الكتاب
المقدس، دون سواهم من بني إسرائيل، وأنهم قد أخذوها من
معلم الحق الذي أطلعهم عليها بدوره().
ونجد جذور هذه المسألة في كتابات العهد الجديد القانونية
أيضًا، فقد ورد أن تلاميذ السيد المسيح (عليه السلام)
سألوه عن سبب حديثه بأمثال مع اليهود، فقال لهم: [لأنه قد
أعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، وأما لأولئك فلم
يعطَ، فإن من له سيعطى ويزاد، وأما من ليس له فالذي عنده
سيؤخذ منه]().
إن كل ما تقدم يدل على أن الأسينيين هم العيسويون، أي
أتباع عيسى (عليه السلام) ، ويؤيد ذلك اختيارهم حياة
العزلة والابتعاد عن الناس والأضواء الكاشفة، بعدما حصل مع
السيد المسيح (عليه السلام) وسائر التلاميذ ما حصل،
واشتداد الخناق عليهم من اليهود واليونانيين على السواء.
سبب إخفاء المخطوطات
رغم أن علماء أهل الكتاب -من اليهود والنصارى على السواء-
الذين وضعوا أيديهم على هذه المخطوطات، لم يكشفوا النقاب
عنها جميعًا، رغم كثرة الضغوط والانتقادات الشديدة التي
وُجّهت إليهم، فقد اعترف الأب البولوني ميليك أنه وحده قد
حصل على 120 مخطوطة ولم يكشف عنها أبدًا. وقال بعض
الباحثين أن السبب في عدم نشر الكثير من المخطوطات يعود
إلى أنها تمس الإيمان().
وفي مقام تبرير عدم نشر المنحولات، وهي الأسفار التي لم
تعترف بها المؤسسة الدينية الرسمية اليهودية والمسيحية،
وهو سارٍ بحق مخطوطات قمران أيضا، يذكر بعضهم عدة أسباب:
منها: أنها لا تعبّر عن العقيدة الرسمية للكنيسة.
ومنها: أنها تظهر يسوع في غالب الأحيان وكأنه ساحر، صانع
معجزات وخوارق، ساعة يشاء، يتحدّى بها الناس، من حين
ولادته إلى حين وفاته.
ومنها: أنها تشكّل حجة للمسلمين في صحة ما يتهمون به
المسيحيين بأنهم حرّفوا التوراة والإنجيل، بما كتبوا من
روايات مختلقة، أضفوا عليها صفة الوحي بغير حق().
ومن الظاهر أنه لا يمكن قبول هذه المبررات، لا من الناحية
الدينية، ولا من الناحية الموضوعية العلمية.
أما من الناحية الدينية
فلأن الدين والبحث عن الخلاص في الآخرة، يقتضي أن تستند
الكنيسة في عقائدها، إلى النصوص التي يفترض أن تكون معاصرة
أو قريبة من الحدث، في أقل الفروض، إن لم تكن صادرة من
صاحب الدعوة نفسه، خصوصًا وأن الكنيسة الرسمية لا تملك
نصوصًا أصلية للتوراة، وما تستند إليه هي الترجمة
السبعينية لنصوص العهد القديم كما تقدم، ونصوص العهد
الجديد القانوني تستند في مجملها إلى هذه الترجمة، وهذا
يفقدها الكثير من المعطيات التي تدعو إلى قبولها، فضلاً عن
تصديقها وتقديسها.
هذا بالإضافة إلى تأخر الكتابات القانونية للعهد الجديد،
فترة طويلة عن عصر السيد المسيح (عليه السلام) ، قد تصل
إلى القرن الرابع الميلادي، كما رجّحناه في مقام آخر.
مع أن العقائد الرسمية للكنيسة ظلت قرونًا طويلة رهينة
القبول والرفض، ودارت حولها خلافات كثيرة ونقاشات وأخذ
ورد، حتى استقرت الكنيسة عليها عبر المؤتمرات والمجامع
المقدسة، كما صرحت به مختلف المصادر التاريخية، من كنسية
وغيرها.
فلا يصح -والحال هذه- أن تكون الكنيسة ميزانًا للقبول
والرفض، لافتقادها السند الكتابي الذي يدعم آراءها
ومعتقداتها.
وأما من الناحية الموضوعية العلمية
فلأن ما ورد من تبرير بإظهار السيد المسيح (عليه السلام)
مجرد ساحر يصنع المعجزات، منقوض بنصوص الأناجيل القانونية
نفسها، التي تركّز في مجملها على صنعه للمعجزات، كما في
إطعام الخمسة آلاف رجل -عدا النساء والأطفال- من سمكتين
وخمسة أرغفة، ثم بقاء اثنتي عشرة قفة بعد ذلك()،
ومسألة يباس التينة()،
وكذلك إحياء الموتى وشفاء المرضى، وإخراج الشياطين بلمسة
أو بكلمة، وغير ذلك من المعجزات، فإنها بنفسها تدل على نفس
ما ذكره المبرر كما هو ظاهر.
هذا، مع أنهم يزعمون أنه ذو طبيعة إلهية، بل هو الله نفسه
عند الأرثوذوكس، والله قادر على كل شيء، فإنه [عند الله كل
شيء مستطاع]()،
بل المؤمن أيضًا قادر على كل شيء بحسب الإنجيل، فإن [كل
شيء مستطاع للمؤمن]()،
فقد شفى مريضًا بعدما عجز تلاميذه عن ذلك، فسألوه عن سر
عجزهم فقال: [لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم لو كان لكم
إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل قم من هنا إلى
هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم]().
فهذا المبرر ساقط من أساسه.
وأما الاعتذار بأن نشرها يدعم حجة المسلمين، حول تحريف أهل
الكتاب كتابهم المقدس، فهو مع هجنته وغرابته في نفسه -إذ
إن الحقيقة هي المطلوبة في المسائل العلمية، فضلاً عن
الدينية، والتي يُبحث فيها لأجل خلاص النفس ونجاتها مع غض
النظر عما يقوله الآخرون- لا يمكن أن يبرر إخفاء الحقيقة،
التي يُفترض أننا نبحث عنها كما هو ظاهر، لما في ذلك من
ضياع لجهود الباحث عنها فضلاً عن مُدّعيها.
ويبدو أن هذا هو السبب الحقيقي الكامن وراء إخفائهم لها
وعدم اعترافهم بها، لأن إقرارهم بشرعيتها سيشكل أقوى حجة
للمسلمين على صحة الإسلام، كما ورد في التبرير المذكور،
لما تحويه هذه الأسفار من إشارات ودلائل تؤكّد المضمون
القرآني، سواء بما يتعلق بأنبياء بني إسرائيل أنفسهم أو
بالنسبة إلى نبي الإسلام الأعظم (صلى الله عليه وآله) ،
ودعوته وخاتميتها.
إن ما تقدم يشكل حجة ليس للمسلمين فقط، بل هو حجة لكل باحث
عن الحقيقة والخلاص، وهذا بنفسه يشكل إدانة للذين عملوا
على إخفائها ومنعها، لما في ذلك من إضلال للناس، ورمي لهم
في متاهات الضلال والضياع.
ومن الطريف أن يستفيد هذا المُبرّر من هذه الكتابات، ويرى
فيها مصدرًا من مصادر القرآن، التي استند إليها وأخذ بها
في بيان آياته ومعتقداته()،
في الوقت الذي يؤكد الباحثون الكتابيون أن أول ترجمة عربية
للكتاب المقدس قد تمّت في القرن الثامن الميلادي().
إن هذه الحقيقة إن دلت على شيء، فإنما تدل على صدقية
القرآن الكريم، في معلوماته التي أثارها وبيّنها، بعد وضوح
حقيقة عدم وجود هذه الأسفار بين أيدي الناس، نتيجة
لإخفائها عن مسرح الأحداث. ولو فرض بقاؤها ظاهرة فهي في
نصوصها العبرية، أو اللغات الأخرى غير العربية، ولا يمكن
فرض استفادة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) منها
وأخذه عنها، إذ من الظاهر أنه لم يختلف إلى معلم أصلاً،
فضلاً عن أن يتعلم لغات أهل الكتاب، فليس له طريق لمعرفتها
إلا الوحي الإلهي، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن ما ورد في القرآن الكريم نفسه، يدل على
صحة المعلومات الواردة في هذه الأسفار في الجملة، دون أن
يعني ذلك صحة كل ما فيها، لكونها مدوّنات كغيرها من
المدونات التي تشتمل على الغث والسمين، وهذا يعني أن
القرآن الكريم يشكل الميزان الأساس، في قبول المعلومات
الواردة فيها أو رفضها، كما هو الحال في المدوّنات
القانونية لأهل الكتاب، وبالتالي يعود السؤال المركزي من
جديد، عن الداعي إلى إخفاء هذه الأسفار، وعدم الإعتناء
بها، أو الإقرار بقانونيتها؟
إن مضامين هذه الأسفار تكشف بنفسها عن السبب الكامن وراء
إخفائها وإنكارها، وهو ما ينبغي تسليط الضوء عليه، ولو
بصورة سريعة ومجملة، بحسب ما يتسع له المجال، من خلال ما
تيسر منها بين أيدينا.
مسيح آخر الزمان
إن كلمة المسيح تعني (المخلِّص) بحسب مصطلح الكتاب المقدس،
وقد أخذت في الثقافة اليهودية معنى الملك الزماني، الذي
يحكم الأرض في آخر الزمان، ويقيم دولة العدل، ويخلصهم من
أعدائهم().
ولما جاء السيد المسيح (عليه السلام) ، ظنوا أنه هو
الموعود في آخر الزمان، فحاول بعضهم أن يخطفوه ليجعلوه
ملكًا عليهم()،
بعدما رأوا ما اجترحه من معجزات، ولكن ثائرتهم ثارت عليه
بعدما بيّن لهم أنه مجرد رسول مبشر بمسيح آخر الزمان،
وعملوا على قتله، خوفًا من انقلاب الناس ضد المؤسسة
الدينية اليهودية.
ولم يتقبل المسيحيون -تبعًا لمدرسة بولس- هذه البشارة
والنبوءة، فعملوا على ليّ أعناق النصوص المقدسة، بما فيها
كلمات السيد المسيح (عليه السلام) نفسه، فأخذوا يفسرونها
تفسيرات رمزية، لا ترتبط بمداليل الألفاظ، فأمسكت المؤسسة
الدينية بمفاصل ودلالات هذه النصوص، واحتكروا فهمها
وتفسيرها، وحظروا على الناس التعامل معها بمعزل عن الكهنة،
في مسعى حثيث وجاد، منذ ما بعد عيسى (عليه السلام)
مباشرة، ولهذا أقصي الحواريون عن مسرح الأحداث بالمرة.
إن من المتسالم عليه بين يهود ذلك الزمان، أن الحكومة
الزمنية ينبغي أن تكون بيد نسل داوُد (عليه السلام) ، وهو
ما دفع المسيحيين إلى افتعال نسب بين السيد المسيح (عليه
السلام) وبين داوُد (عليه السلام) ، دون أن يوفّقوا في
ذلك، فقد أدّت هذه الدعوى إلى الكثير من التناقضات
والارتباك في ترتيب المنظومة الدينية، وإثبات حقانيتها
كدين متماسك وسليم، كما فشلت فشلاً ذريعًا في بيان أن
السيد المسيح (عليه السلام) هو مسيح آخر الزمان، وقد
صرّح كاتب الإنجيل الرابع أنه كتب سفره لاثبات أن يسوع هو
المسيح().
وقد أثبتنا في كتاب [المسيح في الإنجيل] أن نسب السيد
المسيح (عليه السلام) هو هاروني -بحسب الأناجيل الأربعة-
وليس داوُديًا، وهذا ما يفقده خصوصية الحكم في آخر الزمان،
بحسب القانون الكتابي المعمول به عندهم.
وقد أثبتت الاكتشافات الجديدة -أي مخطوطات قمران- هذه
الحقيقة، إذ لم يرد أي ذكر لنسل داوُد وملكه، ولا المسيح
الداوُدي في هذه المخطوطات()،
بل هي صريحة في أن المسيح هاروني النسب في مخطوط دمشق().
المسيح الهاروني
إن ما تقدم يدفعنا إلى التساؤل أنه إذا كان مسيح آخر
الزمان هارونيًا، فهو مخالف لما توافق عليه علماء أهل
الكتاب من أن المسيح الحاكم، لا بد وأن يكون من نسل داود
(عليه السلام) ، فلا يمكن الوصول إلى حل لهذه المعضلة.
إلا أن هذا التساؤل يرتفع بمجرد الالتفات إلى خصوصيات
الدعوة الأخيرة، لأن مقتضى العهد القديم أن نسل داود
(عليه السلام) يتولى الحكم فترةً محدّدة من الزمن،
حدّدها العهد القديم بمجيء [شيلون]، فيقول: [لا يزول قضيب
من يهوذا أو مشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون
خضوع شعوب]()،
وفي نسخة أخرى [وإياه تنتظر الأمم].
وهو ما لا ينطبق على السيد المسيح (عليه السلام) ، لأن
الأمم لم تكن تنتظر مخلّصًا في زمانه، بل الذين كانوا
ينتظرون هم اليهود في الخصوص، نتيجة الذل والعبودية التي
كانوا يرزحون تحتها، فافترضوا أنه سيخلصهم من الأمم، وهو
ما لم يتحقق أيضًا، لأن السيد المسيح (عليه السلام) -وإن
كان من نسل يهوذا كما يزعمون- لم يدعُ إلى حكم الأرض، ولا
عمل على تغيير الواقع السياسي آنئذ..
فحاكمية نسل يهوذا إذن محددة وليست مطلقة، وهنا تبرز
مفارقة أخرى، وهي أن السيد المسيح (عليه السلام) من نسل
هارون (عليه السلام) بواسطة أمه السيدة العذراء، وليس من
نسل يهوذا كما أثبتناه في كتاب [المسيح في الإنجيل]، كما
أن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
ينتسب إلى هارون (عليه السلام) بواسطة أمه السيدة نرجس().
فإذا تبين أن السيد المسيح (عليه السلام) لم يكن هو
المسيح الموعود، نظرًا لإصراره الشديد على أنه مجرد مبشّر
بالملكوت وشاهد له، كما بيّنه في مختلف مراحل دعوته،
وأنهاها بمقولته التي لا تقبل التأويل [مملكتي ليست من هذا
العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون
لكي لا أسلم إلى اليهود]()،
تبين أن المراد هو مسيح هاروني آخر يأتي في آخر الزمان، لا
يعمل بشريعة التوراة، كما بيّنه السيد المسيح (عليه
السلام) نفسه، حيث قال لليهود: [لذلك أقول لكم أن ملكوت
الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره]().
وبهذا تتم نبوءة سفر التكوين بنهاية ملك يهوذا ومجيء شيلون،
وتنتقل الحاكمية الأرضية بأمر الله تعالى، بواسطة المسيح
الهاروني في آخر الزمان وهو الإمام المهدي المنتظر (عجل
الله فرجه) .
ومما يؤكد هذه الحقيقة، أنه ورد في دستور جماعة المخطوطات،
أنهم قد بدأوا بالتمهيد لمجيء المخلص في مستقبل الأيام، مع
أنهم معاصرون للسيد المسيح (عليه السلام) ومن أتباعه كما
تقدم، وهذا يعني أنهم مخالفون في فهمهم لحقيقة المسيح
الموعود في آخر الزمان لما يقول به المسيحيون، يقول أحد
النصوص: [وإنهم عن مبدأ الشريعة لا يحيدون ليمضوا في عناد
قلبهم كله. وستحكمهم الأنظمة الأساسية التي بدأ بها
أعضاءالجماعة بالتعلم، حتى مجيء النبي ومسيح هارون
وإسرائيل]().
ومسيح هارون هو مسيح إسرائيل في نص آخر، وهو تابع للكاهن
[أي مسيح آخر الزمان]، بحيث لا يحق لمسيح إسرائيل أن يمد
يده لتناول الطعام بمحضر الكاهن، إلا بعد أن يبادر الكاهن
لذلك، ويتبعه مسيح إسرائيل ثم باقي الجماعة().
كما أن المسيح المخلص مولود من أب وأم()،
وهو ما لا يصدق على السيد المسيح (عليه السلام) كما هو
ظاهر، وله غيبة عن أنظار أبناء الإنسان وعندما يظهر تظهر
معه شريعة الحق().
وهذه المعاني نجدها مبثوثة في النصوص الإسلامية، من صلاة
السيد المسيح (عليه السلام) خلفه، وأنه يأتي بدين جديد،
مغاير في الكثير من حقائقه لما يتداوله الناس، وموافق
لشريعة الحق التي صدع بها النبي الأعظم (صلى الله عليه
وآله) ، ومفسرًا لها كما أرادها جده المصطفى (صلى الله
عليه وآله) ، وغير ذلك من المضامين، قبل ظهور هذه
المخطوطات بأربعة عشر قرنًا من الزمان.
وكثيرة هي النصوص التي تتحدث عن ملك المسيح الأرضي في آخر
الزمان، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أن المراد منه
الإمام المهدي (عجل الله فرجه) . ولا تنطبق بأي حال على
السيد المسيح (عليه السلام) ، ففي سفر أخنوخ: [فسألت
الملاك الذي كان يرافقني: ما هذه الجبال التي رأيتها بشكل
غامض؟ فأجابني: ما رأيته كله سيخدم سلطة مسيحه، لكي يقوم
ويمارس السلطة على الأرض]().
يتبع =
|